نعم هناك أم تكره ابنها، وهناك ابن يكره أمه، ولكن لابد من الخوض في هذه الظاهرة وتداعياتها التي يرجعها الطب النفسي إلى موقف أو حدث يظل حاجزا بين أقرب طرفين في الوجود في بادئ الأمر، ثم يتحول الأمر بتلاشي أي مساحة من الاحترام، ومنها يتراجع الحب بالرغم وجود تلك الغريزة الإلهية والمزروعة في وجدان الطرفين..
والغريب أن مثل هذه الظاهرة تبرز بشكل كبير في أوساط المجتمعات الراقية أكثر من المناطق الشعبية، حيث يلعب المال والسلطة دورا مهما في كسر الحواجز وبروز المشكلات في أوساطهم نتيجة تدليلهم للطفل؛ مما يجعله ينشأ أنانيا؛ حيث يمنحوه كل شيء ويصبح بعدها لا يعرف إلا نفسه ولا يرضى أن يكون للآخرين أي شيء أو حتى بعضه، وبعدها يعجز الأبوان، خاصة الأم عن السيطرة على مطالبه أو تصرفاته، وبالضغط عليه تبدأ معركة يمكن أن يستعمل فيها كل شيء.
والدي حنون وأمي لا تهتم إلا بالنوادي وبسيارتها الفارهة.. فلم تسألنا يوما عن دروسنا وكانت تكرهنا بسبب خلافاتها مع والدنا وارتباطنا الشديد به، وأذكر أن والدي جاء ذات ليلة وكنت وقتها في الثالثة عشرة من عمري ونشب خلاف بينهما وسمعتها تقول له «أولادك لو كنت تريدهم خذهم هم مصيبتي في الدنيا؛ لأنهم ربطوني بك أنا لا أريدهم»..
وقال إنه يكرهني؛ لأن والده كان يعطيه كل شيء وأنا لا أعطيه أي شيء، وأول مرة ضربني لم أرد عليه، نظرت إليه طويلا وهو يشتمني ودخلت غرفتي، ولكنه كررها في اليوم الثاني عندما طلب مبلغا ليس منطقيا، لم أسكت رددت عليه وبدأ في تكسير الأواني وكل ما يقع تحت يديه حتى تدخل الجيران.
خيانة الأم أمام ابنها تعني الكثير الذي يخصم من رصيد حبه لها؛ ليصبح تهديدا واحتقارا، فهذا الذي كان يعتز بنفسه أمام أقرانه وليس هناك ما يخجل منه، أصبح أمامهم الآن حقيرا منبوذا ويمكن أن يتحدثوا يوما عن نسبه لأبيه، وهنا تصبح الكراهية المتبادلة شيئا تلقائيا، وقد تتطور بتخلص أحدهما من الآخر في أول فرصة مناسبة، فلكل منهما مبرراته؛ فهو من الصعب أن يغفر لوالدته خيانتها وفضيحتها، وهي لا يمكن أن تنسى تلك اللحظة التي كشفها فيها ابنها الذي كانت تعطيه المصروف ويخاف منها ويحترمها وتمنعه وتنهره لتصبح هي التي تخشاه بعد أن صار يضربها ويحتقرها، فمن هنا تتولد الكراهية بين الطرفين وتأتي التداعيات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق