الثلاثاء، 23 مارس 2021

كيف تنجو من الحصار الذي تفرضه عليك وسائل الإعلام؟

 عقولنا لا تشعر بالشبع إلا بقراءة كتاب مثلا، مُؤكِّدا أن الأخبار تشبه الفقاعات التي تعلو سطح عالم أعمق، وأن لهاثنا وراء عناوين خبرية متفرقة يحرمنا من رؤية الصورة الحقيقية الكاملة.

 طلب دوبلي من كل شخص التفكير في خبر واحد بين نحو عشرة آلاف قصة خبرية قرأها كل فرد منا -في المتوسط- في العام الماضي أحدث فرقا في قرار كان عليه اتخاذه، وجزم أن هذا لم يحدث، بدليل أن الصحفيين، وهم الأكثر متابعة للأخبار، لم يحصِّلوا نجاحا اقتصاديا أعلى على سبيل المثال، ولم يصبحوا في قمة الهرم، ولهذا أكَّد أن الحل هو الانعزال تماما عن الأخبار، فهل يمكننا فعلا التوقف عن متابعة الأخبار تماما؟

إذا كنت من أولئك الأشخاص الذين يشعرون بالتعاطف سريعا مع كل ما يحيط بهم فربما راودك هذا الخاطر، أن تنعزل تماما، فكل صفحة أخبار تمر عليها وكل خبر تقرؤه يُحدِث ضررا بك، ووفقا لريموند مار طبيب علم النفس بجامعة نيويورك فإن قراءة قصة خيالية تُحدِث تأثيرا مماثلا لمعايشتها فعليا فيما يتعلق بنشاط الدماغ، وهذا هو السبب في أننا نعاني الإجهاد من مجرد متابعة الأخبار فقط 

اندهش الباحثون من التأثير الذي تُحدثه متابعة الأخبار، وكيف تتسلل إلى عقلنا الباطن لتتدخلَ في حياتنا؛ وتؤثر في تقديرنا للمخاطر، وتُشكِّل وجهات نظرنا عن الشعوب والدول، وتؤثر على اقتصادات بأكملها من خلال توجيه ما نتخذه من قرارات. أما على مستوى الصحة، تزيد الأخبار من خطر الإصابة بأعراض ما بعد الصدمة والقلق والاكتئاب، ويمتد تأثيرها إلى صحتنا الجسدية، فتزيد احتمالات الإصابة بالنوبات القلبية والمشكلات الصحية المزمنة حتى بعد سنوات 

كما نعرف جميعا، التفكير يتطلَّب التركيز، والتركيز يتطلَّب وقتا غير متقطع، وقد صُمِّمت المقالات الإخبارية خصيصا لمقاطعتك: إنها تسرق انتباهك، والأسوأ أنها تؤثر في الذاكرة، وهي تُثير الجهاز النطاقي (الجهاز الحوفي) المسؤول عن الوظائف الانفعالية في جسم الإنسان، فيبقى مُتحفِّزا ليمدك بشلالات من الكورتيزول ويمنع إفراز هرمون النمو، مُبقيا جسمك في حالة من التوتر المستمر من شأنها أن تؤدي إلى العصبية وضعف الهضم والقابلية للإصابة بالعدوى إلى جانب مضاعفات أخرى مثل الخوف أو العدوانية 

الأخبار تُعطِّل التركيز وتُضعِف الفهم، ففي دراسة أُجريت عام 2001، أظهر باحثان كنديان أن الفهم ينخفض ​​مع زيادة عدد الروابط التشعبية في النص، ففي كل مرة يصادفك رابط يكون على عقلك اتخاذ قرار -على الأقل- بعدم النقر، وهذا ما يُشتِّت الانتباه.

نحن نعلم اليوم حقيقة أن الروابط بين الخلايا العصبية في دماغنا تتجدَّد باستمرار، تتكوَّن طوال الوقت روابط وتنتهي أخرى حين لا نستخدمها. واليوم، يستخدم معظمنا الخلايا العصبية المخصصة للقراءة السريعة وتعدُّد المهام مع تجاهل تلك المستخدمة في القراءة بعمق والتفكير بتركيز، لذا فإن معظم مستهلكي الأخبار فقدوا القدرة على استيعاب المقالات أو الكتب الطويلة، فبعد أربع أو خمس صفحات، يبدأ الشعور بالتعب ويقل التركيز ويظهر القلق، ليس بسبب الانشغال أو تقدُّم السن، ولكن فقط لأن تركيب أدمغتهم قد تغيَّر 

"التحيز السلبي"، وهو توجُّه نفسي مشهور يُشير إلى أننا نولي اهتماما كبيرا لأسوأ ما يحدث حولنا، وهو أمر طوَّرناه ليحمينا من الخطر، ويُفسِّر سبب ظهور عيوب الأشخاص أكثر من مزاياهم في الغالب، كما يُفسِّر أيضا لماذا تؤثر الخسائر علينا بشكل أكبر من المكاسب، ولماذا يُحفِّزنا الخوف أكثر مما تُحفِّزنا الفرص مثلا 

إن ما يجذب انتباهنا في الحقيقة هو ما يُشعرنا بالخطر، والأخبار صُمِّمت لكي تجذب انتباهنا، ولهذا فهي تُركِّز على الأخطار التي تحدق بنا، ونتيجة لذلك، فإنك تقرأ في العناوين دوما عن إساءة معاملة الأطفال والعنف المنزلي والإرهاب وتغير المناخ والظلم وانتهاكات حقوق الإنسان، فيصيبنا شعور -مهما كانت وجهة نظرك السياسية- بأن العالم ينهار، والمستقبل مخيف.

الانغماس في معاناة سبعة مليارات من الغرباء ليس جيدا، خاصة لصحتنا العقلية، واليوم بعد أشهر من العناوين الرئيسية المتواصلة عن فيروس كورونا، هناك توقعات بأزمة وشيكة من القلق بسبب الوباء، وقد أبلغت الجمعيات الخيرية للصحة العقلية في جميع أنحاء العالم بالفعل عن معدلات غير مسبوقة من الطلب على خدماتها، وهناك العديد من الناس باتوا يحصلون على "إجازات" من وسائل التواصل الاجتماعي في محاولة لخفض معدل تعرضهم للأخبار

 تُحدِّد تأثير متابعة الأخبار عليك، فهي لا تؤثر فينا جميعا بالطريقة نفسها، أحيانا تتسبَّب في شعورنا فقط ببعض القلق، ويمتد تأثيرها أحيانا ليقتل الإبداع داخلنا، لذا ينصح ديفي بالانتباه إلى الطريقة التي تُغيِّر بها الأخبار مزاجك، أو تجعل أفكارك أكثر سلبية، ويرى أن أفضل طريقة للمعرفة هي متابعة ما يحدث لك بعد متابعة الأخبار.

متابعة الأخبار قبل النوم بأي ثمن؛ إن ضررها يصبح مضاعفا، فأنت تُحفِّز عقلك في الليل، ومن المحتمل ألا تحصل على الراحة التامة وأن تجعل نفسك عُرضة للاضطرابات


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق