الأربعاء، 6 فبراير 2019

فلسفة الاخضاع

ترويـض الشـعوب
وتخليصهـا مـن العنفـوان الـذي كان يميزهـا، وتحويلهـا إلى مجموعـات مـن القطعـان والطوائـف والملـل والمذاهـب والأعـراق

محصلــة مرعبــة في الواقــع العربــي، حيــث تجلــت في المســتويات المفزعــة
لمعــدلات الفقــر والأميــة والتخلــف الحضــاري، وانتشــار الجهــل وشــيوع القهــر والاســتبداد


بدايــة يعمــد النظــام إلى استكشــاف وتحديــد
مكامــن القــوة والضعــف لــدى الشــعب،
مــن خــلال أجهزتــه الأمنيــة وعيونــه المنتشــرة
في كل ركــن. ويتــم التعــرف وحصــر أســماء
المثقفــين والمفكريــن والعلمــاء الذيــن يتبنــون
مشــروعا ديمقراطيــا تنويريــا، وتحديــد القــوى
والشـخصيات التـي تسـعى أو تفكـر في التغيـر،
وكذلك تحديد أي شخص يحمل فكرا مخالفا
أو ناقــدا. ثــم يقــوم النظــام بالقضــاء عــى
مصــادر قــوة الشــعب، أو إضعافهــا إن تعــذر
القضـاء عليهـا لسـبب أو لآخـر. يعمـل عـى شـل
فاعليــة الأحــزاب والحــركات والأفــراد، ويلاحــق
المعارضــين، ويقــوم بفتــح الســجون بتهــم أو
بــدون تهــم، عــر تشــويه الخطــاب النقــدي
لبعــض المفكريــن والعلمــاء، حتــى تشــويه
ســمعتهم الشــخصية، 

الإقصــاء التــام لكافــة الأصــوات المخالفــة. يعمــد
إلى فــرض رقابــة صارمــة عــى حــركات النــاس
وأفعالهـا وأقوالهـا، حتـى وأنفاسـها، يعمـل مـا
يســتطيع لفــرض رقابتــه ووصايتــه عــى مصــادر
العلــم والمعرفــة والمعلومــات، ويحجــب مواقــع
في الشــبكة العنكبوتيــة يعترهــا خطــرة عــى
نظامــه.
ثــم يســعى الحاكــم ونظامــه إلى إغــراق الشــعب
بــكل مــا يلهيــه عــن مطالبــه الرئيســية، وكل مــا
يشــتت تركيــز النــاس ويمنعهــم مــن التفكــر
بواقعهــم، ليصبــح تأمــين القــوت اليومــي
الشــاغل الأســاسي للنــاس. فيتحــول الوطــن إلى
مناسـبات لا تنتهـي، ومهرجانـات فنيـة وأدبيـة،
وأيـام وطنيـة، وكرنفـالات رياضيـة، ومسـابقات
يشــارك بهــا البشــر وتنظمهــا وســائل الإعــلام
بجوائــز ماليــة مغريــة. ويقــوم الحاكــم بمنــح
الامتيـازات للجهلـة والسـفهاء الذيـن يتصـدرون
،
المشــهد الإعلامــي سياســياً وثقافيــاً واجتماعيــاً
وعـى الأصعـدة الأخـرى المتعـددة، بينمـا صـوت
المثقفــين والعلمــاء يتــم طمســه أو اعتقالــه

تعمـد الأنظمـة إلى ضـرب منظومـة القيـم والمثـل
لــدى المواطــن، مــن خــلال جعــل الحيــاة ضنكــة
وغــر ميســرة، ممــا يجعــل معهــا الإنســان لا
يعــود يهتــم بالقيــم، وتصــاب روحــه المعنويــة
بمقتــل، إذ يصبــح عاجــزا وانهزاميــاً وتريريــاً
يؤمــن أن مصابــه هــو مصــاب الجميــع، وهــذا
تمامــاً مــا تبتغــي الأنظمــة تحقيقــه.
لا يكتفــي الحاكــم ممــا ســبق، بــل يعمــل عــى
تشـكيل معارضـة مفركـة، حتـى يظهـر الجانـب
الديمقراطــي مــن نظامــه الاســتبدادي. يعتمــد
سياسـة شـراء الذمـم بالأمـوال أو المناصـب،
لتتشــكل بطانــة للنظــام تســبح بحمــده، وتمــلأ
الفراغ الذي أحدثه الغياب القسـري للمثقفين
والمفكريــن الحقيقيــين، فيلتــف حــول الســلطان
ّ بعــض رجــال الديــن المدعــين، والمثقفــين
الســطحيين، والجهلــة والمنافقــين

وأصبحــت النــاس توجــه اللــوم لبعضهــا
البعض، بدلاً من توجيه اللوم والنقد للجاني،
وتســتعين بمبــدأ أن عــى المواطــن عــدم توريــط
نفســه بالسياســة مــا دام يعلــم مقــدار القســوة
التــي ســيبديها النظــام. والمفــزع أن هــذا الوضــع
السـلوكي لبعـض الشـعوب العربيـة يتـم توريثـه
للأجيـال اللاحقـة، بحيـث يتحـول الشـعب كلـه
نســخة واحــدة مــن الأصــل

رجــال
الديــن يكمــل دور النظــام في ترويــض البشــر
وإخضاعهــم، عــر الخطــب في المســاجد، أو مــن
خلال الندوات والدروس الدينية التي تبث عر
شاشــة التلفــاز، حيــث يتــم تحذيــر النــاس مــن
الضلالــة والعقــاب الشــديد في الدنيــا والآخــرة،
وحرمة عدم إطاعة الحاكم والوالي، والخروج
مــن الجماعــة التــي ترعــب عامــة النــاس.
والمؤلــم حقــاً في هــذا الســياق هــو مــا تقــوم بــه
الســلطتان السياســية والدينيــة في تعميــق
الشـعور بالذنـب لـدى المواطـن العربـي، فيصبـح
الإحسـاس بالخطيئـة والإثـم يرافقـان الإنسـان،
بحيــث لا يجــرؤ عــى مجــرد التفكــر بمــا يفعلــه
الحاكــم، أو بالشــك بنزاهــة النظــام، فيقــوم
المواطــن عــى معاقبــة نفســه، حتــى عــى أشــياء
لــم يفعلهــا، بــل لمجــرد الشــك بهــا.
ومــا لــم تنهــض الشــعوب العربيــة وتقــوم
بتحطيــم نظريــة الارتبــاط الشــرطي لهــدم جــدار
الفــزع، والانطــلاق تجــاه بنــاء دولــة القانــون
والمؤسســات، فــإن الحــكام ســيظلون يقرعــون
الجــرس لنــا دون تقديــم الطعــام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق