أثار صمت القاهرة إزاء التقرير الأميركي الذي يتّهم وليّ العهد السعودي بإعطاء الضوء الأخضر لاغتيال جمال خاشقجي غضبة محمد بن سلمان، الذي قرّر الردّ على عبد الفتاح السيسي عبر تذكيره بأن المملكة دعمت وصوله غير الشرعي إلى السلطة.
مواقف ابن سلمان التي يرى السيسي أنها تضرّ بدول الجوار، وآخرها سعيه إلى إلزام الشركات بنقل مقرّاتها الإقليمية إلى المملكة، وهو ما سيتسبّب في خسائر اقتصادية فادحة، ليس لمصر وحسب، بل للإمارات أيضاً. وعلى رغم أن السيسي كتب تدوينة يهنّئ فيها وليّ العهد السعودي على تعافيه من الجراحة التي خضع لها أخيراً، لكن هذه «اللفتة» لا تعدو كونها رسالة روتينية، لا تعكس حقيقة التوتُّر المتصاعد بين الرجلَين، ولا سيّما في ظلّ التنافس بينهما على المكانة الإقليمية لبلديهما. وبخلاف المشكلات التي كان يجري احتواؤها بهدوء في السابق، اختار النظام السعودي أن يصعّد هذه المرّة عبر التشكيك في شرعيّة حُكم السيسي
السماح بوصول «الإخوان» إلى الحكم كان يهدف إلى حرقهم وإفساح المجال مجدّداً أمام عودة الجيش إلى السلطة. واعتبر القطان أن الفائز في الانتخابات هو الفريق أحمد شفيق، آخر رئيس وزراء في عهد حسني مبارك، والمقيم في مصر في الوقت الحالي تحت الإقامة الجبرية، بعدما رُحِّل من أبو ظبي إلى القاهرة، ومُنع من الترشُّح للرئاسة. وفي حديثه التلفزيوني عن انتخابات عام 2012، قال القطان إن السفيرة الأميركية في القاهرة هي التي ضغطت لإعلان فوز محمد مرسي، مؤكّداً ثقته بأن الجيش لم يكن ليسمح لهذا الأخير بالاستمرار في الحكم لأكثر من عام، بما يعني أن ما حدث في 30 حزيران/ يونيو 2013 من حراك في الشارع لم يكن سوى جزء من مشهد انقلاب سبق أن دعمته بلاده، وأوصل السيسي إلى السلطة. وما إشارة القطّان إلى هذه التفاصيل سوى تذكير من السعودية للسيسي بأن وصوله إلى الرئاسة، بعدما كان وزيراً للدفاع، جاء بمباركة المملكة ودعمها، وبالتالي فهي تتوقّع أن يكون هناك ردّ للجميل، حتى مع تغيُّر القيادة السعودية في عام 2015.
أحمد شفيق هو الفائز بالانتخابات الرئاسية المصرية عام 2012 أمام محمد مرسي مرشح جماعة الإخوان المسلمين آنذاك.
"كيف أُعلن أن محمد مرسي هو من فاز؟". ورد قطان: "ما أقوله هو القصة التي حدثت بسبب تدخلات".
وأضاف قطان إنه قال في تقرير آنذاك لوزير الخارجية السعودي الراحل الأمير سعود الفيصل: "الحمد لله إن محمد مرسي هو الذي فاز لأن مصر كانت ستحترق. لماذا؟ لأن الإخوان المسلمين سيطروا على الشارع المصري وركبوا الموجة، أصبحوا مسيطرين على كل كبيرة وصغيرة، فحمدت الله إن هو الذي فاز، وأيضا أن أعمالهم ستنفضح في خلال هذه السنة، توقعاتي كانت أن هؤلاء لن يحكموا مصر".
كرر قطان مجددا حديثه عن فوز شفيق، وقال: "لكن حتى لا يطول الحديث في هذا الأمر، الفريق أحمد شفيق هو الذي فاز بالانتخابات، أنا أُبلغت رسميا بهذا الشيء"
وأضاف: "السفيرة الأمريكية كان لها دور وضغط على... كانوا يبغون مخطط الولايات المتحدة الأمريكية في ذلك الوقت".
*
تدمير مؤسسات الدولة السعودية القديمة: العائلة المالكة، المؤسّسة الدينية، التحالف القبلي، الاقتصاد الريعي والقديم. وبدلاً من ذلك، أقام دولة جديدة يقودها محمد بن سلمان، هو ومجموعة من معاونيه بدعم خارجي، وعلى أساس ليبرالية اجتماعية وبطش سياسي وأمني في الداخل. في النتائج، تآكلت القوى الداعمة للنظام، ما يجعل المصادمة معها محتملاً، وقد شهدنا بعض آياتها في اعتقال الأمراء والوزراء والتجار والناشطين. معركة النظام السعودي كانت لعقود طويلة مع الأطراف التي احتلّها بقوة السلاح، وفرض الإلحاق القسري عليها في الكيان السلطاني السعودي، في وقت فشلت فيه كلّ محاولات الاندماج الوطني لافتقارها إلى الأسس الوطنية المسؤولة عن الانتقال من الإمارة إلى الدولة الوطنية. أمّا اليوم، فما تشهده المملكة هو انتقال الصراع من المركز ــــ الأطراف إلى المركز ــــ المركز، وهنا تكمن الزعزعة العنيفة المحتملة وخطر التبعثر الكياني الذي يحدق بالدولة.
فخصوم النظام الآن هم أكثر بأضعاف من حلفائه. كان رهان ابن سلمان على الرعاية الأميركية الكاملة، في سياق التعويض عن كلّ الخسائر التي تسبّب بها في الداخل: تدمير العائلة المالكة، والمؤسّسة الدينية، والقبائل، والتجّار. تلك الرعاية، بختم دونالد ترامب حصرياً، تبخّرت، وبات أمام مشهد بالغ التعقيد مع وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض. صحيح أن إطاحة ابن سلمان احتمال مستبعد، بل غير وارد على الإطلاق، ولكن هذا لا يعني أن العلاقة بين واشنطن والرياض سوف تعود كما كانت. السيناريو الواقعي أميركياً أن إدارة بايدن لن تتحرّك ما لم يبدأ المتضرّرون في الداخل (أمراء، تجّار، إصلاحيون، مجموعات مدنية، ناشطون حقوقيون... إلخ) بالتحرُّك والضغط من أجل المطالبة بالتغيير. حينئذ، تجد هذه الإدارة لنفسها مبرّراً للضغط، لأن المصلحة الأميركية تستوجب ذلك. لا بدّ من الإشارة، هنا، إلى أن كلام المتحدّثة باسم البيت الأبيض حول استثناء قادة الدول من العقاب متهافت؛ فماذا عن الزعيم الكوبي، والرئيس الإيراني، والرئيس الفنزويلي، والرئيس السوري، والرئيس الكوري الشمالي... إلخ؟!
مهما يكن، فإن الرعاية الأميركية المأمولة لابن سلمان لن تتحقّق، وقد يستغلّ خصومه ذلك للتحرُّك داخلياً ودولياً لإطاحته، وهذا هو الوقت المناسب. وقد يكون البديل من إطاحته مباشرة باليد الأميركية، هو توفير ظروف داخلية ضاغطة تفضي إلى إضعاف عوامل بقائه في السلطة. النقطة الجوهرية هي أن أخطاء ابن سلمان بلغت من الفداحة والوضوح ما جعل إمكانية إعادة تفسيرها وتجاوزها مهمّة مستحيلة، وقد جرّب الطرفان السعودي والأميركي ذلك، وباءت محاولاتهما بالفشل. ومع فرضية نجاح ابن سلمان في تجاوُز تحدّيات الداخل والخارج، ومواصَلة تنفيذ مخطّط احتكار السلطة، فإن السيناريو الراجح أن الخصومة على السلطة في المستقبل سوف تحتدم داخل بيت سلمان.
1- إفقار الشعب: على الضدّ من وعود «رؤية السعودية 2030»، فإن الواقع الاقتصادي في المملكة يخضع لتأثيرات تحدّيات جدّية تقترب من حافة الاستعصاء الاقتصادي. يُعنَى بذلك افتقار السياسات الاقتصادية الراهنة إلى حلول لمشكلات تولّدت من مرحلة الانتقال من الدولة الريعية القائمة على أساس الاعتماد بشكل رئيسي على النفط وإعادة توزيع الدخل، إلى دولة الجباية التي جعلت من التحصيل الضريبي مصدراً رئيسياً للدخل تجاوَز في الفصل الثالث من العام 2020 الدخل من النفط نفسه. وعلى خلاف ما يشيعه الإعلام الرسمي، فإن نسبة البطالة تجاوزت المعدّلات القياسية، وبات لدينا، بحسب وسم على «تويتر»، «تجمُّع العاطلين السعوديين». إن نسبة 15.4 في المئة لا تتطابق مع معطيات «الهيئة العامة للإحصاء»، والتي تتجاوز معدّلات البطالة بين الذكور بحسبها نسبة 30 في المئة، فيما تصل بين الإناث إلى أكثر من 70 في المئة، في بلد يمثّل العمّال الوافدون تسعة ملايين عامل من أصل اثني عشر ألف عامل فيه. ترك التحوُّل الاقتصادي، على قاعدة تنويع مصادر الدخل، تأثيرات مباشرة على حياة الأفراد، وصار كثيرون يلجأون إلى مهن شعبية غير مألوفة مثل «البسطات» في الشوارع الرئيسية، والقبول بوظائف متدنّية وبأجور منخفضة لا تتطابق مع تخصّصاتهم وتحصيلهم الأكاديمي. وقد تحوّلت ذلك إلى ظاهرة عامة في مدن المملكة. وضاعفت الحزمة الضريبية القاسية جداً، الضغوط المعيشية على الأفراد، وتعالت نداءات المواطنين على مواقع التواصل الاجتماعي بعبارات «الضرائب هلكتنا» وأضرابها. وكان قرار زيادة ضريبة القيمة المضافة من 5 في المئة إلى 15 في المئة، في أيلول/ سبتمبر 2020، بمنزلة ضربة على الرأس، بات معها المواطن في مواجهة موجة أسعار عالية تطاول المواد الأساسية مثل الغذاء والدواء والوقود وتذاكر السفر وغيرها. لم تمرّ هذه التغييرات من دون آثار اجتماعية خطيرة؛ إذ تفشّت ظواهر سرقة المصارف ومحطّات البنزين والمراكز التجارية، والتحايل، وغيرها. وبالنتيجة، كانت عملية الإفقار الممنهجة هي السبيل الوحيد لمشاغلة المواطن عن السلطة وشؤونها، وجعل اللهاث وراء تدبير الأمور المعيشية المهمة اليومية التي يضطلع بها غالبية المواطنين.
لا شيء يشغل بال ابن سلمان سوى العرش، وكلّ ما عداه تفاصيل
2ـ سحب مصادر القوة، سواء من الأمراء أو التجّار
3- تغوُّل الأجهزة الأمنية، ولا سيما جهاز رئاسة أمن الدولة، إذ تحوّلت السعودية في عهد سلمان إلى دولة بوليسية بامتياز. ويأتي اعتماد سياسة الترهيب كوسيلة لبسط السيطرة، في سياق محاولة التعويض عن تآكل شرعية النظام وشعبيّته. ولأوّل مرة في تاريخ المملكة، يأخذ القمع طابعاً جماعياً، فما فشِل النظام فيه على مستوى بناء وطن للمواطنين، تكفّلت السجون به، وباتت هي الحاضنة لوطن يولد من خلف القضبان. وبحسب التقديرات غير الرسمية، هناك ما لا يقلّ عن عشرة آلاف سجين رأي في السجون السعودية، يقضون مدداً تصل إلى عشرين عاماً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق