للعدالة علاقة وثيقة مع المواطنة، فبقدر ما يشعر الفرد بمكانته وقدره وأمنه، وصون حقوقه في مجتمع ما، وهذا لا يتحقّق إلّا بتوفّر العدالة، يشعر بأنه مواطنٌ في دولةٍ تحترم العقد المبرم بينه وبينها، ويصبح فردًا إيجابيًّا يمارس دوره في البناء العام، ويشعر بقيمة الحياة على الصعيد الفردي، فيعمل على جعل حياته مزدهرة مدفوعة بطاقة الأمل في نفسه. ومن البديهي القول إن الحياة لا تزهر ولا تزدهر مع اليأس، فكيف إذا تمكّن اليأس من نفوس غالبية الشعب، ودخل أفراده معًا في سن يأس جماعي؟
عندما يزداد الغني غنىً والفقير فقرًا، ويصبح البون شاسعًا بين شريحةٍ بيدها الثروة وبقية الشعب الذي يشكل أدوات الإنتاج في الدولة، فهذا استغلال بشع وسرقة للجهد والحقوق معًا. عندما تقطع الألسنة بمنعها من التلفظ بلغة أصحابها، وتفرض على الجميع لغة واحدة فهذا قهر. عندما لا يستطيع المبدع أن يعبّر كما يريد، وتخضع أعماله للرقابة التي تحكم بمسطرةٍ كالمنشار، فهذا اعتداء على الكرامة ومصادرة للعقل وقتل لإمكاناته وطاقاته. عندما يكون الإنسان تحت تهديد التنمّر في الشارع والعمل، وفي كل مكان، فهذا انتهاك لكرامته، وتهديد لوجوده. عندما يفقد الإنسان الأمان في بيته وفي مدينته ووطنه، ويشعر بالغربة بين أبناء جنسه، فهذا انتهاك للأرواح. وعندما يكون هناك حزب وحيد قائد للدولة والمجتمع إلى الأبد فهذا اغتصابٌ للحق في تداول السلطة، وحق كل فرد في تمثيله ومساهمته في السياسات الداخلية والخارجية.
يمكن الحديث مطوّلًا عن النقصان في كل شيء، من أبسط متطلبات الحياة وأقل الحقوق إلى أعظمها، النقصان الذي طعن النفوس في صميمها، وجعلها تفتقد العدالة فلا تجدها، العدالة التي هي والحرية صنوان، فلا الحرية تكتمل بدونها، ولا هي تمتلئ بنفسها من دون حرية، هذا النقصان الذي راح يزداد حجمًا، وتكبر معه الفجوات الخاوية، إلّا من القهر والمعاناة، دفع الناس إلى التظاهر، مطالبين بحقوقهم الإنسانية، بعدما أدركوا، في لحظة الحقيقة، حجم النقصان الذي يكاد يقضي على جوهرهم الإنساني وحياتهم الإنسانية. إنها العدالة الغائبة، فلا العدالة البشرية كانت في متناول أيديهم، ولا عدالة السماء شملتهم برعايتها
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق