الأحد، 30 مايو 2021

الدولة المدنية

 May 24, 2020 فكرة متحولة

«محمد عبدو إذ أكد أن الدولة في الإسلام ليست دينية، وذلك من منطلق أن الدولة الدينية ودولة رجال الدين غير موجودة في الإسلام. أراد عبده أن يؤكد أن الحكم يقوم على أسس مدنية وأن السلطة الروحية والزمنية ليستا سلطة واحدة. فكرة مدنية الدولة في ذلك الوقت كان الهدف منها حل أزمة الدولة العثمانية ونظام الحكم القائم على الخلافة في أواخر القرن التاسع عشر. إن الذي حرك ذلك الاجتهاد لدى الشيخ محمد عبده هو السعي للحاق بأوروبا التي صعدت على أجنحة الحداثة والتجديد في كل المجالات بما فيها الإدارة والدولة والفلسفة والسياسة والاقتصاد. لقد سبق عبده عصره، فالكثير من أفكاره ستجد لها صدى في بعد عشرات السنين.

لكن فكرة الدولة المدنية تطورت في حركة محمد زغلول الدستورية في مصر في 1919، كان ذلك تطبيقا لأفكار عبده، فقد كان شعار تلك الحركة أن الدين لله والوطن للجميع. لكننا سنجد تطورات أخرى في فهم المدنية بعد الحرب العالمية الثانية وبعد أن وقعت أكثر من دولة عربية تحت حكم الجيش والعسكريين. مع الوقت أصبح مفهوم الدولة المدنية يعني الدولة التي لا يحكمها الجيش، وذلك في إطار التأكيد على الفارق بين حكم مدني وحكم آخر عسكري.

لكن الفكرة أخذت أبعادا أخرى في ظل الصراع المحتدم بين المدارس العربية العلمانية من جهة والدينية الإسلامية من جهة أخرى. حينها بدأت تبرز تصورات توفيقية بين المدرستين، لهذا وجدت تلك الأفكار ضالتها في فكرة الدولة المدنية كبديل عن العلمانية. لقد بدأت مجموعة من التيارات الإسلامية تستخدم تعبير الدولة المدنية، وبدأت قوى أخرى علمانية التوجه تتقبل فكرة الدولة المدنية بصفتها دولة معتدلة في علمانيتها وفي فهمها للدين كما هو في المجتمع. وقد وقع هذا التطور لللالتفاف على التشويه وسوء الفهم الذي رافق انتشار مصطلح العلمانية في العالم العربي.

ما الفرق بين الدولة المدنية والدولة العسكرية إن لم تكن هذه الدولة المدنية ديمقراطية ومساءلة وتتبنى قيم الحرية؟ وما الفارق بين حكم عسكري وآخر مدني إن كان ديكتاتوريا وقمعيا؟ 

فمن يطرح فكرة الدولة المدنية في العالم العربي عليه أن يوضح مدى علاقة الدولة المدنية بالديمقراطية والمساءلة والعدالة والحريات. ومن يطرح الدولة المدنية عليه أن يطور فكرة الدولة لتكون دولة تحتكم أساسا للشعب بصفته مصدر السلطات. إن الدولة المدنية تصبح خارج نطاق التغطية إن لم تكن دوله ديمقراطية ودولة قانون ودولة عدالة.

الدولة شبكة علاقات معقدة، لهذا فاختزالها بالمدنية أو العلمانية أو الإسلامية هو اختزال لا يصيب كبد الحقيقة. الدولة جهاز متداخل مكون من العديد من المؤسسات. فمن مميزات الدولة أن تقع ضمن رقعة جغرافية محددة، وأن تكون لديها سيادة في علاقاتها بالدول الأخرى، وأن يتوفر ضمن حدودها شعب ينتمي إليها في ظل مؤسسات تشكل عمودها الفقري بما فيها الجيش والحكومة ومؤسسات المجتمع المدني.

 مدرسة أخرى تؤمن بالهرمية والفوقية والحدّ من تمكين المجتمعات. الأسلوب الميكيافيللي هو المسيطر على النظام العربي، إذ يهدف لإبقاء السلطة في يد مجموعة محددة بلا تفاعل مع رغبات الناس، تلك السلطة غير خاضعة لرقابة أو محاسبة، وكما وهو واضح تنتهي بصناعة الفساد.

في معظم البلدان العربية لم تقم الدولة بواجباتها كدولة ذات سيادة، فهي لم تكن فعالة في التنمية وإدارة الثروات والحوكمة، كما ولم تكن الدولة فعالة في التعامل مع الخارج وفق مقتضيات السيادة، كما لم تكن الدولة تحمل قيم لصالح الحريات والحقوق وسيادة القانون.

للدولة واجبات أساسية فهي إما دولة تنموية وتنتج ما يطور المجتمع ويفتح الآفاق أمامه وإما هي دولة ضعيفة غارقة بلعبة المصالح الشخصية، الدولة إما هي ميكيافيلية تخدع مواطنيها وتبحث عن المدى القصير في كل خطوة وتجرهم للإفلاس وأما هي مؤمنة بمواطنيها وتمحور سياساتها نحوهم. مفهوم المدنية لازال قيد التطور. سيبقى السؤال: هل بإمكان فكرة الدولة المدنية ان تتحول نحو دولة كل الناس والحقوق والعمران أم انها فكرة عابرة ستذوب في الدولة الدستورية المساءلة والديمقراطية؟

استاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت
د.شفيق ناظم الغبرا

*

الدول العربية وأزمة القيادة


في الحالة العربية الدولة تعجز عن الصمود أمام ضغوط الدول الكبرى أو حتى الدول الإقليمية، ولا هي قادرة على تلبية مصالح مجتمعها والحد من الظلم ومنع تمركز المال بيد الأقلية على حساب الأغلبية. لكن بنفس الوقت لم تنجح الدول العربية في التعامل مع قضية الحريات والتعبير، أو مع قضايا حقوق الإنسان والتعليم والصحة وتنوع الهويات في المجتمع الواحد، كما لم تنجح في التصدي للفساد، الذي أصبح وباء حقيقيا على الدولة العربية.

لقد تحولت الدول العربية في السنوات العشر الماضية لأرض تتحكم فيها قيم العنف والسيطرة وقيم القساوة والفساد. وقد أدى هذا لإضعاف القوة الناعمة العربية التي تنتج لنا الأدب والفكر والسينما والمسرح والتناغم الوطني والاعتدال، بسبب أنماط القيادة الفاشلة هاجرت القوة الناعمة العربية نحو عوالم أخرى مما جرد الوطن العربي من عمقه وإبداعه.

ويتضح الفشل القيادي في العالم العربي عبر ضعف قيم العدالة. العدالة قيمة أخلاقية يقع أساسها في حق الإنسان في الحياة والمعاملة المنصفة والكرامة والمساواة أمام القانون. وتتناقض العدالة مع الظلم والتجني والاستقواء ومصادرة الحقوق والاضطهاد. إن قصص الظلم منتشرة في طول وعرض المنطقة العربية، ولا يوجد ما يبشر بقرب تحقيق العدالة. بل هناك ما يؤكد بأن قضايا الظلم وتآكل العدالة الاجتماعية وانتشار الفساد سوف تتكثف في المرحلة القادمة خاصة بعد زوال فيروس كورونا. لهذا يبرز السؤال: كيف سيحافظ من تختمر قاعدته السكانية بكل أنواع الظلم على الاستقرار والتنمية والوحدة بين الناس؟

قيادات العرب تجيد لغة الغرب والحداثة التي تعظم قيم الحرية، لكنها في الممارسة ضد حرية الإعلام إلا اذا شيطن التيارات النقدية السياسية أكانت ذات منشأ إسلامي أو حقوقي. الحالة القيادية العربية تعيش انفصاما متداخلا بين خطابها للغرب وممارساتها ضمن مجتمعاتها، فهي في خطابها للغرب مع المرأة ومع الحريات الشخصية وتبدو بأنها تؤمن بالتعايش بين الديانات، بل وتؤمن بالتطبيع مع إسرائيل على أمل أن تقدم رسالة تسامح مشوهة تعطيها الحرية في قمع مجتمعاتها بالصورة التي تجدها مناسبة. بل تبدو الحالة العربية مستعدة لتقديم نموذج لليبرالية شكلية مفرغة من معظم شروط العدالة والليبرالية ذات المنشأ السياسي. إن قيم العدالة وقيم الليبرالية لا تتشكل الا في أبعادها السياسية والنقدية والإصلاحية. فالحريات الحقيقية هي بالأساس حريات سياسية قبل أن تكون حريات شخصية. أزمة القيادة ستكون في المرحلة القادمة أخطر نقاط ضعف النظام العربي.
وتتضح مشكلة العرب عبر طريقة انتقال السلطة بعد موت القائد، ففي عملية الانتقال لا مكان للشعب أو للمجتمع بكل فئاته، ومع انتقال السلطة يستطيع الحاكم الجديد الاستفراد بالسلطة بصورة مطلقة إن قرر ذلك، فلا توجد مؤسسات تحد من سلطاته، ولا قوانين تمنع الاستفراد، ولا حريات صحافية تسمح بالنقد، ولا برلمانات تضع حدودا. وإن أراد الحاكم يستطيع أن يبطش بمن ينتقده متوسعا في بناء السجون لاستقبال اعداد أكبر من الشعب. في العالم العربي قلما يخضع القادة لقانون فاعل يحمي الأفراد والمؤسسات من ميولهم (القذافي نموذجا).

ويعيش العالم العربي مع فراغ القيادة. لكن المدخل للتعامل مع هذا الفراغ مرتبط بمقدرة الشعوب على ابتكار حراكات تتعامل مع تلك العلاقة المتوترة بين الشعب وسلطاته السياسية. إن الجانب الثاني من أزمة القيادة العربية يتطلب نمطا من القادة ممن يتمتعون بالحكمة والتوازن والصدق وحسن الإدارة والتسامح والمقدرة على تحفيز المجتمع والناس نحو برامج وأهداف ملموسة. قيادة المجتمعات كما وإدارة الدول تتطلب القدرة على تجسيد الرؤية والحرص على الناس في ظل المقدرة على استيعاب الأحداث والاستعداد للمستقبل

*

نسعى في الأردن الى ترسيخ مفهوم الدولة المدنية، وهي دولة وطنية دستورية ديمقراطية تقوم على مرجعية قيمية وأخلاقية، وهذه الدولة تستند على مبدأ سيادة القانون، والمواطنة، حيث يتمتع جميع المواطنين فيها بحقوق وواجبات متساوية يكفلها الدستور وفق مبدأي المساواة وتكافؤ الفرص، دون تمييز بسبب دين او عرق أو منطقة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق