ولايعني ذلك النص القرآني؛ فقد كان الشعر العربي نصاً، وكذلك الأمثال العربية، ثم أصبح التراث يقوم بالدور نفسه، حتى أصبح العقل العربي لا يستطيع التعامل مع الواقع إلا من خلال نص يؤوّله. وإذا تحدثنا عن الحداثة، التجأنا إلى دريدا أو فوكو، فكيف أستطيع أن أخرج من النص وأواجه الطبيعة، وأنتج نصاً جديداً من دون أن أنتظر تأويل نص آخر؟
، وألا فرق بين عربي وآخر إلا بالتقوى.
الدول القطرية التي عملت كل واحدة منها على إنشاء الدولة المستقلة التي حاول بعضها الانخراط في تجربة الوحدة، لكنها أخفقت كما جرى بين مصر وسوريا (1958- 1962)، وانتهى كذلك المشروع الناصري في أعقاب هزيمة حزيران (يونيو) 1967.
عرقية وطائفية، فنرى في المغرب صراعاً بين العرب والبربر، وفي مصر بين المسلمين والأقباط، وفي العراق بين السنة والشيعة والأكراد، وفي الخليج بين نجديين وحجازيين وحضرموتيين، وفي اليمن بين زيديين وشوافع، وفي السودان بين عرب وأفارقة. كل ذلك من أجل أن تصبح إسرائيل أكبر دولة عرقية في المنطقة، وتكتسب شرعية جديدة بدلاً من شرعية (هيرتزل) في القرن الثامن عشر التي تقوم على أسطورة (أرض الميعاد) التي لم يعد يصدقها أحد.
نعيش في عصر الثقافة الأبوية، بحسب هشام شرابي، وثقافة السي السيد على حد تعبير نجيب محفوظ.
ومنذ ألف عام سادت ثقافة التسلط، منذ أن قضى الغزالي على العلوم العقلية، وكفّر المعارضة الباطنية والخارجية والاعتزالية، وأخذ السلطة بالشوكة متجاوزاً الشورى والبيعة، وأعطى الحاكم أيديولوجية السلطة في الاعتقاد: يسمع، ويبصر، ويرى كل شيء، مثل الله.
الغزالي، فضلاً عن ذلك، أعطى الناس ثقافة الطاعة في إحياء علوم الدين والصبر والتوكل والورع والرضى والخشية والخوف، واستمر ذلك في العصر المملوكي العثماني. ولم تستطع حركات الإصلاح تجاوز ثقافة السلطة، لأنها أولعت بالنمط الغربي في الثورة الفرنسية وبالملكية الدستورية وبالبرلمان. وأتت الثورات العربية منتصف القرن العشرين بقيادة الضباط الأحرار، وليس المفكرين الأحرار.
فإن حنفي يعتقد أننا على أعتاب نهضة عربية ثانية تضع العربة أمام الحصان، وتبدأ من حرية الفرد وديمقراطية الحكم، وتنزع بذور القهر من الثقافة الموروثة، حتى نبني مجتمعات ليبرالية أو اشتراكية أو أي شيء آخر، لا يهم البناء بقدر ما يهم التأسيس.
النهضة العربية في فترتي الليبرالية والقومية، بعد أن سُلب العرب وانهارت مشاريعهم، وأحسوا بالعجز والإحباط والضياع، وهذا في مجمله يشكل بداية مخاض قريب قادم بعد أن نصل إلى نهاية القاع. ينقصنا، كعالم عربي، القشة التي تقصم ظهر البعير. بعدها قد تتحرك الشعوب، وتحدث الهبّات من المحيط إلى الخليج.
السلطة والمعارضة واجهتان لشيء واحد. السلطة تستعمل ثقافة القهر، والمعارضة ثقافة القهر المضاد؛ فهي لم تستطع توحيد فصائلها، والتفكير بعقلية السلطة البديلة، لأن عينها على الحكم وليس على الشعب، مع أن المهم ليس من يحكم في القصر، بل من يتحكم في الفعل. مؤسسات المجتمع المدني أقدر بكثير من أحزاب المعارضة على تحريك الشارع
فالذين يتظاهرون في شوارع العواصم العربية هم الفعاليات الجديدة خارج السلطة والمعارضة. السلطة قاهرة، والمعارضة مستأنسة ترضى بقسم ولو بسيط من غُنم السلطة، سواء بوجود بعض أعضائها في البرلمان، أو تمويل مقارها؛ فالمعارضة، وفقاً لذلك، حكومة ظل. أما الشعب الذي يعاني من القهر، فإنه يبدع منابره وأدوات تعبيره. .ويبدو أن وضع الفقهاء المسلمين ليس أحسن حالاً من المعارضة، فثمة فتاوى لا سندَ عقلياً أو إنسانياً أو دينياً لها، نراها تخرج من أفواه بعض الفقهاء الذين يبشّرون بالموت ويهتفون للظلام...
ويقسم حنفي الفقهاء إلى أنواع : فقهاء السلطان الذين تعودنا عليهم؛ فهم إن أراد الحاكم حرباً فحرباً، وإن أراد سلماً فسلماً، وإن أراد اشتراكية فاشتراكية، أو رأسمالية فرأسمالية، وهؤلاء تراهم بكثرة في أجهزة الإعلام، وفي دور الإفتاء، ومعاهد الدراسات الإسلامية.
وهناك فقهاء جدد، كوّنوا اتحاد علماء المسلمين، وهم فقهاء أحرار مستنيرون لا يرتبطون بنظم سياسية، ويعطون الوطن حقه في الاستقلال، ويعطون المقاومة حقها في الشرعية، ويدافعون عن المصالح، ويحمون الأبرياء من أتون النار.
(اليسار الإسلامي). وقلت له: أنت تنسب إلى تيار يحاول أن يجمع بين مفهومين متعارضين؛ فما مدى دقة التوصيف أولاً، ثم ما النجاحات التي حققتها في هذا المضمار؟
أجمع بين شرعيتين: شرعية الماضي وشرعية الحاضر، شرعية التراث، وشرعية الثورة، فلم أجد اسماً أفضل من (اليسار الإسلامي).
تكلم الأفغاني عن (العروة الوثقى) ورشيد رضا عن (المنار) وآخرون عن (المجاهد)، لكنني كنت أريد تعبيراً يعطي الشرعيتين حقهما؛ لأنني جزء من الحركة الوطنية التقدمية العربية أناضل ضد الاستعمار، والتخلف، والفقر، والظلم الاجتماعي، والتجزئة، والاعتماد على الآخرين، ولا مبالاة الناس، ولكن من خلال ثقافة موروثة ، حتى أحقق التغيير من خلال التواصل، وبالتالي أستطيع أن أدافع عن الأرض، لأن الله إله السموات والأرض، وأن أدافع عن الحرية (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً)، وأدافع عن العدالة الاجتماعية (والذين في أموالهم حق معلوم، للسائل والمحروم)، وأن أدافع عن الوحدة ( إن هذه أمتكم أمة واحدة، وأنا ربكم فاعبدون) وكذلك الدفاع عن الهوية (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملّتهم)، والدفاع عن التنمية المستقلة بإعمار الأرض (إذا قامت القيامة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن يغرسها فليفعل)، وأدافع عن حشد الجماهير وتجنيدهم (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم، فزادهم إيماناً، وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق