“الإعلام” بمختلف أشكاله وفضاءاته، و”المجتمع المدني” بمختلف فعالياته المحلية والوطنية و”النخب” على تعدد مشاربها الإيديولوجية وانتماءاتها الفكرية وميولها السياسية
الثالوث قلَّب الموازين رأسا على عقب وأنتجت تفاعلاته مجتمعاتٍ راقية وبلدانا متحضرة ذات هيبة وقوة هي التي تطبع المجتمع الدولي في زماننا الحاضر
بـ”العالم الثالث” أن لدينا نفس الرغبة والهدف والطموح في أن نكون أيضا دولا وحضارات متقدمة لها ميولها وجولاتها في المسرح الدولي الذي لم يعد يؤمن سوى بالقوي، قوة الأرقام وعظمة المنجزات لا قوة الشعارات والإنجازات الهزيلة التي سرعان ما تزول عند أول عاصفة ثقافية أو فكرية أو سياسية…
فقد تصبّ جهود الثالوث محليا ووطنيا كما يمكن أن تصب هذه الجهود –وهذا الأهم- في صناعة ثقافة واعية ورؤية مستقبلية تنعكس على الجميع انعكاسا إيجابيا ضمن نهضة شاملة تمس كل جوانب الحياة المختلفة.
السلطة الحاكمة والأحزاب السياسية والشعوب
الإعلام والنخب والمجتمع المدني
النخب:
هي المؤطرة لكل حراك والموجِّهة لكل نهضة فكرية أو معرفية أو حضارية، النخب هي ببساطة التي تجاوزت عموم الناس والشعوب بفهمها المتقدِّم وتأصيلها الاستشرافي، وقد تكون هذه النخب سياسية أو اقتصادية أو فكرية، لكن تبقى نخبا مشتتة الوجهة غير واضحة الرؤية، ما لم تنتظم في وحدات بحث يقدم نتاجها للهيئات المتخصصة رؤيتها للحل وتنظيراتها للاعوجاج الذي يطال المجتمع، وهذا الذي لا يوجد في عالمنا الثالث وفي الجزائر على وجه التحديد، يكفي أن نذكر أن في إسرائيل وحدها 1200 مركز بحث فاعل، وعلى هذا يمكن القول إن تخلف أي مجتمع سببه الرئيس هو تقاعس النخب عن أداء دورها، إما استسلاما أو تواطؤا أو كسلا فكريا وسلوكيا على حد السواء، وتجدر الإشارة أن الجزائر توفرت منذ استقلالها إلى اليوم على إطارات ونخب هائلة، لكن بعضها هاجر والبعض الآخر ضُيِّق عليه والبقية تقاوم على أمل أن يلوح أمل في المستقبل القريب أو المتوسط.
الإعلام:
يكفي في الجزائر مثلا عرض الإحصائيات التالية لتدرك كم للإعلام من أهمية إستراتيجية أدركت قيمته أنظمة الحكم في العالم بأسره ووظَّفته في البقاء والهيمنة: قرابة 17 مليون جزائري يشاهدون التلفزيون في أوقات الذروة يوميا، إضافة إلى أن أكثر من 19 مليون جزائري مشتركون في خدمة 3G وأن أكثر من 23 مليون جزائري مشترك في موقع التواصل الاجتماعي الشهير “فايس بوك”، إضافة إلى الإعلام الثقيل والمكتوب والإلكتروني والذي لا يزال متحكما فيه من قبل السلطة من جهة، وتقاعس أهل التخصص من جهة أخرى (ليس الأمر للتعميم طبعا) فإعلامٌ قوي معناه مجتمع قوي، إعلام واع معناه مجتمع متحضر يقدم المعلومة ويحارب الإشاعة والأهم من ذلك أنه يقف على مسافة واحدة ومتساوية مع الجميع.
المجتمع المدني:
يمكن تعريف المجتمع المدني باختصار مفيد في كونه تأطيرا للقدرات الشعبية ضمن فضاءات قانونية وخطط واضحة في مجالات محددة ومضبوطة تكون لها مخرجاتٌ مثمرة ومفيدة على مجالاتها من جهة وعلى الوعي العام من جهة أخرى، إضافة إلى أن المجتمع المدني هو النشاط الموازي للنشاط الرسمي الذي من المفترض أن يكون مستقلا عن الجهات الوصية والمؤسسات الرسمية لكي يؤدي دوره المنوط به على أكمل وجه، إلا أن في العالم الثالث وفي الجزائر على وجه التحديد تحاول السلطة تأطير هذا المجتمع بما يصبُّ في رؤيتها والتعامل بيد صارمة مع كل من يخالف توجُّهها أو أن يشتغل ضمن مساحات قد تقلق السلطة وتجلب لها إزعاجا غير مرغوب فيه.
حزمة القوانين والتشريعات والمراسيم التي وصفها المراقبون والمتابعون بأنها مجحفة وتحدّ من نشاط هذا الثالوث وتعطله عن الانتشار من جهة، وعن تحقيق رسالته من جهة أخرى.
قوى المجتمع المهيمنة والمتجذرة (عروش، رجال مال وأعمال، أعراف وتقاليد متجذرة…) والتي لا تقبل عادة أيَّ موجة تغيير (هذا واقعٌ يحتاج فعلا إلى دراسات سوسيولوجية معمقة) لأنها ترضى من حيث تعي أو لا تعي بالواقع الموجود، لأنها تخاف من عملية التغيير التي قد تؤدي حسبها إلى مستقبل غامض ومجهول المآلات ومنطق هذه القوى: “واقعٌ معلوم خير من تغيير مستقبلي مجهول العواقب..”
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق