May 24, 2019 Apr 18, 2021
انزعجت بشدة حينما قرأت مقالا في «الأهرام» للدكتور حازم الببلاوي يؤكد فيه جواز الإفطار لمن يقوم بأعمال شاقة
فقبل يوم من بدء الصوم وبعد أن أعددت خطة لصيامي والتغلب على أية مصاعب تتعلق بالأدوية التي أتناولها رأيت أن أجري اتصالا روتينيا بالدكتور أحمد مجدي طبيب القلب المعروف الذي يتابع حالتي لأستشيره. جاءني صوته من أمريكا قائلا : أعرف لماذا تتصل؟ لكي تسألني عن الصوم .. لا .. هذا العام لديك رخصة للإفطار؟ صدمني فقد كنت أنتظر أن يقدم لي النصائح لصوم صحي ولكنه كان حاسما. حينما رحت أجادله أصر على موقفه وبدا وكأنه يرحل الأمر إلىّ قائلا لك: أن تجرب إذا أردت ولكن حالتك يرخص لها بالإفطار، خاصة أنك ركبت عددا كبيرا من الدعامات للشرايين.
لا أدري ما إذا كانت صدمتي تنبع من التزام ديني أم هي جزء من عادة حياتية لم أتخل عنها على مدى سنوات عمري التي تتجاوز الخمسين. فمنذ أن وعيت على هذه الدنيا وأنا أصوم، لا أدرى متى بالضبط ولكن قد يكون ذلك فيما بعد السابعة أو الثامنة من عمري تقريبا. تخيل شخصا لم يفطر يوما على مدى أكثر من 45 عاما وتأتي الآن وتقول له افطر شهرا بأكمله.
قلت بيني وبين نفسي لأجرب الصيام وإذا شعرت بصعوبته على حالتي أفطر، وعلى هذه النية قررت السحور. مع حلول وقت تناول الدواء في التاسعة صباحا – بعد ست ساعات من التوقف عن تناول أي شراب أو طعام – وجدت أن الأمر قد يكون صعبا عليّ. قررت أخذت الدواء بعد تناول نصف رغيف صغير. حالة التردد التي شعرت بها مع هذا التصرف جعلتني أبدو أمام نفسي كمن يرتكب جريمة خاصة أنني حرصت على أن يكون ذلك بعيدا عن متناول أبنائي.
على مدى ساعات النهار الذي قضيت أغلبه في النوم لم اقترب من الطعام.. تيقنت من حكمة الحديث النبوي الذي يقول: حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه.. حيث اكتفيت منتصف النهار بشربة ماء وبضع تمرات. تذكرت الصوم الاضطراري الذي يعيشه الإخوة الأقباط مراعاة لمشاعر حال المسلمين طوال الشهر الفضيل. تذكرت صديقي جورج صادق والمرحوم عزوز سلامة أيوب حينما
كنا نفطر في كافتيريا التليفزيون – حينما كنت أعمل هناك منتصف الثمانينيات - بالدور العاشر.
كانوا يبدون بعد يوم عمل طويل لا يقتربون فيه حتى من الشاي أو القهوة أو السجائر، في حالة نهم للإفطار كما الصائمين تماما. مع اقتراب موعد الإفطار، ورغم تصوري انني استثناء من الحديث النبوي بأن للصائم فرحتين منها فرحة عند فطره، إلا أن فرحة الإفطار لم تفتني، حيث كنت أقرب إلى الصائم، رغم شعوري بأنني بإفطاري انتهكت بكارة شعور الصيام لدى.
لظروف خاصة تتعلق بكوني ضيفا لم أستطع أداء صلاة العشاء والتروايح جماعة كما هي عادتي من كل عام، كان ذلك فرصة غير مرتبة لمتابعة إجبارية للشاشة التي تسمر حولها الجميع.. فأنا من الكائنات النادرة التي تعزف عن الفضائيات في رمضان أو غيره. هالني تلك الموجة من المسلسلات التي لا تكاد تنتهي واحدة حتى تبدأ الأخرى، تذكرت ما قرأته من أن هناك 56 مسلسلا جديدا تعرض في رمضان هذا العام.. وما قلته لابني من أن ذلك يحتاج عمرا إضافيا لعمر الإنسان كي يتابع كل هذا الكم المبالغ فيه.. مر على خاطري الحديث القائل: رب صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش. حرصت على عدم النوم حتى السحور عل وعسى أن أتخلى عن قرار الإفطار رغم مشروعيته!
*
لا خير فى إيمان يتزعزع برؤية المأكولات والمشروبات والمفطرين والمفطرات وأجساد النساء.. ويستند إلى سلطة الحظر والمنع الخارجية حتى تساعده على الالتزام لأنّه إيمان هشّ لا يتقبّل الاختلاف وهو سنّة الله فى الأرض، ولا يعترف بالحريّة قاعدة للمعاملات، ولا يقوم على قوة استنارة داخلية للإنسان تساعده على صنع وجوده وتقرير مصيره، وتخرجه من الوصاية خارجية.
*
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق