Apr 2, 2021 Sep 5, 2021
المفكر الأميركي آصف بيات، أستاذ علم الاجتماع ودراسات الشرق الأوسط بجامعة إيلينوي في أوربانا شامبين، وصاحب مؤلفات مهمة من بينها "ثورة بلا ثوار: مسعى لفهم الربيع العربي" (Revolution without Revolutionaries: Making Sense of the Arab Spring) عن جامعة ستانفورد سنة 2017 وكتاب "الحياة السياسية: كيف يغير بسطاء الناس الشرق الأوسط؟" (Life as Politics: How Ordinary People Change the Middle East) عن جامعة ستانفورد سنة 2013 وغيرها من الكتب والدراسات القيمة.
وسائل الإعلام الغربية السائدة تنظر إلى الشرق الأوسط على أنه منطقة فريدة، تختلف اختلافا جوهريا عن مناطق العالم الأخرى، من حيث إن مشاكله الحالية مثل الأنظمة الدكتاتورية، والفقر، والتطرف الديني، أو النزاعات العرقية هي نتاج من ثقافتها الفريدة ودينها (الإسلام) وتاريخها، يريد كتابنا أن يوضح أنه بينما تؤثر الثقافة والدين في التطورات الحالية، فإن القوى الدولية والجيوسياسية العالمية (مثل المصلحة الغربية في نفط المنطقة، واعتماد الأنظمة على الحكومات الغربية، واعتماد اقتصادات هذه الدول على نفط الشرق الأوسط، أو البيع المكثف للأسلحة في المنطقة) تلعبان دورًا أكبر في تشكيل سياسة المنطقة واقتصادها.
في العقود الماضية عانت دول الشرق الأوسط من الحروب والقمع السياسي وتعاظم عدم المساواة وصعود التطرف، ولكن هل هذه الأمور متجذرة في الثقافة المحلية أو أنها من مخلفات العولمة داخل المنطقة؟
أشرتم لبحث مهم للفيلسوف الفرنسي أوليفييه روا عن جذور الجهاد، يرى فيه أن معظم الجهاديين تعوزهم المعرفة الإسلامية القوية، فهل هذا يعني أن "الجماعات الجهادية" لا تستمد سرديتها من التراث الإسلامي؟
في إحدى الأوراق البحثية في الكتاب، والتي قدمها عالم الاجتماع عمرو علي والتي اشتغل فيها على اللاعب "محمد صلاح" باعتباره قيمة ترمز لمنطقة الشرق الأوسط؛ هل كان سبب رمزية محمد صلاح لأنه يكثف القيم الأخلاقية بفعل أخلاقه وممارساته "الإحسانية" التي تتجاوز الثقافة والدين والحدود الوطنية أو أن الأمر يكمن في شيء آخر؟
في ورقتك البحثية المدرجة في الكتاب والمعنونة بـ"التحرير العالمي"، اعتبرت أن احتجاجات ميدان التحرير أصبحت نموذجا للاحتجاج المعولم في المجال الغربي، كيف ذلك؟ هل هذا يعني أن الغرب بدوره، يحتاج إلى أدوات للاحتجاج على سياسة العولمة؟
Dec 20, 2020
الإسلام السياسي السيسي ومحمد بن زايد
ابن زايد ابن سلالة حاكمة، يحكم بشرعية تقليدية عددا من الإمارات المُطلِّة على ساحل الخليج العربي، والسيسي ابن مؤسسة عسكرية حديثة أسّسها جمال عبد الناصر بوصفها نقيضا سلطويا لأنظمة الحكم التقليدية الملكية والسلالية
حلم القضاء على ما يُعرف بـ "الإسلام السياسي".
يفهم عبد الفتاح السيسي الإسلام السياسي بشكل محدد جدا، فهو كما يبدو عنده محصور في جماعة الإخوان المسلمين، والتنظيمات المسلحة في سيناء، وقد أعلن بشكل صريح وقت ترشُّحه للرئاسة أنه ما دام في السُّلطة فلن يكون هناك أي وجود للإخوان المسلمين في مصر. أما ابن زايد فيفهم الإسلام السياسي بطريقة أوسع، ففي الوقت الذي اكتفى فيه السيسي بقمع تنظيم الإخوان المسلمين في الداخل المصري، يقود ابن زايد حملة عالمية لتقويض أي فعالية سياسية إسلامية في الشرق أو الغرب، ولا يحصر عداوته مع جماعة الإخوان المسلمين فقط، إذ يتعامل حاكم إمارة أبو ظبي مع خصمه الإسلام السياسي بوصفه ظاهرة عالمية أوسع من الإخوان.
كالإخوان المسلمين مثلا، حيث يرى "أوليفييه روا" و"نوح فيلدمان" و"آصف بيات" الإسلام السياسي باعتباره تعبيرا عن واستجابة لوضعية تاريخية معينة في عالم جديد وجدت المجتمعات المسلمة نفسها داخله مع انهيار السلطنة العثمانية عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى، حيث تَشَكَّل عالم جديد ومختلف جذريا عن كل ما عاشه العالم الإسلامي لقرون عديدة مضت، عالم عُمِّمَت فيه نُظم قانونية وسياسية واقتصادية على أغلب البلدان العربية والإسلامية، شَكَّلت في مضمونها وهويتها قطيعة تاريخية مع التاريخ الإسلامي الممتد منذ قرون الإسلام الأولى.
تغوُّل السُّلطة التنفيذية والإدارية والعسكرية والأمنية على سُلطة القانون والمؤسسات التشريعية والقضائية، ما يعنيه فيلدمان تحديدا ليس مجرد تواطؤ المؤسسات القانونية والتشريعية مع السُّلطة التنفيذية، ولكن ضعف المرجعية القانونية المستقلة عن السُّلطة والضابطة لها من خارجها، الأمر الذي أدّى إلى أن تكون السُّلطة هي المُنتِجة للقانون وهي المُنفِّذة له في خلل دستوري وسياسي فادح، هنا تحديدا يرى فيلدمان أزمة الحداثة العربية، وهنا أيضا سبب المشروعية المتجددة التي تحظى بها حركات الإسلام السياسي.
رفع الإسلاميون شعار تطبيق الشريعة في وجه استبداد السُّلطة التنفيذية في كل بلد، ونادوا بعودة الدين بوصفه مرجعية حاكمة للمجال السياسي، هكذا يرى نوح فيلدمان اقتران خطاب الشريعة بالعدالة في بواكير المخيلة الإسلامية الحديثة، اقتران وثيق عزّز حضوره وارتباطه استبداد السُّلطة التنفيذية الحديثة الدائم، وهيمنتها على تأويل القانون الوضعي وتفسيره وتطبيقه طوال الوقت، وكأن القانون عبارة عن ورقة بيضاء تكتب فيها السُّلطة ما تشاء وقتما تشاء، بينما تظهر الشريعة والمرجعية الإسلامية بوصفها فكرة قانونية-أخلاقية خارج سيطرة السُّلطة والنُّخَب الحاكمة، وهي مرتبطة في الوعي الإسلامي بكونها العنصر الجوهري الذي صنع مجد الدولة الإسلامية القديمة، حيث يصف فيلدمان الإسلام السياسي بعبارة دالة بأنه "حنين إلى العدالة القانونية الإسلامية القديمة؛ لكنه حنين يتطلع إلى الأمام أيضا"
إهدار لفكرة حكم القانون والعدالة، وتحطيم التوازن الدستوري الضعيف أساسا بين السُّلطات التنفيذية والقانونية، في سياق الحملة القمعية الشرسة التي يتزعّمانها.
قد يقضي السيسي وابن زايد على الإخوان في مصر، وعلى الإسلاميين في سوريا، ويحاصرون النهضة في تونس، والإخوان في الأردن، قد ينتهي تنظيم الإخوان للأبد، لكن ما لا يُدركه ابن زايد والسيسي وفريقهما أن الإسلام السياسي ليس نتاج مؤامرة قام بها بعض سيئي النية الذين يمكن استئصالهم والقضاء عليهم، الإسلام السياسي هو الرد التاريخي للمجتمعات الإسلامية على اللا عقلانية والاستبداد وغياب المرجعية القانونية التي اتّسمت بها الحداثة العربية **مضاري الرشيد ** طوال القرن الماضي كله، وما دامت تلك السمات التي يُمثِّلها ويدافع عنها حلف السيسي وبن زايد مستمرة، فسيبقى الإسلام السياسي مُرشَّحا للظهور بأشكال تنظيمية وخطابية أخرى، وهنا تكمن المفارقة ربما.
تجاوز حركات الإسلام السياسي للكثير من مقولاتها المؤسسة، كمقولات الحاكمية، والجاهلية والسيادة الإسلامية، والمفاصلة، وتخلّيها عن إنتاج سياسة قطع مع الأنظمة القائمة، واندماجها المُتدرِّج في المجتمع المدني العربي.
الإسلام السياسي حركة نقدية إصلاحية للحداثة العربية وتغوُّل السُّلطة التنفيذية فيها، ما يدعم فكرة فيلدمان أن الإسلام السياسي رد فعل من قلب المجتمع المدني في المشرق العربي على الدولتية العربية الضاربة بتعبير نزيه الأيوبي، أو استبداد السُّلطة التنفيذية بتعبير فيلدمان نفسه.
الإسلام السياسي "حالة" وليس "مشروعا"، فهو حالة تُمثِّل "محاولة لدمج التديُّن والحقوق، والإيمان والحريات، والشريعة والدستور والقانون ، فهي محاولة لتحويل وقلب المبادئ والسمات الأساسية للتحديث السُّلطوي العربي رأسا على عقب بواسطة التأكيد على الحقوق بدلا من الواجبات، وعلى التعددية بدلا من الصوت الفردي السّلطوي، وعلى المستقبل بدلا من الماضي"، في إطار سعي عام يهدف لمناهضة الاستبداد السياسي، وإقامة نظام دستوري ديمقراطي مَدني يصون الحقوق والحريات
الإسلام السياسي ليس فكرة أيديولوجية ثابتة لتنظيم أو جماعة بعينها، ولا مجرد مشروع حزبي للوصول إلى السُّلطة، كل هذا وأكثر هو مجرد تجلّيات لظاهرة تاريخية أكبر وأوسع مصطلح الإسلام السياسي هو عنوانها، ربما يكون تحالف بن زايد والسيسي قد نجح في هزيمة الإسلاميين في مصر وسوريا، لكن ما يغيب عن قادة الثورة المضادة أن الإسلام السياسي ظاهرة لها شروط موضوعية مُنتِجة لها، وهي شرط استمرارها، تلك الشروط الموضوعية هي تحديدا ما يُعيد إنتاجه تحالف السيسي وبن زايد في مشروعهما.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق