Aug 8, 2021
لا نزال مجرد (شبه دولة) وهو موضوعى ودقيق فى وصفه
ولقد عرف العالم مصطلح الدولة القومية فى القرن السابع عشر بعد نهاية حرب الثلاثين ١٦٤٨/١٦١٨ وتحديدًا بعد صلح (ويستفاليا) الشهير، وهى دولة كل مواطنيها بغض النظر عن الدين أو الطائفة أو العرق أو الجنس مفهوم المواطنة
ونشأت البرلمانات السلطة التشريعية
وأنيط بها سلطة إصدار القوانين ورقابة السلطة التنفيذية، وكتبت الدساتير وتم الفصل بين السلطتين المدنية والدينية بعد انتشار رسالة الفيلسوف الإنجليزى الشهير جون لوك وشيوعها ١٦٦٩ م ومن قبلها كتابات توماس هوبز عن العقد الاجتماعى ١٦٥٠م
وتحددت سلطات ثلاثة حصرية للدولة ووضع الفرنسى عام ١٧٤٨ مونتيسكيو أهم كتبه «روح القوانين» حيث تبلورت مبادئ الفصل بين السلطات الثلاثة.
وتحددت طبيعة «الدولة» وأصبحت الدولة تعرف بأنها (أداة الأم) فى تحقيق مصالحها، وأنها أداة المجتمع لضبط اجتماعه، وإنفاذ قوانينه التي تراضى عليها المجتمعون فيه فى منطقة جغرافية ما لها حدود معروفة ومحددة.
وتحدد تاليًا دور الدولة ومجالها الحيوي وأين يبدأ وأين ينتهي، حيث امتلكت الدولة أن تحاسب مواطنيها والمقيمين فيها على (الجريمة) التى تقع فى (حق الغير)، بينما لا يمتد مجالها لحسابهم على (الخطيئة) التى تقع فى (حق الله) فهذا دور حصرى لله حيث قد تتبع الخطيئة توبة خالصة وقد يقبلها الله.
وبدأت قوانين العقوبات تفرق بين الاغتصاب مثلًا والذي هو (جريمة) فى حق مواطن آخر، وبين ممارسة الفاحشة المحرمة بالاتفاق بين الراشدين والذي هو (خطيئة) فى حق الله.
حيث مُنعت الدول من أن تكون هى الله، وأصبحت الدول تصنف ذلك التصنيف الشهير (مدني / ودينية) على أساس قانون العقوبات لديها مثلا، فإذا كانت الدوله تحاسب على «الجريمة» و«الخطيئة» معًا صارت دولة دينية بامتياز، وسرقت دور الله وأصبحت تحاسب المواطن على خطايا قد يتوب عنها وقد يتوب الله عليه يوم القيامة ويعفيه من العقاب!!
وبدأت قوانين العقوبات تفرق بين الجريمة والخطيئة وترك ما لقيصر لقيصر... وما لله لله، حيث اقتصر مجال سلطة الدولة فى العقاب على «الجريمة» حصرًا.
رفض الفكر السياسى أن تكون (الدولة) هى (الله) أو أن تحل الدولة محل الله وأن تعاقب الدولة الناس على (الخطايا) فى حق الله.
وتحددت الإحداثيات العقابية لسلطة الدولة ومجالها الحيوي وحدوده، كما تحددت حدود سلطتها فى التشريع أيضا فترك لبرلماناتها حق (تنظيم الحلال) وهو لا نهائي، فبناء عمارة أو ركوب سيارة ولطالما أنه حلال حق للبرلمان سن القوانين لتنظيمه وفقا لمصلحة المجتمع العليا وظروفه.
بينما منع البرلمان من تشريع قوانين تخص المحرمات الدينية فهي معروفة وأزلية ومحددة ولا يملك تحديدها غير الله، ومتروك للناس حرية الاختيار وحرية الالتزام بها أو عدمه تمهيدًا لحسابهم الحساب الإلهي وليس الحساب الدولوي.
فإذا كان الله حرم عقوق الوالدين وحرم الفواحش فلا يجوز للقانون أن يحرم المحرم وأن يترك للناس كامل الإرادة فى الاختيار وأن يبروا آباءهم أو لا يبروا وألا يقربوا الفواحش أو يقربوها وأن يجتنبوا الخمر أو يمروا به وحسابهم على خالقهم فليس هذا دور الدولة، ناهيك عن أن الدولة أصلا ليس لها مرجعية دينية أو طائفية أو مذهبية محددة إسلامية أو مسيحية أو يهودية فالمرجعية للدستور الذي ستتوافق على مبادئه الأمة.
وفى ديارنا فقد عرفنا مصطلح الدولة الوطنية الحديثة القومية الدستورية حديثا فعندما قرر محمد على أن ينشئ جيشًا لأول مرة وحاول استدخال المصريين إلى الجهادية (١٨٢٢ ) كان الأمر شبه مستحيل.
وعندما دخل محمد على فى حروب الشام الأولى ١٨٣٣/١٨٣١ مع السلطان العثماني خليفة المسلمين اختلط الأمر على جنودنا المسلمين الذين طلب منهم أن يحاربوا خليفة المسلمين!!
كان الجنود يقولون إنهم جنود الباشا ولم يدركوا أنهم جيش مصر وهو ما صعب على محمد على مهمة بناء الجيش فى البداية فلم يكن معنى لوطن قد نشأ وتبلور وأنه يجب حمايته والذود عنه.
ولا يزال مفهوم الدولة وطبيعتها لدينا ملتبسًا ولا يزال مصطلح (الدولة) لدينا ضبابيًا وفوضويًا وهلاميًا وغير محدد الطبيعة والفضاء والملامح ومرتبك الدور وغير محدد الأطر أو الحدود الإبستمولوجية وخصوصا بعد انتهاء المرحلة الاستعمارية التى وجدنا فيها أنفسنا فجأة أمام مهمة يجب إنجازها وهى أن نبنى «دولة» وأن ننشئ سلطاتها الثلاثة ومؤسساتها المدنية وقبل كل ذلك أن نكتب عقدها الاجتماعي (دستورها).
وقد تقوم الدولة. فى ديارنا بأدوار ليست لها نهائيًا كملاحقة المفطرين مثلا فى شهر رمضان أو ملاحقة الراغبين فى ممارسة الفواحش من الراشدين (بالاتفاق) ويتم ذلك على حساب دافع الضرائب الذي يدفعفي انتظار الخدمات!!
أو تقوم الدولة بعمل إذاعة للقرآن الكريم من موازنة الدولة الجامعة التي يشارك فيها غير المسلمين وهذا عجيب أيضا!!
أو تقوم الدولة ببناء دور عبادة على حساب الموازنة العامة وقد تتخلى الدولة أيضا فى المقابل عن أدوار حصرية لها وتنسحب منها تمامًا تاركة فراغات عديدة يستغلها غالبًا تنظيم الإخوان الإرهابى كى يقدموا للناس أنفسهم كدولة بديلة لدولة منسحبة من أدوارها الأساسية كالصحة أو التعليم أو البطالة أو الخدمات أو رعاية الأرامل والأيتام والمسنين والعجزة.
■ دولة تعنى مواطنا، ومواطن تعني مساواة. دولة تعنى دافع ضرائب، والضرائب فى مقابلها خدمات.
■ دولة تعنى ميزانية من الجميع تعود على الجميع وتصرف على الجميع.
■ دولة تعنى مواطنة ومساواة ودستورا متوافقا عليه هو المرجعية عند الاختلاف.
■ دولة تعنى مساواة فى قانون العقوبات على الجميع.
■ دولة تعنى مواطنا وليس امرأة ورجلا وليس مسيحيا ومسلما.
■ عندما يتعافى مفهوم الدولة الملتبس لدينا ويضبط معناها ومفهومها سنعرف وقتها أدوارها وسنكف عن ترك أدوارها الأساسية وسنكف أيضا عن الاستغراق فى أدوار ليست لها من الأساس.
مصر حريصة على إعلاء مبدأ المواطنة وقبول الآخر
*
مراجعات حان وقتها
متابعة دورية، والمتابعة ليست عيبًا، كما تحتاج تقييمًا، والتقييم ليس تشكيكًا أو نَيْلًا من هيبة الدولة،
كما تحتاج ولاءً للشعب وإيمانًا بأنه السيد، وهذا ليس مِنّة أو شعارًا. ومحتوى التقييم يجب ألا يكون الغرض منه توصيل رسالة أن «كله تمام»، فى حين أن بعضه فقط تمام أو لسد خانة.
خانات عديدة تحتاج تقييمات وتصويبات. وهذا لا يعنى النَّيْل من سمعة أو مكانة أحد، لكنه يعنى أننا جميعًا مسؤولون ومواطنون بشر نخطئ ونصيب.
الطبقات القابعة فى قاعدة الهرم قهرتها الأسعار الملتهبة، وتجنى ثمار عقود إهمال التعليم والتأهيل لسوق العمل، فلم تجد مَن يحنو عليها سوى التوك توك والأعمال الهامشية غير المعترف بها، التى تضمن ملء البطون اليوم ولا تبنى دولة أو شعبًا. والطبقة المتوسطة تشعر بغبن شديد، حيث العدالة الاجتماعية دهستها، والضرائب التى تسددها من رواتبها المحدودة تذهب للفقراء وتمول عمليات الإنجاب الدائرة رحاها دون هوادة.
. الفكر الدينى المغلوط مازال مسيطرًا، وتدخل التفسيرات الدينية المتشددة متغلغلة فى الدولة والشارع بشكل لا تخطئه عين.
العين المتابعة تدرك تمامًا كم المشروعات الهائل الذى يتم تنفيذه، وأبرزها مبانٍ سكنية لكل الفئات، طرق وكبارى وأنفاق، تطوير التعليم، الكهرباء، القضاء على فيروس سى ونظام التأمين الصحى الجديد، وملف العشوائيات. لكن العين نفسها تدرك كذلك أن عشوائية الفكر والسلوك وليس السكن بالضرورة مازالت مهيمنة،
التوعية بمعنى القوانين وأهميتها ضمانًا لاستدامة التطبيق
الحياة السياسية تحتاج قبلة الحياة عسى أن ينبض قلبها من جديد. حزب يمثل الأغلبية يستخدم الأدوات السياسية وأحزاب مدنية خالصة لا دين فيها، ذات برامج ورؤى تعبر عن مختلف الانتماءات.
الشعب يريد إعلامًا حقيقيًا لا أحاديًا، مع الأخذ فى الاعتبار أن طبيعة العصر الرقمى تجعل من الحجب والمنع مستحيل.
++++++++++++++++++++++++
مدنية الدولة:
ينص الدستور على مدنية الدولة ولكن الواقع المؤلم ينفى ذلك، فالتيارات الدينية المتشددة متغلغلة فى كل مفاصل الدولة منذ منتصف السبعينات، وعلى الرغم من الدعوات المتكررة من رئيس الدولة بضرورة إصلاح الخطاب الدينى فإن شيئا ملحوظا على أرض الواقع لم يظهر فما الحل؟.
أولا.. إلغاء ما يسمى بالتعليم الدينى فى المدارس وقصره فقط على جامعة الأزهر لمن يريد بعد اجتيازه التعليم المدنى قبل الجامعى، وتفرغ جامعة الأزهر للعلوم الدينية مع نقل تبعية الكليات المدنية إلى المجلس الأعلى للجامعات لكى نضمن بذلك تخريج رجل دين ذى عقلية منفتحة على العالم وفى نفس الوقت متسلح بالثقافة الدينية الكافية.
ثانيا.. وقف إنشاء معاهد دينية جديدة مع عمل دراسة علمية لمعرفة الاحتياج الحقيقى لخريجى هذه المعاهد فى الداخل والخارج.
ثالثا.. إعادة تأهيل كل القائمين على شؤون الدعوة الإسلامية لكى يكون صورة مشرفة للدين الإسلامى السمح.
*
الدولة الوطنية وإعادة إنتاج الانقسامات الأولية
نبيل عبد الفتاح
Sep 2, 2019
المشاكل والأزمات السياسية التاريخية الممتدة فى العالم العربى ما بعد الاستقلال، تعود إلى عمليات بناء الدولة فى مجتمعات انقسامية تعانى من النزاعات الأهلية الدينية والمذهبية والعرقية والمناطقية والقومية.
تشكلت الدولة فى عديد الحالات، على أساس الغلبة والقوة من بعض قيادات الاستقلال، الذين قاموا بتسييد انتماءاتهم وهوياتهم الأولية، ومعهم الموالون والزبائن فى تركيبة هياكل الدولة وأجهزتها، وإقصاءات مستمرة للمكونات الأخرى فى الغالب الأعم، لأنه لا توجد أسس وقواعد دستورية وقانونية فاعلة فى التطبيق تؤسس للمساواة والمواطنة وعدم التمييز بين المواطنين.
تمثيل بعض أبناء المكونات قام على أساس الموالاة والتبعية السياسية للزعامة السياسية، أو الانتماء إلى الحزب الحاكم، ومن ثم كانت تمثيلات بعض القيادات من المكونات الأولية فى الهياكل القيادية للحزب الحاكم، أو فى التشكيلات الوزارية، أو أجهزة الدولة، لا يعدو أن يكون رمزيا، ولا وزن فاعل لهم فى دائرة اتخاذ القرار، أو من يديرون العمل التنفيذى فى البلاد.
الأخطر أن الدولة ككيان رمزى يعلو على مكوناته وهياكله، تقلصت واندمجت فى النظام السياسى التسلطى أو الشمولى أو الانقلابى، الذى تم اختزاله فى شخص القيادة أو الزعامة السياسية –رئيس جمهورية أو ملك أو شيخ- وحوله مجموعة من مراكز القوى الفاعلة، التشكيلات التمثيلية –برلمانات أو مجالس شعبية أو استشارية فى بعض الدول- لا تعدو أن تكون أدوات لتمرير التشريعات التى يتم إعدادها فى دوائر السلطة التنفيذية، والأجهزة الأمنية، وغالبها تشريعات ذات طبيعة تسلطية وأمنية ترمى إلى تكريس أمن النظام والطبقة السياسية الحاكمة، ومصالحها ومعها الظهير الاجتماعى للنظام.
تشريعات لا تدور حولها نقاشات سياسية واجتماعية وفنية من حيث الفن والحرفة القانونية، غالبا ما يتم تعديلها عندما تطبق فى الواقع، ويكتشف عدم فاعليتها، ومن ثم تدفع إلى المزيد من تمدد الفساد وشبكاته، وقانون القوة الواقعى فى حل النزاعات خارج جهاز الدولة، أو من داخله، وفق قانون الرشوة والفساد والمحسوبية.
مؤسسات التنشئة الاجتماعية والسياسية، لعبت -ولا تزال- دورًا خطيرًا فى إشاعة ثقافة الإذعان والقبول والانصياع للطلاب فى المنزل والمدرسة والجامعة.. إلخ، وفى أجهزة الدولة/ النظام/ الحاكم الأيديولوجية التى تروج لأيديولوجيا التفاهة على النمط البعثى والساداتى والقذافى والجزائرى، أو فى الملكيات العائلة فى إقليم النفط وخارجه، تنشئة سياسية تدور حول الزعامة السياسية وتمجيدها، وبناء صورة نمطية تبجيلية لها تمثلها وكأنها محور السياسة فى بلاده والإقليم والعالم، وحكمته الاستثنائية، وتاريخه الوطنى.. إلخ.
من ناحية أخرى يتم كتابة تاريخ البلاد من خلال رؤية النظام ومؤرخى السلطة، وتشويه كتابة التاريخ الوطنى، وتحويل وقائع تاريخية عادية من تمرد أو انتفاضة إلى ثورة من خلال المجازات السياسية المفرطة، واللغة السياسية الأيديولوجية الإنشائية، وذلك من منظور النظام وزعامته السياسية وهو ما أدى إلى إشاعة الأساطير السياسية، وتشويه الوعى الاجتماعى والإدراك الجمعى لأجيال وراء أخرى.
من هنا نشأت الدولة الوطنية بعد الاستقلال هشة، وتعتمد على الأجهزة القمعية المادية، واستخدام أقصى درجات العنف المفرط ضد المعارضين السياسيين، وإقصائهم، بل وقتل بعضهم بدماء باردة. الطابع الشمولى والتسلطى للنظام أدى إلى هشاشة مفهوم الدولة وتمركزه حول الرئيس والملك ومراكز القوى داخل النظام، وغام مفهوم الدولة فى البنية الرمزية والإدراكية لغالبية الشعب، خاصة أن التطور الاجتماعى والاقتصادى والثقافى، لم يؤدِّ إلى التشكيل التاريخى للأمة فى الواقع الفعلى، باستثناء مصر والمغرب، حيث تشكلت الأمة المصرية عبر تفاعلات وصراعات سياسية وتاريخية، ثم تآكلت بعض مكوناتها الرمزية منذ عقد السبعينيات من القرن الماضى وإلى الآن، وكذلك دولة المخزن فى المغرب التى تعرضت لأزمات كبيرة ولا تزال وتؤدى إلى تآكل مفهوم الأمة.
نشأت الدولة الوطنية، تأسيسًا على بعض الهياكل التى أرساها الاستعمار الغربى البغيض البريطانى والفرنسى والإيطالى، فى العالم العربى. من هنا كانت الدولة تحت سطوة المكون الدينى والمذهبى والعرقى والقومى الغالب، وداخلها بعض المكونات المناطقية المذهبية على نحو ما نرى فى العراق وسوريا فى ظل البعث، وما بعد الاحتلال الأمريكى للعراق، وفى الجزائر.
من هنا يمكن القول إن دولة الطوائف الضعيفة والهشة فى لبنان، هى جزء من الهندسة السياسية الاستعمارية الفرنسية، والدولة المذهبية فى العراق تحت حكم البعث، ودولة المحاصصات الهشة التى رسمها بريمر الحاكم الأمريكى للعراق بعد الاحتلال. والدولة الشاوية فى الجزائر ما بعد بومدين، والدولة السودانية الهشة القائمة على قادة وبيوتات تنتمى إلى قبائل الوسط النيلى الثلاث منذ الاستقلال واستبعاد لكل مكونات السودان المتعدد عرقيا ودينيا ومناطقيا، وهى دولة تأسست على ثنائية الحكم المدنى ثم الانقلابات العسكرية، ثم انتفاضات شعبية وسقوط الحكم العسكرى، ثم حكم مدنى، وفشل سياسى واقتصادى واجتماعى، وانقلاب عسكرى، وهكذا، إلى أن استمر الحكم الانقلابى الإسلامى لحسن الترابى، وعمر أحمد حسن البشير، لمدة ثلاثين عاما حتى الانتفاضة السودانية الأخيرة، وتركيب القيادة الانتقالى، من مجلس سيادة، وحكومة انتقالية، ومجلس تشريعى انتقالى.. إلخ. دول هشة، وأنظمة سياسية شمولية وتسلطية إقصائية، أدت إلى استبعاد للكفاءات والمواهب، وانتشرت فى داخلها أشكال من الفساد الوظيفى، كالرشوة والاختلاس للمال العام، ووصل الأمر فى بعض الدول الصغيرة أن تصل عمولات بعض رجال الحكم البارزين إلى 20% من أى صفقة للدولة، أو المشروعات الخاصة، وذلك بخلاف الآخرين من رجال الحكم، وهكذا.
على الرغم من ذيوع أسماء ورموز الفساد بسبب ثورة وسائل التواصل الاجتماعى، إلا أن ذلك لم يؤدِّ إلى ردع هؤلاء الفاسدين، لغياب دولة القانون والحق، وأيضا لاحتكارهم قوة أجهزة القمع، وانتهاكات حقوق الإنسان المروعة التى يمارسونها.
فى لبنان أرقام الفساد والفاسدين من "ملوك الطوائف"، أو لوردات الطوائف، وصلت لدى بعضهم إلى 12 مليار دولار، الجميع غارق فى حمأة الفساد فى دولة هشة، ونظام سياسى طائفى، تحركه مراكز القوة الطائفية الفعلية، ذات الارتباطات السياسية الخارجية، واعتماد قادة النظام الطائفى على الزبائنية السياسية الداخلية، وعلى توزيع غنائم الفساد، وتبعية بعضهم واستقوائهم بدول خارجية، كالسعودية، وإيران، وسوريا، وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية.. إلخ.
الشيخوخة السياسية فى الهياكل القيادية فى العالم العربى أدت إلى استبعاد كفاءات من أجيال شابة، وأدت إلى موت السياسة الفعلى فى هذه الدول، وساعد على نمو الحركات الإسلامية السياسية، وجماعات العنف والإرهاب، وانتشار ثقافة الكراهية، والعنف ورفض التعدد الدينى والسياسى فى هذه المجتمعات.
*
*
سقوط فصل السلطات فى مصر
ديسمبر 2015 الشروق
أعترف أن النظام السياسى فى مصر بعد يوليو 2013 أصبح يمثل تحديا لعلماء السياسة فى العالم أجمع، فهو لا يندرج بسهولة تحت أى من تصنيفاتهم المعهودة. ودعوكم من التصنيف الشائع بين نظم ديمقراطية وأخرى سلطوية، أو نظام جمهورى وآخر ملكى، أو حتى مدنى وعسكرى، لأن نظامنا تفوق على كل هذه النظم، ففى كل منها قواعد معروفة لحدود كل سلطة، أين تبدأ وأين تنتهي؟، وما هو مجال كل سلطة، تشريعية أو تنفيذية أو قضائية، مركزية أو محلية؟، كما أن كيفية تعامل كل منها مع الأخرى واضحة، وقد أخذت معظمها بنصيحة المفكر الأسكتلندى آدم سميث ألذى ينسب إليه أنه رائد علم الإقتصاد، فبصرف النظر عن أنه دعا إلى إطلاق الحرية لقوى السوق التى تصور فيها الحكمة التى تمكنها من تحقيق خير المجتمع عندما يسعى كل فرد لمصلحته الخاصة، وهو أمر قد نتفق أو نختلف حوله، ولكنه رأى أيضا أن تقدم الأمم يقاس بدرجة التخصص وتقسيم العمل بين كل العاملين فيها
فتخصص كل فرد فيما يجيده سيعود عليه بأقصى النفع، وعلى المجتمع أيضا، وينطبق ذلك على مؤسسات الدولة، فإذا ما انقطعت كل منها لمهمتها الأساسية فإنها ستجيدها، أما إذا تصدت واحدة منها لأداء كل مهام المؤسسات ألأخرى، فلن يقدر لها أن تنجح لا فى أداء هذه الوظائف الأخرى، بل وربما تخفق فى أداء مهمتها الأساسية، وقد انصرفت عنها لكل هذه المهام الأخرى، وسوف يتراجع أداء غيرها من المؤسسات، فلن تهتم بأداء وظيفتها الأصلية، طالما أن مؤسسة أخرى تتولى عنها أداء وظيفتها برضاء هذه المؤسسة أو رغما عنها.
تلاشى هذه الحدود بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، وداخل السلطة التنفيذية بين رئيس الدولة ورئيس الوزراء، بل أحيانا بين رئيس الدولة وبعض الوزراء، وبين بعض أجهزة الجيش والشرطة ووزارة التموين والقطاع الخاص، وكذلك بين القضاء المدنى والقضاء العسكرى، وكل ذلك يشكل بكل تأكيد مادة ثرية لتأمل علماء السياسة لكى يروا حصيلة تلاشى الحدود بين مؤسسات الدولة فى مصر، وهل يؤدى ذلك إلى تحسن أداء أجهزة الدولة عموما مما يشكل دحضا لمقولات هذا المفكر الأسكتلندى، أم أن أفكاره التى لم يشكك فيها أحد طوال قرنين ونصف قد عفا عليها الزمن.
رئاسة الدولة فى مصرمنذ يوليو 2013، وهى قطب السلطة التنفيذية، قد استراحت لكونها تمارس سلطة التشريع فى غياب البرلمان، ومن ثم فقد أفرطت فى إصدار التشريعات، وتجاوزت بذلك شرط كون مثل هذا التشريع فى غياب البرلمان هو مما تقتضيه الضرورة، ولذلك بلغ عدد القوانين التى أصدرها كل من الرئيس المؤقت المستشار عدلى منصور والرئيس عبدالفتاح السيسى أربعمائة وتسعة قوانين، تمثل كلها تحديا لمجلس النواب القادم، الذى عليه أن يصدر حكمه بشأنها فى فترة لا تتجاوز أسبوعين، والكثير من هذه القوانين لم تكن تقتضيه الضرورة،
مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة
* May 30, 2021
هيبة الدولة وسيادة القانون فوق كل الاعتبارات
*
تقبل مصر بالمسكنات السياسية
كانت البلاد “شبه دولة” عقب عزل الإخوان عن الحكم منذ نحو ثمانية أعوام،
انتقل الموقف من تركيا من الشد والعداوة إلى الجذب، وتحولت العلاقة مع قطر من التوتر إلى الوئام، ودخلت التهديدات التي طغت على الخطاب السياسي مع إثيوبيا طورا من السكينة، وفي الحالات الثلاث حدثت تطورات بدت إيجابية من دون حل المشكلات الخلافية.
القاهرة لا تريد الجري وراء التصعيد، وهو ضمن الأطر الرئيسية التي تلعب دورا في الدولة المصرية حيث تميل لحل خلافاتها بالطرق الدبلوماسية وتقتصر الخشونة على التلويح بها كعنصر ردع، لأنها تمتلك الكثير من مكونات القوة الباطشة التي يمكن استخدامها عند الضرورة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق