الأحد، 10 أبريل 2022

هل تقبل الشعوب العربية "العلمانية" كأساس لنظام الحكم؟ ***********************

Jun 20, 2020 Feb 19, 2022

 2017 قال سفير الإمارات في واشنطن، يوسف العتيبة، الأربعاء 26 يوليو/ تموز، في مقابلة على قناة "بي بي إس" الأمريكية إن "ما تريده الإمارات والسعودية والأردن ومصر والبحرين للشرق الأوسط بعد عشر سنوات هو حكومات علمانية مستقرة ومزدهرة وقوية، وذلك يتعارض مع ما تريده دولة قطر"، حسب تعبيره.

وأضاف العتيبة أن قطر دعمت خلال السنوات الخمس عشرة الأخيرة جماعات مثل الإخوان المسلمين وحماس وطالبان وجماعات مسلحة في سوريا وليبيا.

الدكتور رياض الصيداوي، مدير المركز العربي للدراسات السياسية والاجتماعية في جنيف، أن "مفهوم العلمانية ظهر في الغرب مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية ضد النظام الاقطاعي الذي كان متحالفا مع الكنيسة ومتخفيا وراءها".

 الصيداوي العلمانية بأنها "إبعاد المؤسسات الدينية عن السياسة وفصلها عن الدولة".

الصيداوي أن "رجال الدين والمتدينين عامة هم أول من يجب أن ينادوا بتطبيق العلمانية لأنهم أول المستفيدين منها وستحررهم من سلطة السياسي

 الصيداوي قائلا: "على مر التاريخ الإسلامي ومنذ عهد الأمويين لم يكن الشق الديني مسيطرا على الشق السياسي، بل العكس هو الصحيح، فالسياسي كان ولا يزال المسيطر والمتحكم في الديني".

 الصيداوي أن مفهوم العلمانية سُطح وشُوه عربيا من خلال فصيلين أولا: "رجال دين يصورن العلمانية بأنها الكفر والإلحاد"، وثانيا: "نخب تدعي العلمانية وهي هجين تقف مع الديكتاتوريات وتشن الحروب على المتدينين".

 أستاذ علم الاجتماع أن "العلمانيين العرب اختلطت عليهم الأمور فأصبحت العلمانية هي سب العروبة والإسلام على عكس العلماني الغربي الذي يقبل بالهوية القومية والديانة المسيحية"، على حد قوله.

العلمانية والمنطقة العربية


 عبد العزيز القنامي، كاتب وصحفي كويتي، إن "التحول إلى دول علمانية يحتاج إلى وعي كبير بأهمية مبادئ العلمانية من حقوق وحريات ومساوة".

صورة نمطية لا أخلاقية بفعل رجال الدين والأنظمة الإسلامية التي مازالت تحكم

العلمانية والإسلام


 الدكتور عزام التميمي، الاكاديمي والباحث في الفكر الإسلامي، إنه يجب "التفريق بين العلمانية كفكر إيديولوجي والديمقراطية كنظام حكم وإدارة، فالديمقراطية هي أهم نتاج العلمانية، لكنها ليست العلمانية".

الطريقة التي نشأت بها العلمانية في الغرب تختلف عن الكيفية التي وصلت بها إلى العالم العربي والإسلامي، إذ أن "العلمانية في الغرب كانت وسيلة الغربي للتحرر من قيود الكنيسة، على خلاف العلمانية التي جاءت إلى العالمين العربي والإسلامي من خلال المستعمر".

المشكلة في أوروبا كانت في كنيسة تبيع صكوك الغفران وتحتكر الدين على خلاف الإسلام الذي لا يوجد فيه نظام كهنوتي يحتكر دون غيره الدين

وينتقد التميمي المنادين حاليا بتطبيق العلمانية في العالم العربي قائلا إنهم "جزء من نظام ديكتاتوري يستخدم تلك المفاهيم للهجوم على الإسلام وإقصاء الإسلاميين".
لذلك مثقفيني يفضلوا المدني منهم الخشت و كاتب وثيقة الازهر 2011 

ويرى التميمي أن العلمانية لا تنسجم مع الإسلام إذ أن "العلمانية هي نظرة للكون تفصل الأرض عن السماء وتعتبر الإنسان مرجع ذاته"، على حد قوله.

*

العلمانية وصعوبات التقبل العربي

ما زال باحثون ممن ينتمون إلى الفكر السياسي الإسلامي ينظرون إلى العلمانية مرادفا للإلحاد، على الرغم من أن المكتبات العربية أصبحت مليئةً بالكتب عن العلمنة والعلمانية، سواء في سياق تشكلاتها التاريخية في الغرب، أو في تجلياتها الحالية، مع ما فيها من صراعات أيديولوجية تبين أن العلمانية ليست هي الإلحاد. وقد لعب المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات والشبكة العربية للأبحاث والنشر، وغيرهما أدوارا بالغة الأهمية في نشر وترجمة كتب لأهم علماء السوسيولوجيا والأنثروبولوجيا في العالم حول العلمانية، بهدف تقديم فهم أعمق لها.

ليس هدف العلمانية إلغاء الدين، فهذا هدف الإلحاد، وإذا ربط بعضهم بين الإلحاد والعلمانية، فما ذاك إلا لأنهم عمّموا حالة إمبريقية تاريخية على حالة عامة فوق تاريخية. وليس الإلحاد هو الجهل البسيط بالله، كي يحمل المرء لقب الملحد، بل عليه أن يكون عالما بمفهوم الإله وعالما بمفهوم الإنسان، وما نكران وجود الله إلا محاولة لإثبات إنسانية الإنسان باعتبارها مركز الوجود، وهذه حالة جاءت في عصر التنوير الأوروبي، وتوّجت مع الفيلسوف فيورباخ في كتابه "جوهر المسيحية".
باستثناء بعض الفلاسفة والمفكرين، أمثال فولتير وهولباخ وديدرو، وصف فلاسفة كثيرون في القرنين السابع عشر والثامن عشر بالملحدين، من دون أن يكونوا ملحدين بالفعل: هوبس وتفسيره المادي للكتاب المقدس، ديفيد هيوم والتاريخ الطبيعي للدين، بيير بايل والدفاع عن مجتمع أخلاقي منفصل عن الدين، سبينوزا ووحدة الوجود.

كان الإلحاد في تلك المرحلة انعكاسا لصيرورة تاريخية مثقلة بإرث الحروب الدينية وبمنجزات العقل الفكرية والعلمية، في وقت ما زالت فيه الكنيسة، على الرغم من ضعفها، سدا منيعا في منع إجراء الانتقال السياسي والثقافي الواسع. ومن هنا، كان الإلحاد جزءا من عقلانية بدت متطرّفة في عقلانيتها وعلمويتها.

بالطبع، لا يمكن فصل العلمنة عن جذرها التاريخي: نشأت علمانياتٌ تناهض الدين، وتعمل على إقصائه من المجال العام (فرنسا، تركيا)، وعلمانيات تحاول تدمير الدين داخل الذات الإنسانية (الاتحاد السوفييتي)، وعلمانيات ذات عمق بروتستانتي (الولايات المتحدة، كندا، إنكلترا)، لكنها تفسح المجال للأديان وللحرية الدينية بسبب عمق الفكرة الليبرلية فيها. ومع كل هذه التنوعات وغيرها، تبقى العلمانية مفهوما تاريخيا قابلا للتطبيق في كل أنحاء العالم، بدرجات مختلفة باختلاف البنى الاجتماعية والسياسية للمجتمعات، وبمستوى التأثير الديني، فقد تأخذ العلمانية صيغة القبول من دون الاعتراف (الهند)، وهذه أضعف أنواع العلمانيات، إلا أنها مهمة جدا في مجتمعات متنوعة دينيا وإثنيا وطائفيا.

حاجة عالمنا العربي ـ الإسلامي للعلمانية لا تقل أهمية وضرورة، على الرغم من اختلاف السياقات الحضارية مع العالمين، الغربي والشرقي. صحيح أنه لا وجود لتاريخٍ مثقلٍ بالنزاعات الدينية، ولا وجود لمشكلاتٍ دينيةٍ في وقتنا الحالي مقارنة بما جرى في أوروبا بداية الحداثة، لكن أهمية تطبيق العلمانية في عالمنا العربي تبدو ملحّةً، ليس فقط على الصعيد الديني، بل وعلى الصعيد السياسي.

نزع السحر من العالم (فيبر) سيؤدي إلى تخفيف الجوانب الخرافية في الدين، والأهم من ذلك إلى تخفيف الخرافة أو نزعها من عالم السياسة. وفي حالة نزع الخرافة عن الدين، ستؤدي هذه العملية إلى تحويل الدين إلى إيمان محض، منعزل عن معطيات العالم الاجتماعية في مرحلة أولى، ثم لا يلبث أن يؤدي إلى إضفاء بعد قيمي محض على السلوك الفردي، وإلى التفكير العقلاني ـ العلمي في تفسير الظواهر. وفي الحالة الثانية، نزع السحر عن السياسة، فإنها ستؤدي إلى جعل السياسة ظاهرة اجتماعية محضة، وما العلمانية بوصفها نظاما سياسيا إلا عملية فصل الدين عن الدولة، وتمايز المجتمع منها.

نزع السحر عن السياسة سيؤدي إلى إدراك السياسة وممارستها فعلا إنسانيا محضا خاليا من التحيزات والتأثيرات الدينية، وقد جانب محمد عابد الجابري الصواب، حين قال إن اللاشعور السياسي العربي الإسلامي هو إبراز ما هو سياسي في السلوك الديني القبلي، في حين أن اللاشعور السياسي، بحسب ريجس دوبريه، هو إظهار ما هو ديني وطائفي في السلوك السياسي.

تساعد العلمانية على إدراك التمايزات بين الديني والسياسي، وبين المجالين، الخاص والعام، بل لا يؤدي هذا التمايز إلى إلغاء الدين بقدر ما يؤدّي إلى تقوية الإيمان، حين ينحصر في الحيز الخاص. هذا الفهم ضروري في هذه المرحلة التي تمر بها الأمة العربية، حيث تعيش حالة مخاض سياسي جديد. ويمكن في هذه المرحلة تأجيل نقاش العلمانية لصالح التركيز على الديمقراطية في مرحلة أولى، لأن طرح العلمانية في هذا المفصل التاريخي سيؤدي إلى طرح سؤال الهوية، وهذا يقود إلى طرح سؤال الطائفية كما تنبه إلى ذلك عزمي بشارة.

*

يرى الجابري أن الدولة في الإسلام لا أساس دينيا لها، وإنما أساسها مدني، هي دولة الناس وهم من يقرّرونها

في المدرسة السنية لا تعتبر المسألة السياسية، أي الإمامة، أي رئاسة الدولة، من أصول الدين، وإنما تعتبر من فروعه

تعتبر المدرسة الشيعية السياسة مسألة دينية عقائدية، ومن أصول الدين عندها، وهو ما يؤسّس لكل هذه الحروب والاقتتال الجاري في العراق واليمن وسورية ولبنان

*
Jun 29, 2021

الديني والمدني

جوهر الاختلاف بين الإسلام والعلمانية لا يعود إلى ما تنادي به العلمانية من مطالب سياسية أو اجتماعية، بقدر ما يتعلق بالأسس الأخلاقية والفلسفية التي يقوم عليها كل منهما..

 العلمانية على هذا النمط، أي بمعنى المراهنة على إحلال القيم الدنيوية، بديلا من الفكرة الدينية، على نحو ما تدعو له نظريات العلمانية غالبا كفصل الدين عن الدنيا كمجالين مختلفين وجعل الإنسان المسؤول الأول والأخير أمام مصيره وهو ما عبر عنه برتراند روسل في كتابه العلم والدين عندما قال: إن العلمانية هي أن كل إنسان هو سيد نفسه، فهنا تبدو صعوبة التعايش أو التواؤم بين الفكرة الإسلامية والفكرة العلمانية لأن الإسلام يجعل من قيمة التلازم بين الديني والمدني، مسألة مركزية في وعيه العام، وهي قيمة تتعارض في جوهرها مع الفلسفة العلمانية التي تراهن على إحلال التصورات المادية. فالإسلام دین دنيوي لا يفصل الدنيوي عن الأخروي والزمني عن الروحي ويسعى إلى تجسيد رسالته في هذا العالم، وبأدوات هذا العالم، فما يميز الإسلام عن بقية الديانات الكبرى -بما في ذلك الديانات التوحيدية السابقة- هو هذا الترابط الوثيق بين الديني والدنيوي، خلافا للأديان السابقة التي لم يكن لهذا أصل في كينونتها الذاتية، وإنما كان نتيجة ظروف وملابسات تاريخية.

Oct 7, 2021

الدين في الفضاء العام

يحافظ الدين بحسب إميل دوركهايم على التماسك والتضامن الاجتماعيين عبر الطقوس والمعتقدات المشتركة، ويقوم بدور الرقابة الاجتماعية على الالتزام بالأخلاق والمعايير الدينية، ما يساعد على توافق المجتمع وضبطه، كما أنه يقدّم معنى وهدفًا للإجابة عن الأسئلة الوجودية. وعلى الرغم من أن دوركهايم يحرم الدين مما يعتبره مؤمنون كثيرون ضروريا فإنه لا يعدّه وهما، بل هو حقيقي للغاية، وتعبير عن الوعي الاجتماعي الذي هو محصلة لوعي الأفراد. على الرغم من أن الحداثة ترافقت مع العلمنة، في أماكن أخرى أكثر من غيرها، إلا أن العلمنة على مستوى المجتمع لم تعن بالضرورة علمنةً على مستوى الإدراك الفردي، واستنفرت أحيانا ردات أفعال مضادّة، ومع تراجع الدين المؤسّسي، تولّدت أنماط من التديّن الشعبي، تمأسست حينا، وولدت حماسا دينيا في أحيان أخرى.

فلا وجود لمجتمع من دون دين، والدين لا يزول، بل يتحوّل (عزمي بشارة). أحداث مثل الثورة الإيرانية عام 1979، وظهور اليمين المسيحي في الولايات المتحدة، وانهيار الأنظمة الملحدة بقيادة الدولة في الاتحاد السوفييتي، وتعاظم حضور الإسلام السياسي وتمدّده خارج الحدود الوطنية، وأحداث "11 سبتمبر" 2001. ذلك كله كان لحظات ميّزت عودة الدين إلى الممارسة السياسية العالمية، واكتسب الدين في أعقابها اهتمامًا أكاديميًا استثنائيًا، واهتمام السياسات الخارجية، ودلّ على تعدّد الطرق التي يتشابك بها الدين والسياسة.

فالدين الذي بدا أنه تراجع إلى المجال الخاص عاد وبقوة إلى المجال العام، الخلافات حول القضايا العامة مثل إضفاء الشرعية على زواج المثليين، الموت الرحيم، الموت بالمساعدة، الخلافات حول حقوق الإنجاب وقضايا المساواة، هذا ونحوه أصبح منذ السنوات الأخيرة من القرن العشرين، على جداول الأعمال السياسية الوطنية، لذلك يعتقد هابرماس أن الزمن الذي كان فيه الفضاء العام الصاعد في أوروبا، مع يقظة الإصلاحيين، فضاء للنقاش داخل التراث والفكر المسيحيين قد مضى، وأن الأمور تعقّدت اليوم مع مشاركة تراثات دينية أخرى مهاجرة، فضلا عن الخطاب المناهض للدين من قبل من يفهمون تراثهم على أنه علماني.

العلمانية وسيلةً لتعزيز رفاهية الإنسان بالوسائل المادية (قياس رفاهية الإنسان بالقاعدة النفعية) وجعل خدمة الآخرين واجب الحياة. لكن كثيرا ما انزلقت العلمانية إلى الأيديولوجيا لتصبح (كما يقترح بشارة) "علمانوية"، أو عقيدة أو برنامجا سياسيا مع دلالاتٍ معادية للدين (كريغ كالهون). مع ذلك، ليس هناك علمانية واحدة، بل علمانيات، والعلمنة ليست تاريخا واحدا بل صيرورات وتواريخ. تنتشر العلمانية في المجتمعات بدرجات متفاوتة "ويصح القول إن انتشار الدين والثقافة الدينية درجات، وإن ثمة درجات من العلمنة، أكثر مما يصح أن نقول إن الدين ينفصل عن الحيز العام أو عن الدولة أو عن السياسة فصلا كليا من خلال العلمنة" (عزمي بشارة).

بيّنت دراسة استقصائية أجراها مركز بيو للأبحاث (2011) أن 59 دولة (30% من إجمالي دول العالم) لديها قوانين أو سياسات محددة تحظر التجديف أو الردة أو ازدراء الأديان، وأن 44 دولة من تلك الدول قامت بفرض عقوبات على مثل هذه السلوكيات؛ الغرامات والسجن وحتى الإعدام. وهناك اليوم تشكيك في وجود دولة تتمتع بفصل حقيقي بين الكنيسة والدولة، إذ تسلط دراسات الضوء على مجموعة من الترابطات المؤسسية والقانونية، بين الدين والدولة، مثلا؛ بيّنت إحدى الدراسات عام 2003 (Barro and McLeary) أن هناك 75 دولة لها دين رسمي في مطلع الألفية (40% من إجمالي دول العالم)، وكان لدى دول أخرى عديدة، روابط أقل رسمية، ولكنها لا تزال مؤثرة في المنظمات الدينية، قد تعني العلمانية ببساطة التزاما معياريا بالحياد من جانب الدولة تجاه الشؤون الدينية، من الناحية المؤسّساتية، يُفهم هذا عادةً على أنه يعني التزاما بدعم الفصل بين الكنيسة والدولة. عمليا ومؤسّساتيا، فإن فكرة "الحياد" تظل مفتوحة للتأويل. فلا يوجد فهم واحد لمعنى "علماني"، عندما يتعلق الأمر بمسؤوليات الدولة تجاه الدين، فبالنسبة للعلمانية المحايدة: الدولة غير دينية ويجب ألا تدعم الدين بأي شكل من الأشكال، في العلمانية الإيجابية: لا تؤكد الدولة المعتقدات الدينية لأي دينٍ معين، ولكنها قد تخلق ظروفا مواتية للأديان بشكل عام، في العلمانية السلبية الدولة ليست مختصّة في الأمور المتعلقة بالدين، ولكن يجب ألا تتصرّف بطريقة تمنع المظاهر الدينية التي لا تهدد المصلحة العامة، وفي العلمانية الشاملة يجب ألا يُدار أو يدير الدولة دين معين، ولكن يجب أن تتصرف بحيث تشمل أوسع مشاركة للجماعات الدينية المختلفة، بما في ذلك غير المتدينين.

فصل الدين عن الدولة لا يعني بالضرورة فصل الدين عن المجتمع

بعض العلمانيين يسلطون الضوء على الطرق المختلفة التي يمكن للدين من خلالها التصرّف كقوة اجتماعية سلبية. تشمل الحجج الرئيسية هنا دور الدين في حالات العنف والصراع وحالات التمييز في قضايا النوع الاجتماعي والتوجّه الجنسي والحقوق الإنجابية؛ والحالات البارزة لإساءة استخدام السلطة الدينية،

يؤكد مؤيدو دور الدين في الحياة العامة، ومنهم علمانيون، أن الدين يوفر مجموعة من المنافع العامة ويمنح الأفراد إحساسًا بالمعنى والهوية. على هذا النحو، يجادلون بأن الجهود المبذولة لإبقاء الدين خارج المجال العام غير ليبرالية وغير متسامحة وغير ديمقراطية.

فكرة أن الدين يحتوي على بُعد أخلاقي مع إمكانية إفادة الخطاب العام، مثل تسليط الضوء على قضايا الظلم والفقر وعدم المساواة الاجتماعية والإقصاء. يعتبر الدين، بهذا المعنى، منفعة عامة جوهرية، ومستودعًا للقيم والأخلاق التي يمكن الاستفادة منها لمصلحة جميع المواطنين. تشمل الأمثلة التاريخية الشائعة على ذلك دور المنظمات الدينية في مناهضة العبودية؛ ودورها في تطوير حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة؛ ودور الكنيسة الكاثوليكية في معارضة الأنظمة الشيوعية للكتلة السوفييتية، والمساعدة في إسقاطها في نهاية المطاف. يتماشى مع هذا التأكيد الشائع على أن الدين يوفر مصدرا فريدا ومفيدا لرأس المال الاجتماعي، مما يساعد على إنتاج "الرابط الاجتماعي" للثقة العامة والتعاون والتماسك الذي يحتاجه المجتمع الديمقراطي لكي يعمل بفعّالية. الحجة الرئيسية في هذا الصدد هي أن المواطنين المتدينين هم أكثر عرضة للانخراط في الأنشطة الخيرية، مثل التطوع والتبرعات لأسباب خيرية، من المواطنين غير المتدينين

ما بعد العلمانية

ا ينبغي السماح له بدور متميز في الحياة العامة، ولكن يجب أن يكون بخلاف ذلك مشاركًا حرًا ومتساويًا في المناقشات السياسية. بعضهم، مثل هابرماس الذي يعود له الفضل في تعميم مصطلح ما بعد - العلماني ومشتقاته، يقيد تلك المشاركة بشروط؛ ففي مجتمعات متنوعةٍ وتعدديةٍ يحمل المواطنون مجموعة متنوعة من وجهات النظر العالمية المتنافسة وأحيانًا غير المتوافقة، يجب على الفاعلين الذين يقدّمون الحجج في المجال العام أن يتبنوا الشكل العلماني للغة والاستدلال أي الإطار الذي يوصف عادة باسم "العقل العام"، لأن الحجج المعبر عنها بلغة دينية تبقى مفهومة فقط لأعضاء المجموعة الدينية، وبالتالي لن تكون متاحةٌ عالميًا لجميع المواطنين، ومن الضروري الاتفاق على مجموعة معايير للمفاهيم واللغة توفر للغالبية العظمى من المواطنين إمكانية فهمها والاتفاق عليها، تسهيلا لهذا النوع من المشاركة التداولية والتبادل الحر للأفكار. غربا، لا تزال المناقشات حول نطاق معايير المجال العام مستمرة. يجادل بعض العلمانيين بأن العقل العام يجب أن يطبّق فقط على القضايا التشريعية والدستورية، لكن البعض الآخر يؤكّد أن المبدأ يجب أن يمتد ليشمل مفهوم المجال العام الذي يشمل جميع مسائل الخطاب العام وصنع القرار السياسي بين المواطنين.

وأعلن هابرماس في العام 2008 أنه يمكن اليوم وصف الوعي العام في أوروبا بمصطلح "مجتمع ما بعد علماني ".
 ما بعد العلماني لا يعني انتهاء العلمانية بل العلمانية متحررة من الأيديولوجيا.

عربياالعلمانية أم الديمقراطية؟

يتفق بشارة مع الجابري على ضرورة التركيز على الحديث عن الديمقراطية، بدلًا من الحديث عن العلمانية، لكن من منطلق مختلف، وهو أن تبلور الثنائية القطبية "علماني/ ديني" يمكن أن يفضي، في سياق الانتقال الديمقراطي، إلى "الاحتراب الأهلي"، بين أنصار طرفين يتماهى كل منهما مع موقفه، إلى درجة تحويله إلى هويةٍ له.

*
Oct 13, 2021

السرد الحديث للأيديولوجيا القديمة: العلمانية

قبول الجماهير للدين أو إنكاره ليس مقياسًا لحقيقة الدين 

في أوساط غير المتدينين، يسود ترحيب شديد بالأخبار والتحليلات التي تفيد بأن العالم قد أصبح أكثر علمانيةً. وقد يتحول هذا الفرح إلى شعور بالنصر يصل في بعض الأحيان إلى حد التحريض.

في المقابل، تميل الدوائر الدينية إلى إثبات نظرية مخالفة مفادها أن التدين يتزايد في العالم. لكن "علمنة" العالم في واقع الأمر لا تمس من مكانة الدين. وفرضية أن التدين يتزايد في العالم، لا تعني هيمنة دين معين على حساب البقية

في القرآن الكريم إشارة إلى أن معظم الناس بعيدون عن قبول الحقيقة، وأكثر ميلا إلى السعي وراء الثروة وتلبية الشهوات، ومعرضون للغفلة والضلال بسبب جهلهم. وهذه الحقيقة التي يمثلها القرآن لا تستدعي توافق البشرية جمعاء عليها. بعبارة أخرى، قبول الجماهير للدين أو إنكاره ليس مقياسًا لحقيقة الدين.

وفي القرآن الكريم مواساة للنبي عندما حزن على الناس الذين لم يستطع هدايتهم، بقوله تعالى "وما أنت عليهم بوكيل"، و"لست عليهم بمسيطر"، و"إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ"، و"لعلك باخعٌ نفسك"، "وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ".

 تذكير لأولئك الذين يحاولون تقديم العلمانية اليوم كوسيلة للتحرر من التعصب الديني. واليوم كما هي الحال في الماضي، تُطرح الهواجس الأيديولوجية الأكثر تعصبًا باسم العلمانية، وننسى أن العلمانية -وليس الدين- هي التي قادت البشرية إلى حربين عالميتين.

*Jan 26, 2022

تمنع العلمانية تطييف السياسي وتمنع تسييس الطائفة، وتقدّم رؤية ومنهجا مستقبليا لخلع أدوات الصراع الديني والطائفي داخل المجتمع

 بتنقية الدين من شوائبه، وتجعله أكثر قوةً على الصعيد الوجداني، بما يجعل من انعكاساته على المجتمع محصورة بسلوك أخلاقي طهوري مغلف برؤية دينية. وقد لعب مفكرّون عرب علمانيون كثيرون دورا سيئا على الصعيد المعرفي، حين اعتبر بعضهم العلمانية نظرية إبستيمولوجية، بما يتطلبه ذلك من موقفٍ حدّي حازم بين الدين والمعرفة العقلية، واعتبر بعضهم الآخر أن العلمانية تهدف إلى القضاء على الدين في المجتمع.

رجال دين يرفضون العلمانية بالمطلق، حيث لا يزالون ينطلقون من مخيال ديني اجتماعي سياسي لم يعد موجودا، الأمر الذي يترتّب عليه التعامل مع أدوات الحداثة السياسية (الدولة، الديمقراطية، العلمانية، المجتمع المدني .. إلخ) كتعامل إجرائي ليس إلا.

إصرار الأقليات على الفصل بين الدين والدولة ليس نابعا من موقف علماني وسياسي مرجوّ لما يجب أن تكون عليه الدولة والمجتمع، بل موقفهم هذا نابع من اعتبارات أقلوية.

الدولة العربية تفضل بقاء الدين بين كنفها، فهي لا تعمل على فصل نفسها على الدين، خوفا من انفلات الأخير. ولذلك، ترفض هذه الدولة الخطاب الديني الذي يريد الهيمنة على السياسي، وترفض في المقابل الخطاب العلماني الذي يدعو إلى الفصل التام.

*





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق