أثر هبوط الدولار في الكويت! محلل مالي
Oct 13, 2020
عجز الميزانية الأميركية آخذ بالنمو إلى مستويات قياسية (ويقدّر بحوالي %16 من الناتج المحلي الإجمالي لسنة 2020، وبمعدل سنوي قد يصل إلى 4.5 تريليونات دولار)! كما أن الدين العام مستمر في تحليقه الصاروخي، ويتوقع أن يفوق الناتج المحلي الإجمالي بمعدل %120.
دور الدولار ما زال رئيسياً في المعاملات المالية الدولية وكعملة احتياط لجميع البنوك المركزي (ولو بدرجات متفاوتة)، وسيستمر كذلك لسنوات، إلا أن انتشاره بدأ يتقلّص تدريجياً خلال العقدين الماضيين؛ أي إن الرؤية ليست وردية.
ومع اشتداد جائحة «كورونا»، ازدادت الضغوط السلبية على الاقتصاد الأميركي بحيث تفاقم العجز وارتفع الدين العام إلى مستويات غير مسبوقة
وأول مؤشر هو تقلص حاد في صافي الادخار في الاقتصاد الأميركي وبوتيرة غير مسبوقة منذ 1947. وذلك نتيجة عجوزات الميزانية المتنامية والتي زاد ورمها مؤخراً بسبب الدعم المالي لدرء أضرار جائحة «كورونا»، مما سيشل قدرة الصرف الاستثماري لإعادة إنعاش الاقتصاد، والأهم، سيمنع التحديث الضروري للبنية التحتية المتهالكة.
أما المؤشر الثاني، فهو تدهور العجز في الحساب الجاري الأميركي مع بقية دول العالم وتوقع استمرار تدهوره بنفس الضخامة. وبغياب الادخار المحلي (المؤشر الأول أعلاه)، لن تتمكن أميركا من تمويل الإنعاش والتجديد الضروري ذاتياً، وستضطر للجوء إلى قروض واستثمارات خارجية – وهذا يعني زيادة عجز الحساب الجاري.
كما أن البنك المركزي الأميركي قد استنفد تقريباً ذخيرته بعد تهبيط سعر الفائدة إلى حوالي الصفر، وبلا نتائج مجزية، واضطر الآن لتغيير سقف التضخم المقبول من حوالي %2 إلى معدل مرن! أي أنه قد استسلم وتوقف عن محاولة إنعاش الاقتصاد الأميركي الأساسي في المدى القصير/المتوسط بواسطة السياسة النقدية، وأعلن نيته إبقاء أسعار فائدة منخفضة جداً، ربما لسنوات.
وبسد باب رفع الفوائد، لن تستطيع أميركا إغراء الأموال الخارجية الضرورية على الهجرة إليها، ما يبقي فقط خيار هبوط سعر صرف الدولار لمعالجة عجز حسابها الجاري المتفاقم.
ويرى الأستاذ روتش أن هبوط الدولار قد بدأ فعلاً منذ فترة، وبالرغم من قفزته المؤقتة (حوالي %7) بين فبراير وأبريل 2020 نتيجة الفزع العالمي من جائحة كورونا والهروب الجماعي إلى الدولار الآمن نظرياً، فإنه سرعان ما تبين أن أميركا ليست معصومة من الجائحة، فَهُجِرَ الدولار الذي عاد وتدحرج %4.3 بين مايو وأغسطس 2020، وهو مستمر كذلك (ووصل هبوطه %10.8 مقابل اليورو، %4.6 مقابل اليوان الصيني). وبالرغم من هبوطه الحالي، يرى الأستاذ روتش أن الدولار ما زال أكثر عملة مبالغ في قيمتها (ويقدر نسبة المبالغة %27)، ويتوقع أن يتسارع هبوطه ويتحول إلى انهيار قد يصل إلى %35 مع نهاية 2021
سعر صرف الدينار الكويتي مربوط بسلة من العملات الرئيسية التي تتاجر معها الكويت. ومن الطبيعي أن يشكل الدولار أكبر وزن في هذه السلة بحكم أن النفط يباع بالدولار، ويشكل غالبية إيرادات الدولة ومن ثم كلما كان الدولار قوياً، كذلك كان الدينار بقدرته الشرائية تجاه عملات الدول الأخرى التي نستورد منها. وهذه فلسفة حكيمة ومجربة منذ عقود.
كان الهبوط الحاد في أسعار النفط في 2014/2015. أما الآن، فعلينا الانتباه والحذر من التغيير الثالث القادم، ألا وهو احتمال حدوث هبوط كبير في سعر صرف الدولار.
مؤشِّران اقتصاديان مهمّان:
1- تقلّص صافي الادخار في الاقتصاد الأميركي
2- نمو عجز الحساب الجاري الدولي
الاقتصاد الكويتي يواجه 3 متغيّرات:
1 - عجز الميزانية
2 - ضعف الإيرادات النفطية
3 - احتمال هبوط الدولار
*
الرفاه ذهب مع الطفرة النفطية، وأن على الجميع ربط الأحزمة.
الخبراء أنّ لا مناص من أن تسلك الكويت طريق دول خليجية أخرى لجأت إلى فرض الضرائب لأجل تنويع مصادر دخلها. كما أن لا حل أمامها سوى التحكم في الإنفاق السخي الموجه إلى القطاع الحكومي، والتقليص من العلاوات الموجهة إلى قطاع واسع من الموظفين غير المنتجين.
وتهيمن على الاقتصاد الكويتي القوانين التقليدية، حيث تسيطر الدولة على جميع القطاعات المنتجة، وتجد صعوبة في تقليص الإنفاق بسبب الرفض السياسي والشعبي لأيّ تقليص للإعانات والدعم الحكومي، في وقت لا يزال فيه دور القطاع الخاص محدودا في تخفيف الأعباء عن الدولة.
ولم تتخلّص الكويت حتى في رؤيتها 2035 التي أعلنتها منذ سنوات من اعتمادها على عوائد النفط في تمويل الوظائف الحكومية، حيث يعمل أكثر من 75 في المئة من المواطنين الكويتيين في القطاع العام، إضافة إلى الإعانات الحكومية الباذخة لقائمة طويلة من الخدمات والسلع.
واعتبر اقتصاديون أن تلك الأوضاع طاردة لرأس المال المحلي والأجنبي، مما يعرقل تنويع الموارد المالية وزيادة مساهمة القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي، حيث ينحصر دوره في مساحة ضيقة من المجالات الصناعية البسيطة.
*Nov 8, 2021
دعاة التقشّف تجاهلوا وجود أدلّة حقيقية على عواقب وصفات التقشّف التي مارستها الدول أو المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي. المشكلة أنهم يواصلون هذه الدعوة الفاشلة. فثمن التقشّف «قاتل» ولا يمكن قياسه بمعدلات نموّ الاقتصاد حصراً، إنما بعدد سنوات العمر المفقودة والوفيات التي كان يمكن تجنّبها.
«ما فائدة زيادة معدّل النموّ الاقتصادي إذا كان هذا الأمر يشكل خطورة على صحتنا؟». ما يمكن استنتاجه من الكتاب أن فكرة «الأجر الاجتماعي» هي الحلّ لحماية الناس من مخاطر البطالة والفقر عبر توفير الرعاية الصحيّة للأفراد بدلاً من رفع قدرتهم على الدفع. النص الآتي هو جزء من خلاصة الكتاب
مصطلح «الجسد الاقتصادي» The BODY Economic؟ إنه بالطبع ردّ على مصطلح «الجسد السياسي».
جسد السياسي كما يرد في القاموس هو «مجموعة من الأشخاص المنظّمين تحت سلطة حكومية واحدة، الشعب يُعدّ وحدة جماعية».
نشرح الجسد الاقتصادي بالشكل نفسه: «مجموعة من الأشخاص المنظّمين بموجب مجموعة مشتركة من السياسات الاقتصادية؛ الأشخاص الذين تتأثر حياتهم بشكل جماعي بهذه السياسات».
ما هي الآثار الصحية للاختيار بين سياسَتي التقشّف والتحفيز الماليّتَين؟
لقد فشلت سياسات التقشّف لأنها غير مدعومة بأي منطق سليم أو بيانات تثبت صحّتها. إنها مجرد أيديولوجية اقتصادية، تنبع من الاعتقاد بأن الحكومات «الصغيرة» والأسواق الحرّة تكون دائماً خياراً أفضل من تدخّل الدولة. إنها أسطورة معتقد راسخ بين السياسيين استفاد منه أولئك الذين لديهم مصلحة في تقليص دور الدولة، وفي خصخصة أنظمة الرعاية الاجتماعية لتحقيق مكاسب شخصية. إن سياسة التقشّف تسبّب أضراراً كبيرة، إذ تعاقب الفئات الأكثر ضعفاً وتهميشاً، بدلاً من أن تعاقب الذين سبّبوا الركود الكبير.
اتخذ السياسيون الأيسلنديون خطوة مهمة. فقد سمحوا للناس بأن يقرروا، بشكل ديمقراطي، ما إذا كانوا سيقبلون بإجراءات التقشف المُرّة لدفع ثمن جشع المصرفيّين. كلمة «لا» الصاخبة التي سُمعت حول العالم من شعب أيسلندا، أثارت الجدل. لكن التاريخ أثبت صوابية خيار الناس. أصبح اقتصاد آيسلندا أقوى من ذي قبل، ورغم الركود الهائل، فقد تحسّن وضع الصحة العامة بالفعل خلال فترة الركود.
لا يمكننا أن نأتمن بقراراتنا إلى الأيديولوجيات والمعتقدات. غالباً ما يروّج السياسيون، من اليسار واليمين، للأفكار القائمة على النظريات الاجتماعية والأيديولوجيات الاقتصادية المسبقة، وليس على الحقائق والأرقام والأدلة القاطعة. فقط عندما يتمكن المواطنون من الحصول على الأرقام والأدلة، يمكن للسياسيّين أن يكونوا مسؤولين حقاً عن اتخاذ قراراتهم، وعن آثار تلك القرارات في ما يخصّ الحياة والموت.
*
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق