الخميس، 14 أبريل 2022

ثنائية الحرب والهلس أو لماذا قد يضع الضابط فتاة ترقص في دماغه؟ ***** الوصاية الاخلاقية

Mar 26, 2021 Nov 10, 2021Dec 22, 2021

ضحايا الوصاية الأخلاقية *التشهير*********************

 علاء الأسواني رسالة إلى حراس الأخلاق في مصر

شرطة حماية الأخلاق لعب دور حامي الفضيلة

العولمة و فلسفة الأخلاق

مصطفي النشار اهم المفكرين والفلاسفة المعاصرين إعادة بناء قيمنا الأخلاقية

الانتحار الجماعي؟ الضوابط الأخلاقية لبناء مجتمع 

نهاية الأخلاق و ضرورة الإيتيقا *****

 التآمر العالمي ضد الأخلاق والقِيَم

عن هاجس الإسلاميين الأخلاقي *****

الخطاب الديني والمسلك الأخلاقي

الاخلاق والدين -*/ *********************

"أولاد آدم".. عندما يتوشّح الفساد بغطاء من الأخلاق والمبادئ


هناك عرف شهير متوارث في البرامج الحوارية المصرية الخاصة باستضافة فنانات وفنانين السينما والتليفزيون، يعتمد على أن يتقدم الحوار في اتجاه معين يضمن الإيحاء بأن الصورة الحقيقية/الواقعية صورة منضبطة-عادية، هناك بينها وبين الصورة الفنية مسافة، أي أن هناك نسخة أخرى.

 (عملتي إيه لما عرفتي إن عادل إمام هيمثل قصادك المشهد؟ -كنتْ خايفة ومرعوبة لكن هو احتواني). فيبتسم المذيع ويؤكد على الكلام، مثلًا: (عكس ماكنتِ متوقعة؟ – بجد مفيش زي البني آدم ده، وده اللي بيفرق الممثل الكبير عن غيره).

بشكل عام، الصورة التي يظهر عليها الفنانون ومؤدو الاستعراض والفرجة بشكل عام -عادة- هي صورة أقل بريقًا ودرجة إضاءتها هادئة عن صورتهم الفنية. لابد أن يظهروا منصاعين للمجتمع، يؤكدون على الثوابت طوال اللقاء، وأن الصورة الفنية التي تظهر في الأفلام، خاصة إذا كانت أدوارًا «جريئة»، هي نسخة خاصة بالفن، لابد من الإمعان في تأكيد أن هناك اختلاف بين النسخة الفنية ونسخة الحقيقة.

يُستحب مثلًا أن يكون هناك تأكيد إنه راجل شرقي جدًا، في الستات إنها بيتوتية جدًا ولسه راجعة من العمرة أول الشهر. النسخة الاعتذارية نسخة مهمة جدًا للظهور التلفزيوني في السياق المصري، خاصة في تاريخ سينمائي فني يسمح بوجود هوامش تحررية إلى حد ما، لأبطال وبطلات الدراما تحديدًا، أبعد بدرجة ما عن الأكواد المتعارف عليه في الواقع. ويتبارى المذيعون الأكثر احترافًا في إخراج تلك النسخة من ضيوفهم، مثل عمرو أديب ومنى الشاذلي، بحيث تتجلى مهارتهم في كونهم مندوبين لوجهة نظر الجمهور والمجتمع. عاوزين نطمن الناس إن النسخ الفنية مش موجودة في الحقيقة. هذا الاعتذار والمسافة هما ما يضمنان أن الفرجة تظل فرجة، أنها لن تنزل إلى الواقع.

فتاة التيك توك كسرت أكواد الفرجة هذه.

هي بنت طبقة لا يعطيها العقد الاجتماعي امتيازات كثيرة، لتلتزم مقابلها بأن تكون وكيلته في حراسة صورته المنضبطة وأكواده الأخلاقية العامة. تفتح حسابًا على تيك توك كممارسة طبيعية لالتحاقها بسوق العمل، لتزود دخلها. تفتح الكاميرا، كأنها تأخذ شيفت في كول سنتر أو محل ملابس أو كوافير، أو أي شغلانة لا تتطلب رأسمال أو مؤهل تعليمي ضامن للصعود الطبقي. متخففة من قيود بنات الطبقة الوسطى، فتتعامل بأريحية أكثر مع ظهورها. تعطي إشارة لاحتمال عدم الالتزام بطبقتها. قد تتربح، لتكون شبح يصعد طبقيًا بطريقة لا تستطيع الدولة متابعتها وملاحقتها. مال سايب، لا نستطيع وضع يدنا عليه.

تقدّم فتيات التيك توك صورة ممكن يطلع منها العفريت. قطة شرودنجر

وبينما تثير عنده صور الفنانات والفتيات من الطبقة الأعلى -من موقع المتفرّج- رغبتي التلصص والفضول، فإنها لا تثير الرغبة في الاقتحام والتملك، اللذين يتولدان بالأساس من إمكانية الاستقواء. هم يغضبون على هذا الجسد، لأنه يمكن أن يغضبوا على هذا الجسد: لأنه يمكن أن يمتلكوه. بنت الجيران أو بنت الحتة، يمكن أن نصل إليها، يمكن أن نجيبها من شعرها. تهدم فتاة التيك توك اقتراحين للمسافة: الطبقية وأن تتحول لفقرة استعراضية بحتة، لذا فإن إحساسًا بأحقية الانتهاك سيكون بدوره مسافة السكة.

معضلة فتاة التيك توك بالنسبة لـ«قيم الأسرة المصرية»، أنها ليست «فتاة التيك توك». هي أي فتاة؛ بنت الجيران، فتاة النيكست دور، ليست غنية ولا نجمة سينمائية ولا أجنبية، احتمال تكون «بنتنا». لا يستطيع وضعها في خانة فُرجة، ويغلق عليها ويريح نفسه. هي وإن كان ما تقدمه يخضع لجماليات الشبكات الاجتماعية القائم على حصد المتابعين، والتي تسعى للإعجاب بشكل أو بآخر، إلا أنها لا تحقق المسافة الكافية ليكون ما تقدمه موضوعًا للفُرجة فقط.

ليست ممثلة أو راقصة، ولا هنا لتقيم حربًا وتعلن عن نفسها في قضية مثلًا، حتى لو كانت حرية الرقص مثلًا، فيمكن وضعها في خانة، والتي حتى لو كانت دفاعًا عن حرية، فهي خانة في النهاية، وتعني انضباط مطمئن. لا تشعر بالعار تجاه لهوها، ليس لأنها قابضة على الجمر، لكن لأنها أصلًا لا تقدم نفسها بوصفها أي شيء. هي عادي يعني، تقدم لحظة تافهة، عابرة، لحظة هزل وتخفف واستمتاع. وهي مربكة لهذا السبب بالذات، لأنها تافهة وعابرة.

هي مخيفة لأنها تفعل ما تفعله براحة، وهو شعور مزعج ومقلق ويقض مضاجع. ستات التيك توك لسن فقط أي ست تمارس حريتها، ولكن هن أي ست تمارس حريتها في العلن دون إحساس بالذنب، عادي يعني.

مجرد فرد يلهو.

يغذي تلك الحالة طبيعة تطبيق تيك توك نفسه، هو تطبيق هايف إذا جاز التعبير، يشجع حالة اللهو والتهليس. ليس جادًا مثل فيسبوك وتويتر وحتى إنستجرام. فقير، معظم محتواه تقليد لمقاطع مضحكة من أفلام، أو تزامن شفاه مع مقاطع أغانٍ. محدود ومحصور، لكن به صفة فريدة، هو مقام لهو بالدرجة الأولى، غير مربوط بأي هدف، سوى المتعة. حاجة في الفراغ.

. يقدم الإنفلونسر اليوتيوبي والفيسبوكي صورة منضبطة في نهاية الأمر، وعندها معايير معيّنة لـ«كيف تعيش حياتك على الوجه الأمثل»، و«كيف تكون ناجحًا» وغيرها من الكيفيتات الكثيرة، أو كتالوج حد أدنى من إبداء الانصياع لمرجعية يمكن أن نحاسبه على أساسها. جاد، حتى في هزاره.

يقدم التيك توك صورة هلّاسة، شبحية، لحظية، مدوخة، سريعة الفوران، سريعة الذوبان، صعلوكة، ممكن تهبش وتجري، مغوية، ومراوغة، ومتلاعبة، وغير ممسوكة. صورة متدفقة وفياضة، تُتنج بإفراط، ومفرطة في لا أهميتها. مرقعة ومستنسخة بنسخة مشوشة. إنتاج تيك توك في معظمه استنساخ وتقليد لصور مقتطعة من سياقها، استنساخ يتضاعف ويتضاعف، حتى يُمحى الأصل والسياق، ولا يغدو مهمًا، لذا فحتى الهز عليه سيغدو أكثر إرباكًا.

في حال كنت على الناحية الأخرى، في موقع المجتمع أو المتفرّج، لابد أيضًا أن يكون هناك مسافة بينك وبين «الذنب» الذي تتفرّج عليه. أن يبقى في موقعه بالنسبة لك كحالة استعراضية، فُرجة، فاترينة، بينك وبينها شاشة تليفزيون أو خشبة مسرح، حاجز زجاجي أو حاجز طبقي. تلعب المسافة الطبقية دورًا إخفائيًا، كأنه يحدث في عالم غريب بعيد، يتحوّل معه الذنب لفانتازيا. قد يتلصص مواطن أنديل الأسمر على فتيات طبقات أعلى على انستجرام، أو نجمات أجانب، دون أن يشعر بضرورة اتخاذ موقف أخلاقي، لأن هناك مسافة. الموضوع المتفرّج عليه بعيد، وتجريدي، مفهوم جمالي وليس واقعي، يمكن استهلاكه بتنويعة مشاعر، غير ندّية: افتتان إعجاب حقد احتقار. الشهيرات والغنيات والأجنبيات يُسمح لهن بما لا يُسمح لغيرهن. الطبقة تخفي أصحابها عن الصورة العامة للوطن.

يضمن بُعد الطبقة أن صورة ممارسة الحرية موضوع للفُرجة وليس للتعايش، مثلما نجوم السينما موضوعات للفُرجة، وإذا قرروا النزول لعالمنا وتقديم أنفسهم كبني آدمين، فليدفعوا ضريبة النسخة الثانية. سيلاحق الجمهور شريف منير على صور بناته الصغار لأنه وضع صورهن على إنستجرام، وليس لأنهن يلبسن هكذا في الواقع. سيشتمه بأفظع الألفاظ، وسيقدّم الفنان في هذا الجمهور محضرًا لشرطة الإنترنت، ويرفع فيديو يرد فيه عليهم، وراءه بناته و.. علم مصر. في واقع فائق، يلعب المعروض فيه على الحدود بين الواقع والاستعراض. قد يشعر المتفرّج بكسر حدود الفرجة، أو يحب توهّم ذلك.

حاربت الدولة المهرجانات عندما خرجت من سياقها واخترقت طبقات أخرى، وبدأت تتنبه للمكاسب في السوق غير الرسمي، على الإنترنت، بلا سيطرة كاملة منها. وواجهت بنات التيك توك عندما لاح احتمال لصعود طبقي، ولتكسّب أموال لا تضع يدها عليها. هي تقدم مثالًا للصعود من وراء ظهرنا، بدون مباركتنا. يمكن أن تصعد، لكن بأن نقدّمك كلقطة «مع إنه» ابن بائع الفريسكا أو ابن البواب. كله تحت السيطرة. الفقراء مجال أرحب لممارسة استعراضات السلطة لسيطرتها، لابد أن يظهروا بشكل معيّن، لأنهم «الشعب»، الذي سيأخذ معه الرئيس صورة، عندما يريدهم في مصلحة. الطيبون البسطاء، ملح الأرض، أو فزاعة للطبقات الأخرى، وفرصة للشعور بالتفوق الأخلاقي والطبقي.

فتيات التيك توك أكثر من مجرد كارت جديد في سوق الاستعراض، لأن محطة الفرجة الأولى، المؤسسة الرقابية، ذات التركيبة المعقّدة من رأسمالية أبوية، تبحث عن موقعها في كل الصور، وعندما ستسمح بهوامش سيكون بسمسرتها، وستلوش في أي هامش استعراض ليست لها حصة منه أو تحت مظلتها، سواء كان هذا الاستعراض اسمه دراما وأفلام ومنصات عرض على الإنترنت، أو تجمعّات شبابية يتكلّم عنها العالم. ويمكن حتى تسمح بهامش حرية أعلى، لكن في زوايا وزخانيق معيّنة أكثر خفاء عن الجمهور العام أو صورتها العامة.

الأنثى السايبة -في أقصى صور تطرفها عادة أي الراقصة- يفضل أن تختفي بأن تتحول لفُرجة. ففي أحد تجليات الخفاء هو أن ينقلب لـ-مايبدو- نقيضه؛ فرجة. والفُرجة تصنع المسافة الكافية لعدم التوحد مع الفعل، فكأنه يحدث في الخفاء لا في الحياة الواقعية. هنتفرّج على الراقصة، لكن مش هينفع تروّح معانا البيت. 

لو أرادت تلك الأنثى الانضمام لبيت العائلة، فعليها تقديم نسخة ثانية اعتذارية صالحة للقبول المجتمعي. لابد أن تعتذري عما فعلتي. أنا كده وكده أيضًا. أرقص ولكني أذهب للعمرة، أرقص ولكني أم صالحة، أرقص ولكني شريفة. الارتياح المبالغ فيه مزعج. دينا ترقص ولا تعتذر عن الرقص أبدًا،  لكن عندما تقول أنها مثقفة وخريجة آداب فلسفة، تنتظر تصفيق الجمهور، لأن نسختها من الرقص، فيها «لكن»، تفتح بابًا مواربًا للنسخة الأخرى. هي ليست هكذا «فقط». في السينما أيضًا، لو لم تؤطر في مساحة الفقرة الاستعراضية، ونزلت لملعب دراما قصة الفيلم، فهي إما تتسق مع صورتها كبؤرة عار، أوتقدّم نسخة اعتذارية، غالبًا بأن تصبح أم. بمبة كشّر هي «أم وعندها قضية»، سونيا سليم في «الراقصة والسياسي» سيكون ملف قبولها لدى المجتمع الذي تتهمه بالنفاق والزيف هو سعيها لفتح ملجأ أيتام. وزوزو بنت الراقصة هي الفتاة المثالية.

 ازدواجية تقود إلى كود سحري؛ انت ممكن تعمل أي حاجة بس ماحدش يعرف، خد لك ساتر، ولو حد عرف اطلع اعتذر عنها. عيش حياتك بس في السر، وتبقى عارف إن ده غلط، المجتمع واخد عليك بنط، ومتعلّم عليك، ما ينفعش تبقى نسختك اللي بتمارس حريتها تبقى حاسة إنها تمام، عينك تكون مكسورة، ما تبقاش بجح، وإلا وقتها ستكون انت اللي بتجر شكلنا، انت اللي ظهرت للعلن، ومارست «الفجور» في الطريق «العام».

شفنا الفيلم ده قبل كده

فتاة التيك توك بالفعل تهديد لقيم الأسرة المصرية، لأن أهم قيمة فيها «منظرنا قدام الناس»، 

منظرنا قدام الناس، هو الأب وراؤه عائلة محترمة، أو القائد وراؤه كتيبة منضبطة. كما قدمت الدولة فيلم الممر (2019)، وروجت له باعتباره الصورة التي تمثلها، منطلقًا من موازاة مع لحظة معينة في تاريخ نظام 1952، وهي هزيمة الجيش في 67، فاللحظتان (2013 و67) لحظتا «استثناء» أو طوارئ. تجاوب صورة الممر بكل دقة على سؤال: لماذا قد يضع الضابط فتاة ترقص في دماغه؟

في الممر، هناك خط أساسي لقصة صحفي. إحسان (أحمد رزق) صحفي مغمور يتجه بعد الهزيمة لكباريه، لتستلقطه الأختان الراقصتان عزيزة الرعاشة وروحية ما أعدمكشي، وتطلبان منه أن يكون مستشارهما الإعلامي، فالوالدة علمتهما أن «بعد الحرب والثورة؛ الهلس بيكتر والهليسة». صوّر المشهد بشكل كاريكاتوري: تلتقط الكاميرا الراقصتين، بلو أنجل شوت، فتبدوان كوحشين، يفترسان الصحفي، الذي يرضخ، وسرعان ما يعاقب باحتقار مجتمعه، قبل أن تنقلب حياته بحادثة سيارة، فيمر عليه شريط ذكرياته، وتظهر فيه الراقصتان. ينتفض، ويعزم على تغيير حياته، فيتجه إلى الضابط نور الدين (أحمد عز) ويترجاه بأن يسمح له بالانضمام إلى كتيبته. وعلى مدار الفيلم، لا يفوت جنود الكتيبة فرصة للسف على الصحفي: يا بتاع الرعاشة وما أعدمكشي.

الدولة ذكر (معروفة) وأب يسيطر على الوطن الأنثى الفلاحة الأم؛ مصر هي أمي، ومصر يا أمة يا بهية. بديهيات. وعندما يهزم، يطعن في ذكورته، تتفكك عائلته، يلوث شرفه بانحراف نسائه، ويضيع شبابها.

ستقبض الدولة عام 1997 على عشرات الشباب من محبي موسيقى الميتال، لأنهم يقيمون حفلات «غريبة» و«ماجنة» في قصر البارون المهجور. ستصمهم بالعار، وتطلق على قضيتهم «تنظيم عبدة الشيطان»، وتثير زوبعة إعلامية، فيفزع الرأي العام، ثم يتنفس الصعداء ويبتسم لأن الأب مفتح عينه، وستتحوّل القضية لمرجع بصري ممتاز للشباب المنحل.

*


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق