Apr 6, 2020 Jun 27, 2021 Apr 7, 2022
تعارضا موهوما بين الحاكمية والسيادة، إذ إن بعض الإسلاميين يعترضون على العلمانية والديمقراطية انطلاقا من كونهما تقرران دولة الإنسان وتؤكدان على سيادة الأمة، في حين أن الإسلام يقرر أن الحكم لله.
وبعض العلمانيين يدعون إلى تبني علمانية شاملة ترفض أن تكون للدولة مرجعية إسلامية، وتؤكد -في أحسن الأحوال- على احترام الدين، ولكن مع حصره في المجال الخاص؛ فإلى أي مدى يصح هذا التعارض وذلك التقابل؟ ++ المسيري
سياسيو العالم وإن اتفقوا على وجود سيادة ضرورية لتدعيم الحكم وشرعيته؛ فإنهم لم يتفقوا على مصدرها وأساسها، فمنهم من اعتبرها حقا طبيعيا، ومنهم من اعتبرها سلطة دينية يقوم بها رجال الدين، ومنهم من جعلها ذاتية للملوك بما لهم من النيابة عن الله، وهو ما سموه بالحق الإلهي"؛ (علال الفاسي، "مقاصد الشريعة"، ص: 213).
من الواضح أن فكرة استمداد الحاكم للسلطة مباشرةً من الله فكرة غريبة كل الغرابة عن التصور الإسلامي؛ كما أوضحنا سابقا. وذلك ما يؤكده جنوح الفقه الإسلامي إلى جعل الإمامة من المصالح المرسلة، ورفْض التيار العام من المفكرين الإسلاميين من "أهل السنة والجماعة" لفكرة الوصية؛ كما بيناه سابقا عندما تكلمنا عن الطبيعة المدنية للدولة الإسلامية.
رفض الخلفاء الراشدين تسمية أنفسهم خلفاء الله، بل اعتبر أبو بكر نفسه خليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم تتسرب نظرية الحق الملكي المقدس إلا مع بعض الخلفاء العباسيين الذين أكدوا أنهم يحكمون بتفويض من الله، كما يظهر من قول أبي جعفر المنصور: "إنما أنا سلطان الله في أرضه".
أما بالنسبة لنظرية الحق الطبيعي؛ فهي -كما يقول الأستاذ علال الفاسي- مجرد فرضية لا يترتب عليها أثر إيجابي، بدليل استعمال كل واحد من المذاهب السياسية لها في التدليل على رأيه.
يملكون خلعه وعزله لأن مصدر قوة الخليفة هو الأمة، وإنما يستمد سلطانه منها. وأن المسلمين هم أول أمة قالت بأن الأمة هي مصدر السلطات كلها"؛ (علال الفاسي، "مقاصد الشريعة"، ص: 218).
ولكن كيف يمكن الإقرار بسيادة الأمة مع الإقرار أيضا بالحاكمية الإلهية العليا؟ لقد تضخمت فكرة الحاكمية في تصور بعض المفكرين الإسلاميين -وخاصة عند أبي الأعلى المودودي وسيد قطب- إلى الحد الذي جعلهم يقررون أنها من أخص خصائص الألوهية، لكن مفهوم الحاكمية كما استخدمه كل من المودودي وسيد قطب لا يشمل كل خصائص الألوهية ومعاني العبودية، كما أوضح ذلك العلامة أبو الحسن الندوي.
إن الخضوع التشريعي والقانوني لا يكفي ما لم يكن خضوعا مصحوبا بغاية المحبة وغاية الرضا والاستسلام لشرع الله، والنتيجة هي أن تحقيق الحاكمية القانونية والتشريعية -أي على المستوى السياسي والمؤسسي- لا يحقق العبودية التامة ما لم يكن نابعا عن رضا وتسليم ذاتي لشرع الله، لا عن مجرد خضوع وطاعة قهرية.
الحاكمية لا تتحقق فعلا إلا بالتحكيم الإنساني الطوعي لشرع الله، تحكيما مصحوبا بكامل الاقتناع والرضا والتسليم الناشئين عن تأليه القلب للرب، تأليها يكون مقرونا بكمال الحب والتعظيم والإجلال والإكرام والخوف والرجاء ونحو ذلك؛ كما يقول ابن تيمية. وهذا مستحيل
ترد الإشارة إلى المحكوم فيرتبط الحكم بالتحاكم، أي بإرادة المحكومين سلبا أو إيجابا؛ قال تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا)؛ (النساء/ الآية: 60). وقوله تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)؛ (النساء/ الآية: 65).
والخلاصة الأولى هي أنه لا معنى للحاكمية إلا إذا كانت قائمة على تحكيم مقرون بالرضا والاستسلام واليقين: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ)؛ (المائدة/ الآية: 50).
والخلاصة الثانية هي أنه لا فائدة دينية تُرجى من إكراه فرد أو مجتمع على تطبيق الشريعة وهو لا يؤمن بها. وبعبارة أخرى؛ لا معنى لتطبيق حكم الشريعة بالإكراه في مجتمع غير مستسلم لحكمها موقن بأنها الخير، ولا يجد أدنى حرج نفسي في أن تسوده أحكامها. وعليه؛ فلا يكون هناك تعارض بين مبدأ الحاكمية ومبدأ السيادة داخل مجتمع إسلامي لعدة اعتبارات:
أ- أن الحاكمية -في مثل هذا المجتمع- هي لله ابتداء، وهي قضية عقدية وتسليم اجتماعي ينبغي أن ينص عليه الدستور، حينما يقرر مبدأ إسلامية الدولة وسيادة الشريعة على غيرها من القوانين.
ب- أن مبدأ الحاكمية لا يأخذ دلالته الواقعية بقهر السلطان، بل بإذعان الإيمان، أي بالاستسلام والتحكيم الطوعي لشريعة الإسلام. إن الحاكمية الإلهية قضية عقدية مبدئية، ولكنها لا تأخذ طريقها إلى الواقع إلا عبر استسلام وقناعة ورضا الأمة.
ج- أن الشعب المسلم هو مصدر السلطات في إطار الدستور الأكبر الذي هو القرآن الكريم. فالدساتير التفصيلية في المجتمع الإسلامي لا تأخذ شرعيتها إلا بمدى تطابقها مع الدستور الأعلى، أو المرجعية العليا التي تعلو على الدستور ذاته وعلى غيره من القوانين.=
يقول الأستاذ علال الفاسي: "سند الحكم في الدولة الإسلامية هو إرادة الشعب المسلم، وسند الأمة في الحصول على هذه السلطة هو الدستور المكتوب الذي هو القرآن، فيكون الإسلام اعترف لمجموع الأمة بما اعترف به رجال الدين السابقون للملوك والرؤساء أو لبعض الطوائف"؛ (علال الفاسي، "مقاصد الشريعة"، ص: 219).
وتجدر الإشارة إلى أن تقنين سيادة الأمة بالإطار الدستوري -الذي يعبر عن هوية الأمة وعقيدتها وثقافتها- مسألة حاضرة في أعرق الدول الديمقراطية التي تعترف بسيادة الأمة. إذ لا نتصور في دولة غربية كفرنسا سيادة قد تؤدي إلى خرق القاعدة الدستورية القائلة بعدم قابلية مبدأ العلمانية في فرنسا للمراجعة، أو عدم إمكانية وجود حزب يدعو للملكية في فرنسا، على اعتبار تناقضه مع القاعدة الدستورية التي تقر بالعلمانية والنظام الجمهوري.
+++++++++++++++
الدولة المدنية المسلمة
بعد حالة انكشاف ضحالة لغة الفكر الذي يُقدَّم للمسلم المعاصر، على مستوى الوعي الإنساني لرسالة الاستخلاف والعلاقات البشرية.
*
تطبيق التعاليم الإسلامية وفرضها على الآخرين كأمر واقع، وفق المقولة الميكيافيلية “الغاية تبرر الوسيلة”، كما هو تفكير معظم الحركات والأحزاب السياسية الإسلامية، في العالم العربي بشكل خاص، فإن ذلك لن يكون سوى نوع من الخداع والضحك على الذقون، وطريق لا يمكن السير فيه بأمان. وهو شبيه إلى حد كبير بوضع العربة أمام الحصان.
*
الدولتان الدينية والمدنية
May 31, 2021 Mar 6, 2022
دولة دينية ثيوقراطية؟ أم إن تلك المنظومة أقرب إلى تقرير مبدأ الدولة المدنية؟
هل هو الحاكمية الإلهية والشريعة؟ أم هو الشعب؟ وهل السيادة لله أم السيادة للأمة؟
وهل هناك تعارض بين القول باستناد الدولة إلى المرجعية الإسلامية وبين تقرير مبدأ السيادة للأمة؟ وهل يمكن الجمع -في الوقت نفسه- بين القول بأن من وظائف الدولة ومهامها الأساسية في المجتمعات الإسلامية "حراسة الدين والدنيا" بلغة القدامى، وبين تقرير مدنية الدولة؟
هل الإمامة مبحث من مباحث العقيدة ومن ثَم تدخل في أصول الدين؟ أم إنها مبحث من مباحث الفروع، ومن ثَم فهي داخلة تحت النظر الفقهي المتغير، أي في نطاق النظر الاجتهادي المتواصل الذي لا يتوقف؟ وهل جاء الإسلام بنموذج دستوري للدولة؟ أم إنه أبقى أمر النظر فيه موكولا للأمة وعلمائها في نطاق المقاصد الكبرى للشريعة الإسلامية؟
هل يقبل الإسلام بالحكم الثيوقراطي؟ سواء من حيث مصادره وأصوله،
الحاكم حاكما باسم الله؟
هل يقبل الإسلام
الفصل التام بين الدين والدولة، وبين الدين والسياسة، وبين الدين كمجال لتدبير ما هو خاص، والسياسة باعتبارها مجالا لتدبير ما هو عام، وإنكار أي إمكانية للتقاطع بين المجال الخاص والمجال العام، أي بين الدين والدولة والدين والسياسة؟
ويتعين ثالثا تعريف الدولة الحديثة وطبيعتها وأصل نشأتها، من حيث إنها دولة علمانية شاملة قامت لمواجهة الحكم الديني المطلَق، وكيف انتهت -في بعض صيغها المتطرفة- إلى إقرار علمانية شاملة، ويتعين رابعا فحص مفهوم "الدولة الإسلامية" كما يتبناه اليوم عدد من الإسلاميين الذين يتكلمون عن أولوية إقامة الدولة الإسلامية، أو الخلافة حسب تعبير بعضهم.
وبنظرة إلى مفهوم الحكم والدولة الثيوقراطيين لدى علماء السياسة؛ فإن الثيوقراطية نظرية سياسية تقوم على أن شرعية الحكم والحاكم تتأسس على كون من يمتلكها ويمارسها يفعل ذلك انطلاقا من حق إلهي، وأنه في تصرفه وممارسته السياسية يصدر عن تفويض من الإرادة الإلهيّة. إن الحكم الثيوقراطي تبعا لذلك هو بطبيعته حكم مطلَق، يجعل للسيادة مصدرا واحدا هو الحاكم بأمر الله وباسمه.
والحكم الثيوقراطي يوظِّف نظرية "الحق الإلهي" من أجل ممارسة حكم وضعي مطلق، يمنع أي نوع من أنواع المساءلة أو الرقابة، ويصادر سيادة الشعب وسلطته وحقه الأصلي في تفويض الحاكم في تدبير شؤونه، بناء على تعاقد اجتماعي محدَّد المعالم، واضح الواجبات والمسؤوليات.
والحاكم في النظرية الثيوقراطية هو فوق المساءلة والمحاسبة، إذ إنّه ليس منتخَبا، ولا يمكن عزله أو إسقاطه لسقوط شرعيته أو نقصانها بسبب إخلاله بمقتضيات العقد الاجتماعي، لأنه هو صاحب السيادة المطلقة وليس الشعب، فهو غير مسؤول أمام أي إنسان آخر ولا أي مجلس ولا أمام الشعب نفسه، وهو فوق القانون، ولا يقبل النقد والاعتراض والنصح، لأنّه يحكم بإرادة إلهيّة.
وبذلك تكون الثيوقراطية -التي تعني التصرف السياسي وفق تفويض أو حق إلهي- أكثر تعارضا مع روح الدين ومقاصده العامة من أشد العلمانيات تطرفا.
وهناك عدة أنماط من النظريات الثيوقراطية، نذكر منها: النظرية القائلة بالطبيعة الإلهيّة للحكّام، ويعود ظهورها إلى الحضارات القديمة في روما وإيران ومصر والصين واليابان. وتتلخّص النظرية في تقديس الإمبراطور أو الملِك باعتباره الإلهَ نفسَه أو مَظهراً للإلهِ أو ابنَه أو ربيبَه، ولأنه صاحب سيادة وسلطة مطلقتين.
ثم جاءت النظرية القائلة بالحقّ الإلهي المباشر والتي ظهرت بعد المسيحية؛ فلم تعد للحاكم طبيعة إلهية، بل إنّه إنسان لكن الله اختاره واصطفاه ومنحه السيادة والسلطة على البشر. وبذلك فهو صاحب سلطة مطلقة أيضاً، لأنّه يحكم بإرادة إلهية ويستمدّ سلطته من الله مباشرة.
وقد اعتنقت الكنيسة المسيحية هذه الفكرة، واستطاعت من خلالها بسط نفوذها وسلطتها على أوروبا، وإن كان الإمبراطور والملِك أو الأمير هو الذي يحكم في الظاهر. وبهذا الشأن يقول القديس بوسيه المعاصر كما قال ملك فرنسا لويس الرابع عشر: "إن الله هو الذي يعيّن الملك ويضعه على العرش"، وبعض ملوك أوروبا: "إننا لم نتلقَّ التاج إلاّ من الله، ولنا وحدنا سلطة القوانين ولا نخضع في عملنا لأحد"(انظر: الطاغية: دراسة فلسفية لصور من الاستبداد السياسي، لإمام عبد الفتاح إمام).
ثم هناك نظرية الحقّ الإلهي غير المباشر، وقد ظهرت في أعقاب الصراع بين الكنيسة المسيحية وملوك أوروبا، وهو ما دفع مفكّرين سياسيّين -من أبرزهم القديس توما الأكويني- إلى القول بأنّ الله تعالى يختار الحاكم بواسطة الشعب. أي أن الإرادة الإلهيّة تتدخّل لتختار الإمبراطور أو الملك، ولكن ليس بشكل مباشر، بل من خلال اختيار الشعب له بتوجيه إلهي. وهذه النظرية تتمسّك بالفكرة العامّة للثيوقراطية، ولكنّها تحاول أن تعطي لنفسها مظهراً ديمقراطيا (انظر: الأنظمة السياسية المعاصرة؛ لعبد الغني بسيوني ويحيى الجمل).
Jun 13, 2020
*
إيران تتغير نحو الأسوأ
الثيوقراطيون يسعون لعزل البلاد سياسيا واجتماعيا واقتصاديا.
*
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق