"اليسار الشعبوي".. هل هو الحل لمواجهة اليمين الشعبوي؟ 2019
س: لماذا تعتقدين أن الوقت قد حان "من أجل يسار شعبوي"، كما كان عنوان كتابك الأخير؟
إننا نعيش حاليا في مجتمعات ما بعد ديمقراطية، ويعود هذا بالدرجة الأولى إلى ضبابية الفوارق بين اليسار واليمين، وهي حالة أسميها "ما بعد السياسة"، والتي تنبع من حقيقة أن الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية قبلت مبدئيا بفكرة عدم وجود بديل للعولمة النيوليبراليّة. ولذا، عندما يذهب المواطنون للتصويت، فإنهم لا يملكون خيارا بسبب ضبابية الفوارق الجوهرية بين برامج اليمين المعتدل، واليسار المعتدل.
سياسات الخصخصة، وبالتحديد منذ بدأت سياسات التقشف، انتشرت أيضا ظاهرة إفقار وإضعاف الطبقات الوسطى، التي ترزح هذه الأيام تحت وطأة السياسات النيوليبرالية،
تطوّر شعبوية الجناح اليميني التي تدّعي أن "سبب الأزمة هو المهاجرون". لكن من الممكن التعبير عن تلك المطالب بطريقة أكثر تقدمية، على شكل مطالبات بتوسيع نطاق الديمقراطية وتجذيرها، وهو ما أسميه "شعبوية يسارية".
ن قطاعات المجتمع التي تضررت بفعل سياسات العولمة النيولبيراليّة ومن الطريقة الجديدة في تنظيم الرأسمالية أكثر من أي وقت مضى.
تأسست جبهة اليسار السياسي بناء على الطبقة؛ حيث كانت هناك طبقة عاملة، أو البروليتاريا، مقابل البرجوازية. أما اليوم، وبالنظر إلى تطور المجتمع، فهذه ليست الطريقة التي ينبغي فيها للمرء تأسيس الجبهة السياسية بعد الآن. هناك سلسلة من المطالب الديمقراطية التي يصعب تأسيسها بالاستناد إلى الطبقة، وعلى سبيل المثال، فمن المهم أن نأخذ في الحسبان المطالب النسوية، ومناهضة العنصرية، وحركات المثليين ومناصرة البيئة.
هذه المطالب لا تتلاءم مع العداء التقليدي بين الطبقة العاملة والبرجوازية. وعلينا أن نبني جبهة بطابع شعبوي
هناك الكثير من القطاعات التي يمكن أن نكسبها إلى جانبنا في صراعنا ضد المشروع النيوليبرالي، ومن الضروري توحيدها من خلال بناء "شعب"، أي إرادة جماعية. إن من غير الممكن تأسيس جبهة سياسية بالاستناد إلى أساس طبقي صرف. لكن هذا لا يعني أن علينا أن نغض الطرف عن مطالب الطبقة العاملة، ولكن أن علينا التعبير عنها من خلال مطالب ديمقراطية أخرى. وهذه هي الميزة الرئيسية لليسار الشعبوي والفارق الرئيسي عن بناء الجبهة ضمن محددات الطبقة.
لماذا يقولون إنهم تعرضوا للظلم؟ أعتقد بأن فكرة المساواة، فكرة العدالة الاجتماعية، فكرة السيادة الشعبية هي قيم جوهرية في المخيال الديمقراطي الاجتماعي، وبأن هذه هي الطريقة التي يتواصل ويتشكّل فيها المواطنون الديمقراطيون سياسيا، فلا عجب أن يُظهِروا أنواعا مختلفة من المقاومة إن شعروا بأن تلك الأشياء تُسلب منهم. وأعتقد أن ما يدفع الناس للتحرك في السياسة هو المطالبة بالمساواة والديمقراطية
المقولات الخالدة: "إننا نمتلك صوتا، لكن لا صوت لنا"، حيث يشعر الناس اليوم أن صوتهم غير مسموع. وهذا [السخط] هو ما تُعبِّر عنه لحظة الشعبوية، ومن الضروري توفير جواب تقدمي على المطالب التي تنبع منها هذه المقاومة.
بدلا من رؤية اليمين الشعبوي بوصفه تعبيرا عن المطالب التي هي في جوهرها مطالب عنصرية ومتحيزة جنسيا، فإن علينا أن نرى بأنها تُعبِّر في الواقع عن نداء بالديمقراطية، عن المطالبة بأن يكون للناس صوت. وهذا هو الحال مع التصويت لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبيّ في بريطانيا. لقد صوّت الكثير من الناس لصالح الخروج من الاتحاد، ليس لأنهم كارهون للأجانب، لكن لأنهم شعروا بأن المؤسسة لا تأخذ مطالبهم بعين الاعتبار. وهي مطالبات بالديمقراطية، لكن من الممكن التعبير عنها بطريقة تحدّ من عمل الديمقراطية نفسها، أي من خلال استعادة الديمقراطية لجماعة محدودة من الأشخاص، هم أصحاب النزعة القومية.
إنني على قناعة بأن الطريقة الوحيدة للنضال ضد شعبوية اليمين هي عبر تطوير نوع من الشعبوية اليسارية. ما أعنيه هو شعبوية تشمل كل أنواع المقاومة ضد "بعد الديمقراطية" وتمنح أتباعها نوعا من التعبير الذي يؤدي بدوره إلى استعادة ونشر القيم الديمقراطية.
ما دام أن الكثير من الناس لا يتعاطفون مع اليسار أصلا؟
مصطلح "يسار" يحمل الآن دلالة سلبية. في إسبانيا على سبيل المثال يقولون إن فكرة اليسار سيئة السمعة، لأنهم عند الحديث عن اليسار، يفكر الناس عادة في خونة الديمقراطية الاجتماعية. وفي فرنسا الأمر مماثل، عندما تتحدث عن اليسار فالكثير من الناس يرفضونه لأنه يرتبط لديهم بفرانسوا هولاند. وسبب آخر للتخلي عن هذا المصطلح هو أنه لا يتلاءم مع الطابع التقاطعي للإستراتيجية الشعبوية.
لكن هنالك معنى آخر لليسار، معنى أكثر قيميّة. اليسار يحيل على قيم محددة، مثل العدالة الاجتماعية، سيادة الشعب، المساواة. وأعتقد أن علينا الدفاع عن تلك القيم، وإنما أتحدث عن شعبوية "يسارية" بهذا المعنى. وأعتقد أن الحديث عن "شعبويّة تقدمية" لا يكفي. في فرنسا، تعبير "تقدمي" استولى عليه ماكرون. كما أن تعبير "الشعبوية الديمقراطية" ينطوي على تناقض. إننا نحتاج إلى مصطلح أكثر استقطابية، وأكثر حزبية. وأعتقد بأن الحديث عن "شعبوية يسارية" يمكننا من إعادة تأسيس الصراع المحموم بين اليسار واليمين، لكن بطريقة شعبوية.
*
التجربة الأميركية في صعود الشعبوية الترامبية مفيدة فعلاً في تسليط الضوء على الشعبوية عموماً، كظاهرة خطيرة في السياسة والمجتمع، وعلى كيفية استيعابها والرد عليها مؤسساتياً.
الشعبوية نقيضة النخبوية وخصمها اللدود من خلال الادعاء بأن تحكَم النخبة بالموارد والقرار والنفوذ ادى إلى تهميش الناس العاديين وإيقاع ظلامات كثيرة بهم، وأنه لا حل لهذه الظلامات من دون تقويض النخبة وإزاحتها عن مصادر قوتها الظالمة والمتغولة.
لذلك تتغذى مختلف أنواع الشعبويات على أحاسيس التهميش والحرمان والغضب لدى كامل المجتمع أو شرائح معينة منه، سواء كان هذا التهميش حقيقيا أو متخيلاً. يمتاز الخطاب الشعبوي ببساطته السياسية ووضوحه الاخلاقي، في الغالب على نحو مضلل، من خلال افتراض صراع بين معسكرين: أغلبية مظلومة هي الشعب وأقلية ظالمة هي النخبة.
بسبب محتواه التبسيطي وثنائية الخير والشر فضلاً عن طابعه التحريضي فيه، يجد الخطاب الشعبوي الكثير من الآذان الصاغية بين الجماعات السكانية التي يتحالف فيها الفقر مع ضعف الوعي، لأنه يقدم حلولاً سهلة، وان تكن مزيفة، لمشاكل معقدة، وعبر هذه الحلول يَعدُ هذا الخطاب جمهوره بإنصاف قريب طال انتظاره.
في العادة يحتاج الخطاب الشعبوي لنجاحه وانتشاره وجود زعماء ذوي جاذبية شعبية بإمكانهم تلخيص محتوى هذا الخطاب الأخلاقي ببراعة وتحشيد الجمهور المهمش لصالحه، عبر وعود الخلاص من ظلم النخبة. وبسبب طابعها التبسيطي والأخلاقي المضلل، ترتاب الشعبوية عادة بالمؤسسات وتعتبرها اداةً بيد النخبة لفرض الهيمنة على الجمهور وسرقة موارده. من هنا، تشح التفاصيل والارقام في الحلول الشعبوية التي عادة ما تكون عمومية وخطابية وغير قابلة للتطبيق.
وبخلاف القومية أو الليبرالية أو الشيوعية أو الاسلاموية، الشعبوية ليست نظرية في السياسة لانها لا تقدم إطاراً نظرياً او رؤية سياسية أو أيديولوجية للعالم، بما تعنيه هذه الرؤية من مبادئ وأدوات وأهداف مترابطة فيما بينها، بغض النظر عن مقدار التماسك بينها.
هي بالأحرى خطاب سياسي/أخلاقي تحشيدي ومزاج شعبي حاد، من دون محتوى فكري أو نظري معين، وبالتالي فهي يمكن ان توجد حتى ضمن الحركات القومية والاسلامية والشيوعية، وعبر وجودها في هذه الحركات، فإنها تخرجها من إطارها النظري أو رؤيتها السياسية، كما حصل في الشعبوية الترامبية التي ناقضت الكثير من مباديء الحزب الجمهوري. التفاصيل والأرقام هي عدوة الشعبوية الأولى ونقطة ضعفها الكبرى، فالحديث في الأرقام والتفاصيل يحتاج مزاجاً هادئاً وصبوراً ووعياً عالياً وهاتان صفتان غائبتان في الحركات الشعبوية التي غالباً ما توظف تفسيرات مؤامراتية لفهم العالم وأحداثه.
يصعب التتبع الدقيق لتاريخ الشعبوية، لأنها ليست نظرية أو رؤية مستقلة بحد ذاتها في التاريخ المعرفي أو السياسي، وإنما حزمة مشاعر ومطالب ترد في سياقات مختلفة..
الثورة الفرنسية لحظة فارقة في صعود الشعبوية من خلال دعاوى العقوبة الجماعية للنخبة الغنية والمتحكمة، النبلاء ورجال الدين، نفياً وقتلاً ومصادرة ممتلكات، بإسم الشعب المظلوم والثائر الذي كانت أغلبيته الساحقة من الفلاحين الفقراء.
برغم دمويتها وقسوتها ضد خصومها، واحياناً كثيرة ضد انصارها، استطاعت الثورة الفرنسية، عبر سياقها التحرري والحقوقي الأوسع وتطبيقاته الكثيرة، أن تنتج افكاراً عظيمة بخصوص المساواة والمواطنة والحرية اصبحت جزءاً اساسياً من التراث الديموقراطي العالمي.
برزت الشعبوية أكثر في منتصف القرن التاسع عشر فصعوداً، في أميركا، من خلال بروز حركات جاهرت بعدائها للمهاجرين والكاثوليك واعتبارهم مصدر الداء الاقتصادي والأخلاقي، حتى مع تبني هذه الحركات مطالب اصلاحية لدعم حقوق الفلاحين وتخفيض ساعات العمل للعمال.
تمظهر آخر في تاريخ الشعبوية، كان في روسيا القيصرية في آواخر القرن التاسع عشر مع تصاعد المطالبات بانتزاع الأراضي الزراعية من الملاك الإقطاعيين ووضعها تحت الملكية الجماعية للفلاحين عبر منظمات تؤسس لهذا الغرض.
في السياقَين الأميركي والروسي حينها، كان للشعبوية جانبٌ اصلاحي للرد على ظلامات اقتصادية واضحة. لكن في القرن العشرين، بدأت الشعبوية ترتبط بالاشياء السيئة على نحو خاص، خصوصاً مع صعود الفاشية والنازية في الثلاثينات وعدائهما، بأسم روح الشعب وإرادته، للآخرين المختلفين بوصفهم مصدر الشرور والمشاكل (اليهود، الاشتراكيين، الليبراليين، الاجانب الخ).
*
الولايات المتحدة أن النخب المستعدة للتعاون مع الاستبداديين
ورطت رأسمالية المحسوبية مجتمع الأعمال في سلوك غير قانوني.
يأمل الليبراليون في جميع أنحاء العالم أن يكون للإنهاء العنيف لرئاسة دونالد ترامب جانب مشرق: أي أن الخروج المذِل للمحَرِّض الرئيس من المسرح السياسي سيعاقب الشعبويين الاستبداديين في أماكن أخرى، ومما يؤسف له أن تفاؤلهم ساذج.
اعترف أصدقاء ترامب مثل رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وحتى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في النهاية بفوز جو بايدن الانتخابي.
غالبا ما يدعي الليبراليون تقدير العالم بكل تعقيداته، في حين أن الشعبويين ماهرون في تبسيط الأشياء، إلا أن الليبراليين هم من روجوا للرواية شديدة التبسيط للموجة الشعبوية العالمية، كما لو أن المرء لا يحتاج إلى النظر في سياقات وطنية معينة بعناية شديدة.
الشعبويين ممن هم أذكى من ترامب يخنقون الديمقراطية ببطء من خلال المكائد القانونية والدستورية،
*
2/2021
الشعبوية خطاب سياسي ذو نفَس سلطوي، يقدّم حلولاً بسيطة وغالباً ما يَستغل سياسياً الصور العدائية تجاه "الآخر" التي تختزنها الذاكرات الجمعية للمجتمعات التي تشهد انبعاثة جديدة للشعبوية. غير أنه غالباً ما يُساء عربياً فهم هذه الحركات ـ ولا سيما الأوروبية منها ـ من كونها يمينية التوجّه فحسب، بينما قد تتخد الشعبوية ملامح يسارية أيضاً.
لتسويق ذاتها، تعمد الشعبوية إلى تقسيم المجتمع إلى "شعب صالح" و"نخبة فاسدة"، أو بصفة عامة إلى "نحن" و"الآخر". وتعدّ هذه الثنائية من أهم الاستراتجيات التي توظفها الشعبوية في عمليات الاستقطاب، التي تمارسها كل أطيافها، بما فيها اليسارية.
بخلاف الشعبوية اليسارية، التي تعادي النخبة الاقتصادية، فإن "الآخر" في الذاكرة المصطنعة للشعبوية اليمينية يتجسّد بالأساس في المهاجرين واللاجئين أو الأقليات الإثنية أو الدينية، الذين لا يُنظر إليهم على أنهم جزء حقيقي من "الشعب". وتسعى الذاكرة الشعبوية اليمينية إلى تهميشهم رغم مواطنتهم الكاملة، وذلك عبر عزلهم في خانة "الآخر" الضيّقة ولو بشكل تخيلي، بعد أن اهتمت النخب الليبرالية بهم - وفق السردية الشعبوية اليمينية - أكثر من اهتمامها بالشعب "الحقيقي"، الذي تتخيّله الشعبوية اليمينية وتدّعي سياسياً أنها الوحيدة القادرة أخلاقياً على أن تدافع عنه في أزمنة الاغتراب القومي والتبدّد الهوياتي، مع أنها هي ذاتها "نخبة" في مواجهة نخبة ليبرالية باسم "الشعب" المُتخيل. وهذا تحديداً ما يُميّز الشعبويات اليمينية في أوروبا (من شرقها إلى غربها)، ممّا يجعل الحدود بينها وبين اليمين العنصري المتطرّف ضبابية إلى حد كبير. فهل انعدمت الحدود بينهما إلى هذه الدرجة؟
تهدف السياسات الشعبوية إلى صناعة ذاكرة مُغلقة
*Mar 14, 2021
البعض ينفي فكرة الربط بين وجود الشعبويين ورئاسة ترامب. بالتالي فإن هزيمته في الانتخابات الرئاسية ومغادرته البيت الأبيض لا تعني نهاية الشعبوية الأوروبية التي وصلت إلى السلطة قبله. فقد كسب حزب "الحرية" النمساوي شعبية كبيرة في التسعينيات، أما في إيطاليا فقد وجدت الشعبوية نقطة انطلاق مع انتخاب قطب الإعلام السابق سيلفيو برلوسكوني رئيساً للوزراء، حتى أن أوربان تولى رئاسة الوزراء في بودابست للمرة الأولى عام 1998، وبدأ بمهاجمة المؤسسات الليبرالية الديمقراطية باكراً.
ذكرت المتخصصة في الدراسات عن الشعبوية آنا غرزيمالا بوسه، في تصريحات صحافية، أن الشعبويين أثبتوا أنفسهم بمفردهم وبمعزل تماماً عن ترامب. أي أن الشعبوية الأوروبية محلية الصنع إلى حد كبير، وغالباً ما تغذيها المظالم في بلد ما، معربة عن اعتقادها أن ترامب والشعبويين الأوروبيين يتشاركون الأيديولوجية نفسها، فهم يشككون في التحالفات الدولية والديمقراطية الليبرالية ويتظاهران بالتحدث باسم الشعب كله، لكن ترامب منحهم بريق الشرعية الدولية وجعل بعضهم أكثر قوة.
خسر الشعبويون الكثير بخروج ترامب من البيت الأبيض
في السياق نفسه، اعتبر محللون أوروبيون أن هزيمة ترامب جعلت الشعبويين يفقدون مثلهم الأعلى، وهم الذين لم يتورعوا وبالأخص رؤساء حكومات دول صغيرة في أوروبا، كما في سلوفينيا، عن نشر نظريات المؤامرة، ومن أن ترامب تعرض لسرقة أصوات من الديمقراطيين لمساندة جو بايدن على الفوز. حتى أنه قيل إن ترامب زعيم غير رسمي ومصدر إلهام للشعبوية في العالم، وأن هناك زعماء وحكومات يمينية في أوروبا يشاركونه الأجندة نفسها رافعين شعارات ضد الهجرة والتعددية.
فلوبان على سبيل المثال تحمل شعارات معادية للمهاجرين والإسلام. ومن المعروف، أن لوبان وفي يناير/كانون الثاني 2017 وبعد أداء ترامب اليمين الدستورية جاهرت بـ"عودة الدول القومية". وبالإضافة إلى ذلك، أشارت شبكة "إيه أر دي" الإخبارية أخيراً، إلى أنه سيكون من السابق لأوانه إعلان نهاية القومية اليمينية في العالم بعد هزيمة ترامب في الانتخابات، لكن ومن دون شك فإن وصول بايدن إلى السلطة سيوفر الدعم للقوى الليبرالية الدولية في المجتمع الأطلسي، وسيشجع الاتحاد الأوروبي على ممارسة الضغط على حكومتي بودابست ووارسو مثلاً، لإنهاء تقويض سياسة القانون في بلديهما بعدما فقدا حليفاً دعمهما على مر أربع سنوات. فترامب لم يتوان عن دعم الحكومات الشعبوية اليمينية بهدف تقسيم دول الاتحاد الأوروبي.
*
Aug 25, 2021
الشعبوية، بخلاف الأيديولوجيات الكبرى للحداثة كالليبرالية والماركسية والاشتراكية والأناركية تفتقر إلى قامة فكرية بارزة، أو نظريات مؤسسة.
فالشعبوية لا يزال يُنظر إليها بوصفها عرَضا من أعراض أزمة الحكم في الديمقراطيات الغربية المعاصرة، دون أن تكون حلّا مقنعا لتلك الأزمة. وقد ظل مفهومها مطّاطيا، لما يشوب استعماله من فوضى، دون أن يعني ذلك خلوّه من معان. والسبب أن المحللين والمفكرين لا يزالون يحصرونه في بعده الاحتجاجي، دون الأخذ بعين الاعتبار تاريخه وأسسه الثقافية، حتى يمكن إخضاعه للنقد، كسائر الأيديولوجيات.
نظريةِ ديمقراطية مخصوصة تريد أن تكون مباشرة (تقديس الاستفتاء) واستقطابية (نبذ الهيئات الوسيطة) وفورية (عفوية شعبية)، أي أنها نقيض عمل الديمقراطيات الليبرالية التمثيلية المعاصرة.
وثالثها طريقة التمثيل حيث تؤدي الحركات، أكثر من الأحزاب، دورا حاسما، مع اعتمادها دائما على “رجل شعب”. وتتميز تلك الحركات بتفضيلها القومية الحمائية كسياسة وفلسفة في المجال الاقتصادي.
رابع تلك العناصر استناد الثقافة السياسية للشعبوية إلى منظومة عاطفية تقوم على الانفعالات الحماسية أكثر مما هي عقلانية.
يشرّح روزانفالون تلك الثقافة السياسية التي تتبدى، بصرف النظر عن بعض قادتها، عبر ظواهر مختلفة، كما هي الحال مع “النجوم الخمس” في إيطاليا، و”السترات الصفراء” في فرنسا، و”احتلوا وول ستريت” في الولايات المتحدة. وقد سعى المؤلف إلى تقديم إجابة واضحة عن النقد الشعبوي للديمقراطية المعاصرة، الذي يقترح بدائل تلغي ما يسميه دعاتها بـ”حكم القضاة”؛ أو الدعوة إلى الاستفتاء كطريقة عادلة لاختيار قادة البلاد ورسم سياستها، ففي رأيه أن الاستفتاء يذيب مفهوم الجسد السياسي، ويتناقض مع مبدأ التشاور، ويقود أحيانا إلى أوضاع لا يمكن التراجع عنها برغم بروز آثارها المدمرة، على غرار استفتاء البريكست؛ أو يؤدي إلى ما أسماه “الديمقراطوريا” أي النظام الذي يؤدي بالديمقراطية إلى حكم سلطوي استبدادي، حيث يسعى الحاكم الذي وصل إلى سدّة الحكم بطريقة ديمقراطية إلى التشبث بمنصبه وتحوير الدستور على مقاسه ليجدد لنفسه أكثر من عهدة.
أغلب الحركات الشعبوية في أوروبا خلال هذا القرن قامت في الأصل على انحراف حركات يمينية متطرفة، في حين أن شعبوية اليسار لها مرجعية ماركسية، فقد يتفق الطرفان حول قضايا المهاجرين واللاجئين، ولكن الاختلاف بينهما في ما يخص العنصرية ومعاداة الأجانب والمسائل ذات الطبيعة الجندرية واضح لا غبار عليه.
كما ربط التفاوت الاجتماعي (حيث عادة ما يرفع شعار 1 في المئة نسبة أكثر الناس ثراء في العالم، في مقابل البقية أي 99 في المئة) وهو من المباحث الهامة حاليا في حقل العلوم السياسية، بانتشار نظريات المؤامرة التي ينهل منها بعض القادة الشعبويين لحشد الأنصار وإذكاء الغضب الاجتماعي، فالرأي عنده ألا يكون ذلك منطلقا لتصور سياسي رشيد، لأن الثقافة السياسية الحق لا تُبنى على الشعارات ولا على ما تروّجه المواقع الاجتماعية.
*Oct 3, 2021
المسرحية تسلّط الضوء على هشاشة النظم الديمقراطية، محذّرة من تنامي صعود الشعبويين إلى سدّة الحكم.
ما مصير دولة القانون والمؤسسات إذا ما استولى على السلطة سياسي ينتمي إلى اليمين المتطرف؟ ذلك ما تحاول الإجابة عنه مسرحية “الشهود” التي تعرض على خشبة “ليزابيس” بباريس، وقد كتبها وأخرجها الفرنسي يان روزو.
يكفي أن يصل إلى سدّة الحكم سياسي متطرف، يستعين بأغلبية برلمانية كي يلغي القوانين المعمول بها ويسنّ قوانين جديدة وفق رؤية مخصوصة، ليشبع نزعته الاستبدادية، ويلبّي مطامع أتباعه، لتتحوّل دولة القانون والمؤسسات إلى دولة رعب، خاضعة لأهواء فرد منغلق وأطماع زمرته.
بعد “سقوط أمّة” التي فازت بجائزة بومارشي لأحسن مؤلف عام 2011، و”سيدي الرئيس”، و”أقوياء وبؤساء”، يثبت روزو أنّه من طينة الكتاب المتميزين، الذين لا يتنكّبون عن مساءلة الواقع الراهن بذكاء وفنية عالية، لدعوة المتلقي إلى التفكير بعمق في ما يخصّ مستقبله ومستقبل بلاده، لاسيما في هذه المرحلة التي شهدت صعود يمينيين شعبويين أمثال ترامب في أميركا، وبولسونارو في البرازيل، وأوربان في المجر وأردوغان في تركيا.. والقائمة مفتوحة، للأسف.
*
حمادي الرديسي: الشعبوية مدخل للدكتاتورية
Oct 20, 2021
Nov 23, 2021
الحملة ضدّ الأحزاب والهياكل التمثيلية المنتخبة والهياكل التعديلية هي في الحقيقة حملة ضدّ الديمقراطية، مردفًا أن: إكبار وإجلال وإعطاء الكلمة لمن يعتبر نفسه "صاحب الإرادة المطلقة" كلّها تمثّل مدخلًا للدكتاتورية الشعبوية"، وفق توصيفه.
الرديسي: إذا كانت انتخابات 2011 عنوانها "الإسلام السياسي، وانتخابات 2014 عنوانها "الحداثية" أو "العلمانية"، فإن انتخابات 2019 عنوانها الأكبر "الشعبوية"
"تراجيديا الإسلام" و"الاستثناء الإسلامي" و"الإسلام المتردد" و"تاريخ الوهابية" و"الإسلام والحداثة"...
الشعبوية أنواع عالميا ..رجب طيب أردوغان ودونالد ترامب وبوتين زعماء شعبويون لكنهم سياسيون حققوا مكاسب كبيرة لشعوبهم.. وشعبويتهم ليست عقيمة مثل شعبوية بعض ساسة تونس والدول العربية.. إلى حد الآن لم تقدم شعبوية الرئيس قيس سعيد وغيره من الشعبويين التونسيين أي مكسب للبلاد ، والشعب أصبح يعتبر أنهم خدعوه ..
خير الدين حسيب وحمدين صباحي والطيب التيزيني وحسين مروة وعابد الجابري وحسن حنفي
*
نظراً لتنامي النزعة القومية والشعبوية اليمينية، بالإضافة إلى حملات التضليل وخطاب الكراهية، يجب علينا أن نعزز مؤسساتنا الديمقراطية داخلياً وخارجياً، وأن نظهر أيضاً أن الأنظمة الديمقراطية تخدم احتياجات الناس وحقوقها بشكل أكثر كفاءة وأكثر استدامة".
تعزيز الأنظمة الديمقراطية والحفاظ على النظام العالمي القائم على القواعد والحفاظ على قيم مثل سيادة القانون وحقوق الإنسان
الحريات العالمية قيد التهديد من المستبدين الساعين إلى مد سلطتهم وتصدير النفوذ وتبرير القمع. وقال "نحن نقف في نقطة انعطاف في تاريخنا، في رأيي... هل سنسمح للانزلاق إلى الوراء بالحقوق والديمقراطية بأن يستمر دون رادع؟ أم أننا ستكون لنا رؤية معاً... وشجاعة لنكون مرة أخرى في طليعة مسيرة المضي قدماً نحو التقدم الإنساني والحرية الإنسانية؟"
*Dec 10, 2021
الشعبوية والديمقراطية الليبرالية
ساهمت الديمقراطية الليبرالية الحديثة في جلب الاستقرار للدول التي تبنّتها، ومكّنت من إنشاء مجالات متعدّدة للمشاركة والاحتجاج
يعرّف القادة الشعبويون أنفسهم على أنهم يمثّلون إرادة الشعب، وأنهم يضعون مصالح الشعب فوق المؤسسات التي تحمي حقوق المجتمع والفرد. ويجادلون بأن هنالك أقلية حاكمة ذاتية الخدمة، تسعى إلى السيطرة على الأغلبية الساحقة من شرفاء عامة الشعب. وعليه، لم تعد السياسة تتمحور حول البحث عن تسوية الآراء السياسية وتوافقها عبر المؤسسات التي تنعم بالديمقراطية والتقبل، بل بإطاحة نظام متهالك. وتمكن الشعبويون من ترويج أفكارهم اللاليبرالية بصورة مغرية في عدد من الدول، لكن ذلك لا يعني أن الشعبوية لا تُقهر، فمشكلتها الرئيسة أنها تفتقر إلى برنامج سياسي خاص بها، على الرغم من كل ادّعاءاتها الأخلاقية. وعليه، يرى المؤلف أنه من أجل هزيمة الشعبوية، تحتاج الليبرالية إلى بداية راديكالية وجديدة. ويتطلب ذلك توحيد المعارضة الليبرالية في شكل قوة سياسية رئيسة، وتحرّكها فكرة راديكالية واقعية عن إعادة تشكيل ليبرالية للمجتمع، وذلك كله لا يمكن تحقيقه إلا بوجود قيادة تضع برنامجاً واقعياً وجذرياً للمستقبل، وتنظيماً قادراً على تنفيذ مثل هذا البرنامج.
جدوى الطابع التمثيلي للديمقراطية الليبرالية، مع فقدانهم الثقة في النحب السياسية الليبرالية، الأمر الذي فتح الباب أمام القادة الشعبويين في تقديم حلول بسيطة تعد بأن تحل كل الإشكالات، وبأن تمنح الشعب الشعور بالسيادة مرة أخرى. وقد استغل الشعبويون القدرة المحدودة للنخب السياسية الليبرالية، وأوجه القصور التي تعاني منها، وإخفاقاتها، كي يصوّروا الديمقراطية الليبرالية ثابتة وغير مرنة، وفاقدة شرعيتها السابقة، ورهينة لدى البيروقراطيات غير الأخلاقية، وخاضعة للمؤسسات العتيقة.
مشكلة الشعبوية الرئيسة أنها تفتقر إلى برنامج سياسي خاص بها، على الرغم من كل ادّعاءاتها الأخلاقية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق