«13 نظرية في الطبيعة البشرية»
نظرية النسبية لأينشتاين ونظرية التطور لداروين ونظرية التجاذب الكوني لنيوتن
كنظرية علمية لأنها حققت على الأقل الشرطين الأساسين المذكورين، وهما: حل مشكلة محددة وخلق التناغم بين المتناقضات.
لماذا تسقط التفاحة ولا يسقط القمر؟ فكان الجواب هو نظرية الجاذبية باعتبارها محاولة رياضية مجردة للتوفيق بينهما؛ إذ يكفي مراعاة الكتلة والمسافة ليحدث تارة السقوط وتارة الدوران، وهنا يمكن أن نتذكر ببساطة القمر الصناعي؛ إذ يمكنه الدوران كالقمر ولكن يمكنه السقوط كالتفاحة أيضاً، فيكون نيوتن بذلك قد وحّد السماء والأرض ودمج بين شيئين متناقضين (السقوط والدوران) في توليفة متناغمة وهنا تبدو قوة النظر.
اختار الكتاب 13 نظرية عالمية بما فيها تلك المتعلقة بالفلسفات الشرقية (الكونفوشوسية، الهندوسية، البوذية،) التي غالباً ما يتم إغفالها، وكذلك وقف الكتاب عند اللحظة اليونانية مع تصورين، هما لأفلاطون وأرسطو، إضافة إلى أنه لم يغض النظر عن الرؤى الدينية للإنسان كما وردت في الكتاب المقدس والقرآن الكريم، ليضع الكتاب بعد ذلك فاصلاً تاريخاً سريعاً يربط من خلاله بين القرون الوسطى والزمن الحديث، وبعده مباشرة ينخرط في تقديم تصورات متعددة حول الطبيعة البشرية كما وردت عند كل من: كانط، وماركس، وفرويد، وسارتر، وداروين، وأخيراً الفلسفة النسوية.
النظرية حينما تصبح آيديولوجية، فهي تتحول إلى معتقد يتم من خلاله تبرير طريقة حياة جماعة معينة، إلى الحد الذي يصعب معها النظر الموضوعي للأمور، بل يعد التشكيك في الآيديولوجية تهديداً صريحاً للفرد والجماعة؛ لأنهم يفقدون بذلك معنى وهدف وأمل حياتهم مما يسبب لهم الإزعاج والضيق النفسي. وقد يقود الأمر إلى العنف كما قلنا سابقاً. فالتنازل من طرف البعض عن نظريته (آيديولوجيته) التي ألفها عن طريق التنشئة الاجتماعية والتي من خلالها يرى العالم ويبرر سلوكياته يحتاج إلى جرأة كبيرة.
إن العالم يعج برؤى مختلفة تفسر الكون وتفسر طبيعة البشر وكل متشبث بما لديه، وسبب هذا التمسك وأحياناً التصلب الوثوقي بالنظرية أو لنقل الإيديولوجية، لا يكون من أجل الدواعي المنطقية فقط، بل من أجل الدواعي الوجدانية في الغالب، فنحن في كثير من الأحيان نجد عشرات المكذبات المحرجة لنسق رؤيتنا للعالم، ورغم ذلك نتشبث برأينا حد تعنيف الآخر. وهنا بالضبط يقدم الكتاب سببين وجيهين يجعلان الآيديولوجية تتحول إلى «نظام مغلق»، وهما:
التفسير الإجحافي؛
البحث عن سبل لاحتواء العناصر المحرجة، فالنظرية الدينية تواجه الردود على، «مشكلة الشر» بالقول: إن الله لا يمنع الشر دائماً، وأن ما يبدو شراً بالنسبة لنا فهو خير بالمعنى الإجمالي لسير الأمور... والأمر نفسه يقال عن المعاناة الإنسانية التي يعانيها الناس في كل ثورة سياسية؛ إذ يتم تبرير الأمر بكونه مجرد آلام مخاض الانتقال.
* الرد على المشكك بتحليل دوافعه من خلال النظرية (الآيديولوجية) نفسها: فمثلاً حينما يتم توجيه اعتراضات للمعتقد المسيحي يتم الرد بسرعة على الناقد؛ كونه أضلته الخطيئة وأن كبره يحول دون رؤيته النور. والشيء نفسه يقال عن متشبع بالماركسية؛ فهو يرد على كل ناقد بكونه مجرد شخص مخدوع بـ«الوعي الزائف»...
إذن، من السهل الوقوع في براثين النظام الآيديولوجي المغلق؛ لأن النظرية حينما تنغمس وتتجذر في قلب الحياة تعلق بها شوائب (العاطفة، الإيمان، السلطة، الانتماء الاجتماعي، الولاء، التحيز...) تحول دون تقييمها العقلاني؛ فالأمر يحتاج إلى حكمة وروية كبيرين، ليتمكن المرء من عزل الآيديولوجية عن واقعها والعودة بها إلى قالبها النظري الخالص، ومن ثم نقدها بموضوعية عالية، والرد على اعتراضاتها في حد ذاتها بصرف النظر عن دوافع الناس، والكشف عن مدى صمود هذه النظرية أمام الفحص الدقيق، ومن تم الاستعداد للتنازل عنها إذا لمسنا هشاشتها المنطقية والتجريبية.
أوضح الكتاب في مقدمته، أنه لن ينحاز ولن يختار أي نظرية (آيديولوجية)، أي أن الكتاب يرفض الاصطفاف إلى رؤية للعالم على حساب أخرى، لكن هذا لم يمنعه من وضع معيار للمفاضلة بين النظريات المتعددة، وهو ذلك الذي قدمه الإبستمولوجي الشهير كارل بوبر، وهو «القابلية للتكذيب». فالكلمة متروكة في النهاية للقارئ لتقييم عقلاني للرؤى...
وما دام أن هذه الطريق العقلانية في تقييم النظريات صعبة جداً وتحتاج إلى دربة نفسية ومران عقلي شديدين، فإن الكتاب يقترح حلاً عملياً، هو عبارة عن دعوة قد تسمح بالحد الأدنى من التسامح، وهو: على الملتزمين بموقف ما عدم فرضه على الآخرين، وفي الوقت نفسه على المشككين استيعاب فكرة ضرورة المعتقد في حياة الناس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق