الاثنين، 4 أبريل 2022

العجز عن الاختيار.. كيف تتحول الوفرة إلى نقمة؟*******

May 13, 2020 . Jul 25, 2021 Jan 19, 2022

نعيش اليوم ثورة في الإنتاج ووفرة في جميع المنتوجات، نعيش إغراقا للأسواق والمستهلكين بأعداد هائلة من الماركات والموديلات من الألبسة والأغذية والزينة.. بين الضروريات والكماليات. فما هو تأثير هذه الوفرة على الإنسان؟ وكيف تؤثر عليه؟ وهل تحقق له الراحة التي تعده بها أم أن الأمر مجرد تجارة وتسويق؟

صاغ المفكر الأمريكي ألفين توفلر في كتابه الشهير (صدمة المستقبل) لأول مرة مصطلح (فرط الاختيارات)، ويصفه بأنه عملية إدراكية يعاني فيها الأفراد من صعوبة تكوين رأي أو تحديد قرار عندما يكون أمامهم أكثر من خيار مناسب. فتتحول وفرة الإختيارات ؛ التي يفترض بها أن تكون إيجابية؛ إلى نقمة تجعل المرء مرتبكا وعاجزا عن اتخاذ أي قرار من أي نوع.

يؤكد فرع علم النفس الذي يدرس سلوك المستهلكين أن الزيادة المفرطة في فرص الاختيار تكاد تخرجنا عن صوابنا وتجمد عقولنا وتمنعها من التفكير! فعلى سبيل المثال، يقول الدكتور النفساني كارل موغ: «إن الإمكانية اللامحدودة في تحقيق الرغبات تؤخر النمو الذهني للأطفال وتجعلهم طفوليي التفكير، وإن كبروا، وهذا ينطبق تماما على البالغين وبشكل سريع. في هذه الحالة، ومن وجهة نظر تجارية، يصبح الناس عديمي الاهتمام ويصابون بالسمنة والخمول مثل الإوز الذي يعلف لغاية التسمين! إنهم يفقدون القدرة على اتخاذ القرار، يصبحون بلداء عديمي النشاط لا حافز لديهم للعمل، يصبح كل شيء لديهم مملا». كما يقول رولف دوبلي في كتابه فن التفكير الواضح: «الاختيار يسبب سعادة، إلا أن ثمة حد فاصل، إذا ما تم تخطيه فإنه يتجاوز بجودة الحياة إلى حد الهلاك. المصطلح التخصصي لوصف تلك الحالة هو: مفارقة الاختيار».

يرى معظمنا أن إمكانية الاختيار الواسعة هي أمر جيد لكن التوسع الزائد في الخيارات يجعل من الاختيار عملية أكثر صعوبة إن لم نقل أنه يحجمه ويمنعه. منذ مدة أجريت دراسة حول خطط الإحالة على التقاعد وخيارات موظفي الشركات المشاركين، وشملت الدراسة معطيات عن 800 ألف موظف و647 خطة مقترحة ضمن 69 قطاعا. ماذا كانت النتيجة؟ كلما كانت حرية الاختيار أكبر في الخطط المقترحة، كلما كان عدد الموظفين المشاركين فيها أقل. وكلما كان مجال الاختيار أوسع، كلما جلب ذلك مزيدا من الحيرة والإرتباك مما يؤدي إلى جواب واحد ووحيد: شكرا، لا نريد!

إن هذه الظاهرة دفعت بعالم النفس الأمريكي باري شوارتز أن يكتب حولها، عام 2004، كتابا كاملا حمل عنوان (مفارقة الاختيار). وقال متحدثا في منتدى الأعمال عام 2006: «عندما يكون الاختيار واسعا، هذا يؤدي إلى شللنا، وإلى اقتناعنا بتأجيل اتخاذ القرار، ويزيد من عطالتنا ويجعلنا نخاف من اتخاذ القرار غير الصائب. عندما يكون الاختيار بين شيأين فلن يدوم الإختيار طويلا، أما عندما يتعلق الأمر بمئات الأشياء، فهذا يكبح قرارنا من أجل انتظار الخيار المثالي».

ما هي نتائج وفرة الاختيارات؟
بحسب الدكتور باري شوارتز فإن هذه الوفرة تؤدي إلى ثلاث نتائج :
1- الشلل التحليلي: وهو حالة عامة من العجز عن اتخاذ أي قرار بسبب وجود خيارات أكثر من اللازم أو بسبب العجز عن تفضيل واحد من بين مجموعة خيارات. ويؤكد ذلك تجربة أجريت في متجر كبير، وتم فيها تقديم 24 نوعا من الحلوى يمكن للزبناء تذوقها وشراؤها بخصم. في اليوم الموالي، قدم نفس المتجر حلويات للزبناء، ولكن عدد الأنواع المعروضة كان ستة أنواع فقط. ماذا كانت النتيجة؟ جاءت المبيعات في اليوم الثاني أكبر بعشر مرات من اليوم الأول. لماذا؟ حين يكون العرض واسعا، لا يستطيع الزبون أن يقرر ولهذا لا يشتري على الإطلاق!

2- اتخاذ قرارات سيئة: أمام العجز في اتخاذ القرار، يمكن أن نتسرع أو نسلك طرقا مختصرة تؤدي بنا إلى الوقوع في الخطأ. وهذا الأمر يمكن أن تحدثه وسائل التواصل الاجتماعي التي تتيح إمكانية التعرف على أشخاص كثر..

3- عدم الرضا: في إحدى التجارب، تم عرض لوحات على مجموعة أولى من الأشخاص وطلب منهم اختيار لوحة معينة والذهاب بها للمنزل. وطلب من مجموعة ثانية نفس الطلب لكن مع إضافة إمكانية تبديل اللوحة فيما بعد إذا لم تعجبهم. ماذا كانت النتيجة؟ كانت المجموعة الثانية أقل رضا من المجموعة الأولى مع أنه كان لديهم خيارا أفضل. يرى علماء النفس الذين قاموا بالتجربة أن الشخص إذا استمر في طلب المزيد من الخيارات فإنه لن يتوقف وسيظل يطلب خيارا بعد الآخر.

كيف نختار؟
يحكم اتخاذ قرار الاختيار عدة عوامل تجعل منه مشقة يومية وهاجسا يؤرق الجميع. والإنسان يميل إلى اختيار ما تعود عليه ويميل إلى اختيار أسهل ما هو متاح له، وكل تركيزه على عامل الوقت الذي يداهمه. يطرح رولف دوبلي السؤال: ما العمل إذن؟ ويجيب: « فكرا جيدا ماذا تريد قبل أن تنظر في العروض المتاحة، دون معاييرك والتزم بها تحت أي ظرف. وانطلق من حقيقة أنك لن تصل أبدا إلى الإختيار المثالي.. عود نفسك على الرضا بالحل الجيد؛ نعم، حتى في نقطة شريك الحياة».

أما علماء النفس فيقترحون تتبع خطوتين اثنيين:
1- قم بتقليص عدد الاحتمالات إلى عدد أصابع اليد الواحدة، وهذا يجعل المقارنة بين أفضل الإختيارات عملية سهلة.
2- عند المقارنة، يجب مقارنة جوهر كل خيار بجوهر الخيار الآخر.

يقول باري شوارتز: «ركز على ما يجعلك سعيدا وقم بما يعطي معنى لحياتك».

*
Jun 12, 2021
داء الاستهلاك الكمالي سعيد ناشيد ********
May 29, 2020

اهتم فلاسفة فن العيش، من ضمن ما اهتموا به، بما يمكن أن نطلق عليه «العمل على كبح جماح شهوة الاستهلاك غير الضروري»، تلك الآفة التي تستولي على الإنسان

(السلع الكمالية)، تلك السلع التي لا تتوقف الحياة عليها، كما هو الأمر مع السلع الضرورية.

 سعيد ناشيد كتاب بعنوان (الطمأنينة الفلسفية)، خصص فيه فصلا وسَمَه بـ(صيدلية أبيقور)، وأبيقور هذا، كما نعرف، هو ذلك الفيلسوف اليوناني، الذي أسس فلسفة أخلاقية عُرفت لاحقا بـ(الأبيقورية)، وتُعنى بوصفة لعيش إنساني بسيط لا تكلف فيه، عيش يراعي الحالة الطبيعية للإنسان من جهة، وقوانين الطبيعة من جهة أخرى، حتى يتيسر للإنسان أن يعيش حياته بطمأنينة وبكفاية. كتب ناشيد تحت هذا الفصل عنوانا فرعيا وَسَمَه بـ(داء عدم الاكتفاء)، قال فيه: «لعل مظاهر الاستهلاك المفرط، وأيضا الاستهلاك الباذخ، تعبر عن سطوة الرغبات غير الطبيعية، وغير الضرورية، والتي نجحت تقنيات التسويق الحديثة في تأجيجها، إلا أنها ليست سوى مظاهر لأعراض عدم الاكتفاء».

ثمة أسباب متعددة وراء الاستهلاك الكمالي
 إلا أن (ناشيد) يحصرها في سببين، أولهما: استلاب الوعي أمام الدعايات والتسويق، وثانيهما: الاستلاب النفسي الذي يجعل الإنسان يتخلى عن نزعته الفردية، ليتماهى مع آراء الآخرين.

غياب النزعة الفردية، واستلاب الوعي أمام ضغط تقنيات التسويق الحديثة، ينزع من الإنسان أخص خصائص ذاته، وهي قدرته على تقييم نفسه بنفسه، بدلا من توسل آراء الآخرين، إما بمحاكاتهم، وإما بانتزاع إعجابهم الموهوم، بما قد يركبه من سيارة فارهة، أو ساعة ثمينة يلبسها، أو حتى ماركة عالمية لحذاء ينتعله.

في ظل استلاب الوعي، وتضعضع النزعة الفردية تصبح قيمة الإنسان مربوطة بما يحصل عليه من سلع كمالية مثمنة، لا لأنه بحاجة إليها، بل لأنه يعتقد أن الآخرين يرمقونه بأعينهم إعجابا، أو حسدا، وعندها تكون ذاته مقدرة، حسبما يتوهم.

في العصر الحاضر، قد يستلب الوعي أمام بريق الجماهير الافتراضية في منتديات التواصل الاجتماعي. لذلك، نعايش من يشدون رحالهم إلى أقاصي دول العالم، ويصرفون الأموال الطائلة، لا لكي يمتعوا نظرهم بمشاهِدِ الطبيعة، ولا لكي يرتقوا بذائقتهم الفنية والفكرية، بزيارة المتاحف والمكتبات، وإنما فقط لكي يصوروا أنفسهم وهم في تلك الرقعة القصية، ثم يبثوا تلك الصور عبر حساباتهم التواصلية، ليقولوا للآخرين، بلسان الحال: نتوسل إليكم أن تشاهدونا، وأن تُعجبوا بنا، لكي نكون شيئا مذكورا أمام ذواتنا المنكسرة!

بل إن حمى الاستهلاك الكمالي لتضطر أناسا محدودي الدخل، وبعضهم يلجأ إلى الاستدانة، إلى أن يسافروا إلى دول الشرق والغرب، والغاية التقاط صور هنا، وصور هناك، وبثٌ لها هنا، وبثٌ لها هناك، قصد توسل الإعجاب من الآخرين، وبعد ذلك، ليكن ما يمكن، فذواتنا، كما هو لسان حالهم، لا يمكن أن تسترد كينونتها إلا من خلال تقييم الآخرين، ولعمري فإنه استلاب ما بعده استلاب.

ثقافة عدم الاكتفاء، مصحوبة بانخفاض تقدير الذات، تجعل قيمتنا أمام الناس مرتبطة، لا بمعنوياتنا، ولا بإنسانيتنا، بل، ولا بما نحمله من علم أو فكر، بل بما نلبسه، أو نركبه، أو ننتعله من ماركات غالية الثمن، لسنا بحاجة إليها، بل إنها ترهقنا ماديا ومعنويا، حين نرهن ذواتنا إليها.

مما هو محسوب، مثلا، على شهوة الاستهلاك الزائفة، قيام بعض الناس، وخاصة فئة الشباب والشابات، بالبحث عن متع موهومة في أماكن لهو، أو سهر، أو مطاعم، أو فنادق باهظة الثمن، لا لجودة ما تقدمه، فضلا عن أنهم ليسوا بحاجة إلى ما تقدمه تلك الأماكن، بل بسبب شهرتها العالمية، فقضاء وقت قصير فيها، وتناول أكلة، قد لا تكلف إلا بضعة ريالات في أماكن غير شهيرة، مقابل مئات، أو آلاف الريالات في تلك الأماكن الفخمة، ربما يَرُدُّ إلى الذات الفاقدة لأصالتها شيئا من قيمتها!

كانت الأبيقورية، في سعيها نحو تكريس الحياة البسيطة والصحية، تدعو إلى حالة عيش يكتفي فيها الإنسان، ليكون سعيدا، بخلو جسمه من الألم العضوي، وخلو نفسه من الألم النفسي. وهذه غاية أماني الذات غير مستلبة الوعي، وغير المستلبة نفسيا. ولكن أين هي تلك النفس التي ترضى أن تعيش وسط حمى الاستهلاك الكمالي المعاصر، بفلسفة أبيقورية ترضى من الغنيمة براحة البال وهدوء النفس؟.

ثقافة عدم الاكتفاء، مصحوبة بانخفاض تقدير الذات، تجعل قيمتنا أمام الناس مرتبطة، لا بمعنوياتنا، ولا بإنسانيتنا، بل بما نلبسه، أو نركبه

*

كيف تتخلص من حيرة البحث عن أفضل وظيفة؟


نجد الشباب في حيرة من أمرهم، ضائعين أمام هذا القدر المخيف من الدورات التدريبية ومراكز تعليم اللغات والمنح الدراسية والورش التدريبية المؤهِّلة للوظائف المختلفة.

مواقع تُقدِّم دورات مجانية، وروابط تُعلِّمك اللغات في 3 أشهر، ناهيك بإعلانات الوظائف المختلفة التي تطلب المبرمجين والمصممين وكُتَّاب المحتوى. قد تقول لنفسك: "أنا أستطيع فعل هذا"، ولكن كيف يمكنك اختيار وظيفة ما إن كنت تمتلك حرية أن تصبح أي شيء على وجه الأرض؟

تخيَّل أنك تختار بين 10 مسارات مهنية مختلفة، وتدرس مزايا وعيوب كلٍّ منها، وتبحث عن تجارب الآخرين ممن سبقوك في كل مسار، وتستمر في تحليل كل معلومة جديدة حتى تصل إلى "الخيار المثالي" الذي سيمنحك أكبر قدر من السعادة وتحقيق الذات والتحقق المادي.
 "الشلل التحليلي" (Analysis Paralysis).
 تُفسِّر نظرية عالم النفس "جورج ميلر" الأمر، حيث يُعتقد أن الذاكرة العاملة تستوعب من 5-9 مؤثرات فقط في الوقت نفسه، لذا فإن أي عدد من الخيارات يفوق هذا الرقم قد يؤدي بك إلى الحيرة والتشتت.

حتى لو اخترت المسار الوظيفي الذي يمنحك الاستقرار والسعادة، قد تشعر بالندم لاحقا وأنت جالس في تجمُّع عائلي وزوج أختك يتحدَّث عن إنجازاته العديدة، أو وأنت تراقب أقرانك عبر وسائل التواصل الاجتماعي يتحدَّثون عن وظائفهم الرائعة.

في العالم الذي نعيش فيه اليوم ويحتوي على آلاف الخيارات، وعلى الكثير من البشر المولعين باستعراض ما يفعلون وما يملكون عبر وسائل التواصل الاجتماعي، من السهل أن تُصاب بالندم. يصف "باري شوارتز" في كتابه الشهير "مفارقة الاختيار" (The Paradox of choice) حالة "ندم المشتري" (Buyer’s remorse) قائلا: "بعد قرار الشراء، نبدأ في إعادة التفكير وإقناع أنفسنا بأن الخيارات التي رفضناها كانت في الحقيقة أفضل من الخيار الذي اتخذناه، أو نتخيَّل أن هناك بدائل أفضل لم نكتشفها بعد". يُولِّد هذا شعورا بعدم الرضا نحو ما اخترناه، حتى لو كان اختيارنا في الحقيقة جيدا.

تبدأ عملية البحث بالعكس، تقول توليير: "بدلا من ذلك، على الشباب أن يعرفوا نقاط قوتهم واهتماماتهم، وما نوع المهام التي تُحفِّزهم، وما شكل بيئة العمل التي يستطيعون التكيُّف فيها، ثم اختيار المهنة الأكثر لمعانا التي تنطبق عليها هذه الشروط".

*




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق