الدكتور محمد إبراهيم العشماوي، أستاذ الحديث وعلومه بجامعة الأزهر
كلام الفقهاء يحتمل الخطأ والصواب؛ فكلامه أيضا يحتمل الخطأ والصواب، فلماذا يطالبنا باتباع كلامه، دون اتباع كلام الفقهاء؟! ومطالبته بالتحرر من سلطة الفقهاء، والرجوع إلى ما يستريح إليه الإنسان؛ يفضي إلى أن تكون هناك أديان شتى، بل أهواء شتى، ويجعل العوام بمنزلة الفقهاء، ويبطل المنهج العلمي؛ لتتحول الأمور إلى فوضى لا نهاية لها، وهو إلحاد صريح".
الأصل أن غير المجتهد يقلد المجتهد، وغير المتأهل يقلد المتأهل، لأن فهم النصوص يحتاج إلى آلات خاصة، لا توجد إلا في هؤلاء الفقهاء، والله قد أوجب الرجوع إليهم عند عدم العلم، فقال: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)، وأوجب الرجوع إلى استنباطهم دون غيرهم، وسماهم أولي الأمر، وقرن الرجوع إليهم بالرجوع إلى -النبي صلى الله عليه وسلم-، فقال: (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم؛ لعلمه الذين يستنبطونه منهم).
مشيرًا إلى قول "الهلالي": (أرفض وصف القرآن بأنه دستور أو قانون؛ لأن ذلك ينتقص من قدره)؛ لافتًا إلى أن هذه تسميات اصطلاحية عصرية،
الدستور الإلهي أو القانون الإلهي، والدكتور دراز سمى كتابه (دستور الأخلاق في القرآن الكريم)، وهذه التسميات العصرية القصد منها التماشي مع لغة العصر، وتقريب لغة القرآن، كما أن اشتمال كلمتي الدستور والقانون على معنى الإلزام بالعمل، والتحاكم عند النزاع؛ موجود في القرآن الكريم، وكونه نصوصا جامعة مختصرة تنظم شؤون المجتمعات والعلاقات المتعددة، أشبه بنصوص الدساتير والقوانين، لكن على نحو معصوم من الخطأ.
استعرض قول "الهلالي": (القرآن حمال أوجه، بينما الدستور والقانون أحادي الدلالة)؛ مشيرًا إلى أن هذا الكلام غير صحيح إلا فيما دلالته ظنية من نصوص القرآن، أما النصوص القرآنية ذات الدلالة القطعية فهي أحادية الدلالة، أما أن الدستور والقانون أحادي الدلالة؛ فهذا كلام يردُّه فقهاء القانون، الذين يختلفون حول تفسير النصوص الدستورية والقانونية، ولا يتعارض هذا مع طبيعة تلك النصوص من كونها صيغت بطريقة حاسمة، مانعة للاختلاف، كما انتقد قوله :(يجوز أن نتوقف عن العمل ببعض آيات القرآن)؛ كلام صحيح، يشير به إلى وقف سيدنا عمر العمل بحد السرقة المنصوص عليه في القرآن عام الرمادة، ووقف العمل بسهم المؤلفة قلوبهم بعد استغناء الإسلام عنهم، ولكن هذا الأمر يعود إلى السياسة الشرعية، وليس تابعا للأهواء، ولا يعني إبطال الأحكام الشرعية أو إلغاءها بالكلية، بل يعني وقفها لحالة أو لظرف، ثم عودتها إلى العمل بعد انتهاء الحالة.
الوقف الكلي للعمل ببعض آيات القرآن الكريم؛ لعدم صلاحيتها للتطبيق في عصرنا، بزعمه، وفارق كبير بين الوقف الجزئي والوقف الكلي،
وصاية الفقهاء والعلماء على المسلمين، وهو تصور خاطئ، مبني على وهم؛ فإن علاقة العلماء والفقهاء بالعوام ليست علاقة الوصاية، بل علاقة الهداية والإرشاد، وليس عليهم إلا البلاغ، والدكتور سعد يعلم ويدرِّس لطلابه أن الفتوى غير ملزمة، موضحا أن فكرة الوصاية التي يرددها الدكتور سعد؛ هي فكرة كنسية بحتة، حيث كان رجال الدين المسيحي في العصور الوسطى أنصاف آلهة، وكانوا يفرضون على العوام الوصاية الفكرية والدينية، ولا يسمحون لأحد بالخروج عليها، فهل يوجد مثل هذا عند علماء المسلمين؟، بل إن ما يقوم به الدكتور سعد؛ هو نفسه وصاية فكرية؛ لأنه يشوش على المسلمين أمر دينهم، ويدعو إلى اتباع فكرته، في صورة منفرة!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق