الأربعاء، 22 ديسمبر 2021

الفول والكافيار: مساءلة الثراء الفاحش**********

May 20, 2020

كم هو المبلغ الذي يحتاجه المرء ليعيش 100 عام آمنا وسعيدا، ومقتدرا؟ الغاية من هذا السؤال قد تكون، ما نفع ألف مليون دولار إذا كنت لن تأخذها معك في جميع الأحوال؟ ثم ما نفع المليارات الباقية أصلا؟

يمتلك بعض أثرياء هذا العالم عشرات المليارات. ومن المحيّر بالفعل كيف يجري توظيفها أو الاستفادة منها.

مفهوم تماما، أن مبالغ ضخمة تلد مبالغ ضخمة فوقها، حتى وأنت نائم. وهي تمنح الإنسان مقدارا كبيرا من النفوذ يستطيع، إلى حد بعيد، أن يعمل به ما يشاء. ليس كل شيء بالتأكيد، ولكن الكثير.

مايكل بلومبيرغ على سبيل المثال شعر أنه يستطيع أن يشتري رئاسة الولايات المتحدة بالمال. وفي حين يجمع المرشحون الآخرون تبرعات لتمويل حملاتهم الانتخابية، فقد تبرع لنفسه بنفسه، قائلا إنه ليس في حاجة لأحد. هو ليس في حاجة لأحد، هذا صحيح، ولكن ليس كل أحد بحاجة له أيضا. وفي النهاية لم يتمكن حتى من تخطي المراحل الأولى للترشيح. الكل قال له: هذا منصب يجب ألا يُشترى بالمال. أثرياء آخرون في الولايات المتحدة جربوا وفشلوا أيضا. باستثناء دونالد ترامب، سوى أنه فاز ليس بسبب المال، وإنما لأنه فاقع. ونجح في جعل الفجاجة والوطنية الساذجة تعملان لصالحه، وهما ما أظهره وكأنه أحرص من غيره (للمفارقة) على مصالح العمال الذين يستاؤون من توجه الشركات الأميركية إلى الصين.

يمكن للكثير من المال أن يشتري الكثير من النساء أيضا. ولكن هناك الملايين من النساء لن يمكن أن تشتري منهن قلامة أظافر. واحدة منهن سوف تكفي لكي تجعلك تفهم أن مالك كله لا يساوي عندها شروى نقير. أما النساء اللواتي يمكن شراؤهن بالمال، فهن في الواقع يشترين المال لا صاحبه.

 فقد كانت هناك امرأة من أدنى الطبقات الدنيا تتكفل برفع الفضلات، فتحرش بها، فعاملته باحتقار، وقال إنه لم يعرف في حياته كلها مشاعر خزي كتلك التي شعر بها تجاه تلك المرأة المعدمة.
إذن، حتى النفوذ والمكانة المرموقة قد لا يعنيان شيئا، ولا يشكلان حماية كافية من مشاعر الخزي.
ليس مهما القول إن هناك 843 مليون إنسان يعانون من سوء التغذية، وإن نحو 25 ألف إنسان يموتون كل يوم بسبب الجوع، فهذه أقدار ربما، وأنت لست مسؤولا عنها. ليس بالضرورة. ولكن كم يمكن للملياردير أن ينفق على طعامه كل يوم. 1000 دولار مثلا؟ ذلك سوف يعني 36.5 مليون دولار في 100 عام. وكم سيارة يمكنه أن يشتري بقيمة 100 ألف دولار؟ 100 سيارة مثلا، أو واحدة كل عام، فهذه 100 مليون في 100 عام. كما يمكنه أن يشتري 25 طيارة خاصة على مدار المئة عام لتكلف نحو 500 مليون دولار. وأن يوظف لخدمته 50 شخصا، يتقاضى كل منهم 5 آلاف دولار، وكلما عطست تقدم عشرة منهم بمناديل ورقية لتمسح أنفك. فيكلفون 300 مليون دولار في 100 عام. ويمكن أن تشتري قصرا منيفا بـ50 مليون دولار. ولكن ماذا بعد كل ذلك؟ الشيخوخة هي ذاتها الشيخوخة في نهاية المطاف. والمال قد لا يمكنه شراء الصحة، والموت هو نفسه الموت. والحفرة هي ذاتها الحفرة.
نحن إنما نعيش على أوهام. والثراء الفاحش، فاحش الوهم أيضا. تأكل فولا فتشبع، وتأكل كافيارا فتجوع أكثر. إنها مفارقة من مفارقات الوهم.
المسألة ليست مسألة ما يمكن أن تشتريه أو أن تستهلكه، أو أن تتمتع به. حتى أنها ليست مسألة النهايات التي إنما يعيش الإنسان لينساها. وهي ليست مسألة زهد على أي حال. هذا موضوع آخر. الزهد صلة من نوع مختلف بالوجود. إنها مسألة الحياة نفسها. المبدأ الأول في الحياة إنما يقوم على الشراكة. نحن نتشارك الهواء نفسه. فإذا تلوث ضاع وضعنا. العيش في عالم تعيس، لا يمكنه أن يمنح السعادة لأي أحد. والفقر مؤذ حتى ولو كان بعيدا عنك. وغياب العدالة والمساواة بين البشر جارح جدا. والمظالم التي يعانيها الملايين، لا يمكنها أن تمنح حياتك الخاصة الاستقرار الذي تستحق. والعزلة لا تنجيك من الضرر في عالم موبوء بالفشل. وقد تملك مقدارا هائلا من المال، إلا أنه لن يغلق ثقب الأوزون، وقد لا يعني شيئا حيال ما تسببه الكوارث الناجمة عن التلوث البيئي. كما لا تملك أن تكنس المزبلة التي تحيط بالكرة الأرضية من مخلفات الأقمار الصناعية وبقايا الصواريخ التي تحملها إلى الفضاء الخارجي لكوكب الأرض.
الإنسان ليس كتلة احتياجات فحسب. المال قد يمكنه أن يُغلق هذا الثقب إذا توقف عند نقطة ما، ولم يبق يتسع. ولكن الإنسان كتلة مشاعر أيضا. وهذه هي كفة الميزان الأخرى. الحب والعطف والألم والفرح والانتشاء، هي خيوط صلة مع الحياة والآخرين. وهي مما لا يمكن للمال أن يعوضه أو أن يُغلق ثقوبه في النفس.
الفول طعام، يستذوقه الملايين من البشر، بأفضل مما يمكن للكافيار أن يفعل. والحب الذي تمنحه لأبنائك، لا يمكن لأي مقدار من المال أن يعادله. وهو ذاته الحب الذي يمنحه أي أب أو أم، بصرف النظر عما يملكان أو لا يملكان. والحب الذي تلقاه أغلى. والاحترام والمكانة الرفيعة ثمرتان يمكن الفوز بهما بالكثير من الوسائل غير المال. والعطاء، جوهرة من جواهر الحس الإنساني. وهي نفسها، يا سبحان الله، إذا أعطيت القليل أو الكثير، فأقلت عاثرا أو أغثت ملهوفا.
أشياء كثيرة، في موازين الحياة، لا يمكن للمال أن يزنها. والدولار لا يساوي دولارا دائما. أحدهما يمكن أن يكون رقما في حساب للكافيار، بينما الآخر أداة من أدوات صنع الحياة.
المال على أي حال، قيمة رقمية في حساب السعادة الفردي. ولكن “ما نفع المال إذا كان كل من حولك جائعًا ومريضًا” يقول باراك أوباما. وعندما تكون ثريا في مجتمع فقير، فأنت في الواقع أفقر منه، حتى تُدرك أن هناك شيئا واحدا على الأقل أهم من المال، هو ما تفعله به.
*

نقد الثروة الفاحشة

الرأسماليين اليوم مثال بيزوس و ايلون ماسك 
من الغالبية من الناس غير الأثرياء الذين يعملون لديهم ومن حولهم.
القوة الغاشمة، أو من خلال ممارسة النفوذ والرشوة.او الإقناع الأيديولوجي
 التبرير بأن الثروة الفاحشة هي مكافأة المجتمع لأولئك الأشخاص الذين يقدمون مساهمات حاسمة للرفاهة الاجتماعية والتقدم.

ويشكل منح المكافأة بهذه الطريقة -بدلاً من تقاسم المكافأة بين جميع أولئك الذين تعاونوا لتحقيق النتيجة- حافزًا أكبر لوضع شخص واحد في مكان معين بدلاً من العمل إلى جانب جميع الزملاء القرويين الذين أسهموا في تحقيق النتيجة.

 المكافأة بهذه الطريقة الآخرين كعامل مثبط للمساهمة في العمل من أماكن أخرى.
 تفعل القرية أفضل لو أنها وزعت مبلغ الـ10.000 دولار الذي تم جمعه لمكافأة جميع القرويين الذين تعاونوا في منع الفيضان.

طور جون مينارد كينز، الاقتصادي، أولاً: نقدًا لعدم استقرار رأسمالية القطاع الخاص؛ وثانياً: السياسات النقدية والمالية لمواجهة انعدام الاستقرار ذاك، والتي انتشرت على نطاق واسع منذ الثلاثينيات.

مساهمة عمله في المجتمع هائلة، إلا أن مكافآته المالية كانت متواضعة جدًا مقارنة بالمليارات التي جمعها رواد الأعمال مثل ماسك وبيزوس.

 لودفيغ فان بيتهوفن، وولفغانغ أماديوس موزارت، ولويس باستير، وألبرت أينشتاين، وعدد آخر لا يحصى من المساهمين الرئيسيين الآخرين في الحياة الحديثة، لم يكونوا مدفوعين بشكل خاص بأي احتمال لتحقيق ثروة فاحشة

المكافآت الضخمة غير ضرورية للاختراع والابتكار والتقدم، وإنما كانت الاختراعات أيضًا في الغالب سبباً عرَضياً لتراكم الثروة الفاحشة. إنها الرأسمالية هي التي تمكن من تحقيق هذه الثروة الآن (كما فعل الإقطاع والعبودية في الماضي).

غالبًا ما يتم تجاهل المخترع، أو خداعه، أو تركه بعيدًا خلف الركب من قبل شخص مختلف مدفوع بِـ -ويسعى إلى- جمع ثروة فاحشة.

تتضافر الصلات الجيدة، وثروة الأسرة، والنفوذ السياسي، والرشوة، والفساد وعوامل أخرى لا حصر لها لتمكين الأشخاص بخلاف المخترعين من “الاستفادة” من اختراع شخص آخر. في الرأسمالية. سارقوا الاختراعات ****

يوفر احتكار الاختراع فرصًا أفضل بما لا يُقاس لتكديس الثروة الفاحشة من تلك التي وفرها -أو يوفرها- ابتكار شيء على الإطلاق.

“أمازون” التي أصبحت “متجرًا متعدد الأقسام” لكل شيء تقريبًا، والذي يقوم بإيصال المنتجات إلى العملاء في أي مكان تقريبًا بسرعة بالطلب من خلال الإنترنت.

 يصطدم تكديس الثروة الفاحشة بالديمقراطية أيضاً.

ترافق الدعوات إلى المساواة في كثير من الأحيان بالدعوات إلى الديمقراطية.

يكتشف أفراد المجتمعات التي تتسامح مع التفاوتات الهائلة في الثروة والدخل أن الأثرياء يستخدمون ثرواتهم لمنع أي ديمقراطية أو استغلالها والتلاعب بها أو تدميرها.

أدرك هؤلاء الأفراد دائمًا أن الاقتراع العام -أو حتى حق الاقتراع واسع النطاق- يهدد بأن تصوت الأغلبية غير الثرية لصالح إنهاء اللامساواة في ثروة المجتمع.
لذلك، يمنع الأغنياء الديمقراطية، ويحولون دون أن يكون للأشكال المختلفة من الديمقراطية أي محتوى حقيقي، أو أنهم يقومون لدى التعرض للضغط بتخريب تلك الأشكال.

الزيادات الهائلة في تفاوت الثروة في الولايات المتحدة، يشجع الأثرياء مع ذلك مطالب الحزب الجمهوري المناهضة للديمقراطية ومناوراته الانتخابية

 ضد اقتراحات الأبعاد الضريبية التصاعيدية التقدمية بعض الشيء التي يطرحها الرئيس جو بايدن ضمن مشروع “إعادة البناء بشكل أفضل”.

يقرر إيلون ماسك، وجيف بيزوس، وغيرهم من أصحاب المليارات الأميركيين وحدهم ومن دون محاسبة كيفية إنفاق مئات المليارات من الدولارات.

وبذلك، تجلب قرارات بضع مئات من الأشخاص التنمية الاقتصادية إلى بعض المناطق والصناعات والمؤسسات، بينما تؤدي إلى التدهور الاقتصادي لمناطق أخرى.
يتم استبعاد ملايين الأشخاص المتأثرين بقرارات الإنفاق هذه من المشاركة في اتخاذها.

يفتقر هؤلاء الملايين من الناس إلى القوة الاقتصادية والاجتماعية التي تمارسها الأقليات الصغيرة غير الخاضعة للمساءلة صاحبة الثراء الفاحش. وهذا نقيض الديمقراطية.

استخدم أصحاب الثراء الفاحش السلطة التي يجنونها من ثروتهم ليقوضوا بنجاح الضرائب التي تهدد ثروتهم الفاحشة أو انتقالها في السلالة من خلال الميراث.

 دفع الأثرياء الفاحشون الاقتصاد والمجتمع في الولايات المتحدة بعيدًا عن أي شيء يشبه ولو من بعيد “تكافؤ الفرص”. اليوم، يتمتع أبناء الأشخاص فاحشي الثراء بمزايا لا تعد ولا تحصى مقارنة بجميع الأولاد الآخرين.

يُظهر الأثرياء الفاحشون من خلال ممتلكاتهم العقارية -مثل دونالد ترامب- صفة أخرى مذهلة معادية للديمقراطية.
إذا اختار هؤلاء السكان العيش والعمل في مكان آخر، فيمكن لأصحاب العقارات في هذا الموقع أن يصبحوا أغنياء بشكل فاحش.
إنهم لم يفعلوا شيئًا للأرض التي يمتلكونها ليصبحوا أثرياء. لقد فعلت قرارات تحديد مواقع الأشخاص الآخرين ذلك في سياق إضفاء الطابع المؤسسي على الملكية والأسواق الخاصة بالرأسمالية الأميركية.

 تتفاخر الثروة الفاحشة بتجاهلها للقانون. من “أوراق بنما” إلى “أوراق باندورا”، من بين مصادر أخرى، نعلم أن الأثرياء الفاحشين ينشطون أيضًا في الملاذات الضريبية، حيث يخبئون ثرواتهم من السلطات الضريبية والمحاكم القانونية والرأي العام والأزواج.

لا يقتصر عمل ثرواتهم على شراء القوانين واللوائح التي تمكّن من التهرب الضريبي القانوني؛ إنها تشتري التسامح العالمي مع الملاذات الضريبية (الموجودة بشكل متزايد داخل الولايات المتحدة نفسها، في ولايات مثل ساوث داكوتا ونيفادا وديلاوير).

في كل مكان تقريبًا في العالم الرأسمالي، يدفع غير الأثرياء قدراً أكبر من الضرائب ويعانون من عجز في الخدمة العامة بسبب التهرب الضريبي لفاحشي الثراء.

يجب أن تكافح الثروة المتطرفة غير العادلة وغير الضرورية -وهي تفعل- جاهدة لتأمين دعم الرأسمالية العالمية وقوتها.

  • Richard Wolff: مؤلف كتاب “الرأسمالية تواجه المتاعب” وكتاب “أزمة الرأسمالية تتعمق”، وهو مؤسس “الديمقراطية قيد العمل” Democract at work.
    *نشر هذا المقال تحت عنوان: .A Critique of Obscene Wealth وهو من إنتاج Economy for All، وهو مشروع تابع لمعهد الإعلام المستقل.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق