الخميس، 30 ديسمبر 2021

المهاجرون العرب يتركون بلدانهم لأسباب سياسية أو اقتصادية أو ربما دينية أما الهجرات العكسية فتتم لأسباب ثقافية واجتماعية

العقول المهاجرة والغربة

 إنها لم تر في العيش بالبيئة الأميركية تلك المزايا الحياتية التي يرددها الكثيرون، فالعلاقات الإنسانية القائمة بين الناس فاترة، وإن لم تكن باردة بالمعنى الدقيق، ومحددة في الإطار الرسمي، وغالبا ما يكون الشعور بالتقارب المُجتمعي مفقودا تماما، ولو يلوح عكس ذلك.

 “الناس في الولايات المتحدة مُنشغلون دوما، وبعيدون عن بعضهم البعض، حتى أن الكثير من الأشقاء تمر عليهم سنوات دون أن يكون بينهم لقاء واحد، وتُشعر رتابة الحياة المادية في المجتمعات الغربية مَن يحياها بأنه مجرد آلة خالية من أي مشاعر إنسانية”.

أحبت نادية ابن خالتها الذي تعرفت عليه وتحادثت معه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وأخبرت والديها بقرارها بالسفر إلى مصر للزواج منه والعيش في مجتمع ريفي بسيط تجد فيه الألفة وسيادة التقارب الإنساني.

ورغم أن كل مَن هم حولها عارضوا قرارها، وراهنوا على عدم قدرتها على تحمل قسوة الحياة في الريف المصري، والخالية من فرص التنزه والرفاهية، والعمل بدخل مالي جيد، إلا أن رهانهم خاب واستقرت حياتها بالفعل وأنجبت بنتا عززت من صحة قرارها بالاستقرار في مصر، وعملت بعد ذلك في مركز طبي خاص بالقرب من مكان

أوضحت صاحبة الحكاية أنها تشعر بالرضا التام لقرارها، وتعتقد أن الحياة التي تستحق أن يحياها الإنسان هي التي يسودها الحب والرضا والتآلف بين الناس.

وتعرف يقينا أن فرص العمل ومستوى المعيشة والقدرة على التمتع بالحياة أفضل في أميركا وأوروبا، لكن الحياة هناك تفتقد طعمها الحقيقي الذي تشعر به في بلد أجدادها.

ولم يجرب أبناء المجتمعات العربية من الساعين للهجرة إلى الولايات المتحدة أو إلى دول أوروبا تفاصيل الحياة هناك ولم يتذوقوا قسوتها وماديتها ورتابتها، ولذلك قد يكتشفون بعد مضي وقت الفروق الجوهرية بين مجتمعاتهم الأصلية والجديدة.

يفسر البعض حالات الهجرة العكسية لأبناء عائلات مهاجرة لبلاد الجذور، على أنها رد فعل طبيعي لصعود تيارات وقوى اليمين المتطرف والشعبوية في بعض المجتمعات الغربية.

وفي رأي هؤلاء أن الخطاب السائد والمُحذر من استقبال المهاجرين الجُدد، والمُزدري للوافدين إلى الدول الغربية، سواء أكانوا عربا أم غير عرب، يدفع بأبناء المُتجنسين إلى البحث عن هويات بديلة، ما يجعلهم من الشغوفين بالتعرف على بلاد الجذور التي هاجر منها الآباء والأجداد، وربما الاحتماء بها.

هناك تصور منطقي يفترض أن ما يغيب عن الإنسان يكون في الغالب أفضل ممّا هو متاح لديه، بمعنى أن كل ممنوع مرغوب فيه، لذا فشغف الأبناء بتلك الحياة التي يحكي آباؤهم جانبا منها باعتبارها ذكريات جميلة، قد يدفعم بشكل غير مباشر إلى التعلق بالجذور أكثر.

نوع من الهروب

تمثل الهجرة العكسية أحيانا نوعا من الهروب من مشكلات شخصية أو عاطفية، وإذا كان المهاجرون العرب يتركون بلادهم لأسباب سياسية، أو اقتصادية، أو ربما دينية، فالهجرات العكسية تتم لأسباب ثقافية واجتماعية.

يتصور البعض أن تزايد الهجرة العكسية في الآونة الأخيرة يُعبر عن سمة لصيقة بجيل الألفية الثالثة في العالم، وهي الحركة الدائمة والانتقال السريع من مجتمع إلى آخر، وتجربة حيوات صعبة وغريبة، أو بمعنى آخر الفرار من عصر التكنولوجيا والروبوت والحداثة.

لا يقتصر الأمر هنا على العرب، فهناك أوروبيون كُثر يختارون فجأة السفر للعيش في دول أفريقية أو في الصحراوات الكبرى بحثا عن حياة فطرية ومجتمع طبيعي، وسعيا لتجارب يشعرون فيها بروح المغامرة والقدرة على الاختلاف عن القطيع.

*Mar 27, 2021

معظم المهاجرين من الأفغان والإيرانيين والعراقيين، الذين يدخلون إيطاليا من البلقان معتقدين أنهم إذا تمكنوا من العبور عبر ممرات جبال الألب المجمدة، فسيكون الطريق مفتوح أمامهم نجو بريطانيا ولا داعي للخوف من عبور بحر المانش.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق