الجمعة، 31 ديسمبر 2021

ما بعد الحداثة *********

: كيف دمر المثقفون الفرنسيون الغرب؟

Oct 5, 2020

 حركة "ما بعد الحداثة" الفلسفية تهديدا لمشروع التحديث والتنوير الفلسفي من ناحية، وللديمقراطية الليبرالية من ناحية أخرى، فمجموعة الأفكار والقيم التي تمثلها هذه الفلسفة قد كسرت حدود الأوساط الأكاديمية، واكتسبت قوة ثقافية كبيرة في المجتمع الغربي شملت "أعراضا" لاعقلانية وتناقضات متأصلة في طريقة التفكير التي تنكر وجود حقيقة مستقرة أو معرفة موثوقة، وفقا للباحثة والكاتبة البريطانية هيلين بلوكروز.

وفي مقالها بمجلة "آريو" (Areo) الثقافية الإلكترونية التي تترأس تحريرها، تعرّف بلوكروز "ما بعد الحداثة" بأنها ببساطة، حركة فنية وفلسفية بدأت في فرنسا في الستينيات، وأنتجت فنا و"تنظيرا" مثيرين للحيرة، واستندت إلى الفن السريالي وأفكار الفلاسفة الألمان نيتشه وهايدغر بسبب مناهضتهم للواقعية، وكان رد فعل هذه الحركة الفلسفية مناقضا للنزعة الإنسانية الليبرالية التي وسمت الحركات الفنية والفكرية الحديثة.

تعتبر بلوكروز أن حركة ما بعد الحداثة رفضت الفلسفة التي تقدر الأخلاق والعقل والوضوح، وأن ما بعد الحداثيين هاجموا العلم وهدفه المتمثل في الوصول إلى معرفة موضوعية، فيما تميزت حركة ما بعد الحداثة اليسارية بنفس عدمي وثوري.

جوهر الحداثة هو تطور العلم والعقل بالإضافة إلى النزعة الإنسانية والليبرالية العالمية، وفي المقابل فإن ما بعد الحداثيين يعارضون ذلك وينتقدون أهداف المشروع الحداثي.

وإذا فهمنا الحداثة على أنها هدم هياكل السلطة بما في ذلك الإقطاع والكنيسة والنظام الأبوي والإمبراطورية، فإن ما بعد الحداثيين يحاولون إبقاءها واستهداف العلم والعقل والإنسانية والليبرالية في المقابل، وبالتالي فإن جذور ما بعد الحداثة هي سياسية بطبيعتها وثورية لكنها مدمرة وخادعة، كما تستدرك الكاتبة.

ما بعد الحداثة هي فلسفة تسعى لجعل المعرفة نسبية، وإلغاء الإيمان بالحقائق أو القناعات الشخصية الراسخة أو التوجهات الثقافية المحددة، وتدعو في المقابل لتفضيل "التجربة الحية" (الشخصية) على الأدلة التجريبية، كما أن هناك محاولة لترويج آراء محددة بدعوى حماية التنوع مع منح مجموعات أقلية معينة امتيازات مستثناة من إجماع العلماء، ومستثناة كذلك من "الأخلاق الديمقراطية" التي يتم وصمها بأنها سلطوية وأيديولوجية.

وتعبر فلسفة ما بعد الحداثة عن الإحباط الفلسفي الغربي من الحداثة، ويرى فلاسفة أوروبيون أنها جاءت كرد فعل عكسي على الدمار الذي لحق بأوروبا بسبب الحرب العالمية الثانية والفاشية والمذابح، إذ تزعزعت ثقة الفلاسفة والفنانين بالحداثة السياسية والاقتصادية، وأنكروا المشروع التنويري برمته واستبدلوا اليقين بالتشكيك والتفكيك وحتى العدمية.

الفلاسفة الفرنسيون

وصاغ مصطلح "ما بعد الحداثة" الفيلسوف الفرنسي جان فرانسوا ليوتار (1924-1998) في كتابة لعام 1979 "الوضع ما بعد الحداثي"، وعبّر ليوتار عن نقده للحداثة وسقوط الأيديولوجيات الكبرى أو "السرديات الكبرى" كما أسماها، وقدم نقده لفكرة التنوير وللأيديولوجيات الحديثة التي عدّها نتاج التنوير معتبرا أنها سقطت وفشلت فشلا ذريعا.

وتسعى فلسفة ما بعد الحداثة لإنكار وجود الحقيقة الموضوعية، وتعتبر كل واقع في الأصل مجرد بناء من أفكار ذاتية لصاحبها، إذ لا توجد حقيقة كونية مستقلة في رؤية هؤلاء الفلاسفة الذين يشككون بشكل مستمر في كل السرديات الكبرى، وساهم فرانسوا ليوتار مع كل من الفلاسفة الفرنسيين جاك دريدا وفرانسوا تشالي وجيل دولوز في تأسيس المعهد العالمي للفلسفة.

وتركز عمل الفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو (1926-1984) أيضا على اللغة والمفاهيم النسبية، على الرغم من أنه طبق ذلك على التاريخ والثقافة، معتبرا أن المعرفة هي نتاج مباشر للقوة.

علاوة على ذلك، تم تصور الناس ثقافيا في تنظيرات "ما بعد الحداثة" باعتبار "الفرد، بهويته وخصائصه، هو نتاج علاقة قوة تمارس على أجساد، ورغبات، وقوى"، وهو ما اعتبرته الكاتبة أنه لا يترك أي مجال للفردية والاستقلالية الذاتية.

وكما يقول الفيلسوف المسيحي الأميركي كريستوفر بتلر، فإن فوكو يعتمد على المعتقدات المتعلقة بالشر المتأصل في الموقف الطبقي للفرد، أو المركز المهني الذي يُنظر إليه على أنه "خطاب"، بغض النظر عن أخلاقيات سلوكه الفردي. وهو يقدم إقطاع القرون الوسطى والديمقراطية الليبرالية الحديثة على أنهما قمعيان بالقدر ذاته، ويدعو إلى انتقاد ومهاجمة المؤسسات لكشف "العنف السياسي الذي مارس نفسه دائما من خلالهما بشكل غامض".

تقول الكاتبة، إن فوكو يمثل التعبير الأكثر تطرفا للنسبية الثقافية، إذ يقرأ الثقافة من خلال هياكل السلطة التي تكون فيها الإنسانية والفردية المشتركة غائبة تماما تقريبا، وبدلا من ذلك يتم تصور الناس من خلال موقفهم في ما يتعلق بالأفكار الثقافية السائدة إما كظالمين أو مظلومين.

ثم جاء دريدا

كان جاك دريدا (1930-2004) هو من قدم مفهوم "التفكيك"، كما دعا إلى النسبية الثقافية والشخصية، وركز بشكل أكثر وضوحا على اللغة، والاقتباس الأكثر شهرة لدريدا "ليس ثمة خارج السياق"، أو "لا يوجد شيء خارج النص" يتعلق برفضه لفكرة أن الكلمات تشير إلى أي شيء مباشر، بدلا من ذلك "هناك سياقات فقط بدون أي مركز ثابت على الإطلاق".

لذلك فإن مؤلف النص ليس هو المرجع في معناه، بل يصنع القارئ أو المستمع معناه الصحيح بالقدر نفسه، وكل نص "يولد سياقات جديدة بلا حدود بطريقة غير قابلة للانتهاء على الإطلاق".

أراد دريدا الإشارة إلى أن المعنى يُبنى عبر إدراك الاختلافات، وتحديدا من خلال التعارضات المتناقضة، فمثلا كلمة "شاب" منطقية فقط في علاقتها بكلمة "عجوز"، وجادل دريدا بأن المعنى يُبنى من خلال تعارض هذه التناقضات التي توصف بكونها إيجابية وسلبية.

وأصبح دريدا منظّرا للمزيد من النسبية الثقافية والمعرفية، والمزيد من التبرير لسياسات الهوية، وخاصة مع تشديده على عدم إمكانية رفض التعارض والتناقض، وبالتالي رفض قيم الليبرالية التنويرية للتغلب على الاختلافات والتركيز على حقوق الإنسان العالمية والحرية الفردية، وفقا للكاتبة.

نهاية التنوير

تقول الكاتبة إن هذه المجموعة الفكرية تتبنى "مجموعة مفاهيم" تهدد بإعادة العالم الغربي إلى زمن ما قبل عصر التنوير، عندما كان يُنظر إلى "العقل" ليس فقط على أنه أدنى مرتبة من العاطفة، ولكن باعتباره خطيئة.

إن أزمتنا الحالية ليست أزمة اليسار مقابل اليمين، بل هي أزمة الاتساق والعقل والتواضع والحرية العالمية مقابل التناقض واللاعقلانية والاعتقاد الحماسي والاستبداد القبلي.. يبدو مستقبل الحرية والمساواة والعدالة قاتما بالقدر نفسه، سواء فاز اليسار ما بعد الحداثي أو يمين ما بعد الحقيقة في هذه الحرب الحالية. أولئك الذين يقدرون الديمقراطية الحرة وثمار ثورة التنوير والعلم والحداثة يجب أن يجتهدوا نحو خيار أفضل".

*

جاك دريدا... فيلسوف التفكيك و«التشتيت»


درس مبكرا نصوص برغسون وسارتر في الأعوام 1947 و1948. وفي منتصف الستينات من القرن العشرين طرح ورقة: «البنية، العلامة، واللعب، في خطاب العلوم الإنسانية»، حينها بات اسمه متداولا بشكل جدي في الأوساط الفلسفية والنقدية، لتتكون أدوات دريدا في التفكيك والاختلاف من خلال كتبه التي توالت: «الصوت والظاهرة»، الذي يعده أحب أعماله إليه، و«الكتابة والاختلاف»، وفي السبعينات أصدر كتبا منها: «مواقع»، و«هوامش الفلسفة» و«التشتيت».

*Apr 14, 2021

تفتيت التاريخ والجنوسة والنظريات النسوية والنقد الذاتي وما بعد التاريخ وما بعد الاستعمار وتسوية شاملة بين جميع الكائنات الإنسية (النساء ـ الرجال ـ الفجرة ـ الشواذ جنسياً )، فهو عالم المابعديات عالم ما بعد التاريخ وما بعد الإنسانية وما بعد الاستشراق، ولكن هي في الواقع إن ما بعد الحداثة لا ترفض عطاءات الحداثة، بل تعيد إنتاجها بصورة تتساقط معها مختلف التناقضات، ورفضت النظريات الشاملة كالتي جاءت بها الماركسية، وركزت على التاريخ المجهري في حياة الناس

 تورين: “إنَّها تطورت ضد ذاتها”، وخضع الإنسان للعقل على حساب مشاعره وقيمه الإنسانية وصارت العقلانية قهر واستلاب، وفي نهاية الأمر أفرزت الحداثة حربين عالميتين، فهي لم تطور العقلية ولم تسهم في الحرية التي أرادتها للإنسان ككل، فهم في الحقيقة أرادوا الحرية للإنسان الأوروبي، وسلك الحداثيون مع الأمم الأخرى مسلك الغطرسة والتسلط، وفي هذا السياق “صفق عظيم مفكري الحداثة في أوروبا (هيجل) لما سمَّاه بانتصار الروح الأوروبية وعودتها إلى مجدها عند احتلال فرنسا للجزائر”1، وبالتالي يمكن القول إنَّ الحداثة فقدت قدرتها على تحرير الإنسان بعد أن أدت دورها التاريخي في نهضته.

 ما بعد الحداثة لم تكن عبثية إنما هي مرحلة إكمال للحداثة ونقد وتصحيح داخلي لها بما يتوائم مع أشكال جديدة للهيمنة، فهي الأخرى الأكثر تآمراً مع الأشكال الشمولية التي تسعى إلى السيطرة والاستلاب، وما جاءت به من شعارات لمحاربة العنصرية وتخليص الإنسان من الاستغلال كانت واهية، بل – وعلى العكس – كانت ما بعد الحداثة امتداداً لبعض أسس الحداثة السلبية، فقد حولت الإنسان إلى كائن عبثي يعيش حياة الغربة والتناقض، وفتتت المجتعات فالعالم في بدايات القرن العشرين كان منقسم بين ماركسي وليبرالي، ولكنا نراه اليوم منقسم بين تيارات داخل المجتمع والعائلة الواحدة، وسادت ثقافة اللاأخلاق واللامبالاة، وبالتالي يمكننا القول إن ما بعد الحداثة كانت “ديناميكية” جديدة أنتجت أفكاراً وخصبت الفكر الإنساني، وأرادت أن تخلق روحاً إبداعية جديدة للإنسانية، ولكنها في واقع الأمر غيرت النظام الإمبريالي القديم المبني على توازن الرعب، إلى نظام يدعو إلى الديموقراطية وفتح العقول والحدود أمام العولمة والسوق الواحدة والرأسمالية، فكانت مرحلة انتقال من عنف الحداثة إلى الليونة والانسياب؛ لإغراء الآخر وتفكيكه تحت شعارات وأمنيات خيالية.

 الطهطاوي وجمال الدين الأفغاني، ونقولوا كثيراً من الأفكار الحداثية إلى الإطار الإسلامي إلا أن ثقافة مجتمعنا شغلها التحديث عن الحداثة وبقيت عقولنا كما هي عليه. وظل السؤال عن كل أسباب تقدم الغرب وتأخر العرب والمسلمين ملحاً على النخبة الإسلامية بصفة

قد جاءت الحداثة إلينا كلحظة عنيفة؛ لأن حداثتنا بقيت نقلاً نظرياً للأفكار، ولم يجر حداثة للعقول وبقيت الفكرة التي تسود في أذهاننا حول ذلك الآخر الغربي، وبنيت كل افتراضاتنا في علاقاتنا مع الغرب على قاعدة أن الأوروبي هو العدو والمستعمر والانتهازي والمتسلط، فبقينا نعيش على فتات الحداثة وقشورها، ولم ندرك حتى الآن أن الحداثة ليست أشكالاً وشعارات، بل هي صيرورة تاريخية – اجتماعية وفكرية، وما زلنا نعيش عالم الأوهام والتصوف والخوف من الآخر، وكان هذا من أبرز أسباب تأخرنا، ولم ندرك أن حياة الأمم هي دورة حضارية (كما قال ابن خلدون في مقدمته) تنتقل من أمة لأخرى عندما تفقد الأولى عوامل نهوضها وتأخذ الثانية بمقومات وأسباب ذلك النهوض.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق