"ترّهات" أو "قضايا هامشية" (في أفضل تسمياتها) مقابل "القضايا المصيرية" المسكون بها على الدوام.
"التفاهة" مطلوبة أحيانًا، وأغبط من يعيشها؛ لأنها وحدها الكفيلة بتحرير العقل، وليس "الحقيقة" كما يزعم الفلاسفة. أحيانًا نحتاج أن نلقي الصحف والكتب جانبًا، وأن ندير مفاتيح التلفاز عن القنوات الجادّة إلى القنوات المنشغلة طوال اليوم بفنون الطبخ، وصيحات الموضة وتصفيف الشعر. ما الضير لو تابع الكاتب برنامج "جويل"، مثلًا، أو استمع إلى أغان هابطة على غرار "بحبك يحمار" أو "الطشت ألّي"... أليس الفنّ الهابط رديفًا للسياسة الهابطة، فما بالك إذا كانت هذه السياسة عربية؟
فرار متعمّد من هذه التفاهة السياسية التي تغرقنا دبقًا،
يفسّر لي قرارًا حاسمًا بإلغاء عطلة يوم الجمعة في دولة إسلامية بمثل هذه السهولة، وكأن التوقيع يتمّ على بيع كومة خضار قبيل الخمج؟ هل يدخل القرار في باب الاقتصاد، أم السياسة، أم هو سعيٌ إلى طمس فلول الهوية في بلدٍ بات يفرّ من هويته فرار أرنب بريّ من خطر داهم .. هنا يستعصي عليّ الفهم،
التطبيع عندما زالت أسباب المنع هبّت رياح السموم دفعة واحدة، للضمّ والعناق، وعقد تحالفاتٍ تستغرق في العادة عشرات السنين تقليبًا وتمحيصًا، بطرفة عين، فهل تتحمّل الشعوب العربية وزر هذا المنع، على افتراض أن الأنظمة العربية تنسجم ورغبات شعوبها؟
التطبيع كان قائمًا فعليًّا، لكنّه رفع من تحت الطاولات إلى سطحها، عندما تطلّبت المرحلة كشف المخبوء، واللعب "عالمكشوف".. لكنه مكشوفٌ يحمل قدرًا ضخمًا من التفاهة أيضًا، عندما نرى مواطنًا مرتبكًا في دبي يعتلي سلّما ليشعل شمعدانا يهوديًا، في مشهد كاريكاتوريّ أقل دلالاته أسفًا فرق الحجم المهول بين الطرفين، بينما أغنية "بحبك يحمار" يغنيها الصهاينة المتحلقون حول السلّم؛ للعربيّ الذي أضرم النار في أصابعه قبل أن يضرمها في الشمعدان إرضاء لهم.
تفاهة سياسية، لأن أبطالها يدركون جيدًا أنهم في الواقع الفعليّ أقزام، ليس أمام إسرائيل فقط، بل أمام سكّين صغيرة تستلّها شابة فلسطينية من حقيبتها لتزرعها في قلب مجندة صهيونية أقصر منها قامة وتاريخًا وإرادة .. وشتّان ما بين هجمتين؛ هجمتي التطبيع والمقاومة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق