الأربعاء، 4 مايو 2022

حرية الصحافة ***

Dec 28, 2019 May 6, 2021

تُعرف الصحافة بالسلطة الرابعة، وهذا اللقب لم يأتِ من فراغ، فللصحافة دورٌ هام في كل مناحي الحياة والمجتمع، فهي التي تُسلط الضوء على القضايا الحيوية التي تخص المواطن، سواء على المستوى الخدماتي أو المشاكل الاجتماعية، وكذلك تراقب عمل المسؤول العمومي، فتدفعه ليجدَّ في العمل لصالح الناس، وذلك من أصغر موظف مرورا بالوزارة ورئيس الدولة، وكذلك تتابع عمل مجالس النواب والمحليات، فتُسلط الضوء على عمل المجالس وعلى آراء النواب، فتكون بمثابة شاشة عرض للمواطن كي يعرف كيف يؤدي من انتخبهم.

وإذا كان مبدأ الفصل بين السلطات التنفيذية/ التشريعية/ القضائية هو مبدأ هام وفارق في إقامة الديمقراطيات وتطور المجتمعات ونمو الدول، فاستقلالية الإعلام جزء لا ينفصل من ذلك الاستقلال الذي هو روح الأمة وعصبها، فهو أولا بمثابة مقياس لحاضر الدول والمجتمعات بما يعكسه من تطور للحريات العامة والخاصة أو انغلاقها، وهو بذلك مقياس هام تأخذه المؤسسات الدولية بعين الاعتبار، وكذلك هو من البدايات المهمة لتطور الدول وتقدمها، فإذا غابت حرية الصحافة وأصبحت مُجرد تابع مُكلَّف يتحدث بما يراه النظام ويغض الطرف عن مصلحة المواطن إذا ما تعارضت مع رؤية النظام، فبذلك يُصبح المواطن بلا تمثيل أو صوت يُراقب ويتابع أحواله، وينقل تفاصيل حياته للمسؤولين، ويُتابع تنفيذهم للوعود التي يقطعوها على أنفسهم.

الصحافة هي صوت الناس، هي الأحبال الصوتية التي تربط بين حناجر الناس وخروج صوتهم للنور، وهي كذلك الجهة التي تكشف للناس الحقائق، وبدون حرية الصحافة يصير المواطن شبه أعمى لا يرى إلا ما يُريد النظام أن يراه، وشبه أخرس لا يصل صوته لمدى أبعد من أرنبة أنفه.

الفضاء الإلكتروني كسر حاجز سيطرة بعض الأنظمة على الإعلام بنسبة 100%، وخلق هامشا للصحافة الحرة، سواء صحافة فردية كالمدونات الشخصية وأدوات "السوشيال ميديا"، أو المواقع الإلكترونية المؤسسية، وظهر أثر ذلك في انتشار المدونات في بداية الألفية الجديدة، حيث كانت بمثابة صوت جديد ومُختلف وطازج سلَّط الضوء على قضايا لم يكن يجرؤ أحد أن يتحدث عنها، وكذلك صنع جيلا من الكُتَّاب الذين يملكون موهبة وأدوات مُختلفة عبروا عنها بأفضل ما يكون التعبير.

توعية الناس ألا يرضون بأي عقاب بدني خارج إطار القانون، وأن ثمة من سيتحدث عن قضيتهم إذا ما تعرضوا لذلك الأمر، وبالرغم من أن رد فعل النظام كان منع التصوير ومنع دخول الكاميرات والتليفونات المحمولة التي بها كاميرا إلى أقسام الشرطة، لكن تلك الصحافة الإلكترونية الحرة أجبرت الإعلام المُتلفَّز أن يميل ولو قليلا نحو تلك القضايا حتى لا يتجاوزه الزمن.

حرية الصحافة هي قضية كل مواطن واعي بلا أدنى شك، وقضية كل مُجتمع.

الثالث من مايو من كل عام هو اليوم العالمي لحرية الصحافة، ومأساة الصحافة في العالم العربي تتزايد

*
2020

التمويل الحكومي للصحافة: شر عادل أم لا بد منه 

حتى إذا قدمت الحكومات ضمانات معلنة للصحف بعدم التدخل في طبيعة خطابها مقابل قبول التمويل، فلا أحد يثق بها، لأن هذه الأموال لا تتوافق بأي حال من الأحوال مع جوهر الصحافة.

يعاد في أروقة الصحف الغربية السؤال الذي تم تناوله منذ عقود في الصحافة العربية عن التمويل الحكومي؟
ومع أن التاريخ الصحافي العربي المعاصر لا يتحدث عن تجارب مستمرة لصحف خارج تمويل الحكومات، فإن الحكومات العربية لم تسمح بأي حال من الأحوال للصحف بالخروج عن سطوتها، لذلك لم تفكر الصحف العربية بالقارئ بقدر تفكيرها بإرضاء الزعيم والرئيس والأمير، لا يهم كم توزع إذا كانت الصحيفة موجودة على طاولة الرئيس صباح كل يوم!
اليوم تعيش الصحافة الغربية مأزق التمويل، فهي لم تعد قادرة على الاستمرار بعد أن استحوذ الإنترنت على إيرادات الإعلانات، وتراجع عدد المشتركين، وما بقي للصحف -حتى الرصينة منها وذات المسؤولية العالية- غير القرّاء الأوفياء الذين يعيشون سنواتهم الأخيرة!
بينما الحكومات لا تدفع أكثر من ضريبة كلامية وهي تتحدث عن الانفتاح على وسائل الإعلام وتبادل المعلومات بحرية ودعم وسائل الإعلام، لأن النخبة السياسية عندما تصل إلى موقعها لا تهتم بغيره بالقدر الذي يبقيها متنعمة.
هذا ما يجد له المخرج الأميركي تشارلز فيرغيسون إجابة في دفاعه عن وسائل الإعلام، وهي تعيش زمنا غير عادل بحقها بالتزامن مع ضغوط مالية كبيرة من أجل كسرها وتقويضها.
ويعود فيرغيسون إلى التاريخ من أجل تأكيد فكرة أن الصحف لا تستطيع كشف مواضع الفساد والتزوير ونهب المال العام، إن لم تكن قوية ماليا ورابحة تجاريا.
لذلك تبحث الصحف الغربية اليوم عن مصادر تمويل وهي تقترب من الكسر بعد أن دخلت السوق المريضة، وتلجأ إلى الحكومات التي طالما انتقدتها وقادت المعارك ضدها. فنموذج الأعمال التجارية للصحافة المحلية ينهار، وهي بحاجة ماسة إلى النظر في خيارات جديدة ومبتكرة بشكل جذري.
لم يشك ريتشارد سامبروك، أستاذ الصحافة في جامعة كارديف ورئيس مجلس وسائل الإعلام المستقلة، في الشقاق القائم والمتصاعد بين وسائل الإعلام والحكومات، لأن الشكوك لم تتراجع بشأن قدرة السياسيين على قبول مساءلة الحكومة، بينما تلقي حرية التعبير بظلالها على وجـوب التزام وسائل الإعلام برسالتها.
هناك مشاريع عن تمويل جماعي وبيع أسهم للقراء بينما فكرة التمويل الحكومي حاضرة بقوة، من دون أن تشعر كبرى الصحف بالخجل من طرق هذا الباب.
ولاية نيو جيرسي الأميركية مثلا خصصت مليوني دولار لدعم الصحف المحلية، وفي كندا أنشأت الحكومة صندوقا بقيمة 600 مليون دولار تهدف إلى دعم الصحافة من خلال مجموعة متنوعة من الإعفاءات الضريبية والمنح. بينما استنجدت صحف أخرى بأثرياء ورجال أعمال للتبرع لها. من دون أن تكشف عن طبيعة الاتفاق معهم، وعما إذا كان خلف تلك المعونات تقديم “خدمات صحافية” مدفوعة الثمن!
لا أحد يعتقد أن أموال الحكومة تأتي من دون شروط تفرضها على الصحف، لكن ثمة من يرى أنها وفق أسوأ الأحوال أفضل من إغلاق أبواب الصحف وتوقفها عن الإصدار.
هذا الأسبوع أعاد موقع” ذي ميديا توداي” الأميركي المهتم بشؤون وسائل الإعلام في نقاش مفتوح مع خبراء الإعلام، سؤالا عما إذا كان التمويل الحكومي للصحف شرا لا بد منه، أم هو في النهاية أشبه بشر عادل! وتلك مفارقة مثيرة عن ربط الشر بالعدالة.
ولم يجمع المشاركون على فكرة محددة بقدر إجماعهم على الخطر المحدق بحرية الصحافة إذا دخل إلى أروقتها المال الحكومي، “ماذا ستعلق حكوماتنا العربية في هذا الشأن؟”.
وحتى إذا قدمت الحكومات ضمانات معلنة للصحف بعدم التدخل في طبيعة خطابها مقابل قبول التمويل، فلا أحد يثق بها، لأن هذه الأموال لا تتوافق بأي حال من الأحوال مع جوهر الصحافة بوصفها خدمة عامة. ثم من قال إن الحكومات -حتى الديمقراطية منها- ضامن محب للحقيقة وحرية تبادل المعلومات؟
الأصوات التي ترحب بالتمويل الحكومي تثير تجربة هيئة الإذاعة البريطانية “بي.بي.سي” التي تدار بأموال دافعي الضرائب
البعض قد ينتقد نموذج تمويل هيئة الإذاعة البريطانية، ولكنه وفق أحد المشاركين في النقاش المفتوح لموقع “ذي ميديا توداي” “أقل ضررا من النموذج التجاري للصحافة الذي ينهار على نفسه حاليا”.
 فمن الصعب أن نتصور كيف يمكن معالجة أزمة الصحافة دون صندوق مالي شفاف داعم للصحف المركزية.
*
الاستبداد
 توازى تفشّي الوباء مع تراجع حرية الصحافة وتدهور أحوالها، إلى درجة أنّ "73% من دول العالم تعاني مشكلات خطيرة مع الحريات الإعلامية". وبقدر ما تبدو هذه النسبة مرعبةً بالنسبة للمدافعين عن حقوق الإنسان والحريات العامة، إلّا أنّها تعتبر، في نظر الأنظمة المعادية للديمقراطية، مؤشّراً على تغيير واضح في ميزان القوى لصالحها.
 الانسداد السياسي الذي تشهده معظم بلدان هذه المنطقة بعد إخفاق ثورات الربيع العربي. وفي الوقت الذي احتلت تونس المركز 73 (الأول عربياً) في مؤشّر حرية الصحافة، صنّف التقرير 12 دولة عربية ضمن الخانتين الحمراء والسوداء، بسبب الوضع الصعب والخطير للصحافة فيها، ما يعني في المحصلة عدم حدوث تغييرٍ كبير في هذا المؤشّر في المنطقة.
معظم الأنظمة العربية لا تنظر إلى الصحافة باعتبارها سلطةً رابعةً تسهم في بناء الرأي العام وتوجيهه، وإغناء النقاش العمومي، وتوسيع مساحة الحرية، وتحديث بنيات المجتمع، بقدر ما تعتبرها مصدراً لتهديد سلطتها. ولذلك، لم تتردّد في استثمار الجائحة لإعادة جدولة أولوياتها الأمنية والسياسية والاجتماعية، لا سيما بعدما فشلت القوى الثورية والمدنية في الانعطاف بلحظة الربيع العربي صوب توافقاتٍ سياسيةٍ كبرى تمهّد للقطع مع الاستبداد، وإقامة أنظمة ديمقراطية منتخبة. ولذلك، وظّفت الحقائقَ والشائعات والمزاعم التي واكبت تفشّي الفيروس على مدار السنة الماضية في تشكيل روايتها، وإجبار وسائل الإعلام والرأي العام على تبنّيها، والالتزامِ بمخرجاتها الصحية والأمنية، وقبولِ التعديلات التي تُدخلها عليها بالتوازي مع تطور الوضعية الوبائية، ضمن معادلة أمنية وسياسية بالدرجة الأولى، تتوخّى استخلاص العائد السياسي للجائحة بغاية ترميم شرعيتها السياسية التي كشفت الموجتان، الأولى والثانية، للربيع العربي شروخها المزمنة. ولا شك في أنّ الثورة المضادّة لعبت دوراً لافتاً في إعادة السيطرة على الصحافة والإعلام، بتسخير نفوذها السياسي والمالي، لتجفيف منابع الصحافة الحرّة في المنطقة. ويأخذ الأمر منعطفاً دالاً بالنسبة للصحافة الاستقصائية التي يشنّ عليها الاستبداد الجديد حرباً ضروساً، بسبب جهودها في فضح قضايا الفساد الذي شكّلت مناهضته أحدَ عناوين الربيع العربي. ومع انعدام فاعلية البرلمان، وتراجع مؤسسات الوساطة، وصورية المؤسسات والمجالس التي تُعنى بتنظيم الصحافة، تزداد صورة حرية الصحافة قتامة في المنطقة. وإذا كان الإعلام الرقمي قد أصبح يشكّل تحدّياً جسيماً في هذه المعادلة، فإنّ الأنظمة العربية تحاول، جاهدة، تطويعه وتكييفه مع طبيعتها الاستبدادية، سواء من خلال إصدار تشريعات تحدّ من فاعليته وتأثيره على الرأي العام، خصوصاً داخل مواقع التواصل، أو ممارسةِ الرقابة والتهديد والترهيب إزاء الصحافيين الذين يتجاوزون الخطوط الحمراء.
*
May 4, 2022
المال يصنع السياسة، والسياسة هي التي تُعلي من شأن حرية التعبير، ومنها الصحافة، أو تُنقص منها، بحسب المصالح والأجندات المتغيّرة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق