May 23, 2020
قهر الدول النامية واذلال شعوبها اقتصادياً، أو لأنه مؤسسة تساهم في إغراق الدول في الديون الخارجية وإجبار حكوماتها على خفض الدعم وزيادة الأسعار والصدام مع الشارع، بل أصبح الصندوق مزيفاً للحقائق والأرقام ومجاملاً للحكومات و"خائباً" حتى في التوقعات.
الصندوق مثلا أغرق مصر في الديون الخارجية والداخلية والتضخم وتسبّب في زيادة معدلات الفقر والبطالة وركود الأسواق وانهيار الطبقة المتوسطة، ومعها أغرق المواطن الفقير في أزمات معيشية متواصلة وقاسية.
*
يُعالج الأرقام لا الاقتصاد
تحوّل البلدان المعنيّة إلى أسرى غير قادرين على تحقيق استقلاليّة اقتصادية
يُعدّ الصندوق أسهل طريق تتّبعه الحكومات في مواجهة أزماتها الاقتصادية والماليّة، لأنه يمنحها القدرة على الولوج مجدداً إلى الأسواق الماليّة للاستدانة والحصول على التمويل الأجنبي، تُعاني الشعوب من التبعات الطويلة الأمد للوصفات الجاهزة.
حتى إنّ الأموال التي يقرّرها الصندوق للدولة المعنية، لا تكون موجّهة بشكل واضح. إذ يمكن إنفاقها على تغطية العجز في موازنة هذه الدولة أو على الاستيراد بدلاً من أن تكون موجهة للاستثمار في قطاعات إنتاجية. علماً بأن الاستثمار في القطاعات الإنتاجية بشكل سليم، يمكن أن يمثّل بديلاً من سياسات التقشّف. إذ إن نجاح الاستثمارات الإنتاجيّة يؤدّي إلى خفض العجز في الحسابات الخارجية، سواء من خلال زيادة تصدير الإنتاج أو من خلال خفض الاستيراد بسبب توفّر السلع محلياً. زيادة التصدير أو خفض الاستيراد، يحدّان من العجز في الميزان التجاري، وبالتالي في الحساب الجاري وميزان المدفوعات. كذلك، تؤدّي الاستثمارات الإنتاجيّة إلى حركة اقتصادية تنتج عنها ضرائب أكبر تساهم في زيادة إيرادات الدولة وخفض العجز في الموازنات.
بشكل عام، يسهم التركيز على السياسات الاقتصادية في حلّ المشكلات بشكل جذري، عن طريق الاعتماد على الموارد البشرية والطبيعية الذاتية للبلد، ما يخلق نوعاً من الاستقلالية الاقتصادية. لكن تجارب الصندوق العديدة تُظهر نقيض هذه الحالة.
بشكل عام، يسهم التركيز على السياسات الاقتصادية في حلّ المشكلات بشكل جذري، عن طريق الاعتماد على الموارد البشرية والطبيعية الذاتية للبلد، ما يخلق نوعاً من الاستقلالية الاقتصادية. لكن تجارب الصندوق العديدة تُظهر نقيض هذه الحالة.
تحفيز تدفّق رؤوس الأموال الأجنبية إلى البلدان المستهدفة هو أمر إيجابي. وهذا مدعاة للتذكير بأنّ الصندوق مؤسسة تروّج وتطبّق الأفكار النيوليبرالية التي تتضمّن تحرير حركة رأس المال بين البلدان. وترى مدرسة الاقتصاد النيوكلاسيكي، التي تنحدر منها النيوليبرالية، من خلال نظريّة التحديث (modernization theory)، أن تدفّق الاستثمارات الأجنبية أمر مفيد لنموّ الاقتصادات النامية. بحسب النظريّة، هذه التدفقات التي تستبدل أو تكمّل رؤوس الأموال المحليّة في الدول النامية، هدفها عملياً هو زيادة رأس المال المستثمر في الاقتصاد، كما أنها تجلب معها تكنولوجيا تسهم في زيادة النمو.
لكن في المقابل، تقول نظرية التبعيّة أنّ الاستثمارات الأجنبية إلى دول العالم الثالث تسهم في إعاقة نموّها الاقتصادي. أولاً، لأنّ العلاقة بين هذه الدول ودول المركز الرأسمالي هي علاقة استغلالية، إذ يُعاد تحويل أرباح هذه الاستثمارات إلى مراكزها بدلاً من أن يُعاد استثمارها في البلد النامي. فعندما تحقّق الشركات الدولية أرباحاً من استثماراتها في دول العالم الثالث، تحوّل أرباحها إلى مواطنها الأصلية، وهذا الأمر يخلق استفادة غير متوازية بين طرفَي الاستثمار (الشركات والدول النامية). فضلاً عن أنّ هذه الاستثمارات تخلق تناقضات وتشوّهات داخل الاقتصادات تحول دون تحقيق التقدّم الاقتصادي الحقيقي. من ضمن هذه التشوهات، هي المزاحمة التي تخلقها الاستثمارات الأجنبية لرؤوس الأموال المحليّة، إذ إنها تخرجها من المنافسة ما يُعيق حركة التقدّم الاقتصادي المحلّي. وبدلاً من أن تسهم رؤوس الأموال المحليّة في تطوير تقنيات محليّة جديدة وتحقيق نموّ مستدام يعتمد على الموارد الوطنيّة، تستفيد الاستثمارات الأجنبية من الموارد البشريّة والطبيعيّة المحليّة (الرخيصة بالنسبة لها) لتحقّق أرباحاً لا تُعيد استثمارها في الاقتصادات المحليّة.
لكن في المقابل، تقول نظرية التبعيّة أنّ الاستثمارات الأجنبية إلى دول العالم الثالث تسهم في إعاقة نموّها الاقتصادي. أولاً، لأنّ العلاقة بين هذه الدول ودول المركز الرأسمالي هي علاقة استغلالية، إذ يُعاد تحويل أرباح هذه الاستثمارات إلى مراكزها بدلاً من أن يُعاد استثمارها في البلد النامي. فعندما تحقّق الشركات الدولية أرباحاً من استثماراتها في دول العالم الثالث، تحوّل أرباحها إلى مواطنها الأصلية، وهذا الأمر يخلق استفادة غير متوازية بين طرفَي الاستثمار (الشركات والدول النامية). فضلاً عن أنّ هذه الاستثمارات تخلق تناقضات وتشوّهات داخل الاقتصادات تحول دون تحقيق التقدّم الاقتصادي الحقيقي. من ضمن هذه التشوهات، هي المزاحمة التي تخلقها الاستثمارات الأجنبية لرؤوس الأموال المحليّة، إذ إنها تخرجها من المنافسة ما يُعيق حركة التقدّم الاقتصادي المحلّي. وبدلاً من أن تسهم رؤوس الأموال المحليّة في تطوير تقنيات محليّة جديدة وتحقيق نموّ مستدام يعتمد على الموارد الوطنيّة، تستفيد الاستثمارات الأجنبية من الموارد البشريّة والطبيعيّة المحليّة (الرخيصة بالنسبة لها) لتحقّق أرباحاً لا تُعيد استثمارها في الاقتصادات المحليّة.
بقيت القطاعات الريعيّة صاحبة الحصّة الأكبر من الاقتصاد. وفي هذه الفترة كان الاعتماد الأساسي، لتغطية العجز في الحساب الجاري على تدفّقات رأس المال الأجنبي، الخليجي خصوصاً، إلى الأسواق الماليّة. هذا الأمر جعل الاقتصاد المصري بشكله الجديد، أي بعد دخول صندوق النقد، معرّضاً للخطر في حال توقّف التدفقات. وبعد أزمة كورونا، والحرب الروسيّة ــ الأوكرانيّة الأخيرة، توقّفت هذه التدفقات، وأصبحت حركة رؤوس الأموال الأجنبية تتجه إلى خارج مصر، ما فرض على مصر العودة لاتفاق جديد مع صندوق النقد مقابل حزمة إنقاذ جديدة.
يبقى صندوق النقد أداة لتطبيق المبادئ النيوليبرالية، من تحرير حركة رأس المال إلى الخصخصة وغيرها. وهو ليس مؤسسة تسعى إلى مساعدة الدّول المحتاجة في تحقيق استقلاليتها الاقتصادية، وهذا الأمر يتّضح من معظم التجارب التي تمت معه. اللعبة هي عبارة عن عملية تجميل للأرقام، ووضع «ختم» ضمانة من صندوق النقد، بأن الاستثمار في هذا البلد آمن ومسموح، والهدف هو اجتذاب رؤوس الأموال، في حين لا يُعطى الشقّ المتعلّق ببنية الاقتصاد الاهتمام الكافي من قبل الصندوق لأنه يساهم في حل المشكلات بشكل جذري، وهو عكس المطلوب. فالمطلوب هو الاعتماد على الصندوق وأموال الدول التي تديره.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق