الثلاثاء، 3 مايو 2022

التفكير السائد هو تفكير البيع والشراء، وكيف تُسَوِّق نفسك

  أي تصبح بائعا ومستثمرا، ليس فقط بشكل تجاري، بل بشكل ذاتي،

 أهمية العمل والنجاح فيصفق لك الجميع، وكيف تنجح في تسويق نفسك فتصبح "مسوقا محترفا"

 بيع أي شيء وأي سلعة مهما كنت غير مقتنع بها، بل تصبح قادرا على بيع ذاتك نفسها، فتوهم الجميع أنك شخص ناجح وخارق للعادة وتفهم في كل شيء، كما قال الراحل أحمد خالد توفيق: "المهم في مصر أن تبدو ليس أن تكون"، وكيف أثّر هذا التفكير على كل مناحي الحياة والثقافة، حتى أصبحنا جميعا نفكر بالمنطق نفسه، منطق السوق والربح والخسارة والبيع والشراء.

حضارة السوق.. كل شيء أصبح قابلا للبيع

ببيع بيانات الأعضاء لشركات التسويق والمنتجات والإعلانات، قام القراصنة بفعل الأمر نفسه، ففي كلتا الحالتين يتم بيع بيانات المشاركين في الموقع لتلك الشركات، بجانب تحول البيانات الشخصية للإنسان إلى سلع للبيع، تتحكم الإعلانات في سياسات "فيسبوك"، ودائما ما يجد المتصفحون لموقع "فيسبوك" إعلانات لها علاقة ببحثهم واختياراتهم وما يقرأونه ويشاهدونه على شبكة الإنترنت، حيث أصبحت الإعلانات واقتصادها يتحكمان في أمزجة الناس واختياراتهم.

هذا الأمر ليس جديدا، فالجمهور كان دائما مجرد سلعة للبيع، أنا وأنت وجميعنا يتم استغلالنا من قِبل شركات الإعلانات، لكن القصة ليست مجرد إعلانات، بل هي ثقافة كاملة يتم دائما الترويج لها حتى أصبحت شيئا عاديا، وأصبح السوق هو من يتحكم في كل شيء، ليس فقط وسائل الترفيه وإعلانات التلفاز وفيسبوك ويوتيوب، بل حتى المقالات التي نقرأها والكتب التي نشتريها كل شيء يتحكم فيه السوق أو على الأقل يكون السوق دائما أولوية قصوى لأن منطق الربح والخسارة سيطر على كل شيء. 

الجماهير "تفضل الجرائد ذات العناوين المثيرة والمكتوبة بخط كبير، والجماهير تحب أن ترى الصور أكثر مما تحب أن تقرأ الكلام، والجماهير تحب إذا كان المقال في موضوع علمي أن يكون مبسطا للغاية، وإذا كان في السياسة أن يكون مثيرا وحماسيا، أما الأخبار، فالأفضل منها هو ما تعلق بالفضائح وأسرار الناس، أما القصص فأفضلها قصص الحب والجنس"

يجد الصفحة بأكملها وقد احتوت على صورة لسيارة أو علبة سجائر إلى جانبها صورة امرأة جميلة تهم بركوب السيارة أو تشعل سيجارتها. إنه ليس من أجل هذا بالطبع دفع ثمن الجريدة، ولكن هذا في نهاية الأمر هو ما يحصل عليه، ومن أجل تمرير هذه الخدعة لا بد أن تحمل الصفحة الأولى عناوين مثيرة

"التحول الكبير" (the great transformation)، ويعلق الدكتور جلال أمين قائلا: "لم يكن هذا التحول أو الانقلاب في رأي بولاني هو ظهور الرأسمالية، ولا هو النمو المتسارع في الصناعة، ولا التقدم الكبير في العلوم التكنولوجيا.. بل هو ظهور نظام السوق.. وبداية شمول عملية البيع والشراء لأشياء لم تكن من قبل تخضع إلا لماما للبيع والشراء، فجميع الأشياء تصبح شيئا فشيئا قابلة للتسعير وقابلة للبيع في مقابل كمية من النقود".

من المفيد لتلك الشركات أن تقوم "بتفكيك الفرد من أسرته ومن أمته ومن بيئته، باسم الفردية مرة وباسم الحرية الشخصية مرة، وباسم التنوير مرة، وباسم النسوية وتحرير المرأة مرة. وهذا كله يصور لنا على أنه نتاج حضارة إنسانية عامة يلزم الجميع باتباعها لأنها تستجيب لنوازع طبيعية في الإنسان، ومن ثم فإن انتشارها حتمي لابد من الخضوع له

فن "التسويق" من أكثر الأنشطة الاقتصادية رواجا وإدرارا للربح، ثم ظهر "علم التسويق"، وأصبح الرسام أو الموسيقي أو المغني أو الممثل "لا يجد عملا أكثر ربحية من عمله في خدمة التسويق، "وظهرت صناعة الإعلانات كصناعة ضخمة تحرك كل شيء، وأصبح التفنن في البيع "وقيام شخص بإقناع شخص آخر بشراء شيء لم يكن يشعر أصلا بأي حاجة إليه" 

عمل "المبيعات" والعمل كبائع ثم التدرج لمنصب رجل أعمال أو صاحب شركة أو موظف كبير في شركة مبيعات المثال الأمثل للشباب في أيامنا، ثم ظهر في الفترة السابقة التسويق الشبكي، وهو نوع من التسويق لا يدور حول منتج وإنما نحو إقناع أكبر قدر من الأشخاص بالعمل في التسويق، وهو عمل يقوم فقط على غريزة الجشع وحب الثراء واللهث وراء المال عن الإنسان.

الكفاح من أجل العبودية


لا هو يفهم حتى كيف تهيمن الشركات متعددة الجنسيات على الاقتصاد وتستعبد الموظفين وتجعلهم يتنافسون مع بعضهم بعضا تنافسا غير إنساني يقترب إلى صراع الحيوانات على الفريسة

نصائح للشباب ويصف لهم الوصفات الأمثل للنجاح، مثله مثل غيره، يعتمد على الطرق الحديثة للتسويق، ويروج لهم أن عبودية الوظيفة هي الشكل الأمثل للنجاح، وعلى طريقة نجوم السينما، يسوق هذا الشاب نفسه قبل أي شيء: الشاب الناجح المكافح المتفوق الوسيم الثري، ويجد في الشباب ضعيف الثقافة والوعي الساعي للنجاح والتفوق جمهورا شاسعا،

*



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق