Feb 8, 2022
عنوان كتاب للتربوي النمساوي، إيفان إيليتش (1926-2002)،
إنتاج أشخاص مستهلِكين ومتقبّلين للنظام الرأسمالي.
بالرغم من أن فكرة التعليم الإلزامي نشأت ابتداءً لخلق فرص متساوية، يرى ايليتش أنها خلقت طبقيّة من نوعٍ آخر. حيث صنع النظام الصفّي والمدرسيّ طبقيّة شهادات وعلامات، وأصبح تعريف الفقر معتمِداً على الفكر الاستهلاكيّ الذي ترسّخه المدرسة. وأن الطالب يُدرّس في المجتمع المؤسساتي لأن تتطابق رغباته مع المنتجات الاستهلاكية التي يوفرها السوق، حتى أنه يشعر بنقص داخلي لو لم يستطع أن يوازي المعايير التي يحددها له الفكر الاستهلاكي.
بحسب رأيه تنتهي العملية الدراسية في المدرسة إلى تحويل الإنسان إلى كائن مطواع مسلوب الإرادة ولا يرى هذا التربوي أنّ هناك فرصة لإصلاح مؤسسة المدرسة، فهي ذات بنية سلطوية تبدأ من فكرة وجود المعلم وتلقينه المعلومات للطلاب دون حوار أو تفاعل فعّال، وكل ما فيها من ممارسات وعناصر يؤدي إلى تعزيز الهرمية والسلطوية، بما في ذلك الوقوف في الطابور، والجلوس في المقاعد، ورفع الإصبع عند الاستئذان وحتى التقيّد بالمناهج، والتدرّج في المراحل الصفيّة، وهكذا تنتهي العملية الدراسية لتحويل الإنسان إلى كائن مطواع مسلوب الإرادة، ويكون مجرد أداة في آلة المجتمع، يلتزم بما يتاح له من فرص وأدوار، وفوق ذلك، هي تؤدي وظيفة تشكيل وتنشئة الناشئة، وفق مصالح الطبقات المهيمنة في المجتمع!
فكرني بمسلسل مدرسة الروابي الاردني 2021 و كلنا ميتون الكوري
انتقاد إيفان إليش لمؤسسة المدرسة هذا لأنه يرى فيها أنها مظهر من مظاهر الاعتداء على حريات الأفراد، والذي يحمل في عمقه روحاً تسلطيّة، إذ كيف يُجبر طفل على الجلوس في مكان واحد، والكلام له، كل يوم ولست ساعات متواصلة، يتخللها استراحة لبرهة وجيزة، وبعدها يتم العودة إلى مقاعد الدراسة! ويضيف: "لا يوجد في العالم شيء أكثر إثارة للشفقة من طفل تجده خائفا كلما نظرت إليه وهو يشاهد بشكّ وقلق تقلبات وجه المعلم ورأيه!
ما يريد إليش قوله إن المدرسة لا تحقق الهدف المرجو منها، ما دامت تلقينية ولا تخدم القيمة التي من المفترض أن تخدمها، ألا وهي التعليم والتفكير، جدير بالذكر أنه ليس "إيفان إيليش" من وقف في صف معارضة المدارس التقليدية، ولا هو أول من دعا لهذا، جذور هذه الدعوة تعود إلى القرن الثامن عشر الميلادي التي مثّٙلها علماء وفلاسفة عقلانيون، كان من بينهم المفكر الفرنسي جان جاك روسو الذي دعا إلى إغلاق المدارس التلقينية والعودة إلى التفكير الفطري الطبيعي الذي قاد البشرية قروناً طوالاً نحو التقدم والازدهار.
والسؤال: هل هي أنظمة التعليم التي علمتنا ألا نبدع وألا نبتكر، وهل هي المدارس التلقينية أو حتى الجامعات التلقينية التي قوّضت مدى التخيل وأطّرته وأجهضت روح الإبداع لدينا؟ وقيَدت عبقرية المتعلم بتكبيلها لقدراته في بواكير عمره، وحصرها في حدود النقل والتسميع؟
حال جون استيورات ميل وبرنارد شو وأديسون وهنري جيمس وهمنجواي ومورافيا وهربرت ريد وشارلي شابلن وتولستوي وأندريه جيد وأناتول فرانس وروسو وغيرهم وبذلك ينقذون أنفسهم من الملل والضجر المدرسي ويفرون بمواهبهم عن الإرباك المبكر ويهربون من البرمجة الكليلة التي تفسد العقول والعواطف فيفرغون لأنفسهم ويستثمرون الوقت والجهد والاهتمام في تحصيل المعرفة التي يحسون أنهم بحاجة إليها ويستفرغون طاقاتهم في اهتماماتهم الذاتية التلقائية فيبحثون عن الإجابات المقنعة لتساؤلاتهم الملحة ويهتمون بما يهيئهم لحياة حرة ناضجة بعد أن نجت قابلياتهم من القولبة التعليمية. وكما يقول المفكر بول سالمون: عندما أعيد النظر في كل التفاهات التي تعلمتها في المدرسة فإني أتعجب كيف أني ما زلت أستطيع التفكير.
إنّ مَنْ يقرأ حياة المبدعين في كل المجالات يلاحظ نفورهم من التفكير الجمعي ومن التلقين التعليمي القسري لأنه يتعارض مع طبيعة الإنسان التلقائية كما أنه يربي على الامتثال ويدمِّر الخيال ويتجاهل الفروق الفردية ويعوق الانطلاق الحر ويغتال النزوع الفردي الجامح الذي هو طريق التفرد والإبداع والإنجاز وهو شرط القدرة على المبادرة والمغامرة والاكتشاف،
يذكر الفيلسوف الشهير آدم سميث أنه لم يتعلم من جامعة أوكسفورد إلا القليل فهو لا يشعر أنه مدين لها بالكثير فهو ككل الرواد والمبدعين قد صنع نفسه بنفسه بل صنع مجده بالتخلي عن الإمّعية التعليمية والانطلاق في الآفاق الإبداعية التي هي نتاج الجرأة الفردية لاقتحام المجهول ونقْد الأخطاء السائدة وبهذا التفرد الريادي أسس علم الاقتصاد.......
قولبة التعليم في الشهادات هو نظام فاشل، وأنّ العلم الذي نحصل عليه خارج غرفة الصف هو أكبر بكثير مما نحصل عليه داخلها سيما ونحن نتربع على أكبر هرم معرفي عرفه التاريخ ويتضاعف شبه يومي بفضل شبكة الانترنت التي تلف العالم كله، لماذا على العلم أن يبقى مرهوناً بمقاعد المدرسة التي باتت مصداقيتها في مهب الريح؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق