الاثنين، 13 ديسمبر 2021

هيراقليطس.. فيلسوف الصيرورة والنار

  آراؤه في «العود» و«التكرار» و«الصيرورة» موضع نقاش طويل لدى نيتشه في كتابه: «الفلسفة في العصر المأساوي الإغريقي»، ولتهتم بها نصوص كل من ميشيل فوكو وجيل دلوز، وليؤثر على الشعراء الأوروبيين على مر الأزمان وأخص بالذكر مثل شيللر ومالارميه وسواهم.

 يفهم الوجود انطلاقا من غريزة لعب، ويجعل من الوجود ظاهرة جمالية لا ظاهرة أخلاقية أو دينية، لقد نفى ثنائية العوالم، ونفى الوجود بحد ذاته، ليس هناك غير الصيرورة، ولدى هيراقليطس فكرتان: ليس هناك وجود وإنما صيرورة، والثانية: أن الوجود هو وجود الصيرورة بما هي كذلك. فكرة عامة تثبت الصيرورة وفكرة تأملية تثبت وجود الصيرورة».

اعتبر هيراقليطس أن صراعات الكائنات التي لا تحصى ليست سوى عدالة خالصة، ومن جهة أخرى إن الواحد هو المتعدد، وإن العلاقة المتبادلة بين المتعدد والواحد، وبين الصيرورة والوجود تشكل لعبة، بالنسبة له فإن إثبات وجود الصيرورة هما زمنا لعبة ما، يتألفان مع حد ثالث هو اللاعب أو الفنان أو الطفل، هذا شرح «نيتشوي» خالص لرؤية هيراقليطس عن الصيرورة وإثبات الوجود والواحد والمتعدد. فهو تخلى عن التمييز بين عالم فيزيائي، وعالم ميتافيزيقي، بين مجال للصفات المحددة ومجال للامحدد غير القابل للتحديد. لقد نفى الموجود بشكل عام. يكتب هيراقليطس في شذراته: «إنني لا أرى شيئا سوى الصيرورة، لا تنخدعوا، إنه لتأثير نظركم القاصر، ولا علاقة لذلك بجوهر الأشياء، إذا كان يتراءى لكم في مكان ما أنكم ترون أرضا صلبة على بحر الصيرورة والموجودات الزائلة، إنكم تستعملون أسماء أشياء كما لو كان لها زمن ثابت، ولكن حتى النهر الذي تنزلون فيه للمرة الثانية، ليس هو نفسه كما كان لأول مرة».

في كتابه «العالم إرادة وتمثلا» يشرح شبنهاور الصراع المتعلق بالصيروة، حين يكتب: «إن على المادة في ديمومتها، أن تغير شكلها باستمرار، بانتظار الظواهر الآلية الطبيعية، الكيميائية والعضوية المتعلقة بخيط الضرورة الموصل، والمتلهفة للظهور، لكي تنازع بضراوة على هذه المادة وتبرز كل ظاهرة فكرتها. بإمكاننا ملاحقة هذا الصراع من خلال مجمل الطبيعة، بل إن الطبيعة لا توجد إلا عبر هذا الصراع». من هنا يكون لمفهوم «الصيرورة» قوته ذلك أنه: «فجر معركة» كما يعلق نيتشه في دراسته، ولولا أن هيراقليطس كان منعزلا وضاع كتابه: «في الطبيعة» ونسب إليه ما لم يقله، غير أن الدراسات المتقنة التي وضعها فلاسفة كبار حصرت الشذرات التي كتبها ودرسوها ضمن منظومته الفلسفية، فلا يمكن أن تنسب إليه بعض الشذرات التي تعارض عصب نظرياته.

 فيلسوف الأضداد والنار والحركة والجريان والصيرورة بلغ شأوا هائلا في تكسير ما هو سائد،

«إن الطبيعة تحب أن تتخفى، والتناغم الخفي أقوى من التناغم المرئي».


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق