الترفيه وضرورة التصويب والتطوير السعودية
Nov 21, 2019
د.عبد العزيز
محمد الدخيل
محمد الدخيل
سعادة الإنسان في حياته،هي الهدف
الأساس للتنمية الاقتصادية في أي مكان
في العالم، هذا هو منطق علم الاقتصاد
وعلم الاجتماع
الأساس للتنمية الاقتصادية في أي مكان
في العالم، هذا هو منطق علم الاقتصاد
وعلم الاجتماع
الالتباس حول مفهوم
الرفاهية، خصوصا عندما تكون الرفاهية
ليست جزء من الموروث الشعبي
الاقتصادي والاجتماعي، كحالنا في شبه
الجزيرة العربية وأكبر دولها المملكة
العربية السعودية
الرفاهية، خصوصا عندما تكون الرفاهية
ليست جزء من الموروث الشعبي
الاقتصادي والاجتماعي، كحالنا في شبه
الجزيرة العربية وأكبر دولها المملكة
العربية السعودية
سعادة الإنسان وسعادة المجتمع التي
تهدف خطط التنمية الاقتصادية تحقيقها
هي باختصار شديد :
• تأمين لقمة العيش الكريمة من خلال
عمل يحفظ كرامته الإنسانية.
• تأمين الخدمة الصحية التى تؤمن له
ولعائلته الحماية من المرض.
• تأمين السكن الذي يأويه وأهله.
• تأمين القانون الذي يحمي حقوقه
الاقتصادية والسياسية والاجتماعية إذا
تعرضت للانتهاك من قبل السلطة أو من
غيرها.
هذه الحدود الدنيا من السعادة التي يبحث
الإنسان عنها وواجب الدولة أن تؤمنها
وتنفق عليها من المال العام
تهدف خطط التنمية الاقتصادية تحقيقها
هي باختصار شديد :
• تأمين لقمة العيش الكريمة من خلال
عمل يحفظ كرامته الإنسانية.
• تأمين الخدمة الصحية التى تؤمن له
ولعائلته الحماية من المرض.
• تأمين السكن الذي يأويه وأهله.
• تأمين القانون الذي يحمي حقوقه
الاقتصادية والسياسية والاجتماعية إذا
تعرضت للانتهاك من قبل السلطة أو من
غيرها.
هذه الحدود الدنيا من السعادة التي يبحث
الإنسان عنها وواجب الدولة أن تؤمنها
وتنفق عليها من المال العام
الرفاهية مفهموم مرتبط بشكل عام
بالفرد من حيث الاستهلاك، فيقال فرد
مرفه،أو عائلة مرفهة وقليلا ما يقال شعب
مرفه.وإذا كانت السعادة مفهوم يحمل
معنى الأمد الأطول لارتباطها بمكونات
بالفرد من حيث الاستهلاك، فيقال فرد
مرفه،أو عائلة مرفهة وقليلا ما يقال شعب
مرفه.وإذا كانت السعادة مفهوم يحمل
معنى الأمد الأطول لارتباطها بمكونات
مادية وروحية أعمق، فإن الرفاهية مفهوم
وقتي قد يطول أمده إذا بقيت مولدات
الرفاهية المادية قوية. إذن السعادة ليست
هي الرفاهية، وإن الرفاهية حالة فائضة
على السعادة، وإن كانت جزءا منها، وإن
الرفاهية منتج فردي ينم عن رغد العيش
والبحبوحة. كذلك فإن للترفيه أصناف
وأشكال ومستويات لها علاقة بالحالة
الاجتماعية والفكرية والعمرية للإنسان.
خدمات الترفيه ومنتجاتها تقدم عادة من
قبل رجال المال والأعمال، ينفقون على
صناعتها من أموالهم ويجنون الربح من
ورائها
الدولة لا تأخذ من المال العام المملوك
لعامة الناس، وتنفقه لصناعة خدمات
ترفيهية لصالح مجموعة من الناس. المال
العام ينفق لبناء الخدمات والفعاليات
التي تؤدى ضمن استراتيجية وسياسات
اقتصادية مدروسة لتأمين الحد الأدنى من
السعادة للإنسان، ومنها ينطلق إلى الرفاه
كل بحسب قدراته وميوله
لعامة الناس، وتنفقه لصناعة خدمات
ترفيهية لصالح مجموعة من الناس. المال
العام ينفق لبناء الخدمات والفعاليات
التي تؤدى ضمن استراتيجية وسياسات
اقتصادية مدروسة لتأمين الحد الأدنى من
السعادة للإنسان، ومنها ينطلق إلى الرفاه
كل بحسب قدراته وميوله
الترفيه عن النفس ليس من المحرمات،أو
الممنوعات، بل إن علم النفس يدعو
إليه خصوصا ونحن في عالم تتشابك به
الضوضاء والسرعة والتقنية مع عجلة الحياة
الاقتصادية والاجتماعية، لكن السؤال هو:
هل يستطيع الإنسان المهموم بلقمة
عيشه والخائف على مستقبله أن يجد
متسعا كبيرا في الصدر والمال للبحث عن
الترفيه؟ قد يحدث ذلك إذا كان الترفيه من
أجل الدفع بالإنسان إلى نسيان مشاكله
اليومية والحياتية.
تعج مدننا الرئيسية اليوم ، بفعاليات كبيرة
من برامج الترفيه وبأرقام مالية خيالية.
أريد أن أطرح سؤالين بهذا الخصوص
وأحاول الإجابة عليها،
الأول: يتعلق بتمويل برامج الترفيه.
والثاني: يتعلق بتوطين الترفيه.
فيما يتعلق بتمويل برامج الترفيه:
فالتمويل يكون إما من جيب الدولة، أي
كان هذا الجيب ما دام إنه جزء من المال
العام، أو من جيب التاجر،أو رجل الأعمال
سعوديا أو عربيا أو أجنبيا. بالنسبة للمال
الخاص،فله شأنه ما دام أنه ملتزم بالضوابط
المالية والاجتماعية المنظمة لهذا القطاع
الاقتصادي. ينتج الخدمة ويبيعها ويجني ربحا
أو خسارة مالية
الممنوعات، بل إن علم النفس يدعو
إليه خصوصا ونحن في عالم تتشابك به
الضوضاء والسرعة والتقنية مع عجلة الحياة
الاقتصادية والاجتماعية، لكن السؤال هو:
هل يستطيع الإنسان المهموم بلقمة
عيشه والخائف على مستقبله أن يجد
متسعا كبيرا في الصدر والمال للبحث عن
الترفيه؟ قد يحدث ذلك إذا كان الترفيه من
أجل الدفع بالإنسان إلى نسيان مشاكله
اليومية والحياتية.
تعج مدننا الرئيسية اليوم ، بفعاليات كبيرة
من برامج الترفيه وبأرقام مالية خيالية.
أريد أن أطرح سؤالين بهذا الخصوص
وأحاول الإجابة عليها،
الأول: يتعلق بتمويل برامج الترفيه.
والثاني: يتعلق بتوطين الترفيه.
فيما يتعلق بتمويل برامج الترفيه:
فالتمويل يكون إما من جيب الدولة، أي
كان هذا الجيب ما دام إنه جزء من المال
العام، أو من جيب التاجر،أو رجل الأعمال
سعوديا أو عربيا أو أجنبيا. بالنسبة للمال
الخاص،فله شأنه ما دام أنه ملتزم بالضوابط
المالية والاجتماعية المنظمة لهذا القطاع
الاقتصادي. ينتج الخدمة ويبيعها ويجني ربحا
أو خسارة مالية
أي ماذا تريد الدولة ممثلة في هيئة الترفيه
أن تحققه من خلال خطط وبرامج الترفيه؟
وهل ترسيخ القيم العالية في الإنسان من
خلال الفن والغناء والموسيقى والمسرح
والرسم وغيرهامن أهداف هذه الخطط
والبرامج؟ التنمية الاقتصادية وبناء الإنسان
المنتج المبدع السعيد له موقعا في سلة
أهداف الترفيه على المدى الطويل
أن تحققه من خلال خطط وبرامج الترفيه؟
وهل ترسيخ القيم العالية في الإنسان من
خلال الفن والغناء والموسيقى والمسرح
والرسم وغيرهامن أهداف هذه الخطط
والبرامج؟ التنمية الاقتصادية وبناء الإنسان
المنتج المبدع السعيد له موقعا في سلة
أهداف الترفيه على المدى الطويل
قد يقول قائل يا أخي، مالنا ومال الأهداف
والتنمية وكثر الكلام،نحن معنيون في بعث
جو من المرح والفرح يعيشه الناس في
اللحظة،أما المستقبل والأمد الطويل وبناء
الإنسان فهو خارج أهداف ونطاق برامجنا.
إن صح القول هذا، وأخشى أن يكون صحيحا،
فإن إعادة النظر ووضع أهداف وطنية لبرامج
الترفيه تكون داعمة لترسيخ حضارة العلم
ً والعمل والأخلاق والإبداع يصبح أمرا ملحاً،
وضرورياً لكيلا يذهب المال العام سدى،ويقام
السلوك الاجتماعي بعد تحرره على أسس
واهية
والتنمية وكثر الكلام،نحن معنيون في بعث
جو من المرح والفرح يعيشه الناس في
اللحظة،أما المستقبل والأمد الطويل وبناء
الإنسان فهو خارج أهداف ونطاق برامجنا.
إن صح القول هذا، وأخشى أن يكون صحيحا،
فإن إعادة النظر ووضع أهداف وطنية لبرامج
الترفيه تكون داعمة لترسيخ حضارة العلم
ً والعمل والأخلاق والإبداع يصبح أمرا ملحاً،
وضرورياً لكيلا يذهب المال العام سدى،ويقام
السلوك الاجتماعي بعد تحرره على أسس
واهية
الإنفاق على برامج الترفيه من المال العام،
يجب أن يخضع لمعيار «العائد الاجتماعي
والاقتصادي طويل الأمد» أي مقدار فائدة
الأمة اجتماعيا واقتصاديا من إنفاق المال
العام على برامج الترفيه.
أعود الآن إلى سؤالي الثاني المتعلق بتوطين
برامج الترفيه وأقول: إن المملكة شبه قارة
تتنوع فيها الثقافات الفلكلورية والفنية
من الموسيقى والغناء والرقصات الشعبية
والأغاني الملحمية والعاطفية أصناف
وأصناف، بعضها طور وظهر وبعضها، بل
الكثير منها لا يزال في القرى أو المدن مدفونا
ولم يرى النور.
الدفع بالفنون المحلية والشعبية بجميع
ألوانها ولهجاتها التراثية والحضارية إلى
مسرح الحياة الذي انتعش عندما وصله
المدد الإنساني من الحرية الاجتماعية التى
فتح باب سجنها الذي ظل مقفولا لعقود
طويلة، فعادة اللحمة الاجتماعية للعائلة
أب وأم وأبناء وبنات، بعد أن كان لكل منهم
مجتمعه. توطين برامج الترفيه يبدأ بالأخذ
بيد السعودي والسعودية من الفنانين
والموسيقين والمطربين القدامى والناشئين
ودعمهم ماديا واجتماعيا. وإلى جانب العنصر
البشري إقامة كليات ومعاهد الموسيقى
والفنون الجميلة وبناء المسارح ودور السينما
وغيرها التى تدعم بناء حضارة فنية تحي
التراث على أرضية حداثية وتأتي بالجديد
الراقي.
التأسيس والبناء على القاعدة الوطنية،لا يعني
البعد عن المحيط العربي أو العالمي لكن
الأساس والقاعدة للنهضة الفنية والثقافية
بجميع ألوانها ومجالاتها، تبدأ من رصيد
الوطن وثرواته الفنية التاريخية والحديثة.
الخاتمة: كان التلميح والتصريح بفوضى
اجتماعية وأخلاقية عارمة من قبل من لا
يريدون للمجتمع انعتاقا من قيود بالية
ليست من الاسلام وسماحته في شيء. قادت
المرأة السيارة وخرجت الجموع والعوائل في
الساحات والشوارع والمقاهي والمطاعم
والسهرات الغنائية، وأظهرت جميعها وبنسبة
عالية جدا مدى احترام الفرد السعودي رجل
وامرأة لمشاعر الآخر.إن كان هناك شذوذ عن
هذه القاعدة فهو ضعيف جدا ومن طبيعة
الأمور .
برامج الترفيه اليوم بكل ما تحتاجه من
تصويب وتوجيه ذكرت بعضها، إلا أنها
كانت المسرح الاجتماعي الذي مارس من
خلاله المجتمع بجميع فئاته حريته الاجتماعية
التى حرم منها سنين طويلة، لذا فبقائها
وتطويرها وتصويب أهدافها واختيار برامجها
وترشيد تمويلها ضرورة اجتماعية حضارية
*
يجب أن يخضع لمعيار «العائد الاجتماعي
والاقتصادي طويل الأمد» أي مقدار فائدة
الأمة اجتماعيا واقتصاديا من إنفاق المال
العام على برامج الترفيه.
أعود الآن إلى سؤالي الثاني المتعلق بتوطين
برامج الترفيه وأقول: إن المملكة شبه قارة
تتنوع فيها الثقافات الفلكلورية والفنية
من الموسيقى والغناء والرقصات الشعبية
والأغاني الملحمية والعاطفية أصناف
وأصناف، بعضها طور وظهر وبعضها، بل
الكثير منها لا يزال في القرى أو المدن مدفونا
ولم يرى النور.
الدفع بالفنون المحلية والشعبية بجميع
ألوانها ولهجاتها التراثية والحضارية إلى
مسرح الحياة الذي انتعش عندما وصله
المدد الإنساني من الحرية الاجتماعية التى
فتح باب سجنها الذي ظل مقفولا لعقود
طويلة، فعادة اللحمة الاجتماعية للعائلة
أب وأم وأبناء وبنات، بعد أن كان لكل منهم
مجتمعه. توطين برامج الترفيه يبدأ بالأخذ
بيد السعودي والسعودية من الفنانين
والموسيقين والمطربين القدامى والناشئين
ودعمهم ماديا واجتماعيا. وإلى جانب العنصر
البشري إقامة كليات ومعاهد الموسيقى
والفنون الجميلة وبناء المسارح ودور السينما
وغيرها التى تدعم بناء حضارة فنية تحي
التراث على أرضية حداثية وتأتي بالجديد
الراقي.
التأسيس والبناء على القاعدة الوطنية،لا يعني
البعد عن المحيط العربي أو العالمي لكن
الأساس والقاعدة للنهضة الفنية والثقافية
بجميع ألوانها ومجالاتها، تبدأ من رصيد
الوطن وثرواته الفنية التاريخية والحديثة.
الخاتمة: كان التلميح والتصريح بفوضى
اجتماعية وأخلاقية عارمة من قبل من لا
يريدون للمجتمع انعتاقا من قيود بالية
ليست من الاسلام وسماحته في شيء. قادت
المرأة السيارة وخرجت الجموع والعوائل في
الساحات والشوارع والمقاهي والمطاعم
والسهرات الغنائية، وأظهرت جميعها وبنسبة
عالية جدا مدى احترام الفرد السعودي رجل
وامرأة لمشاعر الآخر.إن كان هناك شذوذ عن
هذه القاعدة فهو ضعيف جدا ومن طبيعة
الأمور .
برامج الترفيه اليوم بكل ما تحتاجه من
تصويب وتوجيه ذكرت بعضها، إلا أنها
كانت المسرح الاجتماعي الذي مارس من
خلاله المجتمع بجميع فئاته حريته الاجتماعية
التى حرم منها سنين طويلة، لذا فبقائها
وتطويرها وتصويب أهدافها واختيار برامجها
وترشيد تمويلها ضرورة اجتماعية حضارية
*
جدوى الترفيه في السعودية!
23 نوفمبر، 2019
في خضم الأحداث المتسارعة في منطقة الشرق الأوسط، التي تموج بالحروب ومشاهد الدمار والتشريد وصراعات القوى الدولية والإقليمية والتيارات الدينية والأحزاب والطوائف، ووسط موجات المظاهرات الجماهيرية السلمية المطالبة بإسقاط الأنظمة الدكتاتورية هنا وهناك، يحاول النظام في السعودية رسم صورة وردية للواقع من خلال الترويج للعالم بأن السعوديين مشغولون بالترفيه ويستمتعون بحضور الحفلات الفنية ومتابعة الفعاليات المتنوعة ورؤية المشاهير القادمين من مختلف أنحاء العالم.
توفر متنفسا لشعب غالبيته من الشباب والمراهقين المحرومين من التمتع بحقوقهم السياسية والمدنية والممنوعين من ممارسة حرياتهم الفردية. ولذلك قد يرى البعض في قرار تحريرهم من بعض القيود الدينية، التي كبلت الأجيال السابقة ودفعتهم إلى أحضان الجماعات الجهادية، شيئا من الحكمة.
لن تنجح سياسة ترويج الترفيه في مملكة يحكمها نظام يرفع شعار القمع
إلا أن المتابع لما يدور فعليا على أرض الواقع والمطلع عن كثب على هموم الشباب واهتماماتهم يدرك أن المهتمين بفعاليات الترفيه في السعودية والحريصين على حضور الحفلات الغنائية والمهرجانات هم شريحة صغيرة من أبناء الطبقات المرفهة أصلا، الذين ارتبطت مصالحهم مع النظام ويجهلون معاناة الملايين من أبناء الشعب في الحصول على وظائف وتوفير المستلزمات الأساسية للحياة الكريمة من سكن وغذاء وكساء ودواء.
وخير دليل على أن شريحة المشغولين بالترفيه لا تمثل غالبية الشعب السعودي
وبالفعل، فقد أوقفت السلطات السعودية مؤخرا عددا من المواطنين بينهم شيخ قبيلة وشعراء بسبب أبيات شعرية وتغريدات تنتقد هيئة الترفيه ورئيسها تركي آل الشيخ المستشار في الديوان الملكي وتتهمه بتنظيم فعاليات مخالفة لـ"الضوابط الشرعية".
كما تعج وسائل التواصل الاجتماعي بالمشاركات المنددة بالقمع والاعتقالات التي طالت العديد من الكتاب ورجال الدين والنشطاء الحقوقيين والسياسيين ورائدات النضال في مجال حقوق المرأة، فيما تتصاعد وتيرة التنديد باستئثار محمد بن سلمان بكل مفاصل السلطة في البلاد وإقصائه لكل خصومه ومعارضيه كما يتزايد الرفض الشعبي لحربه ضد اليمن والأزمة مع قطر.
إن من المفارقات أن كل ذلك القمع والترهيب يحدث في الوقت الذي يحاول فيه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الترويج لنفسه كرائد للانفتاح ويسعى لتجاوز تبعات جريمة اغتيال الكاتب جمال خاشقجي، بينما يتجاهل حقيقة أن أوضاع الحقوق والحريات في البلاد قد بلغت من السوء في عهده مبلغا لم يعرفه الشعب في كل العهود السابقة، بما فيها تلك التي تغول فيها جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأمعن في قمع المواطنين والمواطنات وسجنهم وإهانتهم ومطاردتهم في الشوارع والأسواق.
يرفض الشعب السعودي أي تسلط أو وصاية سواء أكانت باسم الدين أو تحت شعار الانفتاح
وكما اعترض الشعب السعودي في السابق على المتشددين من الوهابيين والصحويين بسبب قمعهم لمخالفيهم وفرضهم وصايتهم على الشعب وادعائهم امتلاك الحق المطلق في التفكير والاختيار نيابة عن المجتمع، فإنه يعارض اليوم سياسات محمد بن سلمان للأسباب نفسها ويصر على المطالبة بحقوقه السياسية والمدنية وحرياته الفردية ويرفض أي تسلط أو وصاية سواء أكانت باسم الدين أم تحت شعار الانفتاح.
لن تنجح سياسة ترويج الترفيه في مملكة يحكمها نظام يرفع شعار القمع والترهيب والاعتقال والسجن في الداخل ويتجسس على المواطنين ويرسل فرق الموت والخطف لإخراس معارضيه في الخارج ويبدد مقدرات الشعب في شراء الذمم والتعاقد مع شركات العلاقات العامة واللوبيات في محاولات بائسة لتحسين صورته أمام العالم ومن أجل تقديم صورة مزيفة لا تعكس حقيقة الأوضاع على أرض الواقع.
إن الترفيه حق من الحقوق الطبيعية التي تتمتع بها الشعوب في غالبية دول العالم. وعلى السلطات السعودية، إن أرادت فعلا منع انتقال ما يحدث في دول الجوار إليها وتفادي مصير الأنظمة القمعية، أن تستمع إلى أبناء الشعب وتستجيب لمطالبهم وتعالج قضاياهم، فدروس التاريخ القديم والحديث تعلمنا أنه لا يمكن لأي قوة على وجه الأرض، مهما بلغت من التجبر والطغيان، أن تفرض نفسها على شعب يتوق إلى نيل حقوقه ويرفض كل أشكال الوصاية.
*
معادلة «نمط الحياة» ما بين الثقافي والترفيهي / محمد العباس
تحتل الأشكال الجديدة من الاستهلاك مكاناً مركزياً في الثقافة ما بعد الحداثية، بتصور زيجمونت باومان. وهو ما يؤشر إلى أن الثقافة نسق على درجة من التماس والتداخل مع مجمل الأنساق الحياتية. بمعنى أنها نشاط لا يتعالى على الزمان والمكان، بل يتأثر بالقدر الذي يؤثر به في الحركة الاجتماعية التاريخية. وكل فضاء تتخلى عنه القوى الثقافية تتقدم فيه قوى ومفاعيل من دون أي احترازات ولا استئذان، لدرجة أن أي قوة أو جماعة تجد نفسها أمام ذلك الفراغ تتلبس لبوس الثقافي لتؤدي مهامه وتستحوذ على مكتسباته،
كما حدث سابقاً عند استئثار الحالة الدينية بالمشهد الحياتي، واليوم حيث الهبّة الترفيهية الجارفة، الآخذة في سد كل فراغات الفضاء الاجتماعي، بمقتضى حالة الارتداد على مرحلة الانغلاق، وبرعاية مؤسساتية تجد في الترفيه بكل أبعاده الاستعراضية والاستهلاكية والثقافية وصفة علاجية سريعة الأثر، مقارنة بالثقافة التي ما زالت في طور تشخيص سر التحول في الحركة الاجتماعية التاريخية، واستجماع قواها المبعثرة.
تقليدية الفئة المشتغلة بالثقافة فقط، وغياب المنظور التنموي من الوجهة الثقافية، والرهان على مبادرات وبرامج المؤسسة التي تُطبخ على نارٍ هادئة في مختبرات لا يخرج منها إلا العناوين. هذا بالإضافة إلى انعدام وجود خبراء التنمية والتخطيط الثقافي، وعدم استيعاب العنوان الأبرز للمؤسسة الثقافية المتمثل في التعامل مع الثقافة كنمط حياة. وهو عنوان جماهيري النزعة لا يتناسب مع وجاهة ونخبوية جيل المنصات والمنابر.
إن ظاهرة الترفيه المتمادية التي تتقدم واجهة المشهد ليست مجرد حالة استعراضية تجارية بقدر ما هي حالة ثقافية تكاد تتحكم في كل مفاصل المشهد الحياتي. فهي التي تشكل وجدان جيل جديد من خلال الأغاني والمسرحيات والألعاب والعروض الفنية الباهرة. وهي الجسر الأمتن والأسرع والأوسع لنقل ثقافات الآخر ومزاياه. وهي التي تعولم المزاج العام وتعيد برمجة الشباب بجرعات ثقافية عالية المفاعيل والتأثير. وبالتالي فهي تمسح الخط الرهيف ما بين الثقافي والترفيهي، لتستحوذ على كل ما هو ثقافي. إذ تبدو بموجب أداءاتها وحضوراتها المهيمنة هي الأقدر على التعامل مع المزاج المحافظ، وما ترسب في معجم العادات والتقاليد. بل على تعديل مواضعات الثقافي والفني في مجتمع عانى كثيراً من وحشة محاربة الفنون والآداب. وهي مهمة تبدو وكأنها قد فُصلت على مقاس الظاهرة الترفيهية، التي تعد بعوائد اقتصادية مقارنة بالحالة الثقافية المتنازلة حتى اللحظة عن أداء أي مهمة ذات طابع مادي.
كون الثقافة تحتمل ظهور آراء تتجاور مع مرئيات المؤسسة ولا تتطابق معها بالضرورة لأنها نتاج وعي فردي، حالم بالتعبير عن الرأي واستظهار الفردانية، في الوقت الذي تبدو فيه الظاهرة الترفيهية كهبّة فرائحية مهرجانية جمعية. وبالتالي فإن الترفيه قد يصطدم بالسياق الاجتماعي ولكنه لا يفارق استراتيجية المؤسسة، أما الحالة الثقافية فقد لا تتوافق مع النهج المؤسساتي مهما كانت درجة الانسجام. هذا بالإضافة إلى كون صناعة الترفيه أقرب إلى لغة السوق وأعرف بها، وبالتالي فهي الأقرب إلى خطط التنمية، إذ لا تزعم أن التنمية بمعناها الأشمل يُشترط أن تعبر الممر الترفيهي كما تقول بذلك الثقافة التي تشترط ربط كل مفاهيم وآليات التنمية بالثقافة.
رؤية 2030 المنذورة لتنمية قطاع الترفيه الذي يشكل أهمية كبرى في تنمية الاقتصاد الوطني السعودي. حيث يأتي في مقدمة أولوياتها إلى جانب البعد الاستثماري، إقامة المشروعات الثقافية والترفيهية من مكتبات ومتاحف وفنون. وهو ما يعني حضور البعد الثقافي بقوة ضمن استراتيجيتها.
وكأن الترفيه صار أسرع من الثقافة في تحقيق شعار «نمط الحياة» كما يُستشف ذلك من ترديد الناس لعبارات مثل «وأخيراً صرنا ناس طبيعيين».
هكذا اخترقت الموجة الترفيهية الحقل الاجتماعي بكل ألغامه وتحفظاته في الوقت الذي تراكم فيه الثقافة ملفات التأجيل في أدراجها، كتأخير معرض الرياض للكتاب، ومهرجان الجنادرية. وإن كانت الآراء المضادة ترى أن هيئة الترفيه إنما توطّن ثقافة الشارع المتمثلة في المقاهي والاستعراضات والرقص والسينما والنزهات والكرنفالات وألعاب الميديا والسباقات ضمن مواسم ترفيهية خالية من الجرعات الثقافية، وكأنها تنشط ضد كل ما هو ثقافي بالمعنى النخبوي للكلمة. وهو تصور لا يبدو دقيقاً إذ يشير إلى تعقّد علاقة المجتمع مع الأنشطة الفنية المباغتة. كما أنه لا يبدو رأياً منصفاً، حيث تحضر الفرق الموسيقية العالمية والمسرحيات الجادة إلى جانب الاحتفاليات برموز الطرب العربي وغيرها من الأداءات ذات الطابع الثقافي الجماهيري. وهو ما يعني أن الفضاء الاجتماعي في السعودية اليوم، وبفعل الحُقن الترفيهية عالية الجرعات، امتداد لمشهد كوني ينهض على الجماهيرية.
يستحق الجيل المؤمن بالترفيه كنمط حياة فرصة لإثبات وجوده وإظهار أبطاله، كما يستحق أن يتبوأ مكانه في التاريخ الاجتماعي الثقافي، من خلال ما ينتجه من القيم الرمزية والاجتماعية والجمالية، بعد أن يثبت قدرته على أن يكون عبر منتجاته رافداً من روافد الاقتصاد الوطني. تماماً كما يتوجب على الجيل الذي حمل راية التنوير أن يخرج من المتحف ويقدم إسهامه الثقافي سواء برعاية مؤسساتية أو بجهد فردي، وذلك على قاعدة التصالح مع الترفيه واستيعاب أبعاده الثقافية وعدم تمديده على كرسي الاعتراف ليثبت شرعيته كثقافة، والدفع باتجاه تأسيس ثقافة ترفيهية ذات أبعاد ومعطيات وقيم ورموز وطنية، إذ لا يوجد ذلك السور العالي ما بين الثقافي والترفيهي، مقارنة بما كان بين الثقافي بروحه الانفتاحية والصحوي بخطابه الانغلاقي، وهما – أي الترفيهي والثقافي – مطلبان متكاملان في معركة الحروب الناعمة، فالترفيه في بعده الشعبي ليس فعلاً مضاداً للثقافي الطليعي، بقدر ما هو شكل من أشكال الثقافة الفرعية القادرة على توليد العلامات بكثافة وسرعة لحرق مراحل الإبدال الثقافي.
عن الشرق الأوسط
*
Apr 30, 2021
السعودية تعيد صياغة علاقة الدين بالدولة
محمد بن سلمان اكد ان الرياض ليست ملزمة بمدرسة فقهية معينة او أشخاص بمن في ذلك محمد بن عبد الوهاب
خاضت السعودية حراكاً متسارعاً في السنوات الخمس الماضية على مستويات عدة، إلا أن الشق الفكري والديني منه ظل محفوفاً بعدم اليقين، خصوصاً من بعض المحافظين وجماعات الإسلام السياسي التي تُمني نفسها بالعودة إلى ما كانت عليه ولو بعد حين.
رؤية السعودية 2030 مثل إلغاء نفوذ "هيئة الأمر بالمعروف" والتصالح مع الفن والسينما والترفيه بعد عقود من الرفض والتحريم.
إلا أن رجل الرياض القوي ظل كل الفترة الماضية يكتفي بتطبيق ذلك عملياً من دون التوسع في التنظير للنهج الذي يمضي عليه، قبل أن يبسط ذلك في اللقاء الذي أجراه معه الزميل عبدالله المديفر الثلاثاء 27 أبريل (نيسان) وأذيع على قنوات سعودية عدة، وأكد فيه الأمير صراحة، أن "دستورنا كان القرآن وسيبقى كذلك، مثلما ينص على ذلك النظام الأساسي للحكم، ونحن كحكومة أو مجلس الشورى كمشرّع أو الملك كمرجع للسلطات الثلاث ملزمون بتطبيق القرآن بشكل أو آخر".
الفرق بين "المتواتر والآحاد"
أما في الشأن الاجتماعي والشخصي، فإن ولي العهد أوضح أن الدولة تقوم فقط "بتطبيق النصوص الواردة في القرآن بشكل واضح، يعني لا يجب أن أطرح عقوبة شرعية من دون نص قرآني واضح، أو نص صريح من السنّة، وعندما أتكلم عن نص صريح من السنّة فأغلب مدوني الحديث مثل مسلم (صاحب صحيح مسلم) إلى حديث صحيح أو حسن أو ضعيف، لكن هناك تصنيفاً آخر وهو الأهم، هو الحديث المتواتر والآحاد والخبر، وهو المرجع الرئيس في استنتاج الأحكام واستنباطها من ناحية شرعية".
واستفاض في شرح الكيفية التي باتت في اعتقاده هي المثلى في التعامل مع مدونات السنة، وهي التفريق بين الآحاد والمتواتر، وأن "حديث الآحاد غير ملزم كإلزامية الحديث المتواتر إلا إذا اقترن بنصوص شرعية واضحة وبمصلحة دنيوية راجحة، هذا إن كان صحيحاً، (...) بينما الخبر الذي هو عن فرد عن فرد حتى الرسول صلى الله عليه وسلم، أو عن جماعة عن جماعة عن فرد عن النبي، فهذا يشكل النسبة العظمى من الأحاديث، وهي بهذا الشكل غير ملزمة".
أشار إلى أن الإشكال في هذا الجانب أن النهج النبوي اقتضى في بداية الأمر تجنب كتابة الحديث كي لا يختلط بالقرآن، فكيف نأتي اليوم ونلزم الناس بأخبار ليست قطعية الثبوت حتى عندما تتعارض مع القرآن "كأننا نطعن في قدرات الله سبحانه وتعالى في أن القران صالح لكل زمان ومكان، فالحكومة في الجوانب الشرعية ملزمة بتطبيق النصوص التي في القران وملزمة بتطبيق النصوص في الحديث المتواتر وتنظر للحديث الآحاد بحسب صحته وضعفه ووضعه، ولا تنظر في حديث الخبر بتاتاً، إلا إذا كان ينص على مسألة فيها مصلحة واضحة للإنسان، فلا عقوبة على شأن ديني إلا بنص قرآني".
عقاب الآخرة ليس وظيفة الدولة
وضرب مثلاً بالعلاقات غير الشرعية بين الرجل والمرأة في الإسلام، وكيف أن مدونات السنة والسيرة النبوية وثقت قصة مشهورة لامرأة أنجبت خارج الزواج، فجاءت مرات عدة تريد من النبي عليه الصلاة والسلام أن يوقع عليها "حد الزنا"، إلا أنه ينصرف عنها مرة بعد أخرى، مما يعني وفقاً لما قرر أن الأمر في هذا الشأن متروك للفرد بينه وبين ربه، وأن عقاب الآخرة ليس من وظيفة الدولة "فالله سبحانه وتعالى عندما أراد أن نعاقب على جرم شرعي نص عليه، وعندما حرم شيئاً ووعد بالعقاب عليه في الآخرة لم ينص ولم يأمرنا كبشر أن نعاقب عليه، بل ترك الأمر للفرد أن يختار وحسابه يوم الدين، وفي الأخير الله غفور رحيم ويغفر كل شيء إلا أن يشرك به، فهذا هو المنهج الصحيح لتطبيق القرآن والسنة بناء على دستورنا ونظام سياسة الحكم".
تجرم السعودية العلاقات خارج إطار الزواج، لكنها لم تتدخل في خصوصيات الأفراد مثل السابق، وأقرت قانونين ضد "التحرش"، وآخر لحفظ "الذوق العام"، وأسندت للشرطة الأمنية تطبيق موادها بدلاً من الشرطة الدينية.
ولم يتردد الأمير لدى سؤاله عما إذا كانت الدولة ستبقى ملزمة بالمدرسة الوهابية، عن حسمه الجدل الذي تردد طويلاً، وقطع بفك الارتباط بين واقع بلاده الديني والسياسي مع مدرسة محمد بن عبد الوهاب (الوهابية) التي ظل المحافظون في الداخل والخارج يحاكمون السعودية إلى اختياراتها واجتهاداتها وإن مضى عليها نحو 300 عام.
قال "نحن متى ما ألزمنا نفسنا بمدرسة معينة أو بعالم معين، فإن ذلك يعني أننا قمنا بتأليه البشر، والله سبحانه وتعالى لم يضع بينه وبين الناس حجاب، أنزل قرآنه على رسوله وهو طبقه على الأرض، والاجتهاد مفتوح إلى الأبد والشيخ محمد عبدالوهاب لو خرج من قبره ووجدنا نلتزم بنصوصه ونغلق عقولنا عن الاجتهاد ونؤلهه أو نضخمه لكان أول من عارض هذا الشيء، فلا توجد مدرسة ثابتة ولا يوجد شخص ثابت، القرآن موجود والاجتهاد مستمر فيه، وكذلك سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، أما الفتاوى فهي بحسب كل زمان ومكان، وبحسب كل فهم".
بيد أنه لفت إلى أن ذلك لا يعني التفريط في الهوية الإسلامية التي طبعت البلاد بوصفها قبلة المسلمين حيث مكة والمدينة، بل اعتبرت الرؤية تلك الصفة أحد مكامن قوة الدولة المحورية، فأكدت أن السعودية "أرض الحرمين الشريفين، أطهر بقاع الأرض وقبلة أكثر من مليار مسلم، مما يجعلها قلب العالمين العربي والإسلامي"، ومن بين خططها قبل أزمة كورونا رفع أعداد المعتمرين ابتداء من هذا العام إلى 10 ملايين سنوياً، ومستوى جودة الخدمات المقدمة إليهم "لتكون نسبة رضاهم عالية".
فهوية السعودية اليوم تستمد قوتها من إرثها الثقافي العربي والإسلامي "وإذا لم تستطع أن تصمد مع التنوع الكبير في العالم معناه أن هويتنا ضعيفة ويجب أن نستغني عنها، وإذا هويتك قوية وأصيلة تستطيع أن تنميها وتطورها وتعدل السلبيات فيها وتحفز الإيجابيات التي فيها، بما يعني المحافظة عليها قوية".
وتابع "نحن في المملكة العربية السعودية حتى لبسنا وعاداتنا عريقة وتقاليدنا وإرثنا الثقافي التاريخي، وقبل كل ذلك إرثنا الإسلامي شكل جزءاً رئيساً من هويتنا، نطوره مع تطور الزمان ونستمر في تعزيزه لكي يكون أحد عناصر تشكيل العالم وأحد عناصر الأشكال الموجودة في العالم، واعتقد أن هويتنا قوية للغاية نفتخر بها، وهي جزء رئيس من صنعي أنا وأنت وكل مواطن سعودي. جزء أساس في الحراك القائم في السعودية هي بسبب هويتنا السعودية التي بنيت على الهوية الإسلامية والعربية وإرثنا الثقافي التاريخي".
لا نخترع العجلة
شكل نظم الدولة التي تستهدف السعودية الجديدة إرساء قواعدها، عاد ولي العهد إلى إيضاح مفهومه للمواءمة بين دولة متمسكة بقيمها الدينية وهي في الوقت نفسه تكون جزءاً من العالم غير معزولة.
"نحن لا نخترع العجلة، العالم كله يعمل على أنظمة واضحة وقوانين واضحة لتنظيم حياة البشر، نحن دورنا أن كل القوانين التي تسن في المملكة العربية السعودية لا تخالف القرآن والسنة، وتعزز مصالحنا وتحافظ على أمن المواطن ومصالحه وتساعد في تنمية وازدهار الوطن، فتسن القوانين بناء على هذا الإجراء بحسب المتعارف عليه دولياً".
منذ القدم ساد جدل بين المدارس الفقهية والفكرية حول المباحث التي أحال إليها المسؤول السعودي، وصارت موضع سجال أرباب نظريات الدولة الدينية والمدنية، والسياسة الشرعية، ومقاصد الشريعة، والقواعد الفقهية، وحجية السنة، ومن بين أشهر إطلاقاتهم قول ابن القيم في هذا الصدد "فحيثما وجدت المصلحة فثم شرع الله ودينه"، بينما لا يزال يحدث قول الفقيه الحنبلي الطوفي جدلاً كبيراً بين التيارات السلفية، وهو الذي قرر أنه "إن تعذر الجمع بين أدلة الشرع والمصلحة قدمت المصلحة على غيرها، لقوله عليه الصلاة والسلام "لا ضرر ولا ضرار"، وهو خاص في الضرر المستلزم لرعاية المصلحة، فيجب تقديمه".
لكن الفقيه التونسي المعاصر عياض ابن عاشور أكد في مؤلف أصدره حديثاً أن الإشكالية الكبرى هي في ما سماه "الإسلام الأرثوذكسي"، أي الإسلام الشعبي الذي تتنازعه تيارات الإسلام السياسي وتحاول فرضه على الجماهير الإسلامية حتى غدا هو السائد والأشهر، بينما هو يكاد يختلف جذرياً عن "الإسلام الأصلي الصحيح، المبني على حديث لا ضرر ولا ضرار".
لا تنمية مع فكر متطرف
أي "فكر متطرف عندما يريد أن يبدأ يستهدف المملكة العربية السعودية. كنا في مرحلة من المراحل في مرحلة صعبة جداً، في الخمسينيات إلى السبعينيات المشروع العروبي والمشاريع الاشتراكية والشيوعية وغيرها من المشاريع في المنطقة التي أعطت فرصة لكثير من الجماعات المتطرفة أن تدخل بشكل أو آخر المملكة العربية السعودية وتصل إلى مواقع مختلفة سواء في الدولة أو في الاقتصاد إلى آخره، نتجت من ذلك عواقب رأينا أثرها في السنوات الماضية، اليوم لا نستطيع أن ننمو أو نجذب رؤوس أموال أو سياح ونتقدم بوجود فكر متطرف في المملكة العربية السعودية".
كان الأمير محمد بدأ مشروعه بحملة واسعة النطاق ضد الأفكار المتطرفة، اعتبرها البعض واحدة من الأسباب التي دفعت بالعديد من الدعاة السابقين والمحسوبين على التيارات الجهادية والإخوانية والسرورية إلى الاعتقال، إلا أن العديد منهم جرت محاكمته أمام القضاء السعودي، فيما لا تزال الأحكام الصادرة ضد البعض الآخر غير نهائية حتى الآن.
شدد ولي العهد حينها على أن بلاده لن تهدر من وقتها 40 سنة أخرى في مداراة المتطرفين، ولكن ستقوم بتدميرهم الآن وفوراً. وهو أقوى إعلان على الإطلاق تشهده السعودية ضد التطرف، على الرغم من انتقادات المنظمات الحقوقية الدولية لبعض تطبيقات الرياض في هذا الصدد، قبل أن يقر بعضها أخيراً بأن إصلاحات السعودية على هذا الصعيد آتت أكلها، ودفعت الإعدام إلى التراجع بنحو 80 في المئة.
في نهاية المطاف يشير ولي العهد في الجانب الفكري من الحوار المطول معه، إلى أن على بلاده أن تختار "فإذا تبغى ملايين الوظائف والبطالة أن تنزل، والاقتصاد أن ينمو، وتريد من دخلك يتحسن؛ يجب أن تستأصل هذا المشروع (التطرف) لمصلحتنا الدنيوية، ناهيك عن مصلحتك أمام الله سبحانه وتعالى بأن هؤلاء لا يجب أن يمثلوا ديننا الحنيف ومبادئنا السمحة بشكل أو بآخر، فهذا لا شك جريمة نتج منها إنشاء منظمات إرهابية وجماعات متطرفة قتلت أرواح الأبرياء في جميع أنحاء العالم، كما قتلت أرواحاً في المملكة العربية السعودية، وأضاعت مصالح اقتصادية عدة، فهذا عمل إجرامي غير قانوني محرّم، بناء على قوانين المملكة العربية السعودية فأي شخص يتبنى منهجاً متطرفاً حتى لو لم يكن إرهابياً فهو مجرم يحاسبه القانون".
*
مرور أكثر من عام على نقاش محتدم بشأن تجديد الخطاب الديني بين شيخ الأزهر أحمد الطيب، ورئيس جامعة القاهرة محمد عثمان الخشت.
“عصر ديني جديد”.
الطيب، وقتها، قائلا: “الفتنة الحالية سياسية وليست تراثية”.
الرؤية التي أعلنها الأمير محمد بن سلمان حول تبني السعودية الجديد والجديدة للاجتهاد الديني منهجا وعن اعتماد الأحاديث النبوية المتواترة فقط دون أحاديث الأحاد والخبر وتصريحاته عن أفكار الشيخ محمد عبدالوهاب ، تجديد حقيقي وشجاعة مقدامة سوف تؤثر بقوة في الواقع العربي .. والإنساني كله
ابراهيم عيسي
لا عقوبة على شأن ديني إلا بنص قرآني واضح أو حديث.
“يعني لو ضربنا مثل بالزنا، فالزاني غير المحصن يُجلد، والزاني المحصن يُقتل، وهذا نص واضح”.
دعا شيخ الأزهر أحمد الطيب إلى 'عدم تقديس التراث الفقهي، أو مساواته بالشريعة '، في تصريح بدا للبعض تراجعا عن موقف سابق.
"انقلب على مواقفه السابقة التي أبدى فيها استماتة في الدفاع عن المدرسة الأشعرية و نصوص التراث".
بعد تصريحات محمد بن سلمان،شيخ الأزهر :
- الدعوة لتقديس التراث الفقهي تؤدي إلى جمود الفقه المعاصر.
نعاني جمود فقهي نتيجة التمسك بالتراث .
الفتاوى و الاحكام التراثية لم تعد مع مشكلات اليوم.
محمد عبده لم يرحل حتى بيّن أن شريعة الإسلام أرحم بالناس من الأحكام الفقهية
الخشت، الذي كان أستاذا للفلسفة، إلى أن التجديد الذي ينشده "لا يمكن أن يأتي عن طريق المؤسسات الدينية التقليدية".
انتقد المحاولات لإحياء علوم الدين مطالبا بـ"ضرورة تطويرها وتفكيك البنية العقلية التي تروج للخطاب الديني التقليدي لتأسيس خطاب جديد يتماشى مع مقتضيات العصر".
ردا على ذلك، أكد شيخ الأزهر آنذاك على أهمية التراث الذي "خلق أمّة كاملة"، منبها إلى أن "الفتنة الحالية سياسية وليست تراثية".
"هل نشهد محاولة لتشكيل الخطاب الديني"؟
بالتوازي، لا تزال المقابلة التي أجراها ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، تثير ردود فعل واسعة، بلغ صداها مصر.
تفسير الإسلام في بلاده لم يعد مقتصرا على تعاليم الشيخ محمد بن عبد الوهاب.
السعودية ملتزمة بتطبيق نصوص القرآن والأحاديث المتواترة.
والحديث المتواتر هو المروي عن عدد كبير من الرواة، أما حديث الآحاد فهو غير المؤكد الذي لم يجمع شروط الحديث المتواتر.
بعد ان قام احد اولياء الامر في بلاد العرب برد احاديث الآحاد في الاحكام و العبادات و الحدود حتى لو وردت في البخاري و مسلم و مسند احمد و الموطأ ماهو رأي فقهاء المداخله و الجاميه اما انا فأبرأ الى الله مما قاله و التزم بما التزمت به امة محمد في شأن الاحاديث الصحيحه هيا سمعونا الفتوى
إلا بعد كلام الإمام أحمد الطيب وولي العهد #محمد_بن_سلمان ومن قبلهم الرئيس #السيسي عن عدم تقديس التراث الفقهيياتري عبدالله رشدي واللي ذيه هيعملوا ايه؟! ولا اللي كفروا أسلام بحيري واي حد بيتناقش في الشريعه هيرحمونا من قرفهم الفكري ونشر الألحاد ولا هيخرسوا ويرحمونا بقي؟!
تصريحات الأمير السعودي، على أنها دعوة "للتخلي عن نصوص التراث".
مضمون كلام بن سلمان جاء متناغما مع دعوة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لتجديد الخطاب الديني.
يستبعد هؤلاء "نجاح أي مشروع يقوده الزعماء العرب للتحديث والتنوير، في ظل غياب أبرز أسس وقواعد النهضة المتمثلة في حرية التعبير والنقد والسماح بالتنوع المعرفي".
تلك المشاريع بأنها محاولات لـ"مغازلة الغرب أكثر من انشغالها بإصلاح الشؤون الداخلية".
تجديد التراث الفقهى
وليس تجديد التراث
افهم الفرق علشان فيه ناس احلامها راحت لبعيد قوى فيه ناس فكرت انهم هايغيرو
فى القرآن والسنه او ثوابت الدين
...التجديد مقصود به رأى الفقهاء فى بعض الامور التى لم يرد بها نص وتم الاجتهاد
فيها فى ظرف معين وزمن معين قد لا يصلح لهذا الزمن
الازهر كمؤسسة بيروقراطية مرتبطة بالدولة الى يعنيه اولا واخيرا تكريس سلطاته
واستقرار مواردة وبقاء وضعة الادبي والاجتماعي كمؤسسسة وكأفراد ...فكرة انه بيخرج قديسين همهم الاول الدين فكرة ساذجة جدا في رأي ...لذلك التجديد فيه حيبقى محاولات فردية لو وجدت مش منهج المؤسسة
*
في حديث ولي العهد كان التركيز على أن الثوابت الدينية يجب ألا يتم العبث بحيزها اليقيني من خلال اجتهادات بشرية، وهي فكرة لها امتداد عميق ليس في التراث الفقهي والديني فحسب، بل في اجتهاد التيارات السنية المعتدلة، ومنها المذهب الحنبلي، الذي لم يقرأ كضامن للاستقرار وأحد أكثر المذاهب قدرة على التجدد، ويكفي هنا الإشارة إلى رسالة مهمة وتاريخية للإمام الطوفي الحنبلي (ت. 657) بعنوان «رسالة في رعاية المصلحة» استلت من شرحه على حديث «لا ضرر ولا ضرار»، وتعامل معها الباحثون حتى الغربيون كأهم وثيقة لتكريس المصلحة باعتبارها حجة شرعية يمكن لها أن تخصص النص وبشكل أساسي في باب المعاملات الذي قصد الشارع فيه تحقيق مصالح العباد ودرء المفاسد، ووصفها الشيخ محمد رشيد رضا بأنه لم يرَ مثل رسالة الطوفي في كل كلام الفقهاء، كما شرح معانيها أحد علماء الإسلام الكبار في الشام وهو الشيخ القاسمي.
شيخ الأزهر: لا تجديد في النصوص القطعيَّةِ بأي حالٍ من الأحوال

-الطيب : أحكامَ المواريث الواردة في القرآن هي التقسيمِ الإلهيِّ لأنصبةِ المواريث وهي حُدود حدَّها
قال: «لا يستطيع -بل لا يجرؤ- عالمٌ من العلماءِ مهما كان واسعَ العلمِ وخارقَ الذكاءِ أن يُطالِعَنا بجديدٍ في فرضيَّةِ الصلاة وبقيَّة العبادات، وفي تحريم الزنا والسرقة والخمر والميسر، وحُرمة الربا والغصب، وأنه لا ضَررٍ بالنفس ولا ضرارٍ بالغير، وكذلك أحكامُ المواريثِ الثابتةُ نصًّا ثُبوتًا قطعيًّا من القُرآنِ الكريمِ والسُّنَّةِ الصَّحيحةِ، وبخاصَّةٍ ميراثُ الأخِ وأختِه، في قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11]، موضحًا أن هذا النص الخاص بأحكام المواريث يَتعرَّضُ اليومَ لمحاولاتٍ مُستَمِيتةٍ لتَغييرِه إلى مُساواتِهما في الميراثِ، وتُخصَّصُ له برامجُ على شاشاتِ محطَّاتٍ أوروبيَّةٍ ناطقةٍ باللُّغةِ العربيَّةِ، تستضيفُ فيها رجالًا مُسلمين ونساءً مسلماتٍ يُطالبون بوَقفِ هذا الحكمِ الإلهيِّ في القرآن الكريم؛ مُسايَرةً لقوانينِ الميراثِ الغربيَّةِ، مشيرًا إلى أنه لا يلفِتُ نظرَ هؤلاء وهؤلاء إلى كلامِ اللهِ -تعالى!- فهم لا يَستَمِعون ولا يُحسِنونَ الاستماعَ، وإنما يلفِتُ نَظَرَ مَن اغترَّ -من المسلمين- بهذا التدليسِ المُتعمَّدِ، وغيرِهم ممَّن يَدرُجُ على شاكِلَتِهم- إلى أنَّ أحكامَ المواريثِ الواردةَ في أولِ سورةِ النساءِ هي التقسيمِ الإلهيِّ لأنصبةِ المواريثِ، وأنَّ هذه الأنصبةَ هي حُدودٌ حدَّها الله».
May 2, 2021 *
هل تتغير السلفية
"عندما يأتي شخص ليطبق عقوبةً بحجّة أنها عقوبة شرعية، وهي لا يوجد لها نص واضح في القرآن، أو في الحديث المتواتر، فإنه يعد تزييفاً للشريعة"، جدلاً واسعاً ليس بشأن شرعية استبعاد أحاديث الآحاد مرجعية للتشريع وحسب، بل حول إمكانية إدخال تغييرات فقهية على المذهب السني السلفي بأوامر سياسية، إذ بينما احتفى خصوم السلفية بتصريحات الأمير السعودي (حتى لو كانوا يخالفونه سياسياً)، فقد أثارت التصريحات حفيظة من يمكن تسميتهم "رجال الدين" السلفيين في العالم العربي.
"رجال الدين" هؤلاء أدركوا أن احتفاء خصومهم بالدعوة إلى وقف التشريع على الأحاديث النبوية المتواترة (التي رواها جماعة عن جماعة بدون انقطاع)، عوضاً عن أحاديث الخبر أو الآحاد (التي رويت عن طريق أفراد)، ليس غرضها إصلاح الإسلام وتخليصه من حركات العنف التي تدّعي الانتساب إليه كما يعلنون، وإنما تقع في خانة التنافس الفكري والسياسي بين التيارين، العلماني والديني، المستمرة في العالم العربي منذ منتصف القرن التاسع عشر، حين انفتحت الثقافة العربية على تجارب النهضة الأوروبية، وعلى الاستعمار العسكري الأوروبي، في وقت متزامن.
يدرك رجال الدين السلفيون أن التيار العلماني غير الديني في العالم العربي يأمل أن يتيح تعديل السلفية إطاحة التيار السياسي الديني. لذلك، أظهروا دفاعاً شديداً عن مرجعية أحاديث الآحاد، ليس تمسّكاً بتلك الأحاديث فقط، حتى وإن كان معظم التشريع الإسلامي الراهن مبنيا عليها، بل أيضاً دفاعاً عن نفوذهم على المجتمعات العربية، باعتبارهم التيار السياسي الأكثر قبولاً جماهيرياً في العقود الأخيرة، كما أظهرت أكثر من انتخاباتٍ محليةٍ في عدد من البلدان العربية، كلما كانت نزيهة، منها الجزائر ومصر والأردن.
هذا يعني أن التيار السلفي الشعبي في البلاد العربية لن يكون متعاوناً مع قرار سياسي تتبنّاه أي دولة، باستبعاد أحاديث الآحاد من التشريع، ما يعني أن خطاباً شعبياً، عبر خطب الجمعة والدروس الدينية والقنوات غير المسيطر عليها من الحكومات العربية، سيكون متمسّكاً بشرعية ذلك النوع من الأحاديث، فضلاً عن أن حكوماتٍ عربيةً عديدةً سوف تتجنّب الخوض في هذه المسألة حفاظاً على صورتها الداخلية حامية للدين والتشريع الديني. ومن ثم، لا يبدو أن الصراع الإقصائي بين التيارين، الديني والعلماني، في العالم العربي، تلقى دفعة سياسية كبيرة ومؤثرة، ولا يبدو أنه يعبر نقطة تحول مهمة في تاريخه.
ما يمكن قوله هنا إن انتصار أي من التيارين على الآخر، انتصاراً نهائياً، لا يبدو ممكناً أو منطقياً، ذلك أنهما في الحقيقة يصدران من ثقافة واحدة، هي "الثقافة الأبوية" القائمة على التنميط والإكراه، فالعلمانية العربية توحد بين الدين ورجال الدين، مطالبة بإبعادهما معاً عن السياسة وإدارة الدولة، وهو ما تسميه "فصل الدين عن الدولة". أما السلفية التي تتّخذ فكرة "الحاكمية" منطقاً لها، فتوحّد بينهما أيضاً مطالبة بإخضاع الدولة والسياسة لرجال الدين، ومعتبرة أن تلك هي الآلية السليمة لتحكيم الشرع في مختلف جوانب الحياة، أي إقامة الدين، وهي فكرة تمنح رجال الدين هؤلاء سلطة روحية على الناس، ينصّبون أنفسهم من خلالها ممثلين للدين ومرجعية وحيدة لفهمه، ويبرّرون ذلك بأن يطلقوا على أنفسهم تسمية "العلماء".
يتحقق التوازن بين فصل رجال الدين، وليس الدين نفسه، عن الدولة، والحفاظ على حضور الدين فيها وفي المجتمع
فاستراتيجية السلفية الدينية التي تتبنّى سلطة رجال الدين تقوم على تحكيم شرع الله، للحصول على مرضاة الله تعالى، ومن ثم استجلاب نصره، بمعنى أن الفاعلية، في نهاية المطاف، ليست بشرية، ولا تقوم على أساس الأسباب والمسبّبات، ويستتبع ذلك أن تكون النهضة العلمية والثقافية والفكرية غير مهمة، إذ من الممكن أن ينتصر العرب في ظل تخلفهم الحضاري إذا تمكّنوا فقط من استجلاب نصر الله. أما استراتيجية التيار العلماني فتستند إلى تقليد التطبيقات اللادينية التي نجحت في أوروبا، فهي إذن "تعولم" اللادينية وتجعلها شرطاً للنهوض، ولا تصدُر بالضرورة من الحاجات الحضارية المعاصرة للعرب.
التفريق بين الدين ومن ينصبون أنفسهم ممثلين له، فمن غير الممكن موضوعياً، ولا من المصلحة، استبعاد الإسلام عن الحراك الاجتماعي والسياسي في العالم العربي، لأنه يمثل مرجعيةً حضاريةً متجذّرة، لكن من المصلحة استبعاد "رجال الدين" من تولي شؤون السياسة والوصاية على حياة الناس ويومياتهم، إذ حين يدّعي واحدُهم امتلاك السلطة الروحية على الناس، فإنه سيكون بالضرورة مستبدّاً برأيه ولا تجوز مخالفته، وهذا ما يكرّس الاستبداد السياسي الذي يمثل اليوم في العالم العربي أحد أهم أسباب التخلف الحضاري.
*May 14, 2021
انكار السنة ورد الحديث
السُنّة والشيعة، باعتبار أن مرويات آل البيت مقدّمة على غيرهم، وباعتبار نفي العدالة عن جسمٍ ليس قليلا من كبار الصحابة، فضلاً عن اعتبار مقولاتهم ضمن الصراع السياسي لاستبعاد الإمام علي. غير أن المنهج المختلف هنا في صراع الموقف القديم أن آلة التحقيق والإسناد لدى الشيعة الإمامية بالجملة، وإن اعتمدت الأسانيد إلى آل البيت، غير أنها منفصلةٌ عن التحقيق المُشدّد في فرز الرواة وتمحيصهم، فيعتمد التسليم العرفاني الذي يرد على أئمة آل البيت الممثلين للأئمة الاثني عشر. وهم الأئمة المشهودون الموثقون المعظمون عند أهل السنة، باستثناء تعريف الغائب المنتظر. لكن هذا التسليم للأسانيد يجمع بين الجهل بحال الرواة واعتماد البلاغ الغيبي، وكأنه يقارب النص القرآني، وهو التنزيل الذي وُثّق ونُقل وثُبّت عبر قرون، وجماعات متواترة منذ جمعه الأول وحصر مصحفه.
مصطلح أهل السُنة باعتبارهم يعتمدون السُنّة النبوية المحقّقة الأسانيد، والمدقّقة عبر الجرح والتعديل، وحصرهم في مذاهب محدودة، هو غير صحيح
لا يجوز التعامل مع الأئمة وجهدهم العظيم بأنه جزء من التنزيل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه
هناك فرق كبير بين اعتماد الأمة للصحاح كأدق ما تم تحقيقه وإسناده، وربط السُنة بكليات القرآن المجمع على أنها من أصول الاجتهاد، وبين مراجعة أحاديث الأحاد وردّه أياً كان رواته، بما فيه قاعدة اضطراب المتن، والتي وردت لدى جدل المذاهب الفقهية القديمة، حتى أن الإمام مالك قدّم عمل أهل المدينة عليها، لكون صناعة الاستدلال لديه أقوى حجّة، وقس على ذلك تاريخا من الردود وأصول المذاهب التي توازن في فهم النص بالعقل والاستصحاب والمصالح المرسلة. وأن الإمام البخاري أو مسلم من أوثق من دقق الإسناد، جرحاً وتعديلاً، والتي كانت صناعةً دقيقة تُبين قوة منهجية النقل المتكئ على أصلي الرسالة الكتاب والسُنة، لا يعني أن من يناقش مروياتهم أو يتحفظ على بعض ما ورد فيها من أحاديث الأحاد ضال بالمطلق. وهذا بالطبع لا يشمل من يردُّ الحديث لأجل صناعة دين جديد للمستبد أو للغرب، كما لا يجوز أن يتم التعامل مع الأئمة وجهدهم العظيم بأنه جزء من التنزيل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه.
Jun 8, 2021
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق