الأحد، 12 ديسمبر 2021

الرأسمالية وفكر التسوية *********

Jan 1, 2021

 نشأ فكر التسوية بعد صراع دموي طويل في أوروبا انتهى بتسوية تاريخية منعت الحسم بين حكم الدين وحكم الإلحاد، حيث تمت الاستعاضة عنهما بالعقيدة العلمانية. ومن العلمانية نشأت فكرة أن يشرع الشعب لنفسه. وهذا النمط من التشريع كان يحتاج إلى الحريات المطلقة، ومن الحريات المطلقة أعطيت الحرية الاقتصادية. ومن باب الحرية الاقتصادية دخل الرأسماليون إلى الحكم وسيطروا عليه تمام السيطرة. وبهذا نشأ المبدأ الرأسمالي والنظام الرأسمالي والعقيدة العلمانية، ونشأ منهاج التسوية نمطًا أساسيًا في التعاطي مع عقد الحياة، سيما في حل النزاعات حتى وإن كان نزاعا بين حق وباطل.

خلت الساحة إلى حد بعيد للرأسمالية ومبدئها، فتزعمت أمريكا العالم وأوهمت الشعوب بأنها ستقودهم إلى السعادة ورغد العيش. فكان من أول ما قدمته للشعوب في تلك المرحلة مشروع العولمة وبأنها ستقرب بين الشعوب عبر تقوية وسائل الاتصالات وتطبيق فكرة اقتصاد السوق.

لكن الأمر انتهى بالصدمة عند هذه الشعوب حين ازداد الفقر والبطالة وتضخمت العملة وتوالت الانهيارات الاقتصادية مقابل الثراء المتصاعد لمجموعة صغيرة من الناس في العالم. فأدركت الشعوب أنه قد تم كشفها أمام جشع الرأسماليين وخططهم لاحتكار أسواقهم والهيمنة على مقدراتهم. ثم أضيف إلى ذلك سلسلة من الحروب التي اجتاحت أنحاء كثيرة من العالم، والتي تركزت بشكل أساسي في العالم الإسلامي الذي ظهرت فيه دعوات للخروج والتحرر من المنظومة الدولية، فعوملت هذه الدعوات بوحشية.

وقد نتج عن هذه الحروب ما يشبه آثار الحروب العالمية، حيث استعملت فيها جميع أنواع الأسلحة ووسائل القتل ما دون القنبلة الذرية. فقتل بذلك الملايين وجرح عشرات الملايين ودمرت مدن كثيرة وشردت شعوب بأكملها. كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم، وبتصوير مباشر من كاميرات الأخبار! فزاد هذا الأمر من الصدمة عند الشعوب ومن حقدها على أسياد النظام الرأسمالي.

 وقد أطلق الغرب تسمية "التطرف" على دعوات الحسم التي ظهرت عند الشعوب مثل "الإسلام المتطرف" و"اليمين المتطرف".

ولكي تحافظ أمريكا على موقعها في العالم بدأت تحاول أن تعيد العالم إلى أجواء شد الحبال الشرس عبر إثارة التناقضات لكي تُشغل الشعوب بصراعات استنزاف وذلك لمحاولة تيئيسهم من الحسم وإعادتهم إلى فكرة الحل "بالتسوية" من جديد.

وقد ظهر هذا في مناطق عدة من العالم، فظهر في سوريا، حيث شحنت أمريكا بلاد الشام بالجيش الإيراني والروسي والكردي، كما استغلت تنظيم الدولة لمحاولة استنزاف مخزون الثورة، ثم عملت على الوسوسة للفصائل للقبول "بالتسوية السياسية" مع النظام تحت ضغط الاستنزاف.

في اليمن دفعت أمريكا إيران لتدعم حرب الحوثيين والسعودية لتدمر اليمن من أجل استنزاف خصومها من عملاء الإنجليز ليقبلوا بالتسوية.

في ليبيا دفعت أمريكا بعميلها حفتر لاستنزاف البلاد كي يقبل خصومها بالتسوية.

في مصر عرضت أمريكا على الإخوان منصب الرئاسة مقابل "التسوية السياسية بكبح جماح الثورة" وحماية رؤوس العسكر من السقوط على أيدي الثوار.

في أفغانستان تقوم أمريكا بالضغط على تنظيم طالبان لكي تدخله في التسوية السياسية مع الحكومة الأفغانية.

في منطقة الصين حاولت أمريكا إدخال روسيا والآن اليابان في صراع مع كوريا الشمالية من أجل جر الصين إلى تسوية تكبلها إقليميا ودوليا.

هكذا هو فكر التسوية... ينشأ بعد نفاد صبر الخصوم وطول أمد الاستنزاف، فتبدأ وساوس شياطين الإنس والجن بالضغط على أصحاب القضية، فتحاول أن تقنعهم بالتفريط بمبادئهم وثوابتهم تحت عناوين متعددة، مثل "الواقعية" و"تغليب المصلحة" و"نحن مع ما يطلبه الشعب" و"الناس تعبت"… وغيرها من العناوين التي تعود في حقيقتها إلى فكرة واحدة، وهي أن قادة الصراع بالأساس غير مؤهلين لهكذا أعباء وقد نفد ما عندهم من مخزون الصبر وأصابتهم الخيبة.

العودة إلى سيرة رسول الله e وأن نتذكر كيف أنه كان يرفض دائما التنازل عن ثوابت قضية الإسلام، ألا وهي أن يكون الحكم خالصا لسيادة الشرع، رغم كل عروض التسوية التي قدمها له خصوم الإسلام. فوجدناه لم يقبل بنصف الحكم ولا بمعظمه ولا بتغيير أي جزئية أنزلها الله ولو أدى ذلك إلى هلاكه.

من جريدة الراية 

*

لا يهتم النظام الرأسمالي بشؤون غالبية الشعب من أجل تحقيق مصالح الأثرياء الخاصة. فهو يهتم فقط في أن يكون عامة الناس أصحاء ومتعلمين كفاية ليتمكنوا من تقديم الخدمات اللازمة لجعل الأثرياء أكثر ثراء، ولا شيء أكثر من ذلك

احمد برقاوي*

فالحق في الحرية والديمقراطية والكرامة نقيضه اللاحق في ممارسة العبودية والاستبداد والإذلال للآخر. تخيل أن يكون هناك تسوية بين العبودية والحرية وبين الديمقراطية والاستبداد وبين الكرامة والذل. التسوية هنا لا تجري على تضاد كهذا. بل إن مبدأ الثالث المرفوع في المنطق هو منطقها:إما وإما ولا وسط بينهما.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق