الخميس، 2 ديسمبر 2021

الاستلاب **********

فكرني بالاغتراب 

 الاستلاب زماني كما هو مكاني، فمن لا يستطيع الهروب إلى الغرب مثلاً يهرب في الزمن إلى زمان مضى ونوستالجيا قبلية وحنين إلى زمن آخر لا يعرفه ولن يعرفه. ومن هنا يمكن تفسير التطرف على أنه عدم قدرة توافق الفرد مع الواقع نتيجة للاستلاب، فيحاول الهروب إلى زمان إسلامي متخيّل وقديم ليس لأنه يعرفه ولكن لرفضه لواقعه. فهل عمليات التجميل رفض لواقع جمالي غير مقبول عندنا؟ وهل ما يقال عن عمليات التجميل ينسحب على الاجتماع والسياسة، ولماذا لا نلجأ إلى عمليات تجميل في السياسة والاجتماع والثقافة كما نفعل بوجوهنا وواجهاتنا؟

تبني التجميل كمفهوم هو الذي جعل الكثير من دولنا تنفق الكثير من الأموال بهدف تحسين الصورة خصوصاً في الغرب * حقوق الانسان المصرية والسجون المصرية الامريكية *، مع أن إصلاح الأصل يكلفنا أقل من محاولات باهظة لتحسين الصورة. والتكلفة هنا مالية ونفسية؛ إذ إن استمرارها يرسخ لدينا النظرة الدونية لأنفسنا ويرسخ أيضاً فكرة تفوق الآخر البعيد المختلف.

 التغيرات الاجتماعية الكبرى التي حدثت في المملكة العربية السعودية مثلاً منذ عام 2016 حتى الآن يوفر الكثير داخلياً وخارجياً. هذا النوع من إصلاح الأصل لا محاولات التجميل هو النقلة التي تحتاجها مجتمعاتنا. ومن هنا تبدأ مرحلة التعرف على الآخر من منطلق الندية بعد التأصيل لشكل الذات وجوهرها.

لا يمكن لإنسان عنده عجز في ميزان الحرية أن يتعرف على الآخر المختلف، ثقافة وسياسة وعلوماً واقتصاداً. فقط الأحرار يبدعون في فضاء حر. حتى الثقافات المغلقة التي كانت لديها الرغبة في التقدم فصلت بين فضاء الحرية في الإبداع والانغلاق السياسي (الصين مثالاً).

*

الخطاب العربي والمشاريع المطلقة

الاستلاب اللاهوتي و الاستلاب الحداثي العلماني

 العصاب الجماعي

ما تنتجه هذه النخب، ويكون متمركزا على نماذج معدة سلفا يصعب عليهم تجاوزها . تركيزها على الماضي الديني أو الحداثي، وتسويقه على أنه خطاب ممتد ومخترق للشروط الموضوعية التي أنتجته. وبما أن كل حركة إلى الوراء أو نكوص نحو الماضي يجد مبرراته اللاشعورية في عدم القدرة على الاندماج في الواقع العصي على الاختراق كما هو حال الأصوليات الدينية،

ثقافة العصر ومؤسسات الدولة الحديثة. لهذا، نجد فجوة كبيرة بين الخطاب والتطبيق

 ضد الدولة

الكثير من الناس، وهو واحد منهم يأمل أن يفكك مفهوم الدولة؛ لأنه جهاز يقوم على القسر والإكراه، بل هناك من يتمنى أن تهزم الدولة ويمشي في جنازتها. ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل هناك من يأمل أن يعيد الحلم من جديد بتوحيد عمال المجتمع، وكذلك انعدام الطبقية داخل أروقته.

الدولة ليست هي الخير، ولكنها القدر الأقل من الشر؛ أي أسوأ الشرور التي ستنجم عن غيابها. لماذا الحالمون والأخلاقيون عاجزون اليوم عن التجنيد الفعلي لفكرة التضامن في هذا العالم، على الرغم من أن هذه الفكرة تستجيب لأبسط عناصر المنطق، وتتطابق مع بديهة الأخلاق نفسها؟ هل لأنها تحتاج إلى الدعم الإعلامي؟ فما جدوى الفكرة التي تحظى بالدعم الإعلامي؟ 

المشكلة في كل هذا الكلام هو أن هناك من يصر ولا زال على أن الرأسمالية يمكن أن تكون فكرة أخلاقية، مع أن الرأسمالية لها منطقها الداخلي بغض النظر على أن يعجبك هذا التصرف أو ذاك السلوك؛ أي إن لها منطقا على قدر لا بأس به من الجنون كما يؤكد دوبريه؛ غير أنها لا تأبه لواقع أن منطقها مجنون.

 عودة الخطاب الأخلاقي

العقل الدّيني يرى في المظلومية وسيلته الأقوى من أجل الحشد والتّعبئة والاستقطاب، وتلك وظائف الإيديولوجيا. 

الأصوليات الدّينية، والإيديولوجيات الشّعبوية التي تركب على موجة الأخلاق لتفسير التخلّف، والضّعف والبنية المهترئة لمجتمعاتنا.

 أندري كونت سبونفيل الفيلسوف الفرنسي

 العودة إلى الأخلاق تتمُّ جوهرياً من خلال الأخلاق ليس لأنّ النّاس هم حقّا أكثر صلاحا، بل لأنّ الأخلاق غدتْ أكثر مادّة لحديثهم، بحيث يسعنا في الأقلّ الافتراض أنّهم يتحدّثون عنها بمقدار ما هي غائبة عن سلوكهم".

الخطاب حجاب؛ ففي كلامنا وخطاباتنا نمارس الكثير من الحجب والمواراة والإخفاء. فما نستبعده أو ننفيه، قد يحضر بشكلٍ أو بآخر. فقد نفاجأ بالاستبداد من وراء عشق الحرية، أو ندعو إلى المساواة فيما لا نقدر إلاّ على إنتاج التّفاضل والتمايز، أو نتوجّه نحو المستقبل لكي نصطدم بالماضي أمامنا. فنيتشه الذي أعلن موت الله، قد أخرجه من الباب، ليعود من النّافذة. حين لبس عباءة الألوهية والنّبوة، بإعلانه أنّه يكتب للبشرية إنجيلها الجديد، ممارسا بذلك لاهوتا مضاعفا.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق