في بدايات عام 2005، بدأ يتشكل في مصر حراك سياسي صغير أخذ ينمو بتسارع قياسي لمعارضة نظام الرئيس حسني مبارك ومشروع توريث السلطة إلى نجله جمال مبارك،
جيل السبعينيات ورموز الحركة الطلابية من حقبة السادات في زمن الطبقة الوسطى الفاعلة سياسيا ما قبل الهجرة والعمل في الخليج،
التقت بفضل هذا الحراك أيديولوجيات شتى، إسلامية ويسارية وقومية وليبرالية، بهدف معارضة نظام حسني مبارك
الدكتور "عبد الوهاب المسيري" والمستشار "طارق البشري" والدكتور "طه جابر العلواني"، وأيضا الشيخ "يوسف القرضاوي" والدكتور "محمد سليم العوا" والدكتورة "نادية مصطفى" والدكتورة "هبة رؤوف عزت" والدكتور "سيف الدين عبد الفتاح"،
الإسلام والحداثة وما بعد الحداثة وطبيعة الحياة والثقافة المعاصرة.
وجد هؤلاء المثقفون والأكاديميون الكبار "الإنتلجنسيا" الشابة التي استقبلت أفكارهم، والإنتلجنسيا بالتعريف هي الطبقة الرمزية التي تقف بمثابة الوسيط بين المثقفين منتجي المعرفة والخطاب من جهة والجمهور العام من جهة أخرى، حيث تقوم هذه الطبقة بنقل المعرفة وترجمتها وتبسيطها إلى الجمهور العام من جهة أخرى.
ساهمت الثورة والانتقال المفاجئ للسلطة من مبارك والحزب الوطني إلى المجلس العسكري في خلق حالة من الارتباك العام لدى كل الفاعلين الاجتماعيين في المجال العام، حتى المعارضين لمبارك الذين لم يطرحوا على أنفسهم مهمة انتزاع سُلطة الدولة وإعادة تشكيلها وفق رؤاهم وتصوراتهم ومصالحهم حتى هذا الوقت، فلم يكن أي فاعل اجتماعي في مصر يملك تصورا متماسكا عن نظام ما بعد الثورة بمعناه المادي والسياسي المباشر.
تكلُّس طويل خلال الحقبة المباركية والهجرة الجماعية للجيل السابق من الطبقة الوسطى إلى الخليج، ما ألغى فاعلية الطبقة الوسطى والمجتمع المدني والحياة السياسية والثقافية في مصر لمدة جيل كامل.
مشروع الدكتور "إبراهيم البيومي غانم" إسهاما مهما في إبراز دور منظومة الوقف في إضفاء قوة وفعالية على المجتمع الأهلي المُسلم أمام السلطة السياسية في كل البلدان التي ساد فيها النظام الإسلامي، حيث كانت منظومة الوقف نقطة ارتكاز داخلية للمجتمع أو للاجتماع المدني للمسلمين في مواجهة السلطة السياسية والتنفيذية. وفي كتابها "الخيال السياسي للإسلاميين"، انتقدت الدكتورة "هبة رؤوف" هيْمنة الدولة على الخيال السياسي للإسلاميين الحركيين في عقود الصحوة الإسلامية منذ السبعينيات، وغلبة التفكير الحداثي الهرمي الصلب على طبيعة تلك التنظيمات وحركيتها السياسية، إذ حكمت الدولة الحديثة الهوبزية الخيال السياسي للإسلاميين حتى داخل تنظيماتهم، ولم يرتحل الخيال السياسي لأفق جديد تجديدي.
صورة الدولة الحديثة، فهي أقوى المؤسسات والمُحتكرة للسيادة، وهي التي بسطت سقفها على المؤسسات واستقلت وحدها بتقدير مصلحة الجماعة".
تستعمل الدكتورة مصطلح الثقب الأسود في إشارة إلى الدولة الحديثة والحداثة، حيث ترى أن الأفكار والثقافة والدين مكانها داخل المجتمع وعلاقاته الطبيعية، لا الدولة ومؤسساتها الصلبة المعقدة التي تبتلع الدين والثقافة وتحولهما إلى أداة سلطوية، ومن ثَم تصبح ثقبا أسود بهذا المعنى.
كتاب الدكتور "سيف الدين عبد الفتاح" المهم "الزحف غير المقدس.. تأميم الدولة للدين"، إذ إنه قدَّم مفهوما للدين بوصفه منظومة حضارية لا توجد فقط في المساجد، وإنما في جميع مناحي الاجتماع الإنساني العام، ومن ثَم يحكم هذا الاجتماع منظومة المقاصد التي تُعنَى بحفظ الدين والنفس والمال والعقل والنسل. في الوقت نفسه، يقدم الدكتور سيف تأويلات حداثية لمعاني تلك المقاصد في الشريعة الإسلامية، وكيف أن تلك المقاصد تشمل المواطنة والعقد الاجتماعي والعلاقات المختلفة.
ربط بديع بين كيفية تفكيك السلطة المنظومة المقاصدية وبين هيمنة الاستبداد الحديث، حيث تحتكر الدولة مفهوم صحيح الدين وتطبيقه. بعد ذلك، يتناول الدكتور سيف مجالات تأميم وإفساد مفاهيم العقد الاجتماعي بمعناه الحديث ولكن بمضامين إسلامية، مثل مفاهيم البيْعة والتوبة والدعاء والشهادة والصوم والحسبة والمفاهيم الجهادية والزكاة.
كان طرح الإسلام الحضاري طرحا اجتماعيا يكاد يتجنب السياسية بمعناها المادي بوصفها صراعا على السلطة والموارد بشكل كامل، لصالح إحياء منظومة اجتماعية حفظت الدين والتدين من تغول السياسة، الأمر الذي ظهر بوضوح في كتاب "نحو عُمران جديد"، حيث ركزت الدكتورة هبة رؤوف على بناء مفاهيم الأمة وفروض الكفاية والفطرة كشكل من أشكال التحرر من الدولة. ويجسِّد ذلك، لا مجرد حالة من النفور العام من فكرة الدولة والسلطة داخل البنية الفكرية والخطابية للإسلام الحضاري فحسب، بل والأهم غياب أي نية للاشتباك النظري مع مفهوم الدولة الحديثة بشكل عام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق