السبت، 19 مارس 2022

الرأسمالية . التسليع *****************

May 16, 2018

اليوم لا حديث عن السياسة دون حديث عن الاقتصاد.. ولا عن الثقافة دون حديث عن مستوى
 الدخل..

تبلور علم الاقتصاد كعلم حديث في القرن الثامن عشر على يد آدم سميث (أبو الاقتصاد) عندما ألف كتابه (ثروة الأمم)، كان هذا الكتاب يدعو إلى نظام اقتصادي جديد وهو نظام الرأسمالية.وكان في بداية فترة الثورة الصناعية ويعدّ أحد معالم تطور الفكر الاقتصادي، والرسالة الأساسية لهذا الكتاب المؤثر هي أن ثروة الأمم لا تقوم على الذهب والفضة ولكن على التبادل التجاري. 

أفلاطون، وأرسطو، ابن خلدون، والفارابي. وقد بُني الاقتصاد الحديث على ثلاث أطروحات، وهي: الرأسمالية المتفائلة، والماركسية، والرأسمالية المعتدلة.. هذه الأطروحات كان أبطالها آدم سميث الذي يؤمن بالرأسمالية الحرة بلا تدخل حكومي، ومفجر ثورة العمال كارل ماركس الذي عارض الرأسمالية ويريد إنهاءها، وجون مينارد كينز الذي أشرك الحكومة لكي يصلح ما بين الرأسمالية والماركسية. 

والعلاقة بين الاقتصاد والعلوم علاقة وثيقة، ولعلي أذكر هنا دانتي الذي وضع في كتابه الأدبي (الكوميديا الإلهية) الأسس العامة للاقتصاد الأدبي، حيث أصبح هذا الكتاب بمثابة منهجية أدبية يسير عليها اللاحقون ولكن بتفصيلات موسعة ومختلفة وحسب الزمن ومتغيراته، حيث يخاطب الاقتصاد الأدبي الروح الإنسانية محاولاً تنقيتها من الصراعات المادية التي زرعها الاقتصاد السياسي، فهو يدعو إلى روح القناعة والنظر إلى الأشياء بمنظار روحاني إنساني، بينما الاقتصاد السياسي يدعو إلى الجشع والطمع والتعامل مع كل ما يحيط بنا بلغة المادة التي سببت الاضطرابات والنزاعات والخلافات بين أفراد المجتمع. 

إن تعقد تركيبة النفس البشرية تمثل مصفوفة من التحديات والصعاب التي يواجهها كل فرد يومياً داخل نفسه، ومن أجل إعداد نفس سوية متوازنة، يتطلب نسف كل الصور التي رسمناها عن أنفسنا وعن غيرنا، والعمل بشكل جاد ومتساوٍ مع العلوم الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية، وكل تقدم اقتصادي يتبعه موجات كثيرة وكبيرة ويؤكد زيجمونت باومان ذلك عندما تحدث عن (الحداثة السائلة) وما تفرضه علينا من معطيات مختلفة تؤثر على السلوك البشري بشكل مباشر وغير مباشر، ولكن يجب أن لا نغفل الطبيعة البشرية في اختياراتها أو طريقتها الاستهلاكية في التعامل مع الماديات وكذلك التأثر بما حولها، وقد ذكر عالم الاجتماع (روبرت سياليديني) بأن الإنسان لديه شعور بالالتزام للقيام بما تعود على فعله بشكل كبير ويسمى هذا (الالتزام والاتساق) حيث يرجح أننا نضطر إلى الاستمرار في تكرار قراراتنا وأفعالنا الماضية، حتى عندما يكون من الواضح خطؤها، وأحد العوامل المؤثرة هو (العقل الجمعي) الذي يشير إلى الشعور بالأمان عند التواجد ضمن مجموعة، لذلك لابد من الوعي الاقتصادي والأخلاقي في المجتمع، فكلما زادت نسبة الوعي المجتمعي كلما تجنبنا الخسائر المادية والأخلاقية، فنحن كبشر لابد أن نداوي مواضع العجز فينا، فلا يوجد فرد يرغب أن يكون عديم الطعم، ولا توجد أفكار ساذجة، وليس هناك خرائط تفصيلية نتبعها في طريقة عيشنا وتعاملاتنا مع الآخر، إذن لماذا نعجز عن التواصل مع بشريتنا بمفهومها الجديد؟ فالاقتصاد الآن هو روح الحياة وهو بمثابة الرأس للجسد في هذا العالم الضاج بكل التنوع والاختلاف، السؤال كيف يمكن أن نوازن بين الروح والمادة؟ وكيف يمكن أن نوقف مد تسليع الإنسان وتشييئه؟

 على الدولة أن تكف يدها، وتترك حركة الاقتصاد إلى العرض والطلب، إلى حرية السوق فقط. بهذا نادى آدم سميث، صاحب (ثروات الأمم)، الكتاب الذي سارت به الركبان، وصار مؤلفه منظر الاقتصاد الكلاسيكي الليبرالي الأول.
كانت الأهداف (النبيلة) المعلنة تقضي بأن يخلق السوق قواعده (العادلة)، بعيداً عن ضغوط السلطة وانحيازاتها. وكان أمل المؤيدين المعقود بناصية الليبرالية الاقتصادية يجادل بأن حرية الفرد لا تقبل المساومة، في الاقتصاد كما في الدين، وفي البيع والشراء كما في الرأي والاعتقاد.


حسناً، لقد سارت مراكب الليبرالية الاقتصادية إلى أن بلغت شواطئها، فتحرر السوق وتولى (البزنس) فرض قواعده، حتى ارتهنت حركة البيع والشراء إلى (أصول) دولية معتبرة، تحدد لصاحب المال الممكن والمتاح، والمتاح أكثر، وتترك الممنوعات بعيداً، حفاظاً على الهدف الأسمى، الحرية الفردية.
(الفردية) هذه هي بيت القصيد، فما أثار الاستهجان، لم يكن في القواعد والأصول، ولكن في المآلات. يتساءل مواطن عن نصيبه من كعكعة الانفتاح، ويعلن آخر أنه ما زال ينتظر دوره في تحصيل المكتسبات منذ أمد بعيد، لكن طابوره لا يتحرك، كما يتحرك هناك، حيث لا ازدحام، ولا حاجة لانتظار الدور.
قيمة السلعة.. أو سلعة القيمة
الصدمة لم تقف عند هذا الحد، فقد سادت سطوة المال حتى غلبت على أمرها، وقلبت بإذن سطوتها كل قيمة، وتحكمت الآلة الاقتصادية، لا في سير التنمية وأشكالها وشروط حركتها فحسب، وإنما أيضاً في أعماق الإنسانية، أفراداً ومجتمعات.
هنا أزمة من نوع جديد، المال أصل فيها وفرع، فهو سبب أصيل لكل صراع، أياً كان.. في الخلاف السياسي، بين الدول والأحزاب والتكتلات، تختلف الوجهة السياسية والمذهب المتبع في الإدارة والحكم، تبعاً للنهج الاقتصادي، أو في إثر خلاف على تقسيم الغنائم.
وإن وجهت تلقاء المجتمع، وتفحصت العلاقات بين أفراده، ونظرت بين أولي القربى وذوي الأرحام، فلن تجد رحمة ولا قربى، ولكن منافع تحدد أشكال الصلات، وترسم الابتسامة على الوجه بقدر الحاجة، والحاجة أم الاختراع، على ضوئها يكون المنتج، غائياً مصلحياً، لا روح فيه ولا قيم، إذ القيمة سلعة من السلع، لها قيمتها السوقية، وكذلك صلاحيتها المحددة بمدة معلومة، ووظيفة مرسومة.
التسليع والتشييء والمادية.. مفاهيم طاغية، واقعاً لا افتراضاً، فهي لغة العصر، وسلاحه الماضي، حيث لا غضاضة في اعتراف المرء بتقديم المنفعة المادية الفردية على كل اعتبار، ولا محل هنا للسؤال الأخلاقي.. أو إن شئت فقل إن المعايير الأخلاقية تبدلت، فصارت المصلحة خلقاً رفيعاً، وغاية نبيلة، تبذل في سبيلها المهج، وتذلل من أجلها المبادئ.


حين تحتاج إلى تفقد محفظتك كي تقرر نوع الوسط الاجتماعي الذي تنتمي إليه، وحين تنظر إلى ملابس محدثك وتسأله عن موديل سيارته قبل أن تستطلع رأيه في ديكارت أو نيتشه، وحين تقف عاجزاً أمام سؤال طفلك عن جدوى المكتبة التي تريد أن تضعها مكان الـ (بلي ستيشن).. عند ذلك لن تحتاج إلى أن تكون (واسع الثقافة) كي تعلم من أصبح صاحب السطوة في تشكيل هويتنا الحضارية.


*

النظام الرأسمالي يشبه الدين كثيرًا بتنظيمه الهرمي للمعرفة
 الرأسمالية كدينٍ للعالم الحديث، وعن النقود كإلهٍ يعبده أتباع هذا الدين.
إذ يقع خبراء الاقتصاد ومديرو البنوك في القمة، يتشاورون ويتكهنون بصدد مستقبلنا الاقتصادي، لاعبين في ذلك دور الكُهَّان، بينما يعاني عموم الناس من الارتباك وعدم الفهم، في الوقت الذي تتخبط فيه الأسواق كما لو كانت قدرًا إلهيًّا.

  1. تدعو الرأسمالية للإيمان بأن مراكمة النقود غاية نهائية في ذاتها، وهذا يعني أنه بصرف النظر عن حاجتنا للنقود لشراء شيء ما، فإن أي زيادة في رصيدنا البنكي تسبب لنا إحساسًا بالسعادة، وأي انخفاض في الرقم نفسه يسبب لنا إحباطًا، حتى لو كانت النقود قد أُنفقت في شيء نريده حقًّا.
  2. تؤمن الرأسمالية بأن قيمة النقود ثابتة دائمًا، لكنها في النهاية وسيلة لتبادل الطاقات الإنتاجية بين طرفين. وعليه، لا بد أن نتوقع تغير قيمتها باستمرار بحسب القيمة التي ننسبها لما يتم استبداله.
  3.  النقود ببساطة وسيلة لتسهيل التبادل، والاعتقاد في كونها «أصل كل الشرور» لا معنى له. وهو يرى بدلًا عن ذلك أن الأصل الحقيقي للفساد هو الشعور العام بالخطر، المدفوع بالنزعة الفردية وبالاعتقاد في أن أحدًا لن يساعدك إذا تعثرت. ويتحمل هذا الشعور بالخطر المسؤولية الكاملة عن إحساسنا اليوم بالفقر التام، رغم أننا نمتلك من الترف ما يزيد على ما امتلكه 99.9% من البشر طول التاريخ الإنساني
  4. نقود أكثر تساوي خيارات أكثر، وبالتالي سعادة أكبر. وهذه عقيدة أخرى مفادها أن النقود توفر مساحة واسعة لحرية الاختيار، وهذه الأخيرة أمر مُحبَّذ دائمًا ومطلقًا، إذ إن الدرجات الأعلى من الحرية تعني درجات أعلى من السعادة دون شروط
الرأسمالية تشجع على اعتبار الدخل المادي مؤشرًا وحيدًا لا يوجد غيره لتقدير قيمة الإنسان.

المال له القدرة علي تجميل القبيح

*

الرأسمالية، التسليع، الرغبة


حويل الأشياء و الظواهر المادية و النفسية المختلفة الي سلع. فكما أشار ماركس إن الرأسمالية تسعى إلى تحويل كل شيء إلى سلع كالدين و الفن..الخ. تلك العملية في ذاتها ليست قيمية؛ أي أنها لا تتم عن قصد. و لكن ترتبط العملية بحالة الاغتراب التي تخلقها الراسمالية. اي تعالي القيمة التبادلية على القيمة الاستعمالية، فكل شيء يصبح له ثمن و تتم ترجمة كل القيم بمختلف انواعها الى قيمة واحدة و هي قيمة السوق.

 فالسلعة سواء كانت مادية أو نفسية (و سيتضح فيما بعد أنه لا يوجد فرق بين الاثنين) لم تعد تستعمل لذاتها أو لما تقدمه من خدمة ولكن يصحب الاستعمال استهلاك على مستوى آخر،

 فالرأسمالية بنزعتها الاستهلاكية قد خلقت ايديولوجيا استدعت الفرد كونه مستهلكا ابديا و خلقت بداخله عن طريق النسق الرمزي رغبات نحو السعادة. فالفرد قد كتب عليه السعي  نحو السعادة؛ تلك الرغبة التي من الواضح لا يمكن تلبيتها مرة و الي الابد. فالفرد عند دخوله النسق الرمزي ممثلا في اللغة قد ولج ايضا عالم الاغتراب، لان اللغة في حد ذاتها مؤدلجة و 
اعتباطية و تشير الي نفسها.

 تعبير الرأسمالية عن مبدأها الأساسي ؛ ألا وهو الربح الأقصى ؛ الربح من أجل المزيد من الربح، الذي ينتج بدوره الانتاج من اجل الانتاج ، الذي يؤسس لازمة الرأسمالية السرطانية ؛ الافراط في الانتاج. هنا يتضح المنطق العدمي الذاتي داخل الرأسمالية، الذي يؤطر كل الفلسفات ذات ذلك الطابع.

يختص الأمر بالإناث نتيجة   الأيديولوجيا الذكورية التي تجعل المرأة في مصاف الملكية الخاصة

الرأسمالية تستثمر في رغبة الإنسان الطواقة لشيء لا يعرفه معرفة يقينية ، شيء لا يستطيع التعبير عنه بكلمات، اي انه شيئا فيما وراء اللغة لن يستطيع الإنسان الحصول عليه، لأن الذات الانسانية قد تم ترميزها داخل النسق الرمزي-الايديولوجي بل قد تشكلت تلك الذات في أحضان ذلك النسق. موضوع الرغبة النهائي لدى الذات، ليس موضوعا ميتافيزيقيا، و لكنه ببساطة حالة الاكتمال الذاتي و الاتحاد مع الام؛ تلك الحالة التي لم تستلزم وجود اللغة.

تعيد الرأسمالية إنتاج الاستهلاك عن طريق استعمار موضوعات الرغبة و خلقها من جديد، و لكن ذلك الاختراق المستمر لا يتسم رئيسيا بالتسامي (بالمعنى الفرويدي) ؛ فالنزعة التجاوزية او الافراط الرأسمالي يفترض إضافة صفات روحية أو نفسية للاستهلاك، وهذا يحدث بالطبع، و لكن لا يجب ان نغفل هنا أن تلك الاضافة تحدث مصحوبة بتغير مُفرِط لموضوعات الرغبة ذاتها ؛ أي أن الاختراق يتم بشكل اساسي على المستوى المادي للسلعة.

يقول هربرت ماركوز في كتابه “الإنسان ذو البعد الواحد”، فيما معناه ان البنطلونات الجينز، تعد بالكثير و لكنها لا تفي بشيء. هذا بالضبط ما يميز السلعة الرأسمالية.
Jan 21, 2022

*




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق