الأحد، 27 مارس 2022

عصر رأس المال من دون عمل / المؤثرين **** الشهرة , جيل التكنولوجيا ***********

Jun 25, 2020 Jun 21, 2021 Jan 21, 2022 Mar 26, 2022

مجتمع العمل يختفي
الفلسفة الماركسية هي الفلسفة التي تمحورت حول التفكير في "العمل"، ليس باعتباره نشاطا إنسانيا يوميا يُشكِّل وسيلة لتحقيق أهداف معينة، بل من حيث كونه يُشكِّل الهوية الاجتماعية والبنى الفوقية للمجتمع.

امتلاك المعلومات من قِبل مجموعة محددة من البشر تدير رأس المال، وتمنع البقية من الوصول إلى كليهما، المعلومات ورأس المال معا

تستثمر مواقع التواصل الاجتماعي منذ عشرة أعوام تقريبا "معلومات" المنتسبين إليها، بحيث تشجع أكثر فأكثر على أن يصرح الأفراد بميولهم ورغباتهم، وكسر حاجز خصوصيتهم،

الذكاء الاصطناعي سيحل جميع المشكلات، الخوارزميات تعمل بكفاءة، تقوم ببحثها عن الكلمات وتجمع وتُصنِّف، العمل الوحيد هو بيع المعلومات لمجموعة من الراغبين بها لأغراض معينة.

تعمل مواقع التواصل الاجتماعي على الاستثمار بمعلومات منتسبيها بالطريقة ذاتها، وتُحقِّق أرباحا مهولة عبر عملية بيع المعلومات للشركات التجارية، أو الاتفاق معها على ضمان وصول إعلاناتها للفئات المستهدفة؛ كأن تظهر إعلانات ملابس الأطفال للأمهات الجدد، فبمجرد أن تعلن الأم عن قدوم مولود جديد عبر فيسبوك، تُستَثمر المعلومة لغرض دعائي، فتظهر الإعلانات المتتالية لمنتجات الأطفال وألعابهم وما إلى ذلك.

يكفي أن تفتح إحدى قنوات يوتيوب لمشاهدة نوع جديد من السيارات، لتشاهد سيلا من الإعلانات حول السيارات الحديثة، وربما في بعض الأحيان يكفي أن تتكلم عبر مسنجر عن رغبتك في شراء سلعة ما، لتجد فيسبوك قد أغرقك بكل أشكال تلك السلعة، هذه هي تجارة البيانات. بينما أنت تُقدِّم يوميا المزيد من المعلومات لمواقع التواصل الاجتماعي، هناك مَن يكسب المزيد من رأس المال المجمَّد لغرض منافسات قائمة الأكثر ثراء في العالم، الأمر لا يتطلب أكثر من معلومة واحدة من كل مشترك في المواقع الاجتماعية لتتكوّن ثروة هائلة لدى مجموعة أشخاص مالكين لبرمجة البرامج والتطبيقات التي تستخدمها ببراءة، فأين هو العمل؟ مجتمع العمل يختفي لأن الأثرياء في العصر الحالي ليسوا مالكي مصانع ولا حرف ولا يقدمون منتجات أو خدمات، إنهم مالكو برمجيات في الغالب.

كانت الشركات تدفع المال لشركات مثل فيسبوك وإنستغرام مقابل إظهار إعلاناتها للمستهلكين المعنيين
اختراع "الإعلان الحي"، فما الإعلان الحي؟ إنهم المؤثرون!

يزداد عدد مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي يوميا، ويزداد الهوس بفكرة استعراض الحياة اليومية أو استعراض الذات، أو استعراض أي شيء يمكن استعراضه، بعض الأفراد يُديرون "عرض" معلوماتهم التي يُقدِّمونها كما يُديرون منتجا بالفعل، وبمنطق مصطلحات العوالم الافتراضية تُسمى هذه الإدارة "صناعة محتوى".

بهذه الصناعة للمحتوى، يتحول البعض -بفضل عقلية تسويقية جيدة أو بفضل الحظ أحيانا- إلى شخصيات شبه عامة، أو ما أُطلق عليه "المؤثرون"، ومن ثم يأتي دور الموقع نفسه الذي يمنح شرعية هذه الشهرة من خلال بعض المزايا وعرض عدد المتابعين، فارتفاع عدد المتابعين يوحي بأهمية "محتوى" ما تُقدِّمه هذه الشخصية؛ لأن عداد المتابعين هو النقطة الفاصلة في النهاية وليس المحتوى نفسه، إن ارتفاع عدد المتابعين هو الغاية في حد ذاتها، وهكذا يدخل الجميع منافسة تراهن على الجميع، فالجميع يريدون أن تصبح حساباتهم بعدد متابعين أعلى.

في بداية انتشار منصات التواصل الاجتماعي كانت الشخصيات المشهورة واقعيا هي الأعلى متابعة، مثل الممثلين ومقدمي البرامج ولاعبي كرة القدم والسياسيين، لكن في الأعوام الثلاثة الأخيرة، شهد ميزان الشهرة انقلابا حقيقيا، فقد بدأت مواقع التواصل الاجتماعي تغير من قواعد اللعبة، وتبدأ بطرح إمكانات جديدة تساعد على الشهرة دون الحاجة إلى وسيط واقعي، وقد لعبت المواقع المختصة بالصور والفيديوهات، وفيديوهات البث المباشر، وفكرة "daily stories" دورا كبيرا في حماسة البعض لتحقيق شهرة تبدأ من العالم الافتراضي وتنتهي إلى الواقع، على عكس ما كان يحدث سابقا؛ إذ تبدأ الشهرة من إنجازات واقعية تنتهي إلى ارتفاع عدد المتابعين على منصات التواصل الاجتماعي، باعتبار هذه الشخصيات المشهورة شخصيات عامة.

مع هذه الانقلابات في تعريف "المؤثرين"، وسرقة البساط من تحت أقدام المشاهير واقعيا، بدأ انقلاب موازٍ في قواعد لعبة التسويق؛ فإذا كانت العلامات التجارية العالمية تعتمد على بعض الوجوه المعروفة للترويج لمنتجاتها، فإنها بعد هذا الانقلاب بدأت تُفكِّر بالمؤثرين الصغار، الذين صنعوا قصص "نجاحهم" على أعين العامة، وخلال عام أو عامين تحوّلوا إلى شخصيات ذات حسابات بأعداد متابعين كبيرة، بغضّ النظر عن الفائدة الحقيقية مما يُقدِّمونه، فربما كان كل ما يُقدِّمونه هو استعراض حياتهم اليومية عبر الصور فحسب.

من هنا بدأت مقارنة في عالم التسويق بين "mega influencer" وبين "micro influencer"، فالنوع الأول (ميجا) من المؤثرين هي شخصيات المشاهير ممن لديهم أعداد كبيرة جدا من المتابعين، لكنهم يحتاجون إلى ميزانية أكبر من أجل الموافقة على الترويج لمنتجات شركة ما، في المقابل؛ فإن النوع الثاني (مايكرو) لديه عدد متابعين أقل، لكنه أكثر فاعلية، حيث يستطيع عبر نشر يومياته القريبة من الحياة اليومية العادية اكتساب عنصر ثقة متابعيه، بعكس المشاهير الذين يحتفون بفكرة "خصوصية حياتهم اليومية"، ويعرضون جانبا واحدا من حياتهم، وهو الجانب الذي يشتهرون به، وهكذا يفتقدون بسبب هذه الأُحادية والبُعد عن مجريات الحياة اليومية العادية عنصر القرب المولِّد للثقة والحميمية مع المتابعين؛ لذا بدأت الشركات تتوجه خلال العامين الأخيرين للنوع الثاني -رغم أن عدد متابعيه أقل- لأنه أقل تكلفة، وأكثر فاعلية.

هكذا تحوّلت الإعلانات من عملية "تمثيل" إلى إعلانات حية؛ فهؤلاء المؤثرون الذين يُروِّجون لاستخدام منتجات معينة بعد تجربتها هم إعلان حي للمنتج، يبدو صادقا وبلا تمثيل، فحين تعرض الفاشونيستا الملابس الجديدة التي ارتدتها وتستعرض مزاياها وجمالياتها، تبدو فتاة عادية تشبه الأخريات ظاهريا، إنها ليست ممثلة ولا عارضة أزياء، إنها مجرد امرأة تعيش حياة يومية وتشارك يومياتها وتنصح ببعض المنتجات بناء على التجربة، هذا ما يراه المتابع، لكن الحقيقة أن الفاشونيستا تدير عملية تسويقية معقدة خلال إدارة المحتوى الذي تُقدِّمه، قد يكون بدأ بداية عفوية، لكنه مع الوقت يكتسب طابعا أكثر جدية وتعقيدا.

تتحول فكرة "المؤثرين" إلى ظاهرة، إنها طريق سريع وسهل للربح، وأحيانا يمكن تحقيق أرباح مهولة عبر أفكار معينة، يمكن أن تكون جذابة بسبب غرابتها فقط، مثلا، هناك قناة عبر يوتيوب لشاحنة تدوس يوميا أي شيء يمكن سحقه، إنها فكرة لا تُنتج معرفة، ولا يمكن أن تكون مادة أولية لمعرفة مُنتِجة، لكنها تحظى بعدد كبير من المتابعين وشهرة عالمية، وهذا يعني أنها تتقاسم مبلغا كبيرا من مكاسب إعلانات يوتيوب التي تظهر على فيديوهات القناة التي تُحقِّق مشاهدات عالية، تُشكِّل القناة مصدرا لدخل كبير، لكن ما العمل الذي يقوم به صاحبها؟ إنه عمل لا يُنتج منتجات مادية ولا فكرية ولا حتى خدمية؛ إنه نوع جديد من الكسب بلا عمل.

وفي عالم رأسمالي يرغب فيه الجميع بالوصول إلى طريق سهل وسريع من أجل كسب المال والشهرة فإن هؤلاء المؤثرين الذين شهد أقرانهم قصص نجاحهم السريعة يصبحون أنموذجا، ويفتحون أمام الآخرين الإمكانيات ذاتها، لأنه دخل لا يتطلّب سوى هذه الخبرة في تسويق الذات لتسوِّق من أجل الآخرين.

 التزام المؤثرين بالمعايير الأخلاقية، والقيم الدينية والعادات الاجتماعية، لكن الغريب أن السعودية أرادت "قوننت" هذا النشاط باعتباره "عملا"، فتضمّنت الوثيقة اقتراحا بإلزام المؤثرين بالحصول على "رخصة" في حال ممارستهم أنشطة إعلانية عبر حساباتهم، ويتم تجديد الرخصة سنويا، لضمان التزامهم بالموضوعية.

أما في الإمارات(6)، فقد أعلن نادي إعلامي بدبي عن نيته افتتاح "دبلومة المؤثرين" على وسائل التواصل الاجتماعي، ويهدف إلى تدريب المؤثرين في مجال التواصل الاجتماعي على التواصل الإستراتيجي، وتمكينهم من إنتاج محتوى فعّال على منصات التواصل الاجتماعي، بحيث يستطيع كل المهتمين بكسب العيش من وسائل التواصل الاجتماعي أن يُسجِّلوا في الدبلومة.

 التسويق لا يكفُّ عن التسويق، فقد أُنشِئ موقع إلكتروني ليعمل وسيطا بين الشركات وبين المؤثرين، فيعمل على إيجاد المؤثر المناسب للترويج للمنتج المراد،

عوالم الربح وتكوين الثروة عبر جمع البيانات وتحليلها، وتسويق الذات بناء عليها، لتصبح هي الأخرى مسوِّقا لمنتج من المنتجات، هل هذه العوالم يمكن أن تبني اقتصاديات المجتمعات النامية مستقبلا؟ هل يدفع المؤثرون مجتمعاتهم نحو المزيد من الاستهلاك؟ أم يُغيِّرون الفكرة حول العمل؟ تزداد أفواج المنافسين على "التأثير" يوميا، يبدو هذا من خلال التدفق اليومي لمحاولات إنشاء قنوات يوتيوب من أجل الكسب، أو استعراض الحياة اليومية عبر إنستغرام، أو الإتيان بأي فكرة من أجل رفع عداد المتابعين أو زيادة عدد المشاهدات والقراءات، والوصول إلى الشهرة، التي توصل بطريقها إلى الكسب عبر اللا شيء، أو عبر المحتوى الذي يُقدِّم أفكارا بغض النظر عن طبيعتها؛ إذ تبقى الأفكار مجرد دائرة من أجل المزيد من الأفكار، ويبقى السؤال: ماذا حدث لمجتمع العمل؟

هذا سبب تأخر امريكا وانهيارها وتفوق الصين التي تمنع يوتيوب وفيس وانستجرام 

*

«المؤثرون»... صناعة الصور غير الواقعية والتسويق الإلكتروني

شخصيات مختلقة صممتها أجهزة الذكاء الصناعي تتبعها آلاف مؤلفة

لا توجد ظاهرة ثقافية ملكت عقول البشر على امتداد المعمورة خلال ربع القرن الأخير كما فعلت وسائل التواصل الاجتماعي على الإنترنت. فخلال وقت قصير نسبياً من عمر التاريخ، تغيرت أشياء كثيرة لدى مليارات البشر نتيجة تفشي استعمال تلك التطبيقات بينهم: من طريقة تعبير الأفراد عن ذواتهم، وكيفية تواصلهم مع عوائلهم وأصدقائهم ومع الآخرين، إلى تسليتهم، واستحصالهم للمعارف بشأن عالمهم، بل أيضاً المتاجرة شراء وبيعاً، وغيرها من الأغراض الكثيرة التي كانت تنجز عبر أدوات كثيرة، وانتهت جميعها في مكان افتراضي واحد يمكن الوصول إليه عبر هاتف ذكي متنقل أو جهاز كومبيوتر شخصي.

كما أمر كل ظاهرة اجتماعية ثقافية عريضة، تستولد بحكم علاقتها الديالكتيكية مع المجتمع ظواهر تالية، نَمَتْ في ظل شجرة تطبيقات التواصل الاجتماعي المنغرسة عميقاً في تربة ثقافة الاستهلاك الرأسمالي المعولم ظواهر فرعية مشتقة، تمدد بعضها حتى أصبح عوالم افتراضية موازية، لها قواعدها وأبطالها، وجمهورها وأشجانها. «المؤثرون» ربما كانت بينها الأكثر إثارة للجدل، لا سيما بعدما تضاعفت القيمة المالية لهذه الظاهرة من 8 مليارات دولار أميركي في عام 2019 إلى أكثر من 15 مليار متوقعة مع حلول العام المقبل، وتضخم جمهور بعض حسابات السوبر - مؤثرين بأكثر من حسابات أهم الصحف ومواقع الأخبار العالمية (مثلاً كيم كاردشيان -لا وظيفة معروفة لديها سوى أنها مؤثرة- يتابعها ما يزيد على 221 مليون شخص على تطبيق «إنستغرام»، بينما يتابع صفحة جريدة «نيويورك تايمز» على تطبيق «تويتر» 49 مليوناً، ويشترك في نسختها الإلكترونية أقل من 7 ملايين شخص).

«المؤثر/ة» ببساطة هو شخص بنى سمعة وقاعدة متابعين من خلال مشاركة محتوى شخصي غالباً على الإنترنت. وبالنسبة لجمهورهم، فإن هؤلاء يصبحون بمثابة صانعي الذوق، ورواد الاتجاهات، والخبراء الموثوق بهم الذين تطلب آراؤهم وتحترم بشأن مسائل معينة. وبحسب قرار قضائي صدر حديثاً في بريطانيا، فإن 30 ألفاً من المتابعين كافين لتأهيل أحدهم مؤثراً ينبغي له الالتزام بمضمون قانون الإعلانات الذي يحظر مثلاً الترويج للأدوية، والإبلاغ عن دخله جراء «تأثيره» للسلطات الضريبية.

ولعل جذور ظاهرة «المؤثرين» بدأت بالتشكل سريعاً بعد إطلاق شبكة الإنترنت العالمية في عام 1991، إذ شرع المستخدمون من ذوي الاهتمامات المتقاربة بالتلاقي افتراضياً،

بدأ خبراء الإعلان والتسويق باستكشاف تلك الفئة الطالعة من المدونين الأكثر شهرة ومشرفي المنتديات الأكثر استقطاباً للجمهور، والاتفاق مع بعضهم على طرائق لترويج المنتجات بداية ربما مقابل بضائع مجانية، 

لتخيل حجم هذه الصناعة، فإن 50 مليوناً من البشر يعملون بوظائف مرتبطة بشكل أو آخر بالمؤثرين

 فكرة الحصول على أموال طائلة من خلال تقاسم صور شخصية لافتة أو الثرثرة بشأن هواية أو لعبة معينة قد يبدو أمراً رائعاً، لكنه في الحقيقة يتطلب جهداً وطاقة سيكولوجية ليست بالقليلة، إذ إن هنالك ساعات لا تنتهي من التحضير المتطلب والتحكم بالمشاعر لإضافة لقطة أو حلقة أخرى في صيغة لا تتعارض مع نموذج الحياة المتصنع الذي أحبه المعجبون، وترضي في الآن ذاته توقعات المعلنين. وهناك أيضاً ضغط دائم على الأعصاب جراء المنافسة الحادة، والسعي الدائم لتعظيم الإيرادات، من خلال استقطاب مزيد من المتابعين. لكن الأخطر من ذلك كله حالة الاغتراب التي ينتهي إليها أولئك المؤثرون -أقله بعد مرور بعض الوقت- نتيجة عبثهم في مساحة التقاطع بين العبودية للنزعة الاستهلاكية وفقدان الشعور بالقيمة الذاتية مقابل الشخصية الافتراضية البديلة، وتكلس النمو العاطفي الذاتي، والانخراط في نشر نسخ غير واقعية من الجمال والنجاح والعافية تشوه وعي الناشئة، وتسوقهم مخفورين إلى أحضان المصالح الرأسمالية الجشعة مستهلكين شرهين لما يحتاجون إليه وما لا يحتاجون.

ظاهرة المؤثرين استولدت بدورها، وبحكم تفاعلها مع المجتمع، ظاهرة الصورة المصطنعة للمرأة الجميلة. فهناك اليوم ما يعرف بوجه «إنستغرام»: وجه شاب -بغض النظر عن العمر الحقيقي لصاحبته- مع بشرة بلاستيكية رائقة على الدوام بلا تجعدات أو بثور -غالباً بفضل مرشحات الصور (الفلاتر) وصناعة جراحة التجميل- مع شفاه أكبر وعيون واسعة وعظام خدود عالية وانحناءات أنثوية مبالغ بها، ولون أبيض صافٍ أو مطعم بتلميح لألوان غرائبية لا جذور محددة لها.

هذه الصورة المركبة المصطنعة المفلترة للمرأة التي أنتجها اللقاء الآثم بين أحدث منتجات تكنولوجيا الاتصالات وجشع الرأسمالية المتأخرة قد تعني تضخماً في ثروات بعض من منتجي الترفيه والأزياء والمنتجات الاستهلاكية وأطباء التجميل، كما كبار المؤثرين، لكنه ربح يأتي بالضرورة على حساب نساء الطبقات الفقيرة والوسطى: إنفاقاً إضافياً على حساب أولويات أخرى، وشعوراً دائماً بالاغتراب تجاه الذات، والنقص تجاه الآخرين، وتقلص مساحات تقبل الاختلاف والتنوع والتباين.

لن تكون مجرد «موضة» عابرة سرعان ما تنتهي وتنسى.

* Jun 16, 2021

 كيف يمكن لمؤثر واحد أن يلفت أنظار الملايين لمؤسسة

يعني التسويق من خلال المؤثرين -ببساطة- التعاون مع المؤثِّر (Influencer) الذي يمتلك قاعدة جماهيرية كبيرة من المُتابعين، بهدف التلميع والترويج لعلامة تجارية معينة بشكل يلفت أنظار متابعيه ويؤثر على قراراتهم بالتفاعل أو الشراء بشكل أكبر من استخدام وسائل التسويق التقليدية. عادة ما يكون هذا الترويج من خلال تقديم محتوى جذّاب يؤدي إلى تحقيق نتائج إيجابية للعلامة التجارية.

الدحيح نموذج منصة اسرائلية 

"الناس لا يشترون منتجات أو خدمات، إنهم يشترون علاقات.. وقصص.. وسحر"

يلعب البريق والإبداع ورواية القصص "Storytelling" الدور الأكبر في جذب الجمهور للتفاعل أو الشراء بدون تفكير طويل، بناء على "السحر" الذي يقدّمه لهم المؤثر، بحسب وصف غودين.

 الأهداف الأساسية وراء إستراتيجية التسويق بالمؤثرين تستهدفها الشركات والمؤسسات والعلامات التجارية، يأتي على رأسها بلا منازع: الوعي بالعلامة التجارية وتلميعها (Brand Awareness and advocacy).

هذا التعريف بالعلامة التجارية وتلميعها يستدعي دائما الاعتماد على مؤثرين ذوي مصداقية عالية لدى الجمهور، ما يتيح لها جذب أعداد هائلة من المستخدمين والعملاء بشكل لا تُقارَن جودته بالحملات التسويقية الأخرى


بعد هذا الموقف على الفور، تراجع سهم شركة كوكاكولا العريقة من 56.10 دولار للسهم إلى 55.22 دولار، وانخفضت القيمة السوقية للشركة من 242 مليار دولار إلى 238 مليار دولار، ما يعني أن الشركة خسرت 4 مليارات دولار من قيمتها -بشكل مؤقت- عقب تصرّف سريع لنجم الكرة البرتغالية أمام الكاميرات لم يتجاوز عشر ثوانٍ.

لماذا تهتز شركة عملاقة بحجم كوكاكولا بتصرّف سريع وبسيط كهذا؟ السبب أن الشخص الذي قام بهذا التصرّف، إلى جانب شهرته الرياضية الطاغية، يملك على حسابه في منصة "إنستغرام" حوالي 300 مليون مُتابِع، وهو رقم لم يصله أي حساب آخر على الإطلاق، باستثناء حساب منصة إنستغرام نفسه. هذا الرقم (300 مليون متابع) يجعل مُتابعي رونالدو أكثر من عدد سكان معظم دول العالم، بل ويزيد عددهم عن تعداد دولة ضخمة السكان مثل إندونيسيا التي يبلغ تعداد سكانها 273 مليون نسمة.

The power of influencer : Coca-Cola lost $4 billion in market value after soccer star Cristiano Ronaldo suggested people drink water instead




الشهرة , جيل التكنولوجيا ***********
Feb 7, 2021

مشاهير شبكات التواصل ساهموا في فرض أفكار وأنماط سلوكية غريبة على 

الشباب.

السلوكيات غير مهمة مقابل الوصول إلى الشهرة

في السابق كانت الشهرة من نصيب أصحاب الإنجازات الكبرى فقط، الذين بذلوا جهودا كبيرة للوصول إلى أهدافهم، لكن اليوم ومع تحول المجتمعات إلى الرقمية وانتشار الشبكات الاجتماعية وتطبيقات الفيديو لم تعد هناك أهمية للإنجاز، وأصبحت الشهرة حلم غالبية الجيل الجديد، يسعون إليها بكل الطرق مهما كانت غريبة أو منبوذة.

ظهر محمد بقميص أبيض عليه صورته كُتب تحتها “محمد قمصان أقوى من السرطان” عام 2019، مشجعا غيره على مقاومة المرض، وحصل على الكثير من التكريمات في احتفاليات مختلفة، كما حصل على عدد من شهادات التقدير، وحضر اللقاءات التلفزيونية، وقد اكتسب هذه الشهرة من أجل معاناته مع المرض ورسائله التشجيعية، وابتسامته التي تظهر في صوره على صفحته التي استطاع توثيقها، ولكن بعد نحو عامين تبين أنه ادعى الإصابة بالمرض “من أجل الشهرة”.

كان الشاب المصري محمد قمصان ينشر صوره على صفحة أنشأها على فيسبوك، استطاع من خلالها كسب تعاطف نحو 70 ألف شخص، قبل أن يتبين زيف ادعاءاته ويصدم المتابعين. ورغم ذلك فإن الحادثة ليست غريبة بالنسبة لجيل مواقع التواصل الاجتماعي، حيث انتشرت ظاهرة البحث عن الشهرة بين الشباب مهما كلفهم الأمر من ضريبة تُدفع من سمعتهم وذواتهم، فقط من أجل الظهور! حتى لو تجاوزوا كل الحدود المرغوب وغير المرغوب فيها فقط للوصول إلى هذه الشهرة! * مثال الشاب البيطري الذي قام بعملية لدجاجه طلع الخبر اجنبي 

ودفع قمصان ثمن الهوس بالشهرة، حيث استدعته الشرطة، فأكد عدم إصابته بالمرض وأنه ادعى الإصابة بالسرطان في مواقع التواصل الاجتماعي لتحقيق الشهرة والربح، ووجهت له تهمة إذاعة أخبار كاذبة واستعمال وسيلة غير شرعية للاستيلاء على الأموال.

يقول علماء الاجتماع إن الشهرة تلبي الحاجة إلى تحقيق الذات، حيث يسعى الشباب من خلالها للبحث عن ذواتهم وتحقيقها، من خلال استثمار قدراتهم ومهاراتهم ليحققوا من خلالها أكبر قدر ممكن من الإنجازات في المجالات التي تتصل بميولهم واهتماماتهم، لكن المشكلة تنشأ عند عدم وجود مواهب وإنجازات حقيقية، فيلجأ البعض إلى الطرق الملتوية والاحتيال أو سلوكيات منحرفة للوصول إلى الشهرة.

يعتبر علم النفس أن لفت الانتباه حاجة نفسية غريزية لا تختلف عن الحاجات البيولوجية الجسدية والحاجات العاطفية والاجتماعية، ولكن إذا أصبحت الرغبة جامحة في حب الظهور أخذت منحى مرضيا.

ليس بالضرورة أن كل من يدعي المرض يكون من أجل الشهرة، فقد يكون من أجل كسب تعاطف وشفقة الجمهور، لأنه غالبا ما يكون لديه إحساس بالنقص.

مرضى الشهرة مختلفون بين من يعاني أمراضا نفسية، وهي عدم الثقة بالنفس والإحساس بالعجز وشهوة الشهرة، وبين من يسعى إلى القفز على الفوارق الطبقية الاقتصادية والاجتماعية بين العامة والمشاهير، وتلبية الشعور بالاحتياج دائما إلى الأموال.

“هرم ماسلو”، الحاجات الأساسية للفرد ضمن خمسة مستويات، بدأها بالحاجات الفسيولوجية، وحاجات الأمان، والحاجات الاجتماعية، والحاجة إلى التقدير، وأخيرا الحاجة إلى تحقيق الذات.

تلك الحاجات غير المشبعة قد تسبب توترا عند الفرد، فيسعى للبحث عن إشباع تلك الحاجات.

تقترن حاجات تحقيق الذات اقترانا وثيقا بالسعي وراء الشهرة وحب الظهور، وذلك خلافا للشهرة التي اكتسبها المشاهير بشكل آلي كالانتماء إلى عائلة عريقة أو ملكية، أو ثروات طائلة أو إنجاز مهني كبير في المجالات العلمية أو الرياضية.

في السابق كانت الشهرة الواسعة من نصيب أصحاب الإنجازات الكبرى فقط، من العلماء الذين تدرّس اختراعاتهم في الكتب، ومن خلال المقابلات التلفزيونية، أو الشهرة التي يكتسبها الرياضيون وتحديدا في الأندية العالمية، أو عارضات الأزياء، ونجوم الصف الأول من الفنانيين، أما اليوم فالشهرة العالمية باتت حلما تحقق لأناس عاديين ولأطفال وأشخاص من كافة التخصصات، وحتى أن البعض كانوا عاطلين عن العمل، إلا أنهم يمتلكون حسّ الدعابة والمرح، فأصبحوا من المشاهير ولديهم متابعون، وباتوا يعدون من المؤثرين في مجتمعاتهم بسبب الشبكات الاجتماعية.

قامت مواقع التواصل بمختلف أنواعها بدور سلبي في هذا الشأن، إذ أصبحت الشهرة حلم غالبية الجيل الجديد يسعون إليها بكل الطرق، متأثرين بالمشاهير الذين ساهموا بفرض أفكار وأنماط سلوكية غريبة على الشباب، وقد اقتحمت مصطلحات المشاهير وعاداتهم السلوكية الجيل الجديد، إلى درجة أن الحسابات الشخصية للمشاهير تحولت إلى مراكز إعلامية ناجحة رغم كل الاعتراضات والانتقادات التي تُوجّه إليها!

يبدأ الشباب رحلة من التنازلات منذ السعي لإثارة ضجة إعلامية واهية، والظهور بصورة مغايرة لحقيقتهم، عبر مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، ولاسيما تطبيق تيك توك الأكثر شعبية اليوم بين الشباب والمراهقين بشكل خاص، مستفيدين من سهولة إيصال أي فكرة يؤيدونها وبأسرع وقت ممكن، فبعضهم من خلال مقطع فيديو استطاعوا تحقيق انتشار واسع بعد تداوله بسرعة قياسية ومشاركته مع عدد كبير من المتابعين، ما فتح آفاق الشهرة على مصراعيها، وأغرى الكثير من الشباب المتابعين بالسير على نفس الخطى للوصول إلى الشهرة.

يعتبر أخصائيون اجتماعيون أن هناك فئة من الشباب يبحثون عن الشهرة في سناب شات وتيك توك، ويبثون ما يجول بخواطرهم دون النظر للاعتبارات الأخلاقية والاجتماعية، وليست لديهم القدرة الكافية من النضوج الفكري والثقافي ويقدمون محتوى غير لائق أو غير مفيد، وهدفهم فقط رفع عدد المشاهدين بدافع البحث عن الشهرة، وهذا النوع يحتمل إصابته بعزلة اجتماعية أو ما يسمى بالجوع الاجتماعي، لأنه غير مشبع اجتماعيا ويلجأ في الغالب إلى آراء غير متوافقة، ويتكلم عن خصوصيات من المفترض ألا يتطرق إليها، وهذا ناتج عن عوامل اجتماعية ونفسية تؤثر على شخصيته.

لا ينفصل حب الشهرة المرضي عن هوس التميز الاجتماعي النابع من عقدة نفسية سلوكية اجتماعية، وهي ظاهرة جذورها متأصلة في التكوين النفسي للفرد وقد تغذت بالتربية والمحيط الاجتماعي.

الطالبة المذكورة قامت بافتعال الواقعة رغبة منها في الظهور والشهرة بأوساط زملائها، إثر تناول المنصات الإعلامية لواقعة مشابهة بإحدى الجامعات الخاصة. وبعد اكتشاف أمرها قامت إدارة الجامعة بإحالة الواقعة للشؤون القانونية لاتخاذ الإجراءات التأديبية اللازمة.

 حين تتحول الشهرة إلى هوس حقيقي وتصبح حياة الشاب مرتبطة بالبحث عنها فقط، يدخل في حالة من الاكتئاب الشديد إذا لم يتحقق ما يسعى إليه، ففي أغلب الحالات يعقب الهوس حالات من الاكتئاب، وهذا ما يسمى باضطراب ثنائي القطب، عندها من المفضل استشارة أخصائي نفسي للتخفيف من حدة هوس الشهرة، والذي يدفع الشاب إلى أن يبني الكثير من الأحلام الواهمة التي لا علاقة لها بالواقع.

هوس الشهرة داء يفتك بأصحابه، كونه ينطلق من مبدأ حب الذات وتقديم كل ما قد يعتبره مناسبا له ومفيدا دون التفكير بشخص آخر أو متطلبات أخرى، ما قد يؤدي إلى خسارة الكثير من الناحيتين الاجتماعية والنفسية لأن هؤلاء الشباب يسعون لجذب الانتباه بكل الطرق، فيتحكم هوس الشهرة فيهم وتتضخم معها الأنانية ويخلقون لأنفسهم صورة غير واقعية وحياة مزيفة.

تغطية العيوب الداخلية وتعويض النقص، وسبيل يحصل منه الشاب على المال بأسهل الوسائل، وبلوغ بريق الأضواء والنظرة للآخرين بغرور، وكأنه صنع لنفسه هالة كبيرة بشقاء وتعب فيصبح إنسانا عاشقا للمدح والثناء.

فالتقليد الأعمى للمشاهير المصابين بهوس الشهرة من قبل الجيل الجديد يترتب عليه خلق جيل ضائع لا يفقه ما يقول أو يفعل.. جيل يفتقد الاجتهاد والعمل والطموح الحقيقي.. حيث تلوث أسماع وأبصار الجيل القادم بشباب طائش هوسهم حب الظهور ووصولهم إلى شهرة مزيفة”.

يعاني المشاهير أنفسهم من الاضطرابات الداخلية وعدم الاتزان أحيانا والمشكلات الأسرية في الطفولة، وقد اعترف العديد منهم بذلك، بل هناك من لجأ إلى مركز علاجي للأمراض النفسية والعصبية.

أصبحت أهداف حياتنا اليوم تعكس رغبتنا في امتلاك المزيد من الممتلكات، والحصول على المزيد من القوة، والشعور بمكانتنا ونُفُوذِنا، وكوننا مؤثرين وأصحاب سلطة بين مجتمعاتنا. ويتناقض هذا بشكل صارخ مع رغبتنا في تعزيز المجتمع وتنميته، والتعاون مع بعضنا البعض كما كان الأمر منذ بضعة عقود”.

وقد تخفي الرغبة في الشهرة إحباطا أو اضطرابا نفسيا غير مشخّص، كما تقدم الشهرة وعدا كذلك بالهروب من العزلة، سواء كان ذلك حقيقيا أو بصورة متخيلة.

*Nov 3, 2021

الإثارة من أجل الشهرة

ن لديه متابعون في وسائل التواصل الاجتماعي بمئات الآلاف أو الملايين أو يكون قائمة (الترند) في «تويتر» فيكون حديث المجالس ليسمع الناس ما يقول ويقرأوا ويتداولوا ما يكتب أو يصبح من المعلنين الذين يجنون الأموال الطائلة من خلال إعلانات وسائل التواصل والتي أصبحت بعض أسعارها خيالية. عبودية العصر اسمها كتاب سروش 

*

"الرأسماليين الجدد" كشكل جديد من أشكال الرأسمالية، يتميز بتصحيح تجاوزاته عن طريق تطبيق تدابير تحمي الرفاهية الاجتماعية، فتخيل أن تسوء الحال فنجد طبقة جديدة من الرأسماليين تتميز بتجاوزاتها التي تحقق التشوه الاجتماعي!

ولمَ لا، ونحن أمام طبقة من النجوم (صانعي المحتوى) على وسائل التواصل الاجتماعي، شغلوا واحتلوا المجال العام لا الواقع الافتراضي فحسب؛ فهم طبقة تصعد إلى أعلى قمة السلم الاجتماعي والاقتصادي، وتلمع على حساب كل القيم الاجتماعية، وتتكسب عبر تشويه الوعي الجمعي لأجيال كاملة، فأصبحوا "أهل القمة" الجدد.

نحن نتحدث الآن عن الآلاف من "صانعي المحتوى" ومستخدمي وسائل التواصل بمختلف مسمياتها ومحتوياتها، من "بلوغرز" و"يوتيوبرز" و"تيك توكرز"، وكل ما آخره (ز)، إما عن طريق تقديم محتوى ترفيهي فارغ، سمج في أغلبه، أو "تثقيفي" مجهّل مُغرض في معظمه.

فالواضح أن هذه القنوات تحقق عائداً مادياً معتبراً لأصحابها، حسب ما يبدو عليهم من تغيير في ظروفهم المادية وأساليب معيشتهم وسلوكهم في الإنفاق، وحسب ما نشرت وسائل إعلامية عديدة عن حجم عوائدهم المالية من قنواتهم وحساباتهم، والتي تقدر في معظم الأحوال بملايين الدولارات، كان آخرها تقرير صادر عن مجلة فوربس، عن عوائد قنوات صانعي المحتوى، على مستوى العالم، ذكرت فيه أن أفضل 10 نجوم على "يوتيوب" حصلوا معاً على 300 مليون دولار في عام 2021.

أما على الصعيد المحلي والإقليمي، فلا يخفى أن كثيراً من صانعي المحتوى العرب، قد مثلوا مؤخراً أمام القضاء بملاحقات قانونية وقضائية بشبهة تضخم الثروات وغسل الأموال، بالإضافة إلى أن بعض الدول العربية اتخذت إجراءات أخرى تجاههم كفرض الضرائب بنسب تتناسب مع دخولهم العالية إسوة بدول أجنبية كالولايات المتحدة التي فرضت ضرائب على منشئي المحتوى على "يوتيوب".

لا خلاف ولا اعتراض على الرزق وأسبابه ومشيئة مانحه وحكمته، بل إن من سلام النفس البشرية تمنّي منح الرزق إلى كل من يستحقه، وكل من يجتهد ويفيد ويضيف، أما في هذه الحالة فأين الاجتهاد؟ وأين الإفادة والإضافة؟

إذاً، نحن أمام ثروة متكدسة في يد مجموعة من الأفراد مُنِحوا هذه الثروة الهائلة في وقت قصير جداً، ودون بذل مجهود يذكر، وعبر عمل إذا تم تقدير قيمة مخرجاته، بمعايير الاقتصاد، فلن تزيد على صفر، في حين حقق هذا العمل عائداً كبيراً، عادة ما يُنفق في أدوات وسلع يتم استخدامها مرة أخرى في تطوير هذا العمل ذي القيمة صفر، كالرحلات السياحية والملابس والسيارات والمنازل وحتى ارتياد المطاعم والمقاهي الفاخرة، ومعظمها سلع استهلاكية وترفيهية، الأصل في الحصول عليها عندهم يهدف إلى استعراض فيديوهاتهم ذات المحتوى صفر مرة أخرى، كوسيلة من وسائل الترويج والتسويق لزيادة متابعيهم، وبالتالي زيادة ثرواتهم.

وبمعادلة اقتصادية بسيطة فإن زيادة الطلب على هذه الأدوات والخدمات والسلع تؤدي إلى تضخم أسعارها بنسب عالية جداً، للدرجة التي يصعب عليك أنت شخصياً كمتابع لهؤلاء الحصول عليها والتمتع بها، فنحن أمام كارثة اقتصادية حقيقية، وهي ما يعرف بالركود التضخمي، حيث لا نشاط اقتصادي حقيقي، ولا نمو اقتصادي يقابله ارتفاعات هائلة في الأسعار ناتجة عن عمل ليس له قيمة مضافة على الإطلاق.

ونحن نهنئك لأنك قد أصبحت مساهماً رئيساً في تأزيم الاقتصاد في بلدك، عبر تحقيق عوائد لعمل لم يحقق لك أي إضافة، ولم يشوّه وعيك وقيمك فقط، بل أدى إلى حرمانك من سلع وخدمات كان من الممكن أن تحصل عليها وتتمتع بها بثمن رخيص، وبمقابل مادي أقل، لولا متابعتك لهؤلاء، ولولا أنك "فان".





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق