*
«المؤثرون»... صناعة الصور غير الواقعية والتسويق الإلكتروني
كيف يمكن لمؤثر واحد أن يلفت أنظار الملايين لمؤسسة
بعد هذا الموقف على الفور، تراجع سهم شركة كوكاكولا العريقة من 56.10 دولار للسهم إلى 55.22 دولار، وانخفضت القيمة السوقية للشركة من 242 مليار دولار إلى 238 مليار دولار، ما يعني أن الشركة خسرت 4 مليارات دولار من قيمتها -بشكل مؤقت- عقب تصرّف سريع لنجم الكرة البرتغالية أمام الكاميرات لم يتجاوز عشر ثوانٍ.
مشاهير شبكات التواصل ساهموا في فرض أفكار وأنماط سلوكية غريبة على
الشباب.
السلوكيات غير مهمة مقابل الوصول إلى الشهرة
في السابق كانت الشهرة من نصيب أصحاب الإنجازات الكبرى فقط، الذين بذلوا جهودا كبيرة للوصول إلى أهدافهم، لكن اليوم ومع تحول المجتمعات إلى الرقمية وانتشار الشبكات الاجتماعية وتطبيقات الفيديو لم تعد هناك أهمية للإنجاز، وأصبحت الشهرة حلم غالبية الجيل الجديد، يسعون إليها بكل الطرق مهما كانت غريبة أو منبوذة.
ظهر محمد بقميص أبيض عليه صورته كُتب تحتها “محمد قمصان أقوى من السرطان” عام 2019، مشجعا غيره على مقاومة المرض، وحصل على الكثير من التكريمات في احتفاليات مختلفة، كما حصل على عدد من شهادات التقدير، وحضر اللقاءات التلفزيونية، وقد اكتسب هذه الشهرة من أجل معاناته مع المرض ورسائله التشجيعية، وابتسامته التي تظهر في صوره على صفحته التي استطاع توثيقها، ولكن بعد نحو عامين تبين أنه ادعى الإصابة بالمرض “من أجل الشهرة”.
كان الشاب المصري محمد قمصان ينشر صوره على صفحة أنشأها على فيسبوك، استطاع من خلالها كسب تعاطف نحو 70 ألف شخص، قبل أن يتبين زيف ادعاءاته ويصدم المتابعين. ورغم ذلك فإن الحادثة ليست غريبة بالنسبة لجيل مواقع التواصل الاجتماعي، حيث انتشرت ظاهرة البحث عن الشهرة بين الشباب مهما كلفهم الأمر من ضريبة تُدفع من سمعتهم وذواتهم، فقط من أجل الظهور! حتى لو تجاوزوا كل الحدود المرغوب وغير المرغوب فيها فقط للوصول إلى هذه الشهرة! * مثال الشاب البيطري الذي قام بعملية لدجاجه طلع الخبر اجنبي
ودفع قمصان ثمن الهوس بالشهرة، حيث استدعته الشرطة، فأكد عدم إصابته بالمرض وأنه ادعى الإصابة بالسرطان في مواقع التواصل الاجتماعي لتحقيق الشهرة والربح، ووجهت له تهمة إذاعة أخبار كاذبة واستعمال وسيلة غير شرعية للاستيلاء على الأموال.
يقول علماء الاجتماع إن الشهرة تلبي الحاجة إلى تحقيق الذات، حيث يسعى الشباب من خلالها للبحث عن ذواتهم وتحقيقها، من خلال استثمار قدراتهم ومهاراتهم ليحققوا من خلالها أكبر قدر ممكن من الإنجازات في المجالات التي تتصل بميولهم واهتماماتهم، لكن المشكلة تنشأ عند عدم وجود مواهب وإنجازات حقيقية، فيلجأ البعض إلى الطرق الملتوية والاحتيال أو سلوكيات منحرفة للوصول إلى الشهرة.
يعتبر علم النفس أن لفت الانتباه حاجة نفسية غريزية لا تختلف عن الحاجات البيولوجية الجسدية والحاجات العاطفية والاجتماعية، ولكن إذا أصبحت الرغبة جامحة في حب الظهور أخذت منحى مرضيا.
ليس بالضرورة أن كل من يدعي المرض يكون من أجل الشهرة، فقد يكون من أجل كسب تعاطف وشفقة الجمهور، لأنه غالبا ما يكون لديه إحساس بالنقص.
مرضى الشهرة مختلفون بين من يعاني أمراضا نفسية، وهي عدم الثقة بالنفس والإحساس بالعجز وشهوة الشهرة، وبين من يسعى إلى القفز على الفوارق الطبقية الاقتصادية والاجتماعية بين العامة والمشاهير، وتلبية الشعور بالاحتياج دائما إلى الأموال.
“هرم ماسلو”، الحاجات الأساسية للفرد ضمن خمسة مستويات، بدأها بالحاجات الفسيولوجية، وحاجات الأمان، والحاجات الاجتماعية، والحاجة إلى التقدير، وأخيرا الحاجة إلى تحقيق الذات.
تلك الحاجات غير المشبعة قد تسبب توترا عند الفرد، فيسعى للبحث عن إشباع تلك الحاجات.
تقترن حاجات تحقيق الذات اقترانا وثيقا بالسعي وراء الشهرة وحب الظهور، وذلك خلافا للشهرة التي اكتسبها المشاهير بشكل آلي كالانتماء إلى عائلة عريقة أو ملكية، أو ثروات طائلة أو إنجاز مهني كبير في المجالات العلمية أو الرياضية.
في السابق كانت الشهرة الواسعة من نصيب أصحاب الإنجازات الكبرى فقط، من العلماء الذين تدرّس اختراعاتهم في الكتب، ومن خلال المقابلات التلفزيونية، أو الشهرة التي يكتسبها الرياضيون وتحديدا في الأندية العالمية، أو عارضات الأزياء، ونجوم الصف الأول من الفنانيين، أما اليوم فالشهرة العالمية باتت حلما تحقق لأناس عاديين ولأطفال وأشخاص من كافة التخصصات، وحتى أن البعض كانوا عاطلين عن العمل، إلا أنهم يمتلكون حسّ الدعابة والمرح، فأصبحوا من المشاهير ولديهم متابعون، وباتوا يعدون من المؤثرين في مجتمعاتهم بسبب الشبكات الاجتماعية.
قامت مواقع التواصل بمختلف أنواعها بدور سلبي في هذا الشأن، إذ أصبحت الشهرة حلم غالبية الجيل الجديد يسعون إليها بكل الطرق، متأثرين بالمشاهير الذين ساهموا بفرض أفكار وأنماط سلوكية غريبة على الشباب، وقد اقتحمت مصطلحات المشاهير وعاداتهم السلوكية الجيل الجديد، إلى درجة أن الحسابات الشخصية للمشاهير تحولت إلى مراكز إعلامية ناجحة رغم كل الاعتراضات والانتقادات التي تُوجّه إليها!
يبدأ الشباب رحلة من التنازلات منذ السعي لإثارة ضجة إعلامية واهية، والظهور بصورة مغايرة لحقيقتهم، عبر مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، ولاسيما تطبيق تيك توك الأكثر شعبية اليوم بين الشباب والمراهقين بشكل خاص، مستفيدين من سهولة إيصال أي فكرة يؤيدونها وبأسرع وقت ممكن، فبعضهم من خلال مقطع فيديو استطاعوا تحقيق انتشار واسع بعد تداوله بسرعة قياسية ومشاركته مع عدد كبير من المتابعين، ما فتح آفاق الشهرة على مصراعيها، وأغرى الكثير من الشباب المتابعين بالسير على نفس الخطى للوصول إلى الشهرة.
يعتبر أخصائيون اجتماعيون أن هناك فئة من الشباب يبحثون عن الشهرة في سناب شات وتيك توك، ويبثون ما يجول بخواطرهم دون النظر للاعتبارات الأخلاقية والاجتماعية، وليست لديهم القدرة الكافية من النضوج الفكري والثقافي ويقدمون محتوى غير لائق أو غير مفيد، وهدفهم فقط رفع عدد المشاهدين بدافع البحث عن الشهرة، وهذا النوع يحتمل إصابته بعزلة اجتماعية أو ما يسمى بالجوع الاجتماعي، لأنه غير مشبع اجتماعيا ويلجأ في الغالب إلى آراء غير متوافقة، ويتكلم عن خصوصيات من المفترض ألا يتطرق إليها، وهذا ناتج عن عوامل اجتماعية ونفسية تؤثر على شخصيته.
لا ينفصل حب الشهرة المرضي عن هوس التميز الاجتماعي النابع من عقدة نفسية سلوكية اجتماعية، وهي ظاهرة جذورها متأصلة في التكوين النفسي للفرد وقد تغذت بالتربية والمحيط الاجتماعي.
الطالبة المذكورة قامت بافتعال الواقعة رغبة منها في الظهور والشهرة بأوساط زملائها، إثر تناول المنصات الإعلامية لواقعة مشابهة بإحدى الجامعات الخاصة. وبعد اكتشاف أمرها قامت إدارة الجامعة بإحالة الواقعة للشؤون القانونية لاتخاذ الإجراءات التأديبية اللازمة.
حين تتحول الشهرة إلى هوس حقيقي وتصبح حياة الشاب مرتبطة بالبحث عنها فقط، يدخل في حالة من الاكتئاب الشديد إذا لم يتحقق ما يسعى إليه، ففي أغلب الحالات يعقب الهوس حالات من الاكتئاب، وهذا ما يسمى باضطراب ثنائي القطب، عندها من المفضل استشارة أخصائي نفسي للتخفيف من حدة هوس الشهرة، والذي يدفع الشاب إلى أن يبني الكثير من الأحلام الواهمة التي لا علاقة لها بالواقع.
هوس الشهرة داء يفتك بأصحابه، كونه ينطلق من مبدأ حب الذات وتقديم كل ما قد يعتبره مناسبا له ومفيدا دون التفكير بشخص آخر أو متطلبات أخرى، ما قد يؤدي إلى خسارة الكثير من الناحيتين الاجتماعية والنفسية لأن هؤلاء الشباب يسعون لجذب الانتباه بكل الطرق، فيتحكم هوس الشهرة فيهم وتتضخم معها الأنانية ويخلقون لأنفسهم صورة غير واقعية وحياة مزيفة.
تغطية العيوب الداخلية وتعويض النقص، وسبيل يحصل منه الشاب على المال بأسهل الوسائل، وبلوغ بريق الأضواء والنظرة للآخرين بغرور، وكأنه صنع لنفسه هالة كبيرة بشقاء وتعب فيصبح إنسانا عاشقا للمدح والثناء.
فالتقليد الأعمى للمشاهير المصابين بهوس الشهرة من قبل الجيل الجديد يترتب عليه خلق جيل ضائع لا يفقه ما يقول أو يفعل.. جيل يفتقد الاجتهاد والعمل والطموح الحقيقي.. حيث تلوث أسماع وأبصار الجيل القادم بشباب طائش هوسهم حب الظهور ووصولهم إلى شهرة مزيفة”.
يعاني المشاهير أنفسهم من الاضطرابات الداخلية وعدم الاتزان أحيانا والمشكلات الأسرية في الطفولة، وقد اعترف العديد منهم بذلك، بل هناك من لجأ إلى مركز علاجي للأمراض النفسية والعصبية.
أصبحت أهداف حياتنا اليوم تعكس رغبتنا في امتلاك المزيد من الممتلكات، والحصول على المزيد من القوة، والشعور بمكانتنا ونُفُوذِنا، وكوننا مؤثرين وأصحاب سلطة بين مجتمعاتنا. ويتناقض هذا بشكل صارخ مع رغبتنا في تعزيز المجتمع وتنميته، والتعاون مع بعضنا البعض كما كان الأمر منذ بضعة عقود”.
وقد تخفي الرغبة في الشهرة إحباطا أو اضطرابا نفسيا غير مشخّص، كما تقدم الشهرة وعدا كذلك بالهروب من العزلة، سواء كان ذلك حقيقيا أو بصورة متخيلة.
*Nov 3, 2021
الإثارة من أجل الشهرة
ن لديه متابعون في وسائل التواصل الاجتماعي بمئات الآلاف أو الملايين أو يكون قائمة (الترند) في «تويتر» فيكون حديث المجالس ليسمع الناس ما يقول ويقرأوا ويتداولوا ما يكتب أو يصبح من المعلنين الذين يجنون الأموال الطائلة من خلال إعلانات وسائل التواصل والتي أصبحت بعض أسعارها خيالية. عبودية العصر اسمها كتاب سروش
*
"الرأسماليين الجدد" كشكل جديد من أشكال الرأسمالية، يتميز بتصحيح تجاوزاته عن طريق تطبيق تدابير تحمي الرفاهية الاجتماعية، فتخيل أن تسوء الحال فنجد طبقة جديدة من الرأسماليين تتميز بتجاوزاتها التي تحقق التشوه الاجتماعي!
ولمَ لا، ونحن أمام طبقة من النجوم (صانعي المحتوى) على وسائل التواصل الاجتماعي، شغلوا واحتلوا المجال العام لا الواقع الافتراضي فحسب؛ فهم طبقة تصعد إلى أعلى قمة السلم الاجتماعي والاقتصادي، وتلمع على حساب كل القيم الاجتماعية، وتتكسب عبر تشويه الوعي الجمعي لأجيال كاملة، فأصبحوا "أهل القمة" الجدد.
نحن نتحدث الآن عن الآلاف من "صانعي المحتوى" ومستخدمي وسائل التواصل بمختلف مسمياتها ومحتوياتها، من "بلوغرز" و"يوتيوبرز" و"تيك توكرز"، وكل ما آخره (ز)، إما عن طريق تقديم محتوى ترفيهي فارغ، سمج في أغلبه، أو "تثقيفي" مجهّل مُغرض في معظمه.
فالواضح أن هذه القنوات تحقق عائداً مادياً معتبراً لأصحابها، حسب ما يبدو عليهم من تغيير في ظروفهم المادية وأساليب معيشتهم وسلوكهم في الإنفاق، وحسب ما نشرت وسائل إعلامية عديدة عن حجم عوائدهم المالية من
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق