الخميس، 31 مارس 2022

محاكاة النص القرآني سورة كورنا

May 14, 2020

امنة حيدر تلاوة مطربة سودانية القرآن في حفل تأبين محمود محمد طه
*

فيروس كورونا تدوينة عن الوباء تجدد الجدل حول محاكاة النص القرآني

أثارت إحالة الشابة التونسية، آمنة الشرقي للتحقيق لنشرها تدوينة تحاكي نصا قرآنيًا ، الجدل حول الحد الفاصل بين حرية التعبير والمعتقد وازدراء الأديان.

ثمة من رأى في نص التدوينة اقتباسا لغويا مقبولا وثمة من اعتبرها استهانة بعقيدة أغلبية الشعب.

نماذج لمحاكاة النص القرآني

تشيد الباحثة التونسية، رجاء بن سلامة، بشجاعة آمنة الشرقي وتمسكها برأيها رغم ما تلقته من انتقادات.
وتقول من غير المقبول ملاحقة شخص بسبب نص ساخر تناقله الكثيرون عبر مواقع التواصل، فحرية الضمير لا تتجزأ، والدستور يكفل لنا ذلك الحق، لذا علينا الدفاع عن حقوق الإنسان الأساسية ودعم آمنة
ورسالة الغفران عبارة عن رسالة يصف فيها المعري أحوال الناس في الجنة وفي الجحيم.
وينقد المعري في كتابه معتقدات معينة ويسخر من الواقع الاجتماعي والسياسي السائد آنذاك.كما وجه سهام النقد إلى فكرة "صكوك الغفران"، ومن سماهم بشعراء المال الموالين للحكام، فيصور مآلهم في الآخرة وهم مقيدون بالسلاسل.
وفي السياق ذاته،يستدل المدافعون عن الشابة التونسية بفيديو قديم للداعية السعودي محمد العريفي يتلو فيه جملا أطلق عليها فيما بعد سورة التفاح
وقد تعرض العريفي آنذاك لعاصفة من الانتقادات واتهامات بالاستهزاء بالقرآن
اضطر العريفي حينها إلى الرد على الانتقادات، مبينا أنه 'كان في محاضرة عن عظمة القرآن حضرها أشخاص من جنسيات غربية غير مسلمة.
وحاول وقتها إيضاح الفرق بين كلام القرآن وكلام البشر، فقرأ لهم جملة من وحي الخيال ورتلها عليهم.
وإضافة للمعري، هناك أمثلة عديدة على محاكاة النص القرآني في الأدب العربي.
يدرج فريق من الشعراء والكتاب تلك النصوص ضمن الاستعارات الأدبية التي تهدف لنقد الوضع السياسي والاجتماعي، في حين يتهم آخرون صاحبها بالزندقة.
يرى كثيرون أن تلك الاقتباسات أو المحاكاة لا تنقص من إيمان الأشخاص بقدر ما تعبر عن فخرهم واحتفائهم بأسلوب النص القرآني وبلاغته و جمال عباراته وسجعها، بينما يرى آخرون فيها تقليدا ساخرا من النص المقدس ويطالبون بمعاقبة أصحابها.

'نقاش محكوم بخلفية أيديولوجية'

لطالما كان الحديث عن الحد الفاصل بين ازدراء الأديان وحرية التعبير مثار جدل بين علماء الدين والحقوقيين، بدءا من إشكالية تعريف المصطلح وتحديد دلالاته، انتهاء بحيثيات بنود القانون المتعلقة به.
الرافضون لتهم ازدراء الأديان يصفونه بالمصطلح الفضفاض ويخشون من أن تؤدي تلك القوانين إلى الحجر على العقول والنقاش الحر.
في حين يرى آخرون أن الهدف من سن قوانين تجرم ازدراء الأديان هو المحافظة على السلم الاجتماعي وحماية مقدسات الآخر "تحافظ على شعور الأقليات الدينية بالأمان".
وينطلق الباحث في علم الاجتماع، سامي براهم، من ذلك الطرح، فيقول في حوار معنا: "الدستور يحمل المعنيين، معنى حرية الضمير وحماية المقدسات. هناك من اعتبر ما وقع تنزيله، من نص في إطار بصري يحمل شكل آيات مرقمة، نوعا من الاستفزاز للشعور الديني، خاصة أنه صاحبه تنزيل عدد من نصوص أخرى نسجت على منوال صفحات من المصحف".
ويكمل: "لا يمكن اعتبار النص الذي نشرته الشابة التونسية محاكاة أدبية قياسا على ما كتبه كتاب أدباء كبار على غرار المعري وطه حسين" مضيفا: "القضية لا تتعلق في النص في حد ذاته فإذا نُشرت التدوينة دون وضعها في شكل صفحة من المصحف لما أثارت هذا الجدل".
ويرفض براهم حسم الجدل الدائر حول التدوينة بالتجريم القانوني بل يدعو إلى تحييد القضاء وتنظيم نقاش عمومي مفتوح للوصول إلى حد من التعاقد بين ما يعتبر ازدراء للأديان وما يعتبر سخرية نقدية.
ويتابع: "هذا النقاش العمومي غير موجود في تونس اليوم، إذ تغلب عليه التجاذبات السياسية والإيديولوجية أكثر من الأهداف المعرفية
بدل تقديس الحريّة وتدنيس الدّين
ليس كلّ ناقدي الأديان والمزدرين له والسّاخرين من رموزه وأعلامه ومعتقداته أصحاب رؤية وتصوّر وفكر ومشروع إصلاح وتنوير وتجديد وتثوير للأديان ، بل كثير منهم طالبوا شهرة أو معبّرون عن مواقف سياسيّة وأيديولوجيّة لا تعبّر عن مضمون معرفي سوى كليشيات ممجوجة،
نفي القداسة عن الدّين وسحبها على الحريّة لا يغيّر من الوضع المأزوم للمقدّس المسيّس الذي يتمّ إقحامه في إدارة الشّأن العامّ، هي فقط عمليّة تحويل لنفس براديغم * الاطار الفكري * سلطة المقدّس من إكليروس * النظام الكهنوتي الخاص بالكنائس المسيحية * الدّين إلى إكليروس العلمنة
تكريم الحريّة وإحاطتها بضوابط لا تمسّ من أصلها ليس استهدافا لها بل تكريم وتنزيل لها في الموقع الذي تستحقّه في إدارة الشّأن العامّ وبناء الانتظام المدني والعمران البشري في زمن المدنيّة والحداثة الكونيّة المنفتحة على كسب الشّعوب والحضارات وثقافات الأمم
استبدال مقدّس بمقدّس هو إعادة إنتاج للمقدّس في بعده السلطويّ القهريّ الوثوقيّ ، الأنسنة والتعايش واحترام الرموز والمعالم والقيم الاعتباريّة للمختلف هي السبيل لبناء السلم الأهلي الدّائم والمدنيّة،
أخيرا تبنى إدارة الشّأن العام على التعاقد لا على القداسة مهما كانت مرجعيتها

 خلاصة مختلفة تكون فيها الحرية مقدسة

 سخرية من القرآن أكثر منها محاكاة له، والمحاكاة فنّ أدبي وليس "هزؤا" (خاصة مع ذكر صدق جيلو العظيم)، مثلها مثل التخييل والتناص والاقتباس ووو..

 فكتبت: "أنا لم أسئ لأحد. الصورة التي نشرتها لا تعد تحريفا للقرآن، فلم تتضمن كلاما من القرآن ولا اسم الله".

وتعد السخرية لدى آمنة أداة مشروعة للنقد، فالأديان بالنسبة لها مثلها مثل جميع الأفكار والأيديولوجيات قابلة للنقاش.

نشرت تلك الصورة وعبرت عن أفكاري بشخصية مكشوفة، لأننا نعيش في دولة تضمن حرية التعبير عن الرأي والمعتقد".

وتستدرك: "لم أتوقع كل هذا الهجوم والتهديد، أغلب معارفي ملحدون، وبعض المتدنيين يقبلوننا بأفكارنا دون إقصاء، ويحاورونا باحترام".

وتضيف: "تفاجأت باستدعائي للتحقيق وبطريقة اعتبرتها رجعية ولا تستند لروح القانون. فقد تم استجوابي من قبل سبعة ممثلين للنيابة العمومية، حيث وجهوا لي تهم ممارسة العنف والإساءة للدين، وهنا أتساءل كيف يمكن أن تكون تلك التدوينة عنيفة؟".

وتفضل آمنة إدارة حياتها عبر القوانين الوضعية دون الحاجة إلى تقاليد موحدة تفرض عليها مناهج الحياة، مشيرة إلى أن "الحل يكمن في إرساء دولة علمانية تكفل حقوق المتدين والاديني دون أي تمييز".

لذا تدعو الشابة إلى ضرورة تعديل بعض القوانين، التي ترى أنها تمس من الحريات الفردية، بأخرى تدعم التجربة الديمقراطية وترسخ ثقافة القبول بالآخر.

"حق مشروع" أم "ازدراء للدين"؟


أعادت القضية النقاش حول الحد الفاصل بين حرية التعبير وازدراء الأديان. كما جددت الخلافات حول تأويل الفصل السادس من الدستور التونسي المتعلق بالأساس بحماية المقدسات وحرية الضمير ومنع دعوات التكفير.
فقد وصف نشطاء ما قامت به الشابة، بـ "العمل المستفز والمشين".
بينما حذر آخرون من عودة البلاد إلى مربع الاستقطاب الفكري والإيديولوجي واتهموا جهات معينة بافتعال القضية لإلهاء الشعب بمسائل جانبية.
الاستفزاز و التعدي على مقدسات الآخرين ليس من حرية التعبير في شيء... لا بدّ أن نراعي قواسم العيش المشترك و الأّ فإننا سنهدم المعبد على رؤوس الجميع.
الدولة ملزمة بحماية المقدسات و منع النيل منها ،كما هي ملزمة بمنع دعوات التكفير و التحريض على الكراهية (الفصل السادس من الدستور).
فعلق أحدهم: يعتبرون المس من المقدسات الدينية حرية تعبير بينما ينكرون حق من لا يشبههم في ارتداء وانتقاد ما يريده".
هذا الاستنكار والاتهامات الموجهة للفتاة بتحريف القرآن يتصدى له بعض المدافعين عن السخرية واستعمال النكات، إذ يرون أن حرية التعبير لا يمكن أن تتحقق من دون إعطاء الناس الحق لاستفزاز الأفكار السائدة والمغلوطة، حسب قولهم.
ويرى هؤلاء أن تهمة ازدراء الأديان هي "سلاح موجه ضد العقل وحرية التفكير لصالح سلطة رجال الدين".
لذا يطالبون بإلغاء التهمة أسوة ببعض الدول الأوروبية ورفع الوصاية عن ضمائر الناس.
كما انبرى العديد من الحقوقيون في الدفاع عن آمنة وعبروا عن استغرابهم من إيلاء كل هذه الأهمية لنص المنشور بدلا من ملاحقة المحرضين على العنف والقتل.
الفت يوسف 
بكل المقاييس، استدعاء الشرطة لمواطنة تونسية نشرت نصا تذكّر صيغته ببعض ما في القران، هو استدعاء مضحك، لكنه ضحك كالبكاء

أولًا، تاريخ العرب يعج بتوظيف أسلوب القرآن، وهذه بلاغة لغوية متداولة بين الكتاب القدامى والمحدثين دون أي إشكال ولعل أقرب الكتاب المحدثين إلينا هو المسعدي الذي اطنب في ذلك في مسرحية الس فهل غفل النظام البورقيبي "العلماني الفاسد" عن الزج بالمسعدي في السجن؟ 

ثانيا، حتى من المنظور الفقهي المنغلق، وإذا افترضنا ان الفتاة تستهزئ، وذاك حقها، فإن صريح القرآن (الذين يدافعون عنه أو يتوهمون) يؤكد أن "إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره"...لم يطلب أحد لا سجن الناس ولا الاعتداء عليهم.

ثالثًا، من منظور فلسفي، المعتقد لا يمكن أن يعتدى عليه...وهو المجال الجوهري للحرية، يمكن ان تؤمن بما تشاء كما تشاء...وحتى ان أحرقوك وسحلوك وذبحوك، وبعضهم يفعل، فلن يمكنهم الولوج إلى مجال الحرية فيك...ذاك جوهرك، لا يبدله أحد ولا يعتدي عليه أحد...لان لا أحد له عليه سلطان الا نفسك...

رابعًا، من منظور نفسي، المنزعجون من الموقف أو الوجود أو التعامل المختلف هم أضعف الناس إيمانا، مهما يكن ما يؤمنون به. انهم اذ يرون إمكانًا مختلفًا يفزعون من إمكان خطإ تمثلاتهم، ولا يطمئنهم الا أن يكون الناس جميعًا منمطين متشابهين، ولن يطمئنوا لأن الكون هو الاختلاف، بل أساس الخلق هو الاختلاف، "ولذلك خلقهم"...

خامسا، من منظور اجتماعي، في واقع الأمر لا احد تعنيه معتقدات الناس ومواقفهم، المهم في هذه البلاد أن لا يعبر عنها..المهم أن لا تخرج إلى العلن...المهم أن نحافظ على وهم النمط الوحيد الوهمي، نحن شعب عربي مسلم، ذكوري باطرياركي، غيري، إسلامه معتدل (اعتدال يتلون حسب القائمين على الحكم) إلخ...نحن بلد النفاق بامتياز...

خامسا، من منظور سياسي، تدخّل السلطة في مسائل الضمير والتعبير يفتح الباب على مصراعيه للتأويل والزج بالناس في السجون بسبب ودون سبب، فالشرعية السياسية هي أيضا مقدسة لدى البعض، أليس أنها تدعوهم الى تهديد المحتجين السلميين بالإعدام؟

فهل نحن اليوم بإزاء تفعيل القوانين لإلجام الأفواه أم أن "كمامات" الكورونا تكفي؟
واعتبرت الناطقة الرسمية السابقة في رئاسة الجمهورية أن ما نشرته المدونة هو "أسلوب أدبي يعرف بالمحاكاة الساخرة".
************

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق