Jan 17, 2022
تحريم الاستبداد والسلطوية وتجريمهما، بل، في أحيان كثيرة، وفي كتب الفقه والتراث الإسلامي، وفي الفلسفة السياسية وغيرها، النظرية التي سادت وانتشرت والثقافة التي هيمنت علينا هي ثقافة القبول بالاستبداد وسلطة المتغلّب وحكم القوي، وتفضيل الأمن والاستقرار والوحدة على الحرية، والشوكة على أهل الحلّ والعقد والعصبية على دعوات التغيير السلمية. وبالتالي، لم تتعزّز ثقافة مجتمعية حقوقية وسياسية تقوم على مراجعة جديّة لهذا التراث السياسي والميراث الشعوري.
أسلحة "السوشيال ميديا"، التي كانت أقوى من العصي والهراوات والمعتقلات والدبابات، وهدم جداراً تاريخياً ورمزياً أهم بكثير من جدار برلين، بل من سور الصين العظيم، وهو جدار الخوف، وكسر نظرياتٍ أكثر تجذّراً من نظريات الجاذبية، وهي نظريات الاستثناء العربي من الديمقراطية،
سقط الدكتاتوريون والمستبدّون وهزم الناس مخاوفهم وخرجوا إلى الشوارع، وما تزال سياسات الشارع (على حد تعبير آصف بيات) هي التي تحكم الجيل الشاب الجديد، لكن هل فعلاً الزعماء هم رأس الأفعى، أم بنى الاستبداد المجتمعية والسياسية هي الرأس والحكّام هم الذيل؟
ربط هوبز باوم، مثلاً، التطور الديمقراطي الغربي بالتحولات الاقتصادية الكبرى، والدخول إلى عصر الصناعة والحراك الاجتماعي الذي أدّى إلى ولادة مصالح جديدة على حساب المصالح السابقة، وهي حالةٌ تمكن معاينتها بصورة مختلفة في العالم العربي، من خلال دور الطبقة الوسطى والشباب المعولم والمثقف، لكن العملية لم تستمر إلى النهاية المطلوبة؛ لأنّ القوى السياسية التي تشكلت في مرحلة الاستبداد، وكانت تمثل المعارضة هي التي قادت المرحلة الجديدة، وربما بمفاهيم قديمة، ولأنّ فشل الدولة في بناء المشروعات التنموية التي تقوم على الاعتراف بالتعدّدية في إطار مصالح مشتركة، واستبدال ذلك بتذويب الجميع بهوية معينة، أدّى إلى صعود الهويات الفرعية الأولية وانفجارها بمجرد انهيار النظام البوليسي؟!
*
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق