الأحد، 13 مارس 2022

كيف نفهم الإنترنت بوصفه انعكاسا لسلطة رأس المال *الخوارزميات************

Aug 25, 2021

 السيطرة الحكوميّة على الإنترنت سيّئة، الإنترنت عالم آخر لا تنطبق عليه القواعد القديمة، الإنترنت مكان تتجلى فيه الحرية الفرديّة، وهذه الحريّة بالأساس هي حريّة المرء في التعبير عن نفسه.

 إذا لم تكن الرأسمالية هي الأسواقَ فقط، فما هي؟

الأسواق موجودة منذ القديم، أما الرأسمالية فشيء حديث نسبيا، فقد ظهرت مبادئ حركة الرأسمالية أوّل ما ظهرت في أوروبا في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، ولكنّها لم تصل إلى طور الانطلاق الكامل إلا مع الثورة الصناعية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.

فالتراكم هو غاية أيّ تنظيم رأسمالي؛ أن تستخرج قيمة إضافيّة من مجموع القيمة الذي بحوزتك. إنّ ما يجعل الرأسمالية متذبذبة متقلبة ليس الأسواق، بل التراكم. لنعبّر عن الأمر بأسلوب ماركسيّ: رأس المال هو القيمة متحرّكة، فكلّما تحرّك رأس المال، توسّع وازداد. إنّ الرأسمالية إذن هي طريقة في تنظيم المجتمعات الإنسانيّة بهدف جعل رأس المال يتحرّك.

ثمّة طرائق عدّة لجعل رأس المال يتحرّك. الطريقة الرئيسيّة لأصحاب رؤوس الأموال هي شراء القوّة العاملة للناس، واستعمالها لإنتاج قيمة جديدة على هيئة سلع، ثمّ استخراج قيمتها عبر بيعها والحصول على الربح. بعد ذلك، يُعاد استثمار جزء من المردود في توسيع عملية الإنتاج، ليتسنّى لصاحب المال إنتاج المزيد من السلع بتكلفة إنتاج أقلّ، مما يتيح له منافسة المنتجين الآخرين للسلعة نفسها بكفاءة أعلى.

 الرأسمالية في حقيقة الأمر هي طريقة مخصوصة في القيام بهذه العمليّة. لو فكّرنا بأنماط التنظيم الاجتماعي الأخرى، فإنّنا سنجد أنّ هدف الإنتاج كان غالبا تلبية احتياجات الناس، فالفلاح البسيط يزرع ما يتغذّى به هو وعائلته. وأحيانا يكون هدف الإنتاج هو جعل الحكّام أكثر ثراء، فالعبيد في روما القديمة كانوا يقومون بأقذر الأعمال ليتسنّى لرجال البلاط الإمبراطوري أن يستأثروا بألوان الرفاه والمتع.

إنّ ما يجعل الرأسمالية ظاهرة غير معتادة هو أنّ الإنتاج (والتراكم) لا يهدف فيها إلى أيّ شيء بعينه، ولا يبتغي إلا أن يسمح بالمزيد من الإنتاج والمزيد من التراكم. يمنح هذا الهوس الرأسماليةَ درجة فائقة من الحركيّة والديناميكية، ويمنحها قوّتها الثوريّة. فلا شكّ أنّ الرأسماليّة قد غيّرت الحياة البشريّة تغيّرا هائلا، وغيّرت -وهذا ما يهمّنا- طريقتنا في الإنتاج. لقد أجبرت الرأسمالية البشرَ على الإنتاج معا، في مجموعات وتشكيلات عمل وشغل متزايدة التعقيد. لم يعد الإنتاج أمرا يقوم به العامل لوحده، لقد بات أمرا اجتماعيّا.

في أوروبا ما قبل الرأسمالية، كان يُمكن لشخص واحد، أو لمجموعة أشخاص، أن يُنتجوا شيئا أو سلعة بالمعنى الكامل للكلمة. ولكنّ الحال اختلفت مع المصانع الرأسمالية، فـ "خيوط الغزل، والقماش، والسلع المعدنيّة التي تخرج من المصانع كانت عملا مشتركا لعدد كبير من العمّال، قام كلٌّ منهم بدور صغير في تجهيز السلعة". ولكن، يقول لنا إنجلز: "لا أحد منهم يُمكنه أن يقول: أنا صنعت هذا، أو: هذه من إنتاجي!".

ولكنّ المفارقة التي تحكم الرأسماليّة تكمن هنا تحديدا. ليس لأيّ عامل أن ينسب لنفسه الفضل في الإنتاج، غير أنّ مالك المصنع ينسب لنفسه وحدة ملكيّة كلّ ما ينتج العمال في عملهم المشترك. لقد باتت الثروة تتشكّل بمشاركة اجتماعيّة، وفق النموذج الجديد، ولكنّها لا تزال تُملك فرديا لشخص، وفق النموذج القديم.

سيبدو هذا التناقض أكثر حِدَّة عندما ننظر إلى الصورة الكبرى ونأخذ حركة الاقتصاد كلّها بعين الاعتبار. فمهما كان عدد العمال المطلوبين لتشغيل معمل القطن في مانشستر، فإنّ العدد المطلوب لجعل عمل المصنع ممكنا لا بدّ أن يكون أكبر بكثير: صانعو الآلات، المسؤولون عن توفير الطاقة للآلات، العبيد الذين يقطفون القطن في الجنوب الأميركي لتغذية الآلات، إلخ. إنّ العمل الجمعي القائم داخل المشغل لا يتمّ إلا لأنّه مركز لدوائر عدّة من العمل الجمعي خارج المشغل.

كان الاقتصاد ما قبل الرأسمالي يضمّ مجموعات من المنتجين الصغار الذين يعمل كلّ واحد منهم بمعزل عن الآخر، ويُنتجون ما يُنتجونه للاستعمال الشخصي.

 في المقابل، يبدو الاقتصاد الرأسمالي أشبه ما يكون بالشبكة، فشبكة رأس المال تركّز جموع البشر في عُقَد الإنتاج الكبرى، وتصل بينهم عبر عدد لا يُحصى من خيوط الاعتماد المتبادل. ولكنّ الثروة التي تُنتجها هذه الشبكة لا تُوزَّع على العاملين الكُثر الذين أسهموا جميعا في إنتاجها، بل تُوزَّع على القلّة التي تمتلك هذه الشبكة: إنّهم أصحاب رؤوس الأموال.

قبل الرأسمالية، عندما كان الإنتاج يتمّ على مستويات أصغر تنحصر في فرد أو مجموعة أفراد، كان تنظيم الملكية بهذه الطريقة أمرا معقولا. فإذا كان الاقتصاد مجموعة من الجزر المنفصلة، فمن المنطقيّ أن تملك كلّ جزيرة ما تُنتجه. ولكنّ الرأسماليّة، بما أحدثته من ثورة في الإنتاج، قد أدخلت تناقضا كبيرا إلى المعادلة: لقد باتت الثروة الآن تُنتج وفق نموذج الشبكة، ولكنّها لا تزال تُملك وفق نموذج الأرخبيل. أصبح أصحاب رؤوس الأموال من أمثال والد إنجلز أثرياء، أما عمّال مانشستر فظلّوا يتقاضون أجورا تكاد لا تكفي لسدّ حاجاتهم الأساسيّة في أحياء فقيرة تنهشها الكوليرا!

ما علاقة ذلك بالإنترنت؟

إنّ الانترنت، ومجموعة التطوّرات التكنولوجيّة الرقميّة التي نطلق عليه "التقنية" (tech) بالعموم، يُضاعِف من هذا التناقض العميق في الرأسمالية بين كون الثروة مُنتَجة بفعل جماعيّ ومُملوكة بعد ذلك لأفراد. إنّ التقنية تُضاعِف من أثر نموذج مانشستر أضعافا مضاعفة، فهي تزيد من جماعيّة عملية إنتاج الثروة بطريقة غير مسبوقة، وتراكم ثروات جديدة بفعل ذلك، ولكنّ الثروات في نهاية المطاف تظلّ في أيدي قلّة قليلة من المُلّاك، تماما مثلما كان عليه الحال أيام إنجلز.

من الصعب أن نتخيّل شكلا من نموذج مانشستر أكثر تناقضا من أن يحكم ملياردير واحد شبكة اجتماعيّة تضمّ أكثر من ملياري شخص. لقد أصبحت شبكة رأس المال بيد القلّة على نحو أكثر تركُّزا مما كان إنجلز يتخيّل بكثير

إنّ القول إنّ شركة فيسبوك لا تضمّ إلا عددا قليلا من العاملين بالنسبة إلى ما تقوم به لا يعني أنّ العمل الذي يقوم به هؤلاء العاملون متواضع الأهميّة. فمديرو المحتوى، وفنيو مراكز البيانات، ومهندسو الموقع، وغيرهم من العاملين، هم مَن يحافظون على سير العمل ويصونونه من الانهيار. ولكنّ عملهم الجمعيّ يعتمد في النهاية -كما هو الحال عند العاملين في مصنع والد إنجلز- على العديد من دوائر العمل الجماعي خارج فيسبوك، والحال أنّ قيمة مساهمة هذه المصادر الخارجيّة، في حالة فيسبوك أو غيرها من شركات التقنية، هائلة وواسعة جدا.

من هذه المصادر العمّالُ الذين يُصنِّعون البرمجيات والمعدّات ويرتبون البروتوكولات ويُبرمجون اللغات التي تُشكِّل الأساس الذي تنهض عليه صناعة التقنية. وقد تطوّرت هذه الصناعات الرديفة على مدار عدّة عقود، منذ بدايات اختراع الحواسيب الإلكترونية الحديثة الأولى في الأربعينيات، وكانت تعتمد بالدرجة الأولى -بل ربّما كان اعتمادا حصريا- على تمويل الجيش الأميركي. أحد المصادر الأخرى هو العمّال الذين يقومون بالأمور التصنيعية الأولى التي تأتي كلّ الأرباح من ورائها. ومعظم هذه الأعمال وضيعة أو خطرة، فهي تشمل تصنيع الهواتف الذكيّة، والتنقيب عن المعادن النادرة، وتصنيف بيانات التدريب لنماذج التعليم الآلي.

النتيجة هي عالم يصبح إنتاج الثروة فيه أكثر جماعيّة من أيّ وقت مضى. في القرن التاسع عشر، كان إنجلز يُناقش كيف غيّرت الرأسمالية نمط الإنتاج "من كونه سلسلة من الأفراد إلى كونه سلسلة من الأفعال الاجتماعية". إنّ دخول العالم كلّه في نطاق الحوسبة يعني أنّ نطاق هذه الأفعال الاجتماعيّة بات هو المجتمع برمّته.


تصلنا الرأسمالية ببعضنا بعضا، وفي اندفاعها الدؤوب نحو التراكم، تأخذ الرأسمالية البشر إلى مواقع ودوائر جديدة لإنتاج الثروة جماعيّا. ولكنّ الرأسماليّة ليست ماكينة لبناء التواصل فقط، إنّها أيضا ماكينة لإنتاج الفُرقة أيضا، فالرأسمالية تُنتج التفاوت والفروقات في العملية نفسها التي تُنتج بها الثروة.

 حالة مانشستر مرّة أخرى، ولنشاهد آلية صناعة الفوارق هذه. إنّ البشر الذين جمعوا لهذه المدينة ثروتها معا ليسوا كتلة متجانسة، بل على النقيض من ذلك، إنّهم مقسّمون إلى رجال ونساء، وإنجليز وأيرلنديين، وبيض وسود. وهذه الفوارق كانت تتعزز باستمرار لأنّها تخدم هدفا ذا قيمة: إنّها تسهم في شرعنة الاستغلال وتصويره شأنا طبيعيا.

ولذلك، كان من الطبيعي أن يتقاضى الأيرلنديون أجورا أدنى من الإنجليز، وأن يعيشوا في أحياء فقيرة أشدّ الفقر. وكذلك كان من الطبيعي أن تتقاضى النساء أجورا أدنى من الرجال، في الوقت الذي يجب عليهنّ أيضا أن يقمن بمهمّة رعاية الأطفال دون أجرة (هؤلاء الأطفال الذين كانوا يذهبون إلى العمل في المعامل في سنّ الخامسة!). وكذلك كان استعباد ذوي الأصول الأفريقية وجلبهم للعمل في حصد القطن الذي يزوّد المعامل أمرا طبيعيا مُشرعنا، وكان من الطبيعي نهب أراضي السكان الأصليين الذين كانوا يعيشون في الحقول التي زُرعت بالقطن بعد القضاء على سكانها!

لم تخترع الرأسمالية الفوارق بين البشر، فالبشر مختلفون في صورهم ولغاتهم ومجتمعاتهم وثقافاتهم، ولكنّ الرأسمالية جعلت هذه الفوارق ذات أثر مُعتبر في حيوات البشر. لقد حوّلت الاختلاف إلى تفاوت، فأصبحت الفوارق تمسّ قدرة الإنسان وقيمته (بل وتُحدِّد: هل يعتبر إنسانا أصلا أم لا!).

 إحدى سمات الرأسمالية منذ البداية كانت إنتاج الفوارق (ولذلك فإنّه يُطلق عليها لقب "الرأسمالية العنصرية"). وفقا لروبنسون، كانت أوروبا الإقطاعيّة عنصريّة. ولذا فإنّ الأوروبيين حين غزوا بعضهم بعضا واستعمروا أحدهم الآخر، جاؤوا بأفكار عنصريّة لتبرير استعبادهم لشعوب السلاف مثلا. (في الحقيقة، فإنّ كثرة استعباد السلاف (Slaves) في العصور الوسطى هو ما جاء بكلمة عبد (slave) إلى الإنجليزية وغيرها من اللغات الأوروبية).

إذا كان الفكر العنصري متغلغلا في المجتمع الذي ظهرت فيه الرأسمالية، فإنّ دور الرأسمالية كان التقاط هذه المفاهيم ومدّها إلى حدّها الأقصى. فقد طوّرت الرأسمالية مزيدا من الأفكار حول الفوارق العِرقيّة وعمّقتها بهدف تبرير علاقات الاستغلال والإخضاع الجديدة التي يتطلّبها تراكم الإنتاج (خاصّة بعد أن بدأ الأوروبيون باجتياح آسيا وأفريقيا والأميركتين).

. يقول روبنسون إنّ "اتجاه الحضارة الأوروبيّة مع الرأسمالية لم يكن نحو زيادة التجانس، بل نحو تعزيز الفوارق، بل ونحو تحويل الفوارق المناطقيّة والثقافيّة والجدلية (dialectical) إلى فوارق عِرقية عنصرية".

تساعدنا فكرة روبنسون في توضيح جانب آخر مهمّ من جوانب عمل التقنية. قلنا إنّ التقنية تزيد من التناقض الرأسمالي بين جمع الثروة جماعيّا وامتلاكها فرديا، والآن نقول إنّها تزيد أيضا من نزوع الرأسماليّة إلى تقسيم البشر إلى مجموعات مختلفة، لكلّ مجموعة منهم قيمتها وقدرتها. وهذان الدوران للتقنية متضافران معا. "إنّ رأس المال ليس برأس مال حقّا إلا بالتراكم"،

ولا يمكن لرأس المال أن يتراكم إلا عبر الإنتاج والتحرّك من خلال علاقات من اللا مساواة الحادّة بين المجموعات البشرية". بعبارة أخرى: إنّ شبكة صناعة الثروة تعتمد على ماكينة إنتاج الفوارق هذه.

مع الوقت، بات إنتاج الفوارق يتم تلقائيا من خلال البرمجيات وعلى مستوى الخوارزميات، إذ تتدفق بيانات الجموع المرقمنة إلى خوارزميات الآلات القادرة على التعلّم، وتقوم هذه الأخيرة بإيجاد الأنماط داخل البيانات، الأمر الذي يمنح الرأسمالية أداة أقوى لتصنيف البشر وفصل كلّ مجموعة على حِدَة.

فالبيانات تأتي من مصادر عديدة بهدف تصنيف البشر "بناء على قيمتهم السياسية والاقتصادية المفترضة". وهذه العمليّة، في نظر جاندي، ليست شيئا عرضيا أو هامشيا في الرأسماليّة، بل هي جزء لا يتجزّأ منها، فالتصنيف ذو الرؤية الشاملة هو "العين الشاملة لماكينة إنتاج الفوارق التي تقود النظام الرأسمالي العالمي".

اليوم باتت هذه العين الشاملة ترى أكثر بكثير من ذي قبل، وباتت مخاطر التصنيف أكبر بكثير من ذي قبل. فالتصنيفات التي تقوم بها الخوارزميات تساهم في تحديد مَن يستحقّ قرضا من البنك ومَن لا يستحق، ومَن الذي يستحقّ وظيفة ما، ومَن الذي يستحقّ السجن. إضافة إلى ذلك، لاحظ جاندي أنّ التصنيف ذا الرؤية الشاملة يُضخِّم أشكال التفاوت القائمة أصلا، سواء أكان تفاوتا عِرقيا أو غير ذلك. اليوم، بعد تطوُّر الأنظمة ذاتية التعلّم، بات ذلك أصحّ مما كان عليه البارحة.

في السنوات القليلة الماضية، حاول عدد من العلماء والصحافيين لفت الانتباه إلى مشكلة "التحيّز الخوارزمي" (algorithmic bia). إنّ هذا التحيّز مزمن ومُقيم في الأنظمة ذاتية التعلّم، لأنّها ببساطة "تتعلّم" من خلال البيانات المُستقاة من العالم الاجتماعي الواقعي (وهي بيانات تعكس بالضرورة قرونا من الفروقات والتفاوت الذي صنعته الرأسمالية).

خوارزميات شركة أمازون المدرّبة على سير ذاتيّة معظمها لعاملين من الذكور، مما يجعلها تحابي الرجال ضدّ النساء في فرص التوظيف.

إنّ دور هذه الأنظمة ليس إنتاج التفاوت وحسب، بل تطبيعه أيضا. دائما ما كانت الرأسمالية، بماكينتها المنتجة للفوارق، بحاجة إلى قدر لا بأس به من العمل الأيديولوجي للحفاظ على هذه الفوارق. فلمئات السنين، كان على الفلاسفة والقساوسة والعلماء ورجال الدولة أن يواظبوا على القول إنّ هذا النوع من البشر أو ذاك أحطّ رتبة من غيره، وكانوا لا يفتؤون يردّدون أنّ سلب أراضي أولئك القوم أو قمع حريّتهم أمر مشروع ومستحقّ، وأنّ حكم أجسادهم واستغلال عملهم جزء من طبيعة الوجود. لا تولد هذه الأفكار ولا تنتشر من تلقاء نفسها، بل لا بدّ من فاعلين يتعمّدون نشرها عبر المكان والزمان وعبر الأجيال والقارات، ولا بدّ أن تستقرّ هذه الأفكار في القوانين والممارسات، وأن تُدرَّس في المدارس والكنائس، وأن تُفرَض في البيوت والشوارع.

يحتاج كلّ ذلك إلى وقت وجهد، ولكنّ الأنظمة الآلية ذاتية التعليم يُمكنها أن تسرّع العمل، فهي تقوّي السلطة المفترضة وتجعل الفوارق التي تُنتجها الرأسمالية تبدو -بحكم ما يُفترض من حياديّة الحاسوب- فوارق أنتجتها الطبيعة. فإذا قال الحاسوب إنّ ذوي البشرة السوداء أميل إلى ارتكاب الجرائم، أو إنّ النساء لا يصلحن مهندسات برمجيات، فإن ذلك يجب أن يكون صحيحا. هذا ما قاله أحد المعلّقين اليمينيين بصيغة أخرى: الخوارزميات مجرّد رياضيات، والرياضيات لا يُمكن أن تكون عنصريّة! إذن، فإنّ الأنظمة ذاتية التعليم لا تقوم فقط بأتمتة (automate) إنتاج الفروقات واللا مساواة، بل تؤتمت معها العنصرية أيضا.

**** Dec 8, 2020

لكلّ جسم متحرّك وسيط مثاليّ ليتحرّك فيه، فالسمكة بحاجة إلى الماء لحركتها، والسيارة بحاجة إلى طريق ممهّد. ولمّا كان رأس المال هو القيمة متحرّكة، فإنّه لا بدّ أن يبقى في حالة حركة مستمرّة. ورأس المال يُفضِّل الحركة داخل نوع خاص من النسيج الاجتماعي؛ نسيج يكون مترابطا ومُفكّكا، ومتصلا ومتقطّعا، ومتشابكا وممزّقا في آنٍ واحد.

يساعدنا هذا في فهم ما الذي ندعوه بـ "التقنية". إنّ التقنية هي أداة ومسرّع لهذه الديناميكيات من "الانفصال الاجتماعي المتصل على نحو مكثّف" إذا استعرنا عبارة ميلاميد. وهذا ما يُفسِّر نزوعها نحو إنتاج الاختلالات الهائلة في التوازن في الثروة والسلطة، ونحو تعزيز التنظيم الهرمي للبشر بناء على العِرق والجندر وغير ذلك من فئات التصنيف.

 إذا كانت التقنية تُفاقِم من التناقض القائم بين كون الثروة تُجمع بأيدي كثرة ثمُ تحاز بأيدي قلّة، فإنّ الحلّ الواضح لذلك لا بدّ أن يكون هو حلّ هذا التناقض: الثروة يجب أن تُنتج جماعيا وتُملك جماعيا، أو، كما قال ماركس وإنجلز في "البيان الشيوعي"، الحلّ هو تحويل "المنتج الجماعي" لرأس المال إلى "ملكية مشتركة لجميع أفراد المجتمع".

إنّ هذا المنطق بسيط إلى درجة جذّابة: إذا كانت الشبكة الاجتماعيّة هي ما يُنتج الثروة، فلماذا لا تمتلك الشبكة الاجتماعية هذه الثروة؟ ولكنّ السؤال الكبير هو: كيف يجب أن يتمّ ذلك بالضبط؟ ما الذي يعنيه تحويل الثروة التي يُنتجها المجتمع بالتشارك إلى ملكية مشتركة للمجتمع؟ وأنتم تعرفون أنّ هذا السؤال هو أكثر سؤال سُكبت لأجله الأحبار في كلّ تاريخ نقاشات اليسار الراديكالي. إنّ الحلّ الاشتراكي المجرَّب في القرن العشرين هو التأميم الشامل وفق النموذج السوفيتي، ولكنّ هذا الحلّ لم يعمّر طويلا.

تنبع المقاربة الأخرى -وهي مقاربة بدأت تحظى بشعبيّة كبيرة- من تقليد إدارة العمّال لأنفسهم. لهذا التقليد نسخ عدّة، لعلّ أبرزها وأكثرها بطوليّة هي التجربة التي حصلت في إقليم كاتالونيا الثوريّ في أثناء الحرب الأهلية الإسبانيّة،

ليس ثمّة صلة مباشرة بين دمقرطة الملكيّة وبين مكافحة أشكال الاضطهاد المختلفة الكامنة في آليات الرأسمالية في إنتاج الفروقات، فالمنصات المملوكة من قِبَل جمعيات تعاونيات لن تضع نهاية لعنصرية الخوارزميات على سبيل المثال. وهذا يطرح أمامنا نقطة مهمّة أخرى: أحيانا ما يكون الخيار الأكثر تحرّرية ليس هو نقل ملكيّة البنى الأساسيّة العميقة وتغيير كيفية إدارتها، بل تفكيكها وإزالتها بالكلّية.

*

رجل واحد يختار لملياري إنسان ما يجب أن ينشروه . الخوارزميات 

 الخوارزميات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي جعلت نفوذ مؤسس فيسبوك مارك زوكربيرغ مذهلا ويتجاوز بكثير تأثير أي شخص آخر في العالم.

طلال ابو غزالة Oct 16, 2020

وتراهن الأمم المتحدة على الذكاء الاصطناعي لتحقيق أهداف التنمية المستدامة التي حددتها لعام 2030.

 قائمة طويلة من التطبيقات الموجودة سلفا، تشمل كل مناحي الحياة؛ الصحية والتعليمية والبيئية والأمنية، إلى جانب اللياقة البدنية والتجارة.

تعيش في مدن ذكية تحيط بها إنترنت الأشياء.

مستقبل البشرية، التهديد الذي بات جزءا من الاستهلاك اليومي. الذين يجادلون بأن الخوارزميات ستطغى على البشر وتزيحهم جانبا وتسرق منهم أعمالهم، بل قد تثور عليهم، لا تخلو مخاوفهم من الحقيقة، ولكنها حقيقة نسبية جدا.

“رأس المال جبان” كما يقال، ومن شأن ذلك أن يثبط عزيمة مقدمي خدمات الاتصالات ويقلل من رغبتهم في إعطاء الأولوية لهذه المناطق التي يتم تركها متخلفة عن الركب على جبهات البنية التحتية ودروب التنمية الأخرى.

*

"يظن الجميع أن الخوارزميات موضوعية وصحيحة وعلمية، هذه خدعة تسويقية".

(كاثي أونيل)

 كيف تصنّف التقنية الفقراء وتعاقبهم؟

*

أوروبا تسعى للحد من سلطة الخوارزميات


الذكاء الاصطناعي مصمم خصيصا لزيادة رفاهية الإنسان

 سيتم حظر استخدام التعرف على الوجه للمراقبة، أو الخوارزميات التي تتلاعب بالسلوك البشري، بموجب لوائح الاتحاد الأوروبي المقترحة بشأن الذكاء الاصطناعي.

*
خوارزمية تعلم فائقة السرعة وأجهزة كمبيوتر كمّي تحاكي الدماغ.

Jun 7, 2021

لمن السلطة؟ للإنسان أم للخوارزم؟

الحياة المعاصرة 

ترجمة لكتاب بعنوان «أهلاً بالعالم، أن تكون إنساناً في عصر الخوارزميات» لأستاذة رياضيات المدن هانا فراي، وقد قام بنقله للعربية محمد جمال. تم تأليف الكتاب بشكل جدّ مبسط ليفهمه العموم الغارق في الاستهلاك الرقمي، وبإشكالية يمكن صياغتها كالآتي؛ لمن السلطة؟ للإنسان أم للخوارزميات؟ وهل الخوارزميات خير أم شر؟
يعالج الكتاب إشكاليته من خلال موضوعات متعددة، أهمها الحديث عن قوة الخوارزميات وانتشار مجالها في كل قطاعات الحياة، فهي أصبحت تطاردنا بصمت، بل يتاجر البعض من خلالها بأهم سلعة رائجة في عصرنا، وهي البيانات إلى حد التوحش، كما تقدم الكاتبة هانا فراي بعد ذلك وعلى طول الكتاب تطبيقات على هذا الاكتساح الرقمي لعالمنا في مجال؛ العدالة والطب والسيارات والجريمة والفن.

وإذا أخذنا مجال الطب مثلاً، فلقد أصبحت لدينا الآن خوارزميات لتصنيف شرائح الخزعات وفحص عينات الخلايا وكشف الشاذ من الظواهر بإحكام ودقة، فالخوارزميات لها إمكانية التخفيف من سوء تقدير الأطباء، وهو ما أصبح واضحاً في تشخيص السرطان مثلاً. والأمر نفسه يقال في عالم الجريمة، فهي أيضاً تم اقتحامها بخوارزميات تبعدها عن الفوضى والعشوائية وتقربها من الدقة والصرامة التي تسهل عملية التحري وكشف حقائق الجرائم. وكمثال على ذلك، تقدم الكاتبة «خوارزم روزمو» الذي يسلط الضوء على جغرافية الجريمة وأرجحية أماكن وجود المجرم، وهو الخوارزم الذي جنت منه الشرطة فوائد كثيرة. الأمر نفسه يقال أيضاً عن قطاع السيارات والطيران حيث عمل الخوارزميات أشد وضوحاً، فبلوغ مستوى القيادة الذاتية طموح بات حقيقة بفضل البرمجة الرقمية التي تزداد دقة يوماً بعد يوم.

إن فوائد الخوارزميات والتأثير الإيجابي للأتمتة لا يمكن نكرانه، فهي سهلت على الإنسان حياته، ومكّنته من تحسين التشخيص الطبي، والقبض على السفاحين بسرعة، وتجنب حوادث الطائرات، والوصول للمعلومة والمعارف البشرية المتراكمة بلمسة أصبع، والتواصل بين بني البشر في كل أنحاء العالم في اللحظة المباشرة، والتسوق الإلكتروني الذي يأتينا بالخيرات إلى عقر دارنا... لكن رغم كل هذه المكاسب الخوارزمية فإن الكاتبة هانا فراي، ترى أن هناك مشكلات عالقة تحتاج لمزيد من الأشغال وتضافر الجهود، للذهاب بالخوارزميات نحو الكمال، وذلك بالسهر على التخفيف من تحيز الخوارزم وقلة عدالته حين يصمم بوعي أو بلا وعي، لخدمة جهة أو طبقة دون الأخرى، فالبحث عن خوارزم كامل وعادل غاية منشودة ومرتقبة.

 مستقبل يتم فيه كبح جماح الخوارزميات المتعجرفة والديكتاتورية لصالح خوارزميات تكون مساعدة لنا في الحياة، لا متحكمة فينا، عن طريق كشف المستغلين لها والمتلاعبين بها.

*Aug 19, 2021

قللت خوارزميات شبكة الإنترنت، من شأن ذكاء الأفراد وحكمتهم
«أنت لست أداة»: كتاب 

التحذير من احتمال أن تتسبب “الأسواق المالية”، وبعض مواقع التواصل الاجتماعي، بإعلاء شأن “حكمة الغوغاء وآرائهم”، لتؤثر على خوارزميات الكمبيوتر، مما ينتج عنه التقليل من شأن “ذكاء الأفراد وحكمتهم”، وبالتالي تحجيم استفادة المجتمعات منها.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق