Jun 26, 2019
الشرط الأول والدائم للازدهار
إن استنهاض الإنسان لاستعادة فرديته من البرمجة والتذويب وتأكيد حق الفرد في الكرامة والاحترام والاعتبار وتحريره من أسر المسلَّمات الخاطئة وتنشئته على ديمومة التساؤل والتمحيص والتأكيد المستمر على أولوية التفرُّد والتميُّز وتنفيره من الذوبان في القطيع وحثه على الاستقلال والاختلاف وتحريضه على رفض التماثل الأعمى مع الآخرين واستنفار طاقات عقله للتفكير والابتكار وفتح الآفاق لخياله للبحث عن البدائل والخيارات وتربيته على أولوية التغيير والتطلع الدائم نحو الأفضل وتعريفه بقابلياته الهائلة ليكون مبدعاً ومنتجاً وعضواً فاعلاً يحس بمسؤوليته ويلتزم بواجباته ولا يفرط بحقوقه وحشد كل هذا التنوع الهائل في الفروق الفردية لخير نفسه وخير مجتمعه وخير الإنسانية أجمع إن هذه كانت بعض المهام الأساسية التي اضطلع بها الفكر النقدي في الغرب فأثمرت هذه النتائج الباهرة في العلم والعمل والحياة..
إن الغربيين لا يتميزون عرقياً عن الأمم التي مازالت متخلفة ولكن امتلاكهم للتفكير النقدي وإجادتهم استخدامه هو مصدر امتيازهم وهو سبب تفوقهم إن هذا المفتاح العجيب المدهش الذي يحرك طاقات الإنسان قد فَتَح لهم أسرار الكون ومكنهم من تسخير الطاقات المذخورة فيه وتعرَّفت أمم أخرى على هذا المفتاح العظيم وأجادت استخدامه فازدهرت كما ازدهر الغربيون وباتت تزاحمهم وتسابقهم وأحياناً تتفوق عليهم وبهذا فإن التفكير النقدي هو الذي أطلق طاقات الإنسانية فأنجزت الأعاجيب وابتكرت من المخترعات والوسائل وامتلكت من العلوم والمعارف والمهارات والقدرات ما لم تعهده البشرية من قبل وكشفت من الحقائق ما كان محالاً أن يخطر على بال إنسان خلال آلاف السنين فالتفكير النقدي الذي انفرد به الغربيون ثم أخذته عنهم أمم أخرى هو الذي استنفر العقل الإنساني وأكسبه هذه القدرات الخارقة فبسبب هذا التغير النوعي في التفكير انقلبت الأحوال من ثبات دائم في الأفكار والأوضاع واجترار كسول للبداهات و المسلَّمات إلى تغير دائم نحو الأفضل واقتحام جسور نحو المجهول لقد تعاظمت بسببه القدرات واتسعت الآمال وتنوعت التطلعات وانكمشت المحالات وامتدت الممكنات فالمزدهرون لم يعُد يرضيهم أي انجاز وإنما باتوا في سباق ظافر ومدهش مع الزمن فأصبحت الإنسانية تنجز في أيام ما لم تكن قادرة في الحضارات القديمة على انجازه في قرون..!!!
إننا في العالم العربي والإسلامي نتوهم أننا بتعميم التعليم ونشر المدارس والإكثار من الجامعات قد أخذنا بأسباب التقدم وشيَّدنا القدرة على الازدهار وبنينا في الإنسان قدرة الإبداع والانتاج والمبادرة وحررنا عقول المتعلمين وغفلنا عن أن العقل البشري يحتله الأسبق إليه وأن المعلومات التي لا تكون مصحوبة بالفاعلية النقدية لا تُحدث أي تغيير في البنية الذهنية ولا في طريقة التفكير فتبقى الاهتمامات كما كانت ويظل المتعلمون مأسورين بالبرمجة الاجتماعية التي لم تتعرض لأي تشكيك أو فحص أو تحليل أما المعلومات التي يضطرون لحفظها فتبقى طلاء خارج البنية الذهنية الفاعلة..
إننا نتحدث عن أهمية العلم وعن دور التعليم ونسينا أن العلم نتيجة من نتائج التفكير النقدي وثمرة من مثاره وليس سبباً له كما تجاهلنا أن التعليم التلقيني المحروم من التفكير النقدي ومن العقل المتسائل يؤدي إلى تجميد الذهن وعطالة الفكر ويضاعف الشعور الكاذب بالاكتفاء فتتفاقم أسباب الجمود وتتعمق عوامل التخلف فالتفكير النقدي هو الذي ألهم المزدهرين كل هذه القدرات في النمو المطرد في العلم والعمل ومكَّنهم من الظفر والانتصار على كل الجبهات ولو كانت المعلومات التي يوفرها التعليم هي عامل التقدم لتقدمت كل الشعوب لأنها كلها قد اتيح لها أن تتلقى علوم العصر لكن العلوم الجاهزة المستوردة لا تصنع عقولاً مزدهرة وإنما الذي يصنع العقل المزدهر هو التفكير النقدي وحده ولا بديل له...
إن نقد المسلَّمات والمواضعات والقناعات والتصورات والنظم والأوضاع والأدوات والوسائل هو الشرط الأول للتقدم وهو المحرك الدائم للتطور إن هذا العامل الأساسي هو السر الأكبر للازدهار الغربي الهائل وهو المحرِّض الأول والدائم لانجازاته الغامرة والمتواترة في كل المجالات إن العلم قد اسقط نهائياً ادعاءات التفوق العرقي فالناس لآدم وآدم من تراب فكل ما نراه من تباينات هائلة بين الأمم يعود إلى الاختلافات الثقافية وكل التباينات الثقافية تعود إلى الفارق في استخدام التفكير النقدي لقد أضحى مؤكداً علمياً تماثل القابليات الفطرية لدى الأمم فلا يملك الغربيون ولا غيرهم من الأمم المزدهرة أي تميُّز عرقي وإنما السر الأعظم وراء هذا الازدهار العظيم وهذا التفوق الباهر يكمن في النقد الدائم الذي يمنع الجمود ويُشعل النشاط ويؤجج المواهب وتتوقد به مهارات الفكر والفعل فلا تختلف الأمم بيولوجيا وإنما أتت هذه الاختلافات الشديدة في المستويات الحضارية من التباينات الثقافية أما التفاوت الثقافي ذاته فيعود إلى نصيب كل ثقافة من آليات النقد والمراجعة فبقدر الانفتاح على الفكر النقدي تكون فاعليات الإنسان في فكره وفعله وبهذا يكون الازدهار في كل مجالات النشاط الإنساني للأمة التي تُفسح المجال للنقد والمراجعة بشفافية كاملة وأمان تام وبالمقابل فإنه بقدر مناهضة التفكير النقدي أو إساءة استخدامه يتجمَّد العقل ويستمر الكلال وتنكمش الفاعلية ويتفاقم التدهور ويسود الاجترار...
إن النقد الموضوعي للأفكار والمواقف والأوضاع والمسلَّمات هو مفتاح التقدم المستمر نحو الأفضل أما المعلومات فإن فاعليتها تبقى هزيلة أو معدومة التأثير إذا لم تصاحبها آليات النقد والمراجعة فالارتقاء الثقافي الذي هو الشرط الأول للازدهار الشامل لا يتحقق باستعارة العلوم ولا بحفظ المعلومات وإنما يتحقق بتغيير طريقة التفكير وبممارسة التحليل وبسجالات الفكر التي تحتدم بين الاتجاهات المختلفة ومداومة التحقق وعدم الرضا بالمتحقق مهما كان والتطلع الدائم نحو الأفضل والأكمل وعدم الاكتفاء بأي انجاز متحقق ولا الاقتناع بكماله فليست المعلومات الجاهزة هي التي ترتقي بطريقة التفكير ولا هي التي تغيِّر مجالات الاهتمام ولا هي التي تبني القدرة على الابداع والانتاج وإنما الارتقاء والتغيير مصدرهما التحول الثقافي الذي يتمخَّض عنه اكتشاف خطأ المسلَّمات الراسخة وعلى سبيل المثال فإن الكشف العلمي الفلكي الذي أحرزه كوبرنيكوس لم تكن له نتائج عملية مباشرة لا في الصناعة ولا في الاقتصاد ولا في السياسة ولا في أي مجال عملي فأحوال البشر لا يؤثر عليها أن تكون الأرض هي مركز الكون أو كانت الشمس هي المركز ولكن هذا الكشف الخارق الذي يخلو من الفائدة العملية قد أحدث زلزالاً في العقل الأوروبي مازالت تتنامى نتائجه الباهرة..
ان التأثير الثقافي الهائل للكشف الفلكي الذي توصل إليه كوبرنيكوس لم ينتج عن أنه أضاف للعقل الأوروبي معلومة جديدة مهمة وإنما أحدث الكشف هذا الزلزال الثقافي لأنه أيقظ عقولهم لكابوس المسلَّمات الخاطئة وكَشَف لهم أنهم كانوا مأسورين بوهم البداهة ومقيدين بالحس المباشر وأن عقولهم كانت معطلة ببداهات موروثة خاطئة فقد توارثوا كغيرهم من الأمم خلال القرون أن الأرض هي مركز الكون وأن الشمس ليست سوى نجم يدور حولها ليضيئها فَهَدم كوبرنيكوس هذا الوهم وبتقويض هذا الوهم انهارت أوهام كثيرة فتهيأ الأوربيون لإعادة تكوين منظومتهم المعرفية بأكملها وتأججت فيهم طاقات المغامرة والكشف وانفتحت لهم الآفاق وراحوا يواصلون الاختراع ويحققون الاكتشافات ويؤسسون العلوم ويبتكرون الوسائل ويغيِّرون النظم ويبدلون المؤسسات ويقتحمون المجهول ويأتون بالمدهشات وكل ذلك من نتائج انفكاك العقل من أسر المسلَّمات الخاطئة وانطلاقه في الآفاق حُراً يكشف المجهول ويصحح الأخطاء ويبدِّد الأوهام ويبتكر المناهج ويضع الإنسانية على الخط الصاعد دون نكوص أو تراجع..
لقد أثبت كوبر نيكوس أن الأرض ليست أكثر من كوكب صغير تابع للشمس وأن الشمس وتوابعها ليست سوى مولود صغير تابع لمجرة هائلة وبهذا الكشف عرف الأوروبيون نموذجاً صارخاً للخداع الحسي المباشر وأدركوا أنه يجب التحقق من البداهات بالعقل الناقد وبالمحاكمة التحليلية لقد اقتنع الأوروبيون بأن هذا الوهم ليس وهماً وحيداً وإنما هي واحد من منظومة واسعة من الأوهام والمسلَّمات التي تكبِّل العقل الإنساني لقد أثبت لهم هذا الاكتشاف أنهم كانوا مأخوذين بمسلَّمات خاطئة ودفعهم هذا التحول الجذري إلى مراجعة كل المسلَّمات وإعمال النقد في كافة البداهات وانتقلوا بذلك من حالة السُبات العقلي والجمود الثقافي إلى فاعلية العقل وإلى اجراء مراجعة ثقافية شاملة..
ولقد بلغ من تأثر الأوروبيين بهذا الكشف العظيم المزلزل أن الفيلسوف الألماني الأكبر (كانط) كان يُمني نفسه أن يتوصل بانجازاته الفلسفية الجليلة (نقد العقل المحض) و(نقد العقل العملي) و(نقد ملكة الحكم) وغيرها من شوامخ الفكر الحصيف إلى احداث ثورة في نظرية المعرفة تماثل ما أحدثه كوبرنيكوس من انقلاب مزلزل في الثقافة الأوروبية وهذا يؤكد الأثر العظيم الذي أحدثه كوبرنيكوس في العقل الأوروبي كما يؤكد قابلية الأوروبيين للاستفادة من كشوف العلم وأحداث التاريخ فهذا الكشف المزلزل حين وصل إلى الشعوب الافريقية والآسيوية لم يخلق عندها أي تساؤل ولم يثر فيها أية مراجعة وإنما تلقوه بوصفه معلومة رتيبة لا توقظ عقلاً ولا تُحاكم واقعاً ولا تؤدي إلى مساءلة ثقافة وهذا هو الفرق بين الثقافات النامية والثقافات الجامدة..
إن الكشوف العلمية مهما بلغت عظمتها لا تؤتي ثمارها إلا بوجود العقل الناقد فالأوروبيون ركزوا على الدلالة الحاسمة لهذا الكشف فلم يهتموا بدلالته الفلكية وإنما كان اهتمامهم الأكبر بدلالته الثقافية لأنهم قد أدركوا خطورة الاستسلام للحس المباشر وعرفوا أن هذا الاستسلام قد أوقعهم في مسلَّمات خاطئة ودفعهم هذا الإدراك إلى اجراء مراجعة شاملة لكل المسلَّمات...
العلم ليس معلومات وإنما هو طريقة تفكير كما أن هذا يؤكد فاعلية النقد المنهجي لايقاظ العقل من سباته وفك أسره من مسَّلماته إن فاعلية العقل لا يمكن أن تتحقق إلا بالنقد وايجاد جو تنافسي بين الأفكار والاتجاهات إن التفكير النقدي هو الحافز الأكبر للحضارة فيه تتطور العلوم وبه تتقدم التقنيات وبه تشاد المهارات وبه تتحسَّن النظم وبه يعاد بناء المؤسسات والرؤى والمواقف والتصورات والأوضاع والاتجاهات فالنقد المنهجي هو مفتاح الطاقة الإنسانية وهو الشرط المبدئي لأي تغيُّر نحو الأفضل في الفكر والفعل والحياة...
إن من أبرز الحقائق المتلألئة في التاريخ الأوروبي انقسام اليونانيين في القرنين السادس والخامس قبل الميلاد إلى فئتين متباينتين ثقافياً فمجتمع أسبارطة أقام حياته على رؤية أحادية مغلقة تقوم على إخضاع الأفراد في نظام اجتماعي مغلق وصارم يسعى إلى أن يجعل الأفراد متماثلين فيحيل الفرد إلى خلية ذائبة في الكل فالمجموع المجرد هو شيء مقدَّس لا يجوز نقده ولا اخضاعه للمساءلة فالاهتمام محصور بالكل أما الأفراد فلا قيمة لهم إلا بمقدار انتمائهم لهذا الكل وذوبانهم فيه وخدمتهم له وولائهم لنظامه، لقد انصبَّت العناية على تكوين التماثل بدل التنوع وعلى بناء الأجسام بدل العناية بشحذ العقول فأثمرت هذه التنشئة الصارمة شعباً مقاتلاً لكنه كان يفتقر إلى النزعة الفردية ومحروماً من التفكير النقدي ومن ثراء التنوع فكان يملك الانتظام القسري المؤقت لكنه انتظام القطيع وليس التزام المُطيع وكان يفتقر إلى المبادرة والابداع فانتهى تاريخ اسبارطة بانتهاء ذلك العهد القصير فلم يذكرهم التاريخ بأثر مستمر ولا بإنجاز مثمر..
لقد أصبح الأثينيون بسبب التفكير النقدي أساتذة الحضارة ورواد العلم فأسسوا الفكر الفلسفي ووضعوا الأساس المتين للعلوم وابتكروا من النُّظم والممارسات والآليات السياسية والقانونية والاجتماعية ما لايزال يحتفظ بكل روعته وبهائه وجدَّته..
سبب التفاوت بين الأمم وأن الأخذ بالتفكير النقدي أو الحرمان منه
تركز على أن التفكير النقدي هدية اليونان إلى العالم وقد انتقل إلى الغرب عن طريق الترجمة وسؤالي ألم تجد في التراث الاسلامي مواقف نقدية على الاطلاق يمكن أن تشكل حلقة من حلقات التواصل بين الشرق والغرب؟
ألا يمثل علم نقد الرجال وعلم الجرح والتعديل دليلا على المواقف النقدية التي حفظت للسيرة النبوية مكانتها نصا ومعنى؟
أ لا تمثل المذاهب الفكرية الأربعة مدرسة كاملة في الفكر النقدي لأنها قائمة على البحث عن الدليل والمقارنة فالترجيح؟
ألا ترى أن المدارس الأدبية أعملت العقل على نحو جيد وبذلك تم إطلاق أحكام متفاوتة على الشاعر الواحد والاديب الواحد؟
أ لا ترى أن في الكتابات التاريخية لكبار المؤرخين محاولات جيدة للبحث عن الادلة والمقارنة للوصول للرواية الأقرب والأدق.
ألا ترى في كتب التفسير وأنواعها جهودا لافتة للانطلاق من مواقف عقلية بنيت على اجتهادات ومراجعات حكمها المنطق وضبطها الالتزام بروح النص ومعنى أكثر من اتباع الهوى والقبول بالرأي الشخصي.
في اعتقادي يا أستاذ إبراهيم أن في المقال تقليلا من دور المواقف النقدية بل المدارس النقدية التي أيقظت همة العرب والمسلمين وحفزتهم على الإبداع والتجديد وأكدت أنهم
يتمتعون بانفتاح فكري من أجل الوصول إلى الحق والصواب
*********************************
نقد المسلَّمات
كتابه “الكتاب الخطاب الحجاب” الواقع في مئتين وست صفحات من القطع الصغير، مقسما الى ثلاثة أقسام؛ الأول: النص والحقيقة، والثاني: السياسة والحقيقة، والثالث: شذرات.
تكثر العناوين التي تحمل على القيود التي تكبل حرية الانسان وتمنعه الابداع والحوار مع الآخر، اذ محاولة التفكير تقابل بالتكفير، والمشكلة في نظر أدونيس “عندما يصبح النص الديني معيارا في النظر الى النصوص غير الدينية”
تكثر العناوين التي تحمل على القيود التي تكبل حرية الانسان وتمنعه الابداع والحوار مع الآخر، اذ محاولة التفكير تقابل بالتكفير، والمشكلة في نظر أدونيس “عندما يصبح النص الديني معيارا في النظر الى النصوص غير الدينية”
التناقض، يؤكد أن المسلمين اليوم يواجهون خيارين: إما الاستمرار حياة وثقافة في التوكيد على مفهوم الأمّة الدينية. وإما الخروج منه الى مفهوم مدني انساني... وفي الاسلام ولغة المستقبل تنطلق المواقف الناقدة التي تضع اللوم في التخلف على الداخل العربي لاعلى الخارج الغازي والمستعمر لأنّ العلل كامنة فينا، وانّ الاسلام اذا أراد أن يتقدّم فعليه أن يتكلم لغة المستقبل، وجوهر هذه اللغة، هو أنّ كلّ شيء يجب أن يكون لخدمة الانسان.
ثقافة الفتوى في العالمين العربي والاسلامي التي تحجب الحقيقة، وتقتل الحرّية والفرادة.
******************************
خرافة إحترام المقدّسات، وخاصّة الإسلاميّة منها، في ضوء المنطق والعقل
سنّ قانون يمنع ويجرّم إزدراء المقدّسات
الحدّ الأدنى من المنطق. فكم عدد الأديان الموجودة على الأرض اليوم؟ عددٌ مهولٌ، أليس كذلك؟ ولكلّ ديانة مقدّساتها. فإذا تمّ سنّ هذا القانون المجنون، سنجد أنفسنا أمام قائمة طويلة وعريضة لمقدّسات لا يجب المساس بها، بداية من البقر التي يقدّسها الهندوس، وصولا إلى الكائنات الفضائيّة التي يقدّسها أتباع الدّيانة الرّائيليّة حديثة العهد. فهل من المنطق أن نحترم كلّ تلك المقدّسات؟ وماذا بقي لنا إن نحن طرحنا من حديثنا ومقالاتنا ومن نكاتنا كلّ ما ورد في تلك القائمة، التي ستبقى مفتوحة، بطبيعة الحال، لأنّ هناك إلى اليوم أديان جديدة تُخترعُ هنا وهناك في أرجاء العالم؟ لا شيء. ولنأخذ مثالا بسيطا: إذا أراد المسلم أن يحترم الآخرون مقدّساته، فالأولى أن يحترم هو مقدّسات الآخرين لكي يعامله الآخرون بالمثل. فلماذا لا يحترم المسلم مقدّسات الهندوس ويمتنع عن ذبح وإستهلاك لحم البقر؟ وهل إذا إخترع أحدهم دينا جديدا يقدّس الجراثيم والفيروسات، هل يجب التّوقّف عن صناعة الأدوية والعقاقير لعدم إيذاء مشاعر أتباع تلك الدّيانة الجديدة؟
إعتراف المسلمين بالدّيانات الأخرى مجرّد خرافة وتعلّة واهية لا أساس لها لا في كتبهم ولا في أقوالهم ولا حتّى في تصرّفاتهم ومعاملاتهم. وإدّعاؤهم بإحترام كلّ الأديان والأنبياء والرّسل خرافة بما أنّ قرآنهم يقول أنّ الدّين عند الله الإسلام وأنّ من يتبع دينا آخر غير الإسلام فلن يُقبل منه، أي أنّ كلّ الأديان الأخرى باطلة وكاذبة أو محرّفة. وحتّى اليهوديّة والمسيحيّة، الذين يدّعي الإسلام الإتيان كتتمّة لهما، يزدريهما القرآن وتُسفّههما الأحاديث ويعتقد المسلمون أنّ كتبهما محرّفة باطلة. فماذا يعني هذا؟ هذا يعني أنّ المسلم حين يتحدّث عن إحترام مقدّسات الأديان، هو لا يقصد إلاّ دينه هو، أي الإسلام. فبأيّ منطق يجب على الآخرين إحترام الإسلام فقط، من بين آلاف الأديان الموجودة اليوم في العالم؟ لأنّ القرآن يقول أنّ الدّين عند الله الإسلام؟ المسيحيّون أيضا يعتقدون أنّ الدّين عند الله هو المسيحيّة، وبالتّالي فهُم يسفّهون الإسلام بعدم إيمانهم بخرافاته. واليهود أيضا لهم نفس الإعتقاد، وهم بذلك يسفّهون المسيحيّة والإسلام معًا. والهندوس والبوذيّون لا يشذّون عن هذه القاعدة. وحتّى من يعبدُ الأوثان والأصنام سيقول لك أنّ دينهُ هو الأصحُّ وكلّ الأديان الباقية خرافات وأكاذيب. فكلٌّ بدينه راضٍ ويعتقد أنّ ربّهُ هو الوحيد الحقيقي والأحقّ بالعبادة والتّقديس وأنّ مقدّساته هي الأحقُّ بالإحترام. فما الذي يجعل العالم كلّهُ يحترمُ مقدّسات المسلمين دون غيرهم؟
الإصلاح يبدأ من نزع القداسة
أسبابِ أكثر الخلافاتِ المذهبيةِ والمعتقدات الدينية وتوجّهات الأحزاب وصراع أفراد، ثم ندلف إلىَ عالــَم الكراهية والبغضاء والنزاعات، ومن ثم نتسلل إلىَ أعماق النفوس والقلوب والصدور في محاولة للإطـّلاع علىَ المشهد الداخلي للإنسان فلا ريب في أننا سنعثر علىَ تراكماتٍ لا نهائية من التأليه والتقديس.
القداسةُ هي رفع شخص إلىَ مرتبةٍ تجعله أعلىَ وأرفع وأسمىَ مما هو في حقيقته.
إخفاءٌ تام لكل صور الضعف والوهن والعجز، لهذا كان عجباً في نظر مُشركي قريش أن يرسل اللهُ، عز وجل، رجلا يأكل الطعام ويمشي في الأسواق.
عندما يغترب المرءُ ردحاً طويلا من الزمن يبدأ في صناعة ماضيه، فيحذف منه ويضيف إليه ويتلاعب بذاكرته عن غير وعيٍّ منه، وفي النهاية ينتهي من رسم لوحةٍ لماضيه، طفولته وشبابه، ليست مطابقة تماما للصورة الحقيقيـة، وفور وصول المغترب إلى مرحلة تصديق ماضٍ من صُـنع خياله يصبح على استعداد أن ينافح عنه بكل ما أوتي من قوة.
هناك حالة مشابهة رغم أنها معاكسة تماما وهي تلك التي يقوم آخرون فيها بصناعة ماضي الغير، حذفاً وإضافة ورتقاً وتزييناً وتلويناً رغم أن الفارق الزمنيَّ والمكانيَّ قد يكون عقوداً و .. قروناً.
المجهول هو القوة الدافعة لصناعة القداسة، والإنسان مولع بالبطل المصنوع من قوىَ خيالية أو دينية أو وطنية أو خرافية بحيث يصعب التحقق من صحة مواصفات بطلـِنا!
لو أنك كنت تقيم في الصين الشعبية إبان الثورة الثقافية وقلت لأحد بأن ماوتسي تونج رجل فيه من الضعف والقوة ما يماثل غيره، بل إنه كان يتحرش بالفتيات الصغيرات، وهو كغيره يتألم، ويتلوّع، ويطارد الأرَقُ جفونــَه، ويصيبه إسهالٌ وإمساكٌ، وربما نوبات من البكاء لا يعلم عنها أحد شيئاً.
لو همست بهذا لكانت رصاصة شيوعية أصابت مـَقـْدَمَ رأسك كما كانت تصيب الأسرى الفيتناميين رصاصات سايجونية خلال حرب اليانكي ضد الفقراء الصُفر المدافعين عن وطنهم الأحمر في هانوي.
إذا ارتدى مخبول ملابس رثة، وأطلق لحيته، وحمل بخوراً، وجلس في أرض جدباء خربة بالقرب من ضواحي مدينة كلـْكـُتـّا الهندية، ثم زعم أنه آخر أنبياء الهند فسيبصق عليه الناس في اليوم الأول، ويؤمن به ثلاثة في الأسبوع الرابع، ويصبحون ثلاثين في بداية العام التالي، وبعد عشرين عاما من الصمود وتحمـّل التهكم والصبر على السخرية تعلن الحكومة البريطانية أنها بصدد الموافقة على السماح ببناء معبد في برايتون لتلك الطائفة المضطهـَدة في الهند.
يمكنك أن تطلق شائعة عن فقيه من نسج خيالك يدعى، مثلا، " الهيثم بن البحر" كان يعيش في اليمن، وكان إذا قرأ القرآن الكريم سمع حفيف أوراق الكتابة فيفهم أن سبعين ألفا من الملائكة يكتبون حسناته بسرعة الصوت.
إذا قصصت هذه الحكاية على أشخاص مختلفين عدة مرات في أوقات مختلفة وأماكن متعددة فإنني على يقين من أنك ستقرأ الحكاية بعد عشرين عاماً في كتاب موثـَّق بقلم كاتب مشهود له بالتدقيق والتصحيح والمراجعة، وسيؤكد لك يوم مولد ووفاة " الهيثم بن البحر" الذي اخترعته قريحتك في جلسة مزاج عال.
ما نفرت في حياتي بعد نفوري من الطغاة كما أفعل مع القداسة.
الاحترام والتقدير والمحبة والإعجاب كلها مشاعر تظل في إطار الحس الإنساني الذي لا غبار عليه، أما تنزيه شخص ووضعه في دائرة المعصومين، ثم إحاطته بهالة من القداسة فإن نفسي تشمئز من تلك العلاقة المريضة بين الاستعلاء المصطنع و .. الدونية الموهومة.
تاريخنا كلـُّه مليءٌ بشخصياتٍ خرافيةٍ ألـَّهناها، وعملقناها، ورفعناها فوق رؤوسـِنا، ثم صدَّقنا ما وضعناه على ألسنتــِها!
قابلتُ كثيراً من الحاصلين علىَ أعلىَ الدرجات العلمية لكنهم يتلذذون بمشاعر الدونية نحو شخصيات تاريخية أو دينية أو وطنية كما يشعر الجندي الريفي في أول أيام الخدمة العسكرية وهو يقف أمام قائد المعسكر!
عندما يقف شيخٌ أو قـِسٌّ أو حاخام أمام المؤمنين فإنَّ رهبةَ المجهول في الدين تسري بسرعةٍ عجيبةٍ من المنبر إلىَ فؤاد المتلقي ويبدو كأنه تنويمٌ مغناطيسي، ونفس الأمر ينسحب علىَ العلاقة مع الحاكم أو الزعيم أو الديكتاتور، فسكانُ أديس أبابا كانوا يظنون أنَّ الإمبراطور هيلاسلاسي يراقب أحلامــَهم، وكوابيسـَهم، ويعرف ما يـُخفون في صدورِهم، لذا غاب عن الاثيوبيين أن إمبراطورَهم مشكوك في قدرته على القراءة والكتابة!
هذه الشخصيات التاريخية والوطنية والزعامات الدينية تقوم في حياتـِها ومماتـِها بالسيطرة على عقولـِنا وقلوبـِنا، أو بالأحرى نمنحها نحن مُقًدراتنا!
لو يعلم أيُّ عاقلٍ أنَّ الثقوبَ في الثوب المـُقـَدّس أكثر من المساحات السليمة لنفـَضَ عن نفسـِه عبادةَ الأشخاص.
يتملـَّكني غضبٌ شديدٌ مـَشوبٌ باشفاقٍ عندما أرى الإنسانَ الذي خلقه اللهُ، ونعَّـمـَه، وكـَرَّمَه، ونفخ فيه من روحـِه وقد تحوَّل إلىَ حشرةٍ أو أدنىَ. يــُقــَبـِّل أيدي المـُلوك والشيوخ والعلماء،يطيع رجالا لو رآهم في لحظات ضعفهم للطم وجهه على ما فرط في كرامته وإنسانيته.
يستشهد بآراءٍ وأفكارٍ وحكاياتٍ نقلها له عنعنيون فظن أنها قبسٌ من نور الذِكـْر الحكيم أو تنزيلٌ من التنزيل.
يأكل الدودُ صاحبــَنا الذي لا نعرف عنه إلا القليل، وبعد مئات الأعوام نكاد نركع أمام أقوالـِه، ونتقاتل لنثبت صحتـَها، ونقاتل من يشكك في أي حرفٍ منها.
كلهم رجالٌ مثلــُنا، منهم من مات وشبع موتاً، ومنهم من لم يأخذ حفـَّارُ القبور أجراً علىَ دفنــِه بعد.
لا غضاضة أو اعتراض أو عــِتاب في أن نحترم شيخَ الأزهر وبابا الكنيسة القبطية وبابا الفاتيكان وآيات الله في قُم والنجف وكربلاء وحاخام اليهود وزعماء الدروز والبهائيين والبابيين والأحمديين والسيخ والهندوس والبوذيين .
وجميل أن تكون حريصاً علىَ آراءٍ وأفكار وأعمال ومؤلـَّفات وتراث دين أو معتقد أو مذهب أو زعيم وطني أو قائد ثورة ثقافية أو شيوعية أو مُحرِّر أمة من سيمون بوليفار إلى بسمارك، ومن أتاتورك إلى محمد علي، ومن مارتن لوثر كينج إلى جيفارا، ومن الأئمة الأربعة إلى القدّيسين وكهنة الأديرة ومُفسـّري الكــُتـُب المقدسة والوضعية.
لكن كل الذين نتمنى أنهم من تـُراب الأرض جاءوا وإلى تراب الأرض ودودِه عادوا ينبغي أن يظلوا في دائرة إنسانية بكل ضعفها وقوتها، فقد كانوا يأكلون الطعام، ويمشون في الأسواق، ويمرضون، ويقضون حاجتهم، وتنبعث منهم روائح كريهة، ويُصابون بالضعف النفسي والجنسي والشره والتخمة والإدمان و .. الزهايمار، ويتلعثمون، وتهاجمهم كوابيس، ويجهشون بالبكاء في الخلوة.
عندما ينصحك المتلذذون بالدونيــّة بطاعة وليّ الأمر مهما كان ظالماً وشريراً ومستبداً فلا تنصت إليهم، فأولو الأمر أيضا أناسٌ ليسوا أعلىَ من أدنانا، أو أقوىَ من أضعفـِنا، أو أذكى من أغبانا!
طريقُ الإصلاح يبدأ من هنا .. من حيث نزع القداسة عن أيّ إنسان ما لم نؤمن أنَّ اللهَ أوحىَ إليه، أو اصطفاه، أو كـَلــَّمـَه، أو نـَزَّل عليه الروحَ الأمين.
عندما تنتقد، وتـُشكـّك، وتتفحص، وتغوص في الأعماق، وتقرأ ما وراء السطور، وتقف على قـَدَم المساواة الإنسانية مع أي شخص في الدنيا فأنت على الصراط المستقيم.
كبارُنا صغارٌ، وعلماؤنا خلقـَهم اللهُ ضــِعافاً، وزعماؤنا التاريخيون أو الذين لم يقم مــَلــَكُ الموت بزيارتـِهم بـَعْدُ لو اطـَّلعتَ عليهم بين جدرانٍ أربعة لبكيتَ على كل لحظة خفضت رأسـَك أمامهم، حُضورا أو غياباً!
حديثي هذا لا ينتقص قيدَ شعرة من أي صورة من صور الاحترام، لكنه دعوةٌ لإعادة تحطيم الأصنام التي في الصدور.
القداسةُ هي رفع شخص إلىَ مرتبةٍ تجعله أعلىَ وأرفع وأسمىَ مما هو في حقيقته.
إخفاءٌ تام لكل صور الضعف والوهن والعجز، لهذا كان عجباً في نظر مُشركي قريش أن يرسل اللهُ، عز وجل، رجلا يأكل الطعام ويمشي في الأسواق.
عندما يغترب المرءُ ردحاً طويلا من الزمن يبدأ في صناعة ماضيه، فيحذف منه ويضيف إليه ويتلاعب بذاكرته عن غير وعيٍّ منه، وفي النهاية ينتهي من رسم لوحةٍ لماضيه، طفولته وشبابه، ليست مطابقة تماما للصورة الحقيقيـة، وفور وصول المغترب إلى مرحلة تصديق ماضٍ من صُـنع خياله يصبح على استعداد أن ينافح عنه بكل ما أوتي من قوة.
هناك حالة مشابهة رغم أنها معاكسة تماما وهي تلك التي يقوم آخرون فيها بصناعة ماضي الغير، حذفاً وإضافة ورتقاً وتزييناً وتلويناً رغم أن الفارق الزمنيَّ والمكانيَّ قد يكون عقوداً و .. قروناً.
المجهول هو القوة الدافعة لصناعة القداسة، والإنسان مولع بالبطل المصنوع من قوىَ خيالية أو دينية أو وطنية أو خرافية بحيث يصعب التحقق من صحة مواصفات بطلـِنا!
لو أنك كنت تقيم في الصين الشعبية إبان الثورة الثقافية وقلت لأحد بأن ماوتسي تونج رجل فيه من الضعف والقوة ما يماثل غيره، بل إنه كان يتحرش بالفتيات الصغيرات، وهو كغيره يتألم، ويتلوّع، ويطارد الأرَقُ جفونــَه، ويصيبه إسهالٌ وإمساكٌ، وربما نوبات من البكاء لا يعلم عنها أحد شيئاً.
لو همست بهذا لكانت رصاصة شيوعية أصابت مـَقـْدَمَ رأسك كما كانت تصيب الأسرى الفيتناميين رصاصات سايجونية خلال حرب اليانكي ضد الفقراء الصُفر المدافعين عن وطنهم الأحمر في هانوي.
إذا ارتدى مخبول ملابس رثة، وأطلق لحيته، وحمل بخوراً، وجلس في أرض جدباء خربة بالقرب من ضواحي مدينة كلـْكـُتـّا الهندية، ثم زعم أنه آخر أنبياء الهند فسيبصق عليه الناس في اليوم الأول، ويؤمن به ثلاثة في الأسبوع الرابع، ويصبحون ثلاثين في بداية العام التالي، وبعد عشرين عاما من الصمود وتحمـّل التهكم والصبر على السخرية تعلن الحكومة البريطانية أنها بصدد الموافقة على السماح ببناء معبد في برايتون لتلك الطائفة المضطهـَدة في الهند.
يمكنك أن تطلق شائعة عن فقيه من نسج خيالك يدعى، مثلا، " الهيثم بن البحر" كان يعيش في اليمن، وكان إذا قرأ القرآن الكريم سمع حفيف أوراق الكتابة فيفهم أن سبعين ألفا من الملائكة يكتبون حسناته بسرعة الصوت.
إذا قصصت هذه الحكاية على أشخاص مختلفين عدة مرات في أوقات مختلفة وأماكن متعددة فإنني على يقين من أنك ستقرأ الحكاية بعد عشرين عاماً في كتاب موثـَّق بقلم كاتب مشهود له بالتدقيق والتصحيح والمراجعة، وسيؤكد لك يوم مولد ووفاة " الهيثم بن البحر" الذي اخترعته قريحتك في جلسة مزاج عال.
ما نفرت في حياتي بعد نفوري من الطغاة كما أفعل مع القداسة.
الاحترام والتقدير والمحبة والإعجاب كلها مشاعر تظل في إطار الحس الإنساني الذي لا غبار عليه، أما تنزيه شخص ووضعه في دائرة المعصومين، ثم إحاطته بهالة من القداسة فإن نفسي تشمئز من تلك العلاقة المريضة بين الاستعلاء المصطنع و .. الدونية الموهومة.
تاريخنا كلـُّه مليءٌ بشخصياتٍ خرافيةٍ ألـَّهناها، وعملقناها، ورفعناها فوق رؤوسـِنا، ثم صدَّقنا ما وضعناه على ألسنتــِها!
قابلتُ كثيراً من الحاصلين علىَ أعلىَ الدرجات العلمية لكنهم يتلذذون بمشاعر الدونية نحو شخصيات تاريخية أو دينية أو وطنية كما يشعر الجندي الريفي في أول أيام الخدمة العسكرية وهو يقف أمام قائد المعسكر!
عندما يقف شيخٌ أو قـِسٌّ أو حاخام أمام المؤمنين فإنَّ رهبةَ المجهول في الدين تسري بسرعةٍ عجيبةٍ من المنبر إلىَ فؤاد المتلقي ويبدو كأنه تنويمٌ مغناطيسي، ونفس الأمر ينسحب علىَ العلاقة مع الحاكم أو الزعيم أو الديكتاتور، فسكانُ أديس أبابا كانوا يظنون أنَّ الإمبراطور هيلاسلاسي يراقب أحلامــَهم، وكوابيسـَهم، ويعرف ما يـُخفون في صدورِهم، لذا غاب عن الاثيوبيين أن إمبراطورَهم مشكوك في قدرته على القراءة والكتابة!
هذه الشخصيات التاريخية والوطنية والزعامات الدينية تقوم في حياتـِها ومماتـِها بالسيطرة على عقولـِنا وقلوبـِنا، أو بالأحرى نمنحها نحن مُقًدراتنا!
لو يعلم أيُّ عاقلٍ أنَّ الثقوبَ في الثوب المـُقـَدّس أكثر من المساحات السليمة لنفـَضَ عن نفسـِه عبادةَ الأشخاص.
يتملـَّكني غضبٌ شديدٌ مـَشوبٌ باشفاقٍ عندما أرى الإنسانَ الذي خلقه اللهُ، ونعَّـمـَه، وكـَرَّمَه، ونفخ فيه من روحـِه وقد تحوَّل إلىَ حشرةٍ أو أدنىَ. يــُقــَبـِّل أيدي المـُلوك والشيوخ والعلماء،يطيع رجالا لو رآهم في لحظات ضعفهم للطم وجهه على ما فرط في كرامته وإنسانيته.
يستشهد بآراءٍ وأفكارٍ وحكاياتٍ نقلها له عنعنيون فظن أنها قبسٌ من نور الذِكـْر الحكيم أو تنزيلٌ من التنزيل.
يأكل الدودُ صاحبــَنا الذي لا نعرف عنه إلا القليل، وبعد مئات الأعوام نكاد نركع أمام أقوالـِه، ونتقاتل لنثبت صحتـَها، ونقاتل من يشكك في أي حرفٍ منها.
كلهم رجالٌ مثلــُنا، منهم من مات وشبع موتاً، ومنهم من لم يأخذ حفـَّارُ القبور أجراً علىَ دفنــِه بعد.
لا غضاضة أو اعتراض أو عــِتاب في أن نحترم شيخَ الأزهر وبابا الكنيسة القبطية وبابا الفاتيكان وآيات الله في قُم والنجف وكربلاء وحاخام اليهود وزعماء الدروز والبهائيين والبابيين والأحمديين والسيخ والهندوس والبوذيين .
وجميل أن تكون حريصاً علىَ آراءٍ وأفكار وأعمال ومؤلـَّفات وتراث دين أو معتقد أو مذهب أو زعيم وطني أو قائد ثورة ثقافية أو شيوعية أو مُحرِّر أمة من سيمون بوليفار إلى بسمارك، ومن أتاتورك إلى محمد علي، ومن مارتن لوثر كينج إلى جيفارا، ومن الأئمة الأربعة إلى القدّيسين وكهنة الأديرة ومُفسـّري الكــُتـُب المقدسة والوضعية.
لكن كل الذين نتمنى أنهم من تـُراب الأرض جاءوا وإلى تراب الأرض ودودِه عادوا ينبغي أن يظلوا في دائرة إنسانية بكل ضعفها وقوتها، فقد كانوا يأكلون الطعام، ويمشون في الأسواق، ويمرضون، ويقضون حاجتهم، وتنبعث منهم روائح كريهة، ويُصابون بالضعف النفسي والجنسي والشره والتخمة والإدمان و .. الزهايمار، ويتلعثمون، وتهاجمهم كوابيس، ويجهشون بالبكاء في الخلوة.
عندما ينصحك المتلذذون بالدونيــّة بطاعة وليّ الأمر مهما كان ظالماً وشريراً ومستبداً فلا تنصت إليهم، فأولو الأمر أيضا أناسٌ ليسوا أعلىَ من أدنانا، أو أقوىَ من أضعفـِنا، أو أذكى من أغبانا!
طريقُ الإصلاح يبدأ من هنا .. من حيث نزع القداسة عن أيّ إنسان ما لم نؤمن أنَّ اللهَ أوحىَ إليه، أو اصطفاه، أو كـَلــَّمـَه، أو نـَزَّل عليه الروحَ الأمين.
عندما تنتقد، وتـُشكـّك، وتتفحص، وتغوص في الأعماق، وتقرأ ما وراء السطور، وتقف على قـَدَم المساواة الإنسانية مع أي شخص في الدنيا فأنت على الصراط المستقيم.
كبارُنا صغارٌ، وعلماؤنا خلقـَهم اللهُ ضــِعافاً، وزعماؤنا التاريخيون أو الذين لم يقم مــَلــَكُ الموت بزيارتـِهم بـَعْدُ لو اطـَّلعتَ عليهم بين جدرانٍ أربعة لبكيتَ على كل لحظة خفضت رأسـَك أمامهم، حُضورا أو غياباً!
حديثي هذا لا ينتقص قيدَ شعرة من أي صورة من صور الاحترام، لكنه دعوةٌ لإعادة تحطيم الأصنام التي في الصدور.
*******************************************
سامح عيد، إنه يجب تحرير مفاهيم السنة، مؤكدًا على أن "الدين ليس فيه ثوابت ولكنها تقال لتكفير الآخرين".
وأضاف عيد، في تصريحات تليفزيونية، أن تفاسير القرآن الكريم كلها "منتج ثقافي"، وتابع: "هاتولي كبار مشايخ الدين وكل واحد يكتب ثوابت الدين في ورقة واحدة وأتحداك يتفقوا على حاجة واحدة".
وأوضح الباحث في شئون الحركات الإسلامية، أن "تفسير القرآن حصل فيه اختراق ولا أقصد القرآن الكريم نفسه"، مواصلًا: "مصطلح السنة نفسه بحاجة لتحرير ومراجعة كبيرة جدًا فمثلا باب الصلاة في البخاري 171 مقسمة على 8 أبواب لم يتضمن هيئة الركعة وهكذا".
وواصل: "السنة لم تتضمن هيئة صلاة الرسول، ولكن هيئة الصلاة وصلت إلينا بالتواتر".
*
سامح عيد، إنه يجب تحرير مفاهيم السنة، مؤكدًا على أن "الدين ليس فيه ثوابت ولكنها تقال لتكفير الآخرين".
وأضاف عيد، في تصريحات تليفزيونية، أن تفاسير القرآن الكريم كلها "منتج ثقافي"، وتابع: "هاتولي كبار مشايخ الدين وكل واحد يكتب ثوابت الدين في ورقة واحدة وأتحداك يتفقوا على حاجة واحدة".
وأوضح الباحث في شئون الحركات الإسلامية، أن "تفسير القرآن حصل فيه اختراق ولا أقصد القرآن الكريم نفسه"، مواصلًا: "مصطلح السنة نفسه بحاجة لتحرير ومراجعة كبيرة جدًا فمثلا باب الصلاة في البخاري 171 مقسمة على 8 أبواب لم يتضمن هيئة الركعة وهكذا".
وواصل: "السنة لم تتضمن هيئة صلاة الرسول، ولكن هيئة الصلاة وصلت إلينا بالتواتر".
*
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق