الخميس، 27 يناير 2022

الحداثيون العرب

Jun 24, 2019

ومناهجهم في نقد وتفسير القرآن الكريم
 الباطنيون الجدد،
تقويض البنى المفاهيمية للفكر الإسلامي من الداخل، بعد أن فشل أسلافهم في تقويضها من الخارج ببدائل عقدية وأيدلوجية مستوردة تتربع على عرشها الماركسية بدعوى الحداثة.

ومصطلح الحداثيون العرب، الذي يطلقه الدكتور الجيلاني مفتاح، الأستاذ في الجامعة العالمية الإسلامية في ماليزيا على هذه الظاهرة في محاولته النقدية الجادة بعنوان " الحداثيون العرب والقران الكريم " ( دار النهضة، 2006 )،

لحظة انبثاقها بهزيمة العرب عام1967، حيث فشل التيار العلماني بشقيه "القومي والماركسي" في تحقيق ما وعد به من شعارات التنمية والتحرر،

 اجبر العلمانيين على إعادة النظر في أساليب العمل والنضال السابق، والتمركز على العامل الديني، وإمكانية إدراته ضمن آليات الصراع الجديدة، إذ رأوا أن ذلك يقتضي إنتاج تفكير أصولي تشريعي جديد، يتناول في مجمله أربع آليات أساسية عند ممارسته النقد على مناهج  التفسير الإسلامي وهي: مفهوم القران الكريم، والسنة، والنسخ،واللغة، حيث ركز مفتاح في هذا الإطار على كتابات من تولى كبر هذه المهمة من هؤلاء الحداثيين، أمثال: محمد أركون، ومحمد عابد الجابري، ومحمد شحرور، وأبو القاسم حاج أحمد، وحسن حنفي، ونصر حامد أبو زيد، وسيد القمني

 الفهم الإسلامي الذي ينظر إلى القرآن على أنه كلام الله الواجب الإيمان به والعمل بأوامره والانتهاء بنواهيه، لتقوم على النقد والحذف والإضافة، أو الطعن مباشرة في صحة المصحف، كما تصدى لذلك محمد أركون عند ادعائه أن المصحف ما هو إلا نتاج ظروف تاريخية محكومة بأغراض المؤرخ وأهدافه الخاصة، أو نفيه أن يكون القران كلام الله، أو حتى أن يكون هناك إله متعال، أو كما يدعي أبو زيد من خلال ترسيخه فكرة أن القرآن هو حصيلة تراكمات تاريخية ومعاناة قاسية للمجتمع العربي، ظهرت في اللحظة المناسبة على لسان محمد عليه السلام في شكل نص أدبي.
أما في مجال السنة، فالطرق التي انتهجها الحداثيون في التعامل معها، هي طرق متعددة ومتنوعة، غير أنها تلتقي عند غاية واحدة هي: تهميش السنة، وإلغاء دورها البياني للقران الكريم،

الرؤية محمد أبو القاسم حاج حمد، أو كما يدعي شحرور: أن السنة لا تعدوا أن تكون مجرد اجتهاد قام به النبي عليه السلام في زمان ومكان محددين ، غير ملزم لمن جاء بعده .

حاول أبو زيد الاستدلال بالنسخ على تاريخية القران وعدم صلاحية المناهج التراثية القديمة في تفسيره، ويقرب من هذا تكريس شحرور للنظرية الجدلية وفق نقيضين " الحنيفية والاستقامة " كمقصود رباني، لتعليم كيفية الاجتهاد وتطوير التشريع ضمن حدوده، 

فقد تكرس الموقف السلبي للحداثيين من اللغة، على اعتبار أنها لغة دينية ضعيفة وعاجزة عن أداء وظيفتها في عصرنا الحاضر، فلفظ دين، فقد مشروعيته في العصر الحاضر، لذا فقد وجب استبداله بلفظ أيدلوجية، فاللغة التي وردت إلينا عبر المعاجم هي لغة بدائية، عقيمة، راكدة، عائمة، وقاصرة عن حمل المعاني المستجدة كما يقرر حسن حنفي، الذي يرى أيضا، أن اللغة العربية لغة ما ورائية، ليس لها ما يقابلها في الحس، ويبرر له الجابري في القول: لأنها ظهرت في طبيعة وبيئة صحراوية قاحلة، وجدباء، ومتقلبة المناخ، كرست في لا شعور العربي ما أسماه: مبدأي الانفصال والتجويز، فهي لغة إذن تفتقد إلى السببية والترابط المنطقي، بزعمهم.
ينتقل مفتاح بعد عرض آليات النقد التي مارسها الحداثيون على مناهج التفسير الإسلامي، إلى تبيان مناهج الحداثيين التي تبنوها في تفسير القران الكريم، والتي قامت بحسب المؤلف على دعوى مبدأين وثلاثة منهاج، أما المبدأين فهما: الموضوعية والشمولية، وأما المناهج فهي: الألسنية المعاصرة، والمادية التاريخية، والمنهج الأسطوري.

ركزت الدراسة في مجال الألسنيات المعاصرة على مسألة الترادف اللغوي،المأخوذ أصلا من الدراسات الألسنية الغربية ومدارسها الوضعية التي ترتكز على فكرة " أنه لا بد لكل مفهوم ذهني ما يقابله في الوجود المادي "

هذه المناهج جل مقاصدها، أن تستهدف نفي الغيب، ومحاولة إخضاع كل ما ورد في القران إلى منطق الحس والتجربة، ورجم القرآن بالتناقض، والطعن في مقام النبوة، وتأويل القران تأويلا طبقيا، وتكريس محدودية منطوق النصوص، أو إنكار أن تكون ثمة أحكام شرعية أصلا، أو التحلل من كل عقد شرعي، من خلال الطعن باللغة العربية التي تنزل بها القرآن، واستبدالها بالتفسيرات الوضعانية والمادية، المستخرجة من قاموس الفلسفة الماركسية التي خرج من 
عباءتها أكثر هؤلاء المتسولين الفكرانيين من دعاة الحداثة العرب.

*

أثر الاستشراق على الفهم الحداثي للقرآن

نقد الآليّات التي وضعها المسلمون لفهم النّصّ القرآنيّ، ودعت إلى ضرورة استبدالها بمناهج غربيّة، بحجة أنَّ تلك الآليّات هي السبب في التخلّف، ولم تكتف الشخصيات الحداثيّة بالقطيعة مع التراث الإسلاميّ المُفَسِّر للنصّ القرآني؛ بل دعت إلى العمل على النّصّ القرآنيّ نفسه، وعلّلت سبب تلك الدعوى بأنَّ النصّ القرآنيّ هو محور الحضارة الإسلاميّة، فلا بدَّ أنْ تتعدّد تفسيراته وتأويلاته، ولا بدَّ من تنوّع الآليّات المنهجيّة المتّبعة في فهم نصوصه، وتأثّر الحداثيون بالنظريّات الغربيّة والمنجزات الاستشراقيّة في مجال فهم النصّ الديني.

“محمد أركون” تأثر بمسألة “التاريخية” من المستشرقة “جاكلين شابي” Jacqueline Chabbi ، كما أن نقد “أركون” للاستشراق، ربما تركز على تمسك الاستشراق بالمنهج الوصفي دون أن ينتقل إلى محاولة تصحيح المفاهيم الإسلامية، كما انتقد عدم التفات الاستشراق إلى التقدم في الدراسات التاريخية، إذ يصر الاستشراق-حسب أركون- على دراسة بنية النص دون سياقاته، أما “هشام جعيط” في دراسته للسيرة النبوية، فقد أعاد إنتاج أفكار الاستشراق بصورة جديدة، ورغم نقد الحداثيين للاستشراق، فإنهم لا ينتقدون الأسس والمناهج التي انطلق منها الاستشراق.

يؤكد الكتاب أن الفكر الحداثي بدأ بالتشكيك في النص القرآني، ثم تطور إلى التشكيك في فقه النص، ويتفق الحداثيون والاستشراق في مساعيهم للتقليل من قيمة النص القرآني، ثم مهاجمة الأصول والقواعد التي تضبط عملية فهم النص، وسعيهما إلى استبدال تلك القواعد بمناهج غربية، فخطاب الحداثة يعتمد على عدم التفريق بين النص المؤسس وبين الثقافة المؤسسة على فهم بشري للنص، ويوظف أسوأ الاجتهادات البشرية لينسبها إلى النص المؤسس، كذلك كانت عمليات التشكيك في الوقائع التاريخية وإثارة الشكوك من الموضوعات التي تتقاطع فيها الحداثيون مع الاستشراق

نماذج تطبيقية

الحداثيين العرب، مثل “محمد أركون” و”نصر حامد أبو زيد” وطيب تيزيني” و”محمد عابد الجابري”، كما عرض عدة قضايا في فهم القرآن التي أثر فيها الاستشراق على الحداثيين، ومنها: مفهوم الوحي، والقرآن المكي والمدني، وجمع القرآن وتدوينه، والنسخ.

فمثلا “أركون” تأثر بمدرسة الحوليات الفرنسية، وهي مدرسة تاريخيّة حديثة تأسّست عام 1929 م، كما تأثر بالاستشراق، فهو درس في معهد الاستشراق في باريس، وتأثر بكبار المستشرقين الفرنسيين، مثل: “شارل بيلا” Charles Pellat و”كلود كاهين” Claude Cahen و”جاك بيرك” وكلّهم كانوا يدعون لإخضاع القرآن للمناهج الغربيّة، وكان مشروعه يرتكز على تحرير الفكر الإسلامي من المناهج القديمة، وإقامة نظام إسلامي وفق شروط الحداثة، من خلال اعتماد المنهجيات الغربية والإفادة من أدواتها وآلياتها، وابتكر ما أسماه بـ”الإسلاميات التطبيقية”، ومع ذلك انتقد الاستشراق ومنهجه الوصفي، وعدم التفات الاستشراق إلى التطور في الدراسات التاريخية، وانتقد تمسك الاستشراق بالبنية الداخلية للنصوص دون السياقات، لذا كان يدعو لغربلة جميع النصوص الدينية من خلال تطبيق العلوم اللسانية والاجتماعية الحديثة على النص القرآني، وأعلن “أركون” عن مشروعه النقدي عام 1984 في كتابه “تاريخية الفكر العربي الإسلامي”، وكان يدعو إلى إخضاع القرآن لمناهج العلوم الإنسانية الحديثة، لكنه رجح القرءات الشاذة على المتواترة سيرا على ما ذهب إليه المستشرق الأمريكي ” دافيد باروس”، ورغم نقد “أركون” للمناهج الاستشراقية فإنه لم يستغني عنها في مشروعه.

وكان الوحي من القضايا التي تأثر فيها الحداثيون بالاستشراق، ومن مظاهر التلاقي بين الاستشراق والفهم الحداثي الوحي، ظهور مفهوم جديد للوحي يعتمد على المادية، حيث أنكر الغالبية الوحي والنبوة، وكان بعضهم لا يرى إمكانية لوجود الوحي نظرا لرؤيته المادية، وذهب آخرون أن الوحي ما هو إلا خواطر للنفس البشرية، فالرؤية الحداثية فلم تبرح كثيرا ما قاله الاستشراق، وهو ما يعكس التأثر الواضح بالفلسفة المادية التي ظهرت مع الحداثة الغربية، ومن ثم اختفت النظرة التقديسية للوحي، فمثلا “أركون” لم يبتعد عن المنهج الاستشراقي فيما يتعلق بالوحي، وتحدث عن مستويين للوحي، أما “نصر حامد أبو زيد” فقد ادعى أن الوحي نص ثقافي تأثر وتشكل في البيئة العربية، وأصر على تفسير القرآن بناء على الظروف التاريخية التي نزل فيها أولا، ومعنى هذا أن القرآن الكريم يفقد قدرته على إنتاج الأحكام، أما “هشام جعيط” فيلتقي مع الاستشراق في الشبهات القائلة بالوحي النفسي، أما عبد المجيد الشرفي فتحدث عن الوحي النفسي مكررا مقاولات المستشرق “مونتجمري وات”.

وفيما يتعلق بتقسيم السور إلى مكية ومدنية فإن الحداثيين رأوا أن الواقع هو الذي يقسم السور، وبالتالي فإن الواقع يتدخل في تشكيل القرآن الكريم، ووفقا لهذه الرؤية فإن الواقع تدخل في إنشاء النص وتشكيله، وهو ما يتماشى مع فرضيتهم بالقول بتاريخية النص القرآني، وحسب زعمهم أن القرآن منتج بشري، فـ”طيب تيزيني” ادعى وجود تناقض بين الآيات في المرحلة الواحدة سواء أكانت مكية أو مدنية، وهو رأى يتفق مع ما ذهب إليه المستشرق الشهير “جولد تسيهر”.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق