الفروقات والتناقضات والمستويات.
هذه الظاهرة ليست حكرا على مصر وموجودة في العديد من الدول، لكن ما يميزها أن الحكومة تلعب دورا متعمدا في التباين الطبقي، ولم تعد المسألة متروكة للعرض والطلب والاجتهاد والتفوق والكسل، فالحكومة كأنها تتبنى طريقة ممنهجة في رفع طبقة وخفض أخرى، ما أسهم في زيادة التقسيم الطبقي لأسباب سياسية.
الإهمال الذي تجده الطبقة الوسطى التي تآكلت شريحة كبيرة منها ودفعت ضريبة باهظة للإصلاحات الاقتصادية وبدا إنهاكها مقصودا، فهي توجه نسبة من دخولها للتعليم والمواصلات والمأكل والملبس ولا تستطيع فئة منها سد الفجوة بين عوائد أفرادها ومتطلباتهم الأساسية.
فالفقراء لا يعنيهم قبول الأوضاع السياسية أو رفضها بقدر ما يعنيهم توفير الحد اللازم من وسائل المعيشة، وهو ما تفعله الحكومة عبر برامجها.
كما أن الأغنياء لا تستهويهم السياسة ومعاركها الكثيرة، طالما أن ثروتهم بعيدة عن القصف، وقد بدأت تتبلور ملامح هذا التوجه مؤخرا، وتكاد تنتهي ظاهرة تزاوج المال مع السلطة التي استمرت فترة طويلة، فالنظام يريد أن يتحكم في المفاصل السياسية والاقتصادية والاجتماعية ولا يترك مساحة لمناورات تمثل عبئا لاحقا عليه.
في ظل الثورة الحاصلة في التكنولوجيا والدور الذي تلعبه مواقع التواصل الاجتماعي التي باتت أداة قوية في يد من يسعون للتغيير أو من يحركونهم.
تنطلق رغبة الحكومة في تطويق مكونات التغيير الذي يمكن أن تحدثه الطبقة الوسطى من رؤيتها بأن ما حدث في مصر قبيل نهاية عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك وسقوط نظامه بعد ذلك كان وليد رفاهية تمتعت بها هذه الطبقة ومنحتها دورا مؤثرا في الحراك السياسي الذي كاد يفضي إلى انهيار الدولة المصرية.
نجحت سياسات الحكومة في تطويق الطبقة الوسطى وإرهاق نسبة كبيرة من أفرادها اجتماعيا واقتصاديا كي لا يتبقى لهم وقت يتفرّغون فيه للمناكفة، وعليهم القبول بالواقع الراهن، اعتقادا بأن الحكومة أدرى بشؤون دنياهم، ما جعلها تستخدم مفردات خالية من الدسم السياسي وتسعى لإلغاء كل ما يدل على هذا المعنى من حياة المصريين.
فمهما بلغ ذكاء الحكومة في القبض على دفة المجتمع والتحركات الدائرة فيه لن تتمكن من السيطرة على مفاتيحه الرئيسية، فخارطة المصريين تحدث فيها تغيرات مستمرة ويتواءم الناس مع تفاصيلها بما يمثل عائقا لتوقع ردود الأفعال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق