Nov 15, 2020
2018/7
في 2013 كتبت أن العسكريين، في حال تخلوا عن المسار الديمقراطي، لن يستطيعوا الحفاظ على الدعم الشعبي الذي حصلوا عليه في 30 يونيو، وأن أيًا من القوتين المناهضتين للديمقراطية؛ الإخوان والعسكريين، لن تستطيع فرض سيطرتها على مصر، التي لن تستقر إلا من خلال نظام حكم ديمقراطى. وقتها، اختتمت المقال، والذي نشرته Die Zeit وجريدة الشروق، بالتساؤل عما «إذا كان مثل هذا النظام سوف يظهر قريبًا، أم أن علينا خوض جولة جديدة من الصراع قبل أن يدرك الجميع الحاجة إلى ديمقراطية حقيقية.»
جاءت الإجابة سريعًا؛ لم يتخل النظام الجديد فحسب عن مسار التحول الديمقراطي، بل أغلق كذلك مساحة التعددية التي حافظ عليها الرئيس مبارك خلال ثلاثين عامًا، ليتحول إلى ما يشبه نظام الحكم الناصري، سواء من حيث استبداده، أو هيمنة العسكريين على كل كبيرة وصغيرة فيه.
نتيجة لذلك، يأس البعض، وربما الكثيرون، من إمكانية التحول الديمقراطي في مصر، واستسلموا إلى قناعة بأن الجيش لن يتخلى عن حكم مصر في المستقبل المنظور، وربما أبدًا.
أزعم هنا أن هذه النظرة مخطئة، وأن العسكريين، آجلًا أو عاجلًا، سيضطرون للتخلي عن الحكم والانسحاب من المجال العام، مفسحين المجال لبداية عملية تحول ديمقراطي حقيقي، مقابل احتفاظهم، ولسنوات طويلة، باستقلالية في إدارة شؤون القوات المسلحة وبصوت مسموع في القرارات الاستراتيجية للبلاد. نفس كلام علاء الاسواني وبلال فضل
أولًا: بحلول 2011 اتضح للأغلبية فشل الدولة في أداء وظائفها الأساسية، مثل توفير الأمن وتطبيق القانون، ورعاية النشاط الاقتصادي، وحشد الموارد البشرية والطبيعية وتنميتها، وتوفير إطار سلمي ومتوازن للصراع بين الفئات الاجتماعية ومصالحها ورؤاها، وحماية مصالح المجتمع الخارجية، وضمان توفر الخدمات الأساسية بشكل مقبول للأغلبية.
بلغ هذا الفشل حدًا لم تعد تجدي معه المسكنات، ولا الإنكار والتظاهر بأن كل شيء على ما يرام أو أننا نمر في عنق الزجاجة وسنخرج منه قريبًا، أو أن السنوات القادمة ستشهد انفراجة، إلى آخر هذه الادعاءات. بل إن القائمين على الدولة بدأوا في التخلي عن هذه الوعود وساد اقتناع عام بأننا في مركب يغرق وأن على كلٍ النجاة بنفسه، مصحوبًا بإحساس عام بأن النخبة الحاكمة تستخدم وظائفها للنجاة بنفسها وأبنائها تاركة الأغلبية لتغرق في بؤسها. ومن هنا جاء التأييد الجارف الذي لقيته ثورة يناير، مع حالة الأمل التي سادت البلاد في أعقابها مباشرة، وقبل تمدد الإسلاميين على السطح.
تغيير «نظام تشغيل» الدولة نفسه. أي إعادة بناء مؤسسات الدولة كلها من جذورها، في قطاعات الأمن وإنفاذ القانون، والاقتصاد والخدمات والعلاقات الخارجية والنظام السياسي، وتغيير فلسفة عملها والأسس التي تقوم عليها، بحيث تنقلها من عالم القرن التاسع عشر الذي تعيش فيه الى العصر الحديث.
أصبحت الأغلبية تشعر بالظلم والغضب إزاء مظاهر فشل الدولة، مقارنة إياها بنجاح الدول المشابهة لمصر، وترى أنه من الممكن والضروري تغيير أداء الدولة بشكل جذري، وتتوقع من الدولة مساعدتها على تحقيق أهدافها أو على الأقل عدم إعاقة مساعيها لتحقيقها. هذا التغيير يشمل أغلبية الناس بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية.
رابعًا: لم تستوعب النخبة العسكرية الحاكمة هذه التغيرات بما يكفي لتعديل سلوكها. فهي لاتزال تقلل من فداحة فشل الدولة، وتحاول احتواءه من خلال خليط من المسكنات، وسياسات التعبئة الحماسية الهادفة لـ«إعطاء الناس أمل»، وإجراءات ومشروعات اقتصادية وإدارية، بعضها طموح. لكنها إما أنها لا تفهم معنى ضرورة تغيير «نظام التشغيل»، أو تعيد تفسيره بشكل يقربه من الإصلاح الإداري، أو تفهمه لكن لا تؤمن بإمكانية تحقيقه.
الثورة مؤامرة لتقسيم مصر، أو خطة إخوانية، أو حدث عابر لا يعكس تغييرًا عميقًا في المجتمع، الخ.
مقال، نُشر بالـ«فاينانشال تايمز» يوم 4 فبراير 2011، نجاح المطالبين بالديمقراطية في إسقاط الرئيس مبارك، ثم تبعثرهم بين التنظيم الحديدي للإخوان و«ملكية» العسكريين للدولة.
من المستحيل أن ينجح الرئيس السيسي، والجيش من خلفه، في حكم مصر بشكل مستقر لفترة زمنية ممتدة. وهذا لأن فشل الدولة أفدح من أن تصلحه الإجراءات الحالية، والتي تراها النخبة الحاكمة أقصى الحلول طموحًا وجذرية، وتحشد لها ما استطاعت من قوة وموارد سياسية وايديولوجية ودعائية واقتصادية ومؤسسية. وبرغم ذلك فهي تواجَه بانصراف أو تقاعس أو عدم مبالاة من قطاعات كاملة من الشعب وعداء مسلح من الإسلاميين، ما يزيد من صعوبة تنفيذها بنجاح. ورغم اذعان الأغلبية للحكم القائم واستسلام الأقلية النشطة أو قمعها، إلا أن ذلك لا يغير من توقعاتها ومطالبها ومعاييرها لتقييم أداء وشرعية السلطات الحاكمة، حتى وان لم تعبر عنها حاليًا.
معنى هذا استحالة وفاء النظام القائم بالآمال التي أطلقها، بالحنو على الشعب وبجعل مصر «قد الدنيا»، وهو ما لا تستطيع أي آلة شحن إعلامي إخفاءه عن الناس أو تغيير تقييمهم لأداء السلطات الحاكمة بسببه لفترة ممتدة.
لا يتبقى للنظام من سند سوى الإنهاك والذعر الذي أصاب الأغلبية مع فشل الثورة في تحقيق أهدافها، بما في ذلك الخوف من سيناريوهات العراق وسوريا، والشعور العام بغياب بديل آمن أكثر فاعلية في الوقت الحالي. لكن كلا الأمرين لا يمكنهما الدوام.
استمرار العمليات الإرهابية سلاح ذو حدين؛ يُبقي شبح الذعر ولكن بتكلفة عالية، إذ ينال من تقييم الناس لكفاءة النظام. ومن ناحية أخرى، فإن تدهور الظروف المعيشية وتفاقم الغلاء يسهلان تقبّل الناس للبدائل.
باختصار، فإن «الرصيد» مآله النفاذ. وعندها لن تكون أمام العسكريين مساحة كبيرة للمناورة. عملية الشحن والتعبئة الجارية منذ 30 يونيو هي أقصى ما يمكن للعسكريين حشده. وبمعنى آخر، فهي علبة الذخيرة الأخيرة.
وحين نصل للنقطة التي ينفد فيها الرصيد أو يوشك على النفاد، قد يقرر الحاكم، أيًا كان اسمه، استخدام ما تبقى من الطلقات في قمع الرفض الشعبي، أيًا كانت صورته، بما يتركه ومن معه عزلًا في مواجهة من يبقى بعد حملة القمع الأخيرة، وهي حماقة نادرًا ما يتورط فيها الجميع.
من ثم، فالأرجح أن يتفق العسكريون، في نقطة ما قبل نفاذ الرصيد، على تنظيم انسحابهم من الحكم لتجنب الوقوع فيما هو أسوأ، وضمان استقلالهم وحصانتهم، واحتفاظًا بصوت مسموع في القرارات الكبرى، وهو أفضل ما يمكنهم تحقيقه.
صواب هذا التحليل وخطؤه يعتمدان على صحة الافتراضات الأربعة أعلاه، فإن كانت كلها، أو بعضها، خاطئة، وإن كانت هناك افتراضات أخرى تجبها، فسد هذا التحليل.
إن كانت الثورة مؤامرة ولم يكن هناك تغيير في ثقافة الشعب ولا في حدة فشل الدولة، فستنجح الجهود الجارية لاستعادة الاستقرار، وتعم السعادة على الجميع خلال سنوات قليلة. وإن كانت غالبية الشعب متيمة بالحكم العسكري والضبط والربط ومستعدة لتقبل الفشل والقمع طالما كان وراءه رجال يحدوهم الإخلاص والفداء، فسيستقر النظام مهما حدث. هو ده العقد الاجتماعي في الكتب
لكني أظن أن الافتراضات الأربعة التي سقتها أصلب وأقدر على التفسير، ومن ثم أرجّح النتيجة التي أوردتها أعلاه.
*****
لماذا يستحيل على المعارضة حكم مصر؟
مشكلة المعارضة المصرية تكمن في انقسامها وضعف تنظيمها، وأنها لو وحدت صفوفها ونظمت نفسها فستتمكن من إزاحة استبداد العسكريين وحكم مصر وإخراجها من أزماتها الممتدة.
قوى المعارضة يستحيل عليها حكم مصر حتى لو وحدت صفوفها ونظمت نفسها، وأن هذه الاستحالة لا ترجع فقط لاستبداد العسكريين، فحتى حين ينهار التأييد الشعبي لحكمهم ويضطرون للانسحاب وتسليم السلطة، ستفشل قوى المعارضة في الحكم بدرجة لا تقل عن فشل العسكريين وتدخل البلاد في مرحلة جديدة من الفوضى.
المقصود بـ«قوى المعارضة» هنا المجموعات والأشخاص الذين يسعون للمنافسة على الحكم أو المشاركة فيه، وبالتالي لا أتناول تنظيمات ومبادرات المجتمع المدني التي تعمل على انتزاع مكاسب أو تنازلات من السلطات بشأن قضايا معينة أو نشر الوعي بها.
وأبني هذا الزعم على أساس الافتراضات الأربعة التالية:
أولًا، أن غالبية قوى المعارضة تشاطر العسكريين نظرتهم للدولة والعالم، وتنحصر اعتراضاتهم في مدى الكفاءة السياسية والإدارية للعسكريين أو تربحهم الشخصي من مناصبهم أو إخلاصهم للمصلحة العامة.
على سبيل المثال، تتفق معظم هذه القوى مع العسكريين في رؤيتهم للدولة باعتبارها قاطرة التنمية ومحركها الرئيسي، والمسؤول الأول عن توفير السكن والعلاج والمواصلات والتعليم والثقافة والسلع الأساسية لكل مواطن، إما مجانًا أو بأسعار تتناسب ودخولهم، بل ومسؤولة عن توفير هذا الدخل نفسه من خلال حد أدنى للأجور أو معاشات للفقراء والعاطلين. هذه في نظر الجانبين «مسؤولية» الدولة، لا مجرد هدف تسعى الدولة لتحقيقه من خلال تدخلها في أسواق يسيطر عليها أفراد ومجموعات مستقلين. وما ينطبق على الاقتصاد ينطبق على الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية؛ الدولة هي القائد في كل ذلك.
من ناحية أخرى، تشاطر هذه القوى العسكريين في رؤيتهم الإقصائية لغيرهم، وفي تفضيلهم لأهل الثقة على أهل الخبرة، وفي تفسيرهم التآمري للمختلفين معهم، وفي استعدادهم لاستخدام القوة لقمعهم. الفارق الرئيسي أن هذه القوى تجلس في مقاعد المعارضة ولا تتاح لها الفرصة الكاملة لممارسة رؤاها. لكن حتى من موقع المعارضة، بل والتهميش، تمكن للمتابع المدقق ملاحظة تفشي المنهج الاقصائي لدى هذه القوى خلال السنوات السبع الأخيرة، ابتداء من مساعي «اجتثاث الفلول» مرورًا بمساعي «الأخونة»، ثم مساعي «اجتثاث الإسلاميين»، وانتهاء بالشللية والمؤامرات الإقصائية الصغيرة داخل ما تبقى من أحزاب المعارضة وفيما بينها. المتابع المدقق يلمس جيدًا اتّباع معظم هذه القوى لمنهج البحث في نوايا الأشخاص وتقييم ولائهم كشرط أولي لتقييم أفكارهم. المتابع الجيد لهذه القوى المعارضة يعرف شيوع اتهامات الخيانة بين صفوفها، مثل خيانة دم الشهداء، خيانة الثورة، خيانة القضية الوطنية، إلخ، وكذلك اتهامات العمالة، سواء لأجهزة الأمن المصرية أو الأمريكية والإسرائيلية. المتابع الجيد لهذه القوى يعرف جيدا شيوع تحبيذهم المبدئي لاستخدام القوة من أجل اجتثاث خصومهم ومن أجل «القضية» التي يتبنونها.زي الاستغلالي في فيلم فوزية البرجوازية
كذلك تشاطر غالبية هذه القوى العسكريين في نظرتهم لعلاقة مصر بالعالم، سواء في عنصريتهم إزاء بقية العرب والأفارقة والآسيويين، والمتشحة بنظريات استراتيجية عن الضرورة التاريخية الثقافية السياسية لـ«الريادة» و«القيادة» المصرية، أو في صورتها المخففة المعروفة بـ«القوة الناعمة» أو «دور مصر الإقليمي». يشاطر معظم هذه القوى العسكريين رؤيتهم القومية للتاريخ، بتقسيمها العالم إلى غرب وشرق متصارعين؛ الشرق عظيم وبريء انقض عليه الغرب بالتآمر والخيانة حتى سيطر عليه، ولا يزال يبقيه متخلفًا وخاضعًا أيضًا بالتآمر والخيانة. واتساقًا مع هذه النظرة، يرى أصحاب هذه الرؤية الاقتصاد العالمي والمؤسسات الدولية كأشكال وأدوات للاستعمار السياسي والاقتصادي الذي تتوجب على الدولة مقاومته، وبناء قوة ذاتية سياسية واقتصادية وثقافية، والتنسيق مع الدول العربية والإسلامية وغير الغربية، للتصدي لمخططات الغرب للهيمنة والسيطرة على العالم.
لا يعنيني هنا إثبات صحة أو خطأ هذه الرؤى؛ ما يعنيني هو الإشارة للتطابق بين رؤية قوى المعارضة ورؤية العسكريين الحاكمين للدولة والعالم، والتذكير بأن الخلاف بين الجانبين ليس خلافًا حول الرؤى بقدر ما هو خلاف حول الاستئثار بالسلطة أو الكفاءة أو الفساد والتربح الشخصي أو العمالة للقوى الخارجية.
ثانيًا، أن هذه القوى عاجزة عن بلورة استراتيجية لتعبئة التأييد الشعبي بشكل مستدام يتجاوز الهبات والانتفاضات.
قضت هذه القوى حياتها السياسية تفسر عجزها عن التعبئة وتبرره، تارة بالقمع الحكومي وتارة بتخلف الشعب وانتشار الجهل والأمية واللامبالاة. وبرغم التدهور المستمر في مصداقية الدولة بعد هزيمة 1967 ثم بعد سياسة «الانفتاح الاقتصادي» وانكشاف زيف وعود التنمية والاستقلال والتحرر والرخاء، لم تنجح هذه القوى في ترجمة الاستياء الشعبي الحاد إلى رصيد سياسي. وحين انفجر الغضب الشعبي، في 1977 أو في 2011، ظلت معظم الكتلة الشعبية الغاضبة خارج الأطر السياسية. ورغم «الحالة الثورية» الممتدة، خصوصًا من 2005 وحتى 2013، ورغم انحسار القمع والتسييس الشديد للغالبية، استمر العجز عن التعبئة بشكل مستدام. ومن ثم، حين عادت آلة القمع للعمل بكامل قوتها في خريف 2013، لم تجد في مواجهتها قوى سياسية ذات قدرة على الحشد والمواجهة، بل أفرادًا يقولون كلامًا، ومن ثم تعاملت معهم كأفراد. حتى الإسلاميون – الذين بنوا شهرتهم على كونهم القوة الوحيدة القادرة منذ أيام الوفد القديم على التواصل مع الجماهير وتعبئتها – تبين عجز تعبئتهم عن خوض هذه المواجهة بأي درجة من درجات النجاح.
تبرير هذا العجز وشرح أسبابه التاريخية والاجتماعية، والتأكيد على إخلاص وجهد السياسيين المعارضين و«الأثمان» التي دفعوها، لا يختلفان في شيء عن تبرير العسكريين لفشلهم في قيادة الدولة والدفع بإخلاصهم وبذلهم أقصى جهد ممكن وإفنائهم حياتهم في سبيل الوطن. النتيجة واحدة في الحالتين: الفشل في أداء مهام ضرورية لنجاح المنظومة التي يقودونها. برِّرْ والتمسْ العذر كما شئت، وأنا معك، لكن في النهاية لا يفسد التبرير للوصف قضية، وهو أن كل هذه التنظيمات السياسية المعارضة تعاني عجزًا مزمنًا عن تعبئة الناس بصورة مستدامة، وهو ما يَترجم بعجز مزمن في قوتها، وبالتالي في قدرتها على دفع المصالح التي تمثلها.
ثالثًا، أن هذه القوى عاجزة كلية عن تجاوز مفهومها للسياسة باعتبارها بيانًا للمواقف المبدئية الشريفة أو تنظيم الاحتجاجات، لتنتقل الى بلورة رؤية واقعية لحكم الدولة وإنقاذها من الفشل الذي تنتقده ليلًا نهارًا.
تنادي المعارضة بالتغيير الجذري، لكنها ترى هذا التغيير بنفس الطريقة التي يراه بها العسكريون الحاكمون، لا باعتباره إعادة بناء لمنظومة الدولة الفاشلة، وإنما استبدال للحاكم ومعاونيه، إزاحة للفاسدين، وتغيير في البرامج والأولويات الحكومية. بمعنى آخر، فقوى المعارضة، تمامًا مثل العسكريين، لا تدرك مدى فداحة فشل الدولة، ولأنها غير معنية إلا بتكرار المواقف المبدئية والمطالب، فهي لا ترى من مهامها إطلاقًا بلورة رؤية لكيفية تحقيق هذه المطالب، متصورة أن مجرد تغيير شخصية الحاكم ومعاونيه سيتكفل بذلك.
وللتوضيح أكرر: ليس لدى قوى المعارضة ما تقدمه سوى تكرار الأهداف التي يحلم بها الجميع: دولة ناجحة، ذات إدارة رشيدة، واقتصاد فعال، وخدمات ذات مستوى مقبول، واحترام للحريات والحقوق، وشرطة وقضاء يتميزان بالنزاهة والكفاءة، الى آخره.
كيف نحقق ذلك؟ كيف تنتقل من دولة فاشلة إلى هذه الدولة الناجحة العظيمة؟ لا إجابة لدى المعارضة سوى بيان المواقف المبدئية الشريفة (أي الأهداف والمطالب) والدعوة لتغيير شخصية الحاكم. كيف ننتقل من دولة يقلُّ دخلها السنوي عن مصروفاتها بـ10% تقريبًا إلى دولة تضاعف مصروفاتها عدة مرات كي توفر خدمات الصحة والتعليم والمواصلات والإسكان مع حد أدنى للأجور يتناسب ومستوى الأسعار؟ إجابة المعارضة في معظمها بيان المواقف المبدئية الشريفة (أي الأهداف والمطالب) وتغيير الحاكم.
مؤسسات الدولة نفسها، ونتيجة تراكم الفشل عبر عقود، غير قادرة على العمل بغير الشكل الذي تعمل به؟ إن كان الاقتصاد نفسه ضعيفًا والموارد شحيحة والإدارة مهترئة والقدرة على التطوير محدودة، مثلما يرى الاقتصاديون المستقلون ومثلما يكرر رئيس الجمهورية في كل مناسبة؟ إن كان الفاعلون السياسيون غير قادرين على ممارسة ديمقراطية تعددية؟ لا إجابة لدى المعارضة سوى القول بأن الحلول موجودة؛ «إنها مسألة فنية وما ينقص هو الإرادة السياسية»، ومن ثم، نتيجة هذه الرؤية، لا ترى المعارضة من واجباتها بلورة رؤى لإعادة بناء الدولة وقدراتها وسياساتها العامة، وجعل هذه المحاولات هي محور النقاش والصراع السياسي، وإشراك أكبر قدر من الناس فيها، بحيث تتحول لرؤى واقعية وقابلة للتطبيق، أي بدائل حقيقية لحكم الدولة وانقاذها من فشلها. عوضًا عن ذلك، تكتفي المعارضة بتكرار مطالباتها بأهداف عامة يعرفها الجميع، بمن فيهم العسكريون الحاكمون، ولا يعرف أحد كيفية تحقيقها فعليًا.
مشكلة هذه الرؤية للسياسة أن الشعب لا يراها جديرة بالمساندة. الشعب، أي الغالبية الساحقة المكونة من القطاعات الرازحة تحت الفقر وحوله، وتلك التي تحاول الفرار من الفقر والتمسك بأهداب الستر، تعرف جيدا أنها تعاني. تعرف جيدًا أحلامها ومطالبها. لا تحتاج لأحد من «المعارضة» ليعرّفها بمشاكلها ويبصّرها بحقوقها أو «يتبنى قضاياها» و«يشرح لها» ارتباطها الوثيق بالسياسة. هي تعرف كل هذا لأنها حياتها اليومية. ما تحتاجه، ما تبحث عنه، وما ظنت أنها وجدته أيام الثورة، قبل أن يتبين لها أنه سراب، هو شخص أو مجموعة قادرين على تحقيق هذه الأحلام. شخص أو مجموعة لديهم «أَمارة»، أي دليل على قدرتهم على تحويل البؤس الذي يعيشون فيه إلى حياة كريمة. حتى الآن لا يرون في أي من القوى المعارضة مثل هذا الشخص أو المجموعة، ومعهم حق.** يعني انت برغماتي بمعني الصح مع التيسير الكمي ** وكل الدول عندها عجز ميزانية
رابعًا، أن معظم قوى المعارضة لا تفهم أن جوهر السياسة هو المساومة بين فئات المجتمع المتصارعة حول الموارد والرؤى والمصالح. ** فن الصفقات ** وإن فهمت بعض هذه القوى ذلك نظريًا فإنها لا تبلور أي رؤية لكيفية المساومة مع خصومها، ولا تعد مؤيديها لمثل هذه المساومات، بل على العكس، تعشّمها بانتصار ساحق تحقق فيه كل مطالبها وتفرض رؤاها بالكامل على الباقين.
قوى المعارضة «المدنية» لا تختلف عن الإخوان في هذا الأمر؛ هي أيضًا لا تملك رؤية لكيفية المساومة مع الإسلاميين ولا أعدت مؤيديها لمثل هذه المساومة. وكل من الإسلاميين والمدنيين لا رؤية لديهم للمساومة مع النخبة العسكرية الحاكمة ومصالحها، في حال تخلت عن السلطة، ولا أعدوا مؤيديهم لهذه المساومة. كل طرف يؤمن أنه على حق وأن بقية الأطراف إما ضالة تجب هدايتها أو استغلالية يجب عقابها أو خائنة يجب اجتثاثها.
ومن ثم فكل من هذه القوى لديها «رؤية صفرية» للصراع الاجتماعي والسياسي. وفقًا لهذه الرؤية ينتهي الصراع بانتصار الحق، أي هذه القوة، وسحق الباطل، أي بقية القوى، واختفاؤها. لكن واقع السياسة في كل المجتمعات يؤكد ألا أحد يختفي. كل القوى تبقى فاعلة بدرجات متفاوتة في أوقات متفاوتة، ودور النظام السياسي هو تنظيم الصراع بينها. ولا يمكن لأي نظام سياسي النجاح في إدارة الصراع الاجتماعي والسياسي إن تبنت القوى المشاركة فيه مثل هذه الرؤية الصفرية. مشكلتنا إذن ليست فقط في غياب مثل هذا النظام السياسي، بل في تبني القوى الفاعلة لرؤية صفرية. ومن ثم، فحتى إن خلقنا هذا النظام، من خلال دستور جيد، فإن القوة الحاكمة ستفشخ هذا الدستور لا محالة، في سياق سعيها لتصفية خصومها، أيًا كانت القوة الحاكمة وأيًا كان الخصوم.
في رأي مثل صراع الخير والشر ومثلث شر بولتن زي مثلث شر محمد بن سلمان ومثل دول شر قطر
إن وجد العسكريون أنفسهم مضطرين للتخلي عن حكم مصر تحت وطأة تفاقم الفشل وما يترتب عليه من انهيار التأييد الشعبي لاستمرارهم في الحكم، وسلموا السلطة لمدنيين من قوى المعارضة، سواء باتفاق أو في ظل انتفاضة شعبية جديدة، فسيستحيل على قوى المعارضة هذه النجاح في حكم مصر بقدر أكبر من «نجاح» العسكريين.
*************
Oct 15, 2020
هل تفضل الدولة العميقة نظام مبارك شبه المدني على نظام السيسي العسكري الصارم
السيسي يستعيد معظم طرق عمل ومصطلحات نظام مبارك، ليطلقها على خصومه، ويستدعي حتى مشاريعه ويعيد افتتاحها وينسبها لنفسه، حيث يستفيد بقدر محسوب من رجال دولة مبارك، لكنه في الوقت نفسه يخشى على نفسه منهم.
*
Sep 7, 2020
العسكر والإسلاميين
عداء تاريخي وصراع أبدي إيديولوجي وفكري ووجودي
الصراع الناصري الإخواني في الخمسينيات مرورا بالسودان وسوار الذهب وهي التجربة الأقل تكلفة وإن كان العسكر فيها خرجوا منتصرين ومحتضنين التيار الإسلامي الذي اختفى تأثيره إن لم يكن أثره بحسب بعض السودانيين.
الصراع الإسلامي العسكري الذي غالبا ما يلعب فيه الجنرالات دور المافيا التي تستولى على قصور الإسلاميين، ويعيش الإسلاميون في السجون بقية أعمارهم
*
رأسمالية العسكر ورأسمالية الإخوان في مصر
2012 / 2013
يوجد نوعان من رأس المال يسيطران على المشهد المصري اليوم: ما تملكه المؤسسة العسكرية وما يملكه الإخوان المسلمون. فيما المشروعات المربحة للجيش قادمة من موروث التحديث الذي منح القياد للدولة لتقيم الإنتاج الكبير، خرجت علينا مشروعات الإخوان من رحم النموذج النيوليبرالي الذي يمنح القياد لرجال الأعمال ليتربحوا من الاستهلاك الكبير. النموذجان الحداثي والنيوليبرالي ــ على المستوى النظري على الأقل ــ يهدفان في نهاية الأمر لرفاهة الطبقات الوسطى والدنيا في الدول القومية، لكن رأسمالية العسكر والإخوان لا تلوي على هذا المأرب وهي أبعد ما تكون عنه.
*
Aug 4, 2021
:"حان وقت الأفعال، الأقوال لا تكفي". وأضاف :"إنه وقت للأفعال الدبلوماسية والاقتصادية، وحتى العسكرية، وإلا ستستمر الهجمات".
*
Nov 10, 2021
المجتمع المدني ضحية العسكر والانقسامات
*
مصر ليست دولة عسكرية أو بوليسية، بل دولة مدنية وديمقراطية . يسقط حكم العسكر ******
May 24, 2020 Nov 18, 2021
، طبقًا للدستور
بين الحكم العسكري والمدني.. لماذا علينا أن نختار المدني؟
خلق الله الناس أحراراً، ومن جملة الحرية؛ حرية اختيار من يحكمهم، ومراقبته ووزرائه في تنفيذ وعودهم، ومحاسبتهم إذا قصروا، بل وعزلهم من مناصبهم إذا تمادوا في غيهم وظلمهم وفسادهم، والخروج عليهم عبر ثورة سلمية تخلعهم، وتهدم نظامهم الفاسد. وقد ضمنت الشرائع السماوية، والنظم والقوانين الدولية والأممية حق الشعوب في الحرية واختيار حاكمها، وطبيعة نظامها السياسي. ولقد بذل العالم الحر وجهد حتى استقر إلي الديمقراطية، وتداول السلطة، وتحديد ولاية الرئيس؛ الذي اعتبرته عاملاً أو موظفاً متعاقداً مع الأمة لأداء مهمة وواجب حدده الدستور، ولا ينبغي الحيد عنه، أو الميل عليه. إذ الحكومة في نظرهم أداة لخدمة الشعب ويجب أن تخضع لرقابته.
ولقد وصلت الديمقراطية وتعدد الأحزاب في الدول الغربية شأواً بعيداً، تمكنت شعوبها من المشاركة في صناعة الحالة الديمقراطية والحفاظ عليها، وظل وعيها ضامناً لا غنى عنه لانتظام عمل تلك المؤسسات الديمقراطية.
ووصلت هذه الدول الغربية المتقدمة بفضل نظامها الديمقراطي، وصحوة شعوبها ويقظتها فيما وصلت إليه اليوم من الاستقرار السياسي والتقدم على كافة المجالات والأصعدة، والنهضة والقوة، مع فصل الجيش عن السياسة؛ فيما يعرفه الجميع ولا يجهله أحد. وفي عالمنا العربي برزت إلي الحكم بعد ضعف السيطرة الأجنبية وتحرره؛ عبر ثورات شكلية، وانقلابات عسكرية فعلية؛ طبقة حاكمة ذات مصالح راسخة أخذت تهيمن شيئاً فشيئاً على مؤسسات الدولة، ومفاصلها. ثم بدأت هذه الطبقة من العسكريين الذين هيمنوا على الحكم بالقوة في معظم البلاد العربية، من حل جميع الأحزاب والهيئات، وتجفيف كل منابع السياسة، وإنشاء نظام الحزب الواحد، والذي قام تحت رعايتها وفي كنفها، أو السماح لاحقاً بتكوين عدد من الأحزاب الكرتونية، المحدد لها سلفاً مسارها ودورها، والتي أصبحت أحزاب سياسية هزيلة بقيادتها. وقلما تمكن الحزب الواحد أو الأحزاب الشكلية من تأمين أساس راسخ للمؤسسات الديمقراطية.
وإذا ما تمكن العسكر من تولى السلطة في البلاد حتى يُصبح من العسير جداً ارغامه عن التخلي عن الحكم، والاستمرار في التدخل في كيان الدولة حتى يُهيمن على السلطات المدنية كلها.
*Dec 8, 2021
13 سببا ليسقط حكم العسكر!
Jul 25, 2020
مضاد له طاعة ولي الامر السلفية الكويت سالم الطويل والسعودية والاردن ضد الديمقراطية
يستبدل بالاحتلال العسكري الأجنبي القديم أيام الاستعمار، بالاحتلال العسكري الداخلي الجديد تحت الاستقلال، هذا استعمار خارجي وهذا (استعمار داخلي)! والواقع موضوعياً أن العالم الثالث كما هو اليوم إنما ينتمي سياسيا للماضي السحيق
فكرة الحكم العسكري لدولة قومية حديثة
فكرة ساعد على تحققها واستمرارها انخفاض وعي الشعوب، وهذا التدني في الوعي؛ هو صنيعة فئة من المنتفعين طالبي الشهرة والجاه،الذين يعلمون يقينا أنه لا مكان لهم في السلطة وداخل دائرة الضوء إذا ما ارتقى وعي الشعب!
إن الأمم السائرة بخطى ثابتة في ركب الحداثة مرت أو تمر بمراحل يمكن وصفها كالتالي
تحقيق الاستقلال الوطني والتحرر من المحتل الأجنبي إن وُجد
التحول الديموقراطي والتحرر من الحكم العسكري إن وُجد
استدامة آليات حفظ الحريات ومكافحة الفساد وتحقيق العدالة والمساواة
التحول نحو استراتيجات تحقيق الرفاه الإقتصادي واستدامة آليات التنمية.
دول العالم الثالث المحشورة في المرحلة الثانية
هل تحب المؤسسة العسكرية؟
قد يبدو السؤال عجيبا! .. وهو كذلك في الحقيقة! فهو مثل سؤال هل تحب وزارة الصحة؟ أو هل تحب وزارة النقل؟ أو هل تحب وزارة السياحة؟ .. إلخ.
والإجابة الحتمية التي لا جدال فيها –عند أي شخص سوي فكريا- هي "نعم"، أقدّر أهمية وجود كل تلك المؤسسات، بل إن الإجابة الطبيعية على هذه الأسئلة البدائية جدا، تتمثل في أن تُخبر من يسألك بأنه يسأل سؤالا لا معنى ولا قيمة ولا ضرورة له!
المؤسسة العسكرية ضرورة حتمية في أي دولة حديثة كباقي مؤسسات الدولة، لها أهمية وظيفية محددة، وبالتالي فالسبب الأول لاحترامها والسعي للحفاظ عليها يتمثل في الإحتياج لدورها مثلها مثل باقي المؤسسات، فكما لن يعترض أحد على أهمية حفاظه على صحته لن يعترض أحد على أهمية حفاظه على حدوده وأمن وطنه!
أما السبب البديهي الثاني فهو كون هذه المؤسسة وطنية أصيلة، فهي ليست من قبيل المؤسسات الخدمية الخاصة التي قد تستأجرها الدولة لأداء خدمة ما، فالقوات المسلحة تتكون من أبناء الوطن ذاته، وكاتب هذه السطور كان جزءا من هذا الكيان!!!
وغالبا تجد من كل بيت مشاركين في هذه المؤسسة إما بالانتساب الدائم أو بالانتساب المؤقت (الخدمة العسكرية وفترة الإحتياط)، وبالتالي فلا معنى أن يكره الإنسان أو يعادي نفسه! .. السبب الثالث أن هذه المؤسسة تُموّل من جيب المواطنين ذاتهم (الضرائب) وبالتالي فلا معنى أن يصنع المواطنون كيانا بأموالهم الشخصية ليعادوه بعد ذلك!
أتخيل الشخص الذي يسألني عن حبي لجيش بلادي ساذجا يسأل سؤالا بديهيا لا يجوز، أو مغرضا يريد أن يجوّز له أو لخاصته ما لا يحقّ بابتزازك بهذا السؤال، أو هو أقل حرصا على الحفاظ على جيش بلاده ولديه من قلة الوعي ما يجعله كمن يطالب الحلاق بإجراء جراحة طبية له
احترام المؤسسة العسكرية يعني –قولا واحدا- إلزامها بالثكنات! .. هذا ما أصبح ثابتا لا جدال فيه بعد أن أجمع عليه المثقفون والمفكرون والشعوب المتقدمة وما أثبته التاريخ الحديث! .. لابد إذن أن يتفرغ العسكريون لرفع الكفاءة القتالية ومراقبة الحدود وصناعة السلاح عوضا عن بيع الخضروات، ورصف الطرق، وانشاء الكباري، وادارة المقاولات، وإنتاج البيض، وزراعة الأرض، وإدارة الفنادق، والرقابة على القنوات الفضائية، وتحصيل الرسوم على الطرق المدنية، والتدخل في السياسة، وإدارة الأندية، وإدارة محطات الوقود، وإدارة قاعات الإحتفالات، وتوزيع المواد الغذائية، وانشاء الشركات المدنية، وإدارة المقاولات، وإدارة المصايف، وصناعة الحلوى ..!
بحجة الامن القومي والاستقرار
السبب الأول: أزمة محدودية القدرات الذهنية وتشكّل ثقة الجاهل.
يتميز العسكريون بصفات إدارية وتنظيمية جيدة بحكم طبيعة عملهم، وصفات بدنية عالية بحكم طريقة انتقائهم، وصفات الانضباط الذاتي و الإلتزام بالقواعد بحكم طريقة تدريبهم.
يفتقدون لقدرات متميزة في نواحِ أخرى وعلى رأسها القدرات الذهنية كالمعرفة العلمية العامة والمستوى الفكري والثقافي والوعي الفلسفي وتطور الفكر المنطقي والتجريدي والتحليلي وتشكّل الفكر النقدي والوعي التكنولوجي ومعرفة اللغات الأجنبية وتشكل العقلية الاقتصادية وغير ذلك.
وهم مع افتقادهم لهذه القدرات الذهنية والمعرفية لا يشعرون بذلك من الأساس فبيئة العمل ويومهم الروتيني لا يحتّم عليهم استخدام كل تلك المهارات السابقة ولا تساعدهم طبيعة عملهم على اكتسابها من الأساس، بل من كانت له بعض المهارات الذهنية والفكرية قبل التحاقه بالوظيفة العسكرية فإنه لا يتطور في تلك المهارة بل ويفقدها مع الوقت نتيجة عدم استعمالها خلال فترة العمل!
لا يجد الضباط الوقت للقراءة لفترات طويلة أو حضور الندوات الثقافية المدنية (الغير موجهة)، وكذت لا يخالط الشخص العسكري كل أطياف الفكر في محاورات جدلية تثري فكره فمقامه بصفته ضابطا عسكريا يبعده عن ذلك ويبعد الناس عن محاورته!
الشخص العسكري يتدرب طوال حياته وفق نمط ثابت على خطة محددة ليتم تنفيذها بنفس الشكل والطريقة عند اندلاع الحرب، وبالتالي فالعقلية العسكرية ثابتة وبعيدة عن الإبتكار و مجبولة على اتباع القواعد الصارمة المحددة مسبقا والمتكررة يوميا .. تلك النمطية التي قد تناسب طبيعة عملهم تجعل من تطور قدراتهم الذهنية أمرا يكاد يكون مستحيلا.
حاول أن تسأل نفسك ..كم ضابط جيش تعرفه مولع بالقراءة؟ كم منهم له بعض المؤلفات؟ كم منهم تكلم في الفلسفة وقضايا الفكر بعد تقاعده حتى؟ كم منهم ابتكر شيئا؟
كم منهم منكب على البحث التاريخي؟ كم منهم يكبت منشورات غير سياسية على مواقع التواصل ويحصد العديد من المتابعات حتى؟ كم منهم ينشر أبحاثا علمية في مجال يهتم به ولا تمنعه قواعد العسكرية من النشر فيه؟ كم منهم يبهرك في الحديث عن الاقتصاد؟
كم منهم لديه ذكاء اجتماعي فذ ويستعين به أقاربه لحل المشاكل التي تواجههم؟ كم منهم يعمل بصناعة المحتوى؟ كم منهم يتعلم اللغات الأجنبية ويهتم بمتابعة العلوم والمقالات المدونة بغير لغته الأم؟ . ليس كوهم مسلسل الاختيار 2020
اسأل نفسك ذات الأسئلة ولكن ضع الطبيب أو المهندس أو أستاذ الجامعة أو أي وظيفة أخرى تحتاج قدرات ذهنية عالية مكان كلمة ضابط!
أهمية دراسات الجدوى ويتجهون إلى الاعتماد على أهل الكفاءة لا الثقة ويستطيعون رسم مستقبل الأوطان والميل إلى الاهتمام بالعلم وتطويره ووضع أموال الدولة في محلها والتحلي بالحكمة لا بالقوة الغاشمة عند اتخاذ القرارات.
العبقرية ضرورة لإيجاد حلول من خارج الصندوق وسط الواقع الصعب، أما الشخص الفقير ذهنيا فهو الذي يُرجع فشله إلى الظروف والوضع المأساوي للبلد قبل أن يتسلمها وهذا ما يردده كافة العسكريين عند فشلهم المحقق على مر الأزمان وكأن دورهم ليس أن يحولوا هذا الواقع السيء إلى واقع مشرق!
ومن الغريب أنه مع هذه الندرة المنطقية نجد أن العسكر ينتشرون على كراسي دول العالم الثالث بكثرة! .. لماذ؟ .. لأن الجهل يولّد الثقة في النفس ..
والعوام يحبون الشخص الواثق! تلك الثقة النابعة من كونهم يجهلون أنهم يجهلون!
إن من مآسي هذا العالم هو أن العلماء والعباقرة متشككون مترددون والجهلاء واثقون ثابتون. ولو أن الشعب لديه وعي كاف لما ترك العسكر يسيطرون على كرسي الحكم ليوم واحد (وهذا ديدن الشعوب الواعية كما هو مُلاحظ)، فالعسكر لهم دور محدد في الثكنات وخروجهم إلى العالم المدني مفسدةٌ لهم ومحرقةٌ لحاضر الدول وتسميمٌ لمستقبلها!
السبب الثاني: أزمة الوعي بمعنى الحرية!...سبب تباين الأفكار بين الناس عائد إلى اختلاف وتنوع طرق تشكّل الفكر والمفاهيم داخل عقولهم، ولتبسيط الفكرة فإن وعي الناس بالأفكار المختلفة يتشكل عادة من خلال طرق ثلاثة.
الطريق الأول هو التعليم الإجباري الموجه لهم، والطريق الثاني هو طريق ملاحظة كيفية تجلّي الأفكار داخل المحيطين بهم والبيئة التي تحتضنهم، والطريق الثالث والأخير هو طريق التعليم الذاتي والسعي الحر وراء المعرفة.
صناعة عقلية العسكري ليكون منضبطا في إطار جمعي، ليكون الفرد العسكري فيه كترس يقوم بدور محدد في آلة كبيرة، يتوحد الجميع في الزي والحركة وطريقة التعبير وممارسة كل الأفعال الروتينية بل والإقتناع والتعبير عن نفس الأفكار والسكوت عن المأمورين بالسكوت عنه، لذا فالمعلمون والموجهون للعقلية العسكرية يقتلون –على الدوام وعن قصد- الحاسة النقدية والحرية والتميز الشخصي عند الفرد العسكري وهذا لصالح الإنضباط العام كما يرون، وهذا إن جاز –فرضا- في الحياة العسكرية فهو لا يجوز خارجها بحال! ..
انعداما لحرية إبداء الرأي في أي وقت وأنعداما لحق النقد، ومعاقبة لمن يتجرأ وينتقد فكرة شخص ذي رتبة أعلى وهكذا!
الشخص العسكري لديه مفهوم ووعي بالحرية مختلفان كل الإختلاف عن ذلك المتشكِّل في ذهن الشخص المدني (والمدنيون هم الغالبية الساحقة في الوطن)، وهذا المفهوم أبعد ما يكون -بطبيعة الحال- عن المفهوم المثالي المنضبط والمأمول بل والمنتشر في كل المجتمعات التي ارتقت في سلم التقدم.
*Jan 27, 2022
ثورة يناير والحكم العسكري في مصر
روبرت سبرنغبورغ، في كتابه المهم "مصر" الصادر في عام 2018، أنّ ثورة يناير لم تتمكّن من إحداث أيّ تغيير يذكر في طبيعة النظام العسكري الحاكم لمصر منذ 1952، وأنّ إنجازها الأهم يكمن في تعرية هذا النظام من خلال دفعه إلى إزالة القشرة المدنية التي نجح نظام الضباط في تغليف نفسه بها خلال العقود السبعة الأخيرة. ويعتقد سبرنغبورغ أنّ الهدف الأساسي للنظام المصري الذي تأسس في 1952 كان حماية انقلاب الضباط على الحكم الملكي، وأنّهم قاموا بذلك من خلال بناء نظام أمني يقوم على أضلع ثلاثة، أولها رئيس قادم من الجيش لا يخضع لحكم القانون أو الدستور، فسلطاته فرعونية الطابع، وهو مفوّض بإدارة البلاد بحكم أنّه قادم من المؤسسة الأهم، الجيش، والذي يمثل الضلع الثاني والأهم للنظام.
الجيش هو حامي النظام، ومنه يأتي الحاكم، ومنه كذلك يأتي عدد هائل من المسؤولين الذين تولوا المسؤولية السياسية بشكل مباشر من خلال عهد جمال عبد الناصر، أو ظلوا خلف الستار موزّعين على مناصب عليا في الدولة خلال عهدي أنور السادات وحسني مبارك. الجيش أيضاً هو المصدر الأهم للنخبة السياسة والاقتصادية التي تحكم مصر منذ 1952، فلحماية انقلاب 1952، سعى الضباط إلى حماية أنفسهم بالسيطرة على المرافق الأساسية في الدولة والمجتمع، سواء كانت تلك المرافق مؤسسات حكم، أو شركات اقتصادية، أو نوادي رياضية، أو وسائل إعلام وثقافة ونشر. وبعد سبعة عقود من سيطرة الجيش، باتت النخبة الحاكمة تقوم، بشكل أو بآخر، بالضباط وأولادهم وأحفادهم وترتبط بهم.
تراجعت مصر اقتصاديا وتعليمياً وثقافياً، من خلال تراجع جامعاتها ونخبتها الثقافية والفكرية التي سيطر عليها النظام لضمان ولائها له، ولو أدّى ذلك إلى انكفائها
أما الضلع الثالث لمثلث النظام الأمني الحاكم في مصر، أو مثلث الدولة العميقة كما يسمّيه سبرنغبورغ، فهو المؤسسات الأمنية والاستخباراتية التي أسّسها الضباط، وخصوصاً الرئيس القادم من الجيش، لحماية نفسه والنظام والتجسّس على خصومه بداية من داخل الجيش نفسه. ويعتقد سبرنغبورغ أنّ عبد الناصر أسّس الاستخبارات العسكرية للتجسّس على الجيش وحماية نفسه من نفوذ عبد الحكيم عامر ورفاقه.
أما السادات ومبارك فقد سعيا إلى موازنة نفوذ الاستخبارات العسكرية من خلال تقوية الاستخبارات العامة، والتي يقودها في العادة ضابط جيش موالٍ لهما. وينطبق الأمر نفسه على قوات الحرس الجمهوري، والتي تأتي من داخل الجيش، لكي تحمي الرئيس من الجيش نفسه، هذا بالإضافة إلى جهاز أمن الدولة.
وربما يفسّر هذا سبب اختيار مبارك المشير محمد حسين طنطاوي لمنصب وزير الدفاع وتركه فيه عشرين عاماً، فقبل صعوده هذا، أثبت طنطاوي ولاءه لمبارك، من خلال عمله رئيساً للحرس الجمهوري، وأثبت له أنّه رجل للنظام بلا طموح سياسي، وأنّه لن يمثّل تهديداً للرئيس كما فعل المشير محمد عبد الحليم أبو غزالة في العقد الأول من حكم مبارك. كما تمتّع عمر سليمان بثقة مبارك، لأنّه أيضاً لم يكن يمثل تهديداً له، ورضي بموقع بعيد عن سدّة الحكم، وبمراقبة محاولات مبارك توريث ابنه جمال في صمت. وربما يفسّر هذا أيضاً رفض المجلس الأعلى للقوات المسلحة الاستعانة بعمر سليمان، بعد تخلصه من مبارك في 11 فبراير/ شباط 2011، ورفضه كذلك ترشّحه للرئاسة، فالمؤسسات الأمنية المختلفة لا تثق ببعضها، وصعود المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى حكم البلاد كان يتطلب التخلّص من كل منافسيه الأمنيين بالأساس.
عموماً، ظل هدف الحكم العسكري المستمر منذ 1952 منع الانقلابات وحماية الرئيس القادم من الجيش، ومن ثم حماية نظام يوليو خلال مثلث الدولة العميقة السابق شرحه، والمشغول دائماً بالسيطرة على مقاليد الأمور ومصادر القوة والسلطة على مختلف الأصعدة، حتى لو أدّى ذلك إلى تأخر البلاد، لذا تمت السيطرة على مختلف مؤسسات الدولة، وتم القضاء على الأحزاب السياسية واستقلالية مؤسسات القضاء والدين والمجتمع، كما تم التخلص من النخب الاقتصادية والفكرية المستقلة، ونشر أفكار وطنية تعادي الأجانب والمعارضة، والشعب نفسه لو تطلب الأمر، ومثل تهديداً للحاكم العسكري ورفاقه والمؤسسة العسكرية.
والنتيجة، كما يحذر سبرنغبورغ، كانت تراجع مصر على الأصعدة كافة، بشكل يصعب إيقافه. تراجعت مصر سياسياً وأصبحت دولة ضعيفة، وفقاً للتقارير الدولية الخاصة بالفساد والاستقرار وكفاءة مؤسسات الحكم. تراجعت اقتصادياً، وتخلفت عن دول سبقتها في التنمية في نهاية القرن التاسع عسر كاليابان، أو في منتصف القرن العشرين ككوريا الجنوبية. تراجعت مصر أيضاً تعليمياً وثقافياً، من خلال تراجع جامعاتها ونخبتها الثقافية والفكرية التي سيطر عليها النظام لضمان ولائها له، ولو أدّى ذلك إلى انكفائها.
تميّز النشطاء المصريين على مختلف توجهاتهم بدرجة عالية من المثالية والانقسام بعدما ورث هؤلاء عقوداً من التجريف السياسي
ومنذ صراع عبد الناصر وعبد الحكيم عامر، والذي أدّى إلى هزيمة مصر المهينة في حرب 1967، ولم ينتهِ إلّا بوفاة عامر أو التخلص منه بعد النكسة، حرص الحكّام العسكريون على إبعاد الجيش عن كرسي الرئاسة بأكبر قدر ممكن، سواء من خلال مؤسسات أمنية رقابية، كالاستخبارات العسكرية والاستخبارات العامة، أو التخلص من قادة الجيش الأكثر استقلالية وكفاءة وكاريزما، أو شغل الجيش نفسه في مشاريع اقتصادية وربحية، كما حدث بشكل متزايد منذ نهاية عصر السادات، وتوسّع بشكل كبير في عصر مبارك، حيث شجع مبارك المشير طنطاوي على التخلّص من قيادات الجيش الأكثر استقلالية من ناحية، واستخدام شركات الجيش لمكافأة الضباط الأكثر ولاءً من ناحية أخرى، بالإضافة إلى تعيين عدد لا بأس به منهم بعد التقاعد في مختلف مؤسسات الدولة والقطاع الخاص. وقد أثار إبعاد الجيش بهذا الشكل حساسيات بينه وبين النخب المسيطرة على بعض مقاليد السلطة، خصوصاً في النصف الأخير من عهد مبارك، وذلك على غرار عمر سليمان المسيطر على الاستخبارات العامة، والقوة المتزايدة للداخلية وأجهزة الأمن الداخلي المختلفة، والنخب الاقتصادية الملتفّة حول جمال مبارك. لذا مثلت ثورة يناير، كما يعتقد سبرنغبورغ، فرصة مثالية للجيش للعودة إلى الحكم وساعدته في ذلك أربعة أسباب رئيسية على الأقل:
أولاً: تراجع الاهتمام الدولي، وخصوصاً الأميركي، بمصر وبنشر الديمقراطية، فمنذ الفشل الأميركي في حرب العراق والولايات المتحدة عازمة على تخفيف أعبائها في الشرق الأوسط تدريجياً، لذا لم تبال بقمع مبارك المعارضة بعد 2005، كما لم تفعل إدارة أوباما شيئاً يُذكر لمساعدة مصر لتعزيز الحكم المدني بعد 2011، ولا للاعتراض على الانقلاب العسكري في 2013، وظلت أميركا تستثمر في علاقتها بالجيش المصري بالأساس خلال تلك الفترة.
ثانياً: تميّز النشطاء المصريين على مختلف توجهاتهم بدرجة عالية من المثالية والانقسام بعدما ورث هؤلاء عقوداً من التجريف السياسي. لذا لم تنتبه القوى المختلفة بدرجات إلى طبيعة الدولة العميقة والحكم العسكري الممتد لمصر، وتركوا معظم مؤسّسات الدولة العميقة بلا أيّ إصلاح يُذكر، وانشغلوا بصراعات حول الأيديولوجيا وطرق التغيير (الانتخابات أو الدستور) من دون الانتباه إلى الخطر المحدق بهم جميعاً.
ثالثاً: يعتقد روبرت سبرنغبورغ أنّ الشعب المصري من أكثر الشعوب اعتماداً على حكومته في العالم، فهي الموظف الأكبر لحوالي ربع القوى العاملة المصري (7 ملايين موظف)، كما توفر الحكومة الدعم لغالبية المصريين في صورة أغذية وموارد طاقة مخفضة الثمن، وتهمين على مؤسسات التعليم والثقافة والإعلام، ما جعل مؤسّسة كالجيش تتمتع بدعم غالبية الشعب المصري بشكل مستمر.
الخوف الأكبر من تعرّض مصر لهزات اقتصادية وسياسية مفاجئة بسبب أخطاء النظام، قد تؤدي إلى مزيد من تدهور الأوضاع
ويبقى السؤال بشأن ردة فعل الشعب المصري ومدى انتشار الوعي السابق بطبيعة الحكم العسكري للبلاد، وبكونه المسؤول عما وصلت إليه البلاد من تراجع على مختلف الأصعدة، ومدى استعداد المصريين لمواجهة الحكم العسكري وتغييره، وتحمل تكاليف ذلك. وتبدو الإجابة غير إيجابية، أو غير واضحة على أقل تقدير، في ظلّ تراجع مؤسّسات التعليم والثقافة المستمر وسيطرة النظام على مؤسسات الإعلام وتراجع استقلالية مؤسّسات المجتمع المدني والمؤسسات السياسية المختلفة، وتراجع الاهتمام الدولي بالديمقراطية كذلك. ويبقى الخوف الأكبر من تعرّض مصر لهزّات اقتصادية وسياسية مفاجئة بسبب أخطاء النظام، قد تؤدي إلى مزيد من تدهور الأوضاع، مع العجز المستمر في إيجاد حلول جادّة في ظل هيمنة الحكم العسكري على البلاد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق