هل تسعى "التنويرية العربية" لخلخلة الثوابت الدينية وتجاوزها؟
يُنظر إلى تيار التنوير العربي الحداثي في أوساط دينية واسعة بوصفه تيارا يسعى لخلخلة اليقينيات الدينية، ويدعو إلى تجاوزها، ويمارس دورا ممنهجا لهدم الثوابت الدينية، وتجاوز الأحكام الشرعية المقررة، تحت ذرائع عديدة كتاريخية النص الشرعي، وتقييد اجتهادات الأئمة ببعدها الزماني والمكاني، وانتقاد السنة النبوية وعدم اعتبارها مصدرا من مصادر الأحكام والتشريع.
شيوع ذلك التصور عن التنويرية العربية في تلك الأوساط، يوحي بأن التنويريين العرب يشتركون جميعهم في تلك التوجهات، وينطلقون منها، وهي الحاكمة لنسقهم الفكري، والموجهة لمواقفهم من الدين في تفاعلاته وتجلياته في المجال العام، ما يثير تساؤلات حول التنوير العربي ـ على اختلاف اتجاهاته ـ إن كان بالفعل ينطلق من تلك الأفكار، ويمارس ذلك الدور على أرض الواقع.
لا تنويرا واحدا، فالتنويرية العربية لا شك أنها في نشأتها المعاصرة استجابة للتنويرية الغربية، لكن من الظلم التعامل مع التنويرية العربية كقطعة واحدة، وأن نجمع دعاتها في سلة واحدة".
"الخداع المفاهيمي" الذي حذر منه محمد عمارة، فكون التنوير أوروبي النشأة ليس سببا كافيا لنبذه ومعاداته، فضبط المصطلح، ومعرفة خلفيات دعاته ومنطلقاتهم وغاياتهم ضروري للتمييز بين "التنوير والتغريب" بعبارة جلال كشك، أو بين "التنوير والتزوير" بعبارة محمد عمارة".
وتابع: "ثمة تنوير عربي أقل تطرفا مع الدين، وهو متأثر بالنسخة الناعمة من التنوير الأوروبي التي لا تعادي الكنيسة، وتعتبر الدين والتدين داخلا في الحيز الفردي لا الجمعي، أي قيمة أخلاقية فردية لا مجتمعية، لكنه دين لا يحكم ولا سلطة له، وليس شريكا في النهضة والتقدم".
وأردف: "وهناك تنوير عقلاني إصلاحي وهو أكثر شيوعا يشتبك مع الموروث الديني لبعث التنوير من داخله يقوم على إعادة قراءة الموروث، وخاصة القرآن ـ باعتباره نصا مركزيا في الحضارة الإسلامية ومحل اتفاق بين طوائف الإسلام وفرقه ـ قراءة إنسانية علمية وفق آليات وأدوات منهجية عصرية خاصة تحليل الخطاب والسيمائية لفتح باب تأويل القرآن على مصرعيه، وفهم مقاصده وفك رموزه باعتباره منتجا ثقافيا في لحظة تاريخية دون الانصياع لضغط الموروث الكلاسيكي الذي يصلح فقط لزمان أصحابه وفق ما تيسر لهم من أدوات قراءة وفهم".
الخطورة تكمن هنا في تفريغ الإسلام التراثي من محتواه، ليصبح لدينا دين جديد وكتابه (القرآن) على يد هذا التنوير العقلاني، بل ربما (إسلامات) بدلا من (إسلام واحد) فهو يحتكم لأدوات ومناهج قراءة وفهم غريبة عن النص عبر تاريخه الكلاسيكي".
التنوير العربي بأنه "استجرار الاعتراضات نفسها بشكل استفزازي موسمي كمسألة أحاديث الصحيحين، وإنكار السنة والفتوحات الإسلامية، وميراث الأنثى، وحرية الردة والزواج المختلط، والحجاب والختان والأضحية، ما بات يخشى معه أن يوظف التنوير ليكون سلاحا بيد الغرب، أو السلطة الحاكمة لمواجهة التنوير الإسلامي الحقيقي"، على حد قوله.
من جهتها قالت الباحثة السورية، مُؤسِّسة ومديرة دار نشر مؤمنون بلا حدود للنشر والتوزيع، الدكتورة ميادة مصطفى كيالي
النقل كأساس لا مندوحة عنه في صلب الدراسات الدينية، بينما تمت تنحية استعمال العقل
"اللاهوت الإسلامي بأنه أُصيب بالجمود، وامتد إليه ما سمي بقانون التوقف، واستمرت عملية الاشتباك ما بين الديني والمدني في المجتمعات، وما فعله التنويريون العرب ـ كل حسب تجربته ـ هو إعادة الاشتغال على النص المقدس الأول، وهو القرآن، حيث أعادوا موضعته في المركز، بعد أن انسحب للأطراف، تاركا الصدارة لكتب الحديث النبوي والشروحات والسير والتفاسير وكتب الفقه".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق