السبت، 29 يناير 2022

مصر تمول بالديون المستدامة . توسيع صلاحيات المحليات

Jan 28, 2022

 الحكومة تعتزم تدشين سندات جديدة لتنفيذ مشاريع التعليم والصحة والإسكان والنقل في الأرياف.

ألديك فكرة مشروع؟ ابدأ الآن ولا تنشغل بالتكاليف

تعتزم الحكومة المصرية طرق باب سندات التنمية المستدامة لتمويل المشروعات التي يجري تنفيذها من خلال المبادرة الاجتماعية "حياة كريمة" التي تهدف إلى تحقيق التنمية المُتكاملة لأكثر من نصف سكان البلاد عبر تطوير البنية التحتية والاستثمار في رأس المال البشري وتخفيف الأعباء الاقتصادية عن هذه الشريحة.

 تسعى الحكومة المصرية بخطى حثيثة لتنويع مصادر اقتراضها من الخارج للحصول على سيولة نقدية من خلال التمويلات العالمية المبتكرة لتمويل المشاريع النافعة اجتماعيا في التعليم والصحة والإسكان والنقل.

وبحثت وزيرة التعاون الدولي رانيا المشاط مع ممثلي الأمم المتحدة بمصر

وتشبه سندات التنمية المستدامة نظيرتها من السندات الخضراء، لكن بدلا من تمويل مبادرات كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة توجه الأموال إلى مجموعة واسعة من المشاريع النافعة إلى شريحة عريضة من المجتمع تعاني من الفقر.

وهذه هي المرة الأولى التي تتجه فيها السلطات المصرية نحو سندات التنمية المستدامة بغية تطوير خدمات الرعاية الصحية والتعليم، وتحديث شبكات الطرق وبناء المساكن وتحسين خدمات الصرف الصحي والكهرباء في القرى بحلول منتصف العام المقبل.

ولدى القاهرة سندات التنمية المستدامة التي ترتبط بالشركات المقيدة في البورصة فقط، ويُسمح لها بإدراج سندات تحت ذلك النوع تقابلها حوافز للاستثمار من صناديق استثمار الملكية الخاصة والمتخصصة وصناديق أدوات الدين.

وأطلق الرئيس عبدالفتاح السيسي مبادرة “حياة كريمة” عام 2019 بغية تطوير القرى المصرية وبدأت برفع مستوى معيشة المواطنين في 277 قرية من القرى الأكثر فقرا والتي يعيش نحو 70 في المئة من سكانها تحت خط الفقر، عبر تحديث البنية التحتية وتحسين الوصول إلى الخدمات الأساسية والتعليم وخدمات الرعاية الصحية، فضلاً عن توفير فرص العمل وتمكين المرأة.

وتحتاج القاهرة إلى تمويلات ضخمة للمبادرة، لاسيما بعد أن توسعت فيها خلال ديسمبر 2020 بعد توجيه السيسي أن تشمل أكثر من 4500 قرية و58 مليون نسمة أو 56 في المئة من السكان، ويتم تنفيذها حتى العام المالي المقبل.

*

تذمر شعبي

 غير راض عن أداء المسؤولين المحليين
صلاحيات المحافظين ورؤساء الأقاليم لتكون مستقلة، وهو ما اصطدم بتذمر اجتماعي خاصة أن البعض لم يتردد في استحضار تجاوزات السلطات المحلية.

للمحافظين ورؤساء الأقاليم لتكون مستقلة القرار والسياسات وتحصيل الأموال وزيادة مواردها بعيدا عن الحكومة بشكل يكرس تطبيق اللامركزية في مصر.

المخالفات وتعرقل خطط التنمية الطموحة التي تنشدها الحكومة لكونها بعيدة عن أعين الأجهزة الرقابية، وارتكاب البعض من مسؤوليها لمخالفات جسيمة لا يتم كشفها بسهولة.

المعارضون للاستقلالية المطلقة للمحليات في مصر أن ذلك يكرس الفساد، ويفتح الباب أمامها على مصراعيه لتنمية مواردها من جيوب الناس وجعل موظفيها يتحكمون في مصائر المواطنين دون رقابة أو محاسبة دقيقة من المجالس المحلية، ما يتطلب العمل على تطهيرها من المتجاوزين وأصحاب المصالح وإعادة هيكلتها.

عجز الحكومة عن القضاء على فساد المحليات الذي يعطل كل تحرك تنموي لجأت إلى توسيع الاعتماد على القوات المسلحة في تنفيذ المشروعات وإنجازها بشكل سريع، لكنها بذلك عالجت العرض وليس المرض، حتى أصبحت الأجهزة المحلية طاردة للاستثمارات وعاجزة عن تحقيق أهداف الحكومة والشارع.

 منح صلاحيات أكبر للمحافظين في تعيين مرؤوسيهم، وللوحدات المحلية الحق في تنمية مواردها والتصرف فيها، مع اعتماد موازنات مالية مستقلة لكل وحدة محلية تمكنها من الاستقلال المالي، ومنحها نصيبا من متحصلات الضرائب من العقارات والثروة وكل وسائل النقل ومنحها سلطة زيادة متحصلاتها لتنفق على المشروعات التنموية.

يكرس فرض الجباية على الناس من المحليات بعيدا عن أعين الحكومة في ظل استباحة الكثير من الموظفين المحليين للحصول على أموال من السكان تحت أيّ مسمى، وعدد كبير منهم يفتقد إلى الحد الأدنى من الحنكة السياسية اللازمة لاحتواء غضب الشارع.

كثيرا ما ضبطت الأجهزة الرقابية موظفين محليين لارتكابهم مخالفات مالية جسيمة، وظهر ذلك عندما فتحت الحكومة ملفات العقارات المخالفة، حيث تبين حصول البعض من مسؤولي المحليات على مبالغ مالية نظير منح تراخيص غير قانونية، وضبط رشاوى لمسؤولين كبار في الأحياء.

لكن بضوابط محددة، ومن المهم إنشاء مجلس أعلى للمحليات يقوم على رقابتها ومتابعة الأداء وتحقيق أهداف التنمية وطموحات الجماهير، مع أهمية زيادة رواتب العاملين في المحليات بحيث يتحقق الرضا الوظيفي والمادي والمكانة الاجتماعية، ولا يكونون عرضة للإغراءات المادية.

ترى دوائر سياسية أن تطبيق اللامركزية في حد ذاتها مطلوب لتسريع التنمية والقضاء على البيروقراطية الإدارية في مصر بعيدا عن تعطيل مصالح الناس، لكن تفعيلها دون رقابة أو إعادة هيكلة المحليات وتحجيم الاستقلالية المطلقة يقود إلى أزمات كثيرة تضع الحكومة في مواجهة شارع وصل غضبه من المحليات إلى الذروة.

الدستور ألزم الحكومة بتطبيق نظام اللامركزية في إدارة شؤون المحافظات المختلفة، لكن لا توجد إجراءات سياسية على الأرض تحدد كيفية تطبيق هذا النظام أو تضمن نزاهته وتحجم نفوذ المحليات حتى لا تتحول إلى أداة للجباية والتحكم في مصائر الناس بمجموعة من الموظفين يفتقدون الخبرة والوعي السياسي والعمل الاحترافي.

ومنذ اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 لا توجد في مصر مجالس محلية شعبية منتخبة، بعدما قرر القضاء حلها في يونيو من نفس العام، وتعهدت الحكومات المتعاقبة بإجرائها، لكن ذلك لم يحدث، وكان الرئيس عبدالفتاح السيسي دعا إلى عقدها قبل نهاية عام 2016، ولم يحدث ذلك لتعقيدات سياسية وقانونية عديدة.

اللامركزية المحلية موجودة في الدول الديمقراطية، لكن لا يُدرك هؤلاء أنها مطبقة من خلال إدارات مركزية قوية ونزيهة، وبطريقة محاطة بالحوكمة يصعب اختراقها أو الالتفاف عليها، وطالما أن الأرضية غير ممهدة لتفعيلها، فإن واقع المحليات في مصر لن يتغير وستظل البيروقراطية مهيمنة.

تفعيل اللامركزية بشكل يقلص جهد الحكومة كسلطة تنفيذية تحتكر كل القرارات والسياسات دون إجراء انتخابات تفرز مجالس محلية شعبية منتخبة تراقب أداء المحافظين ورؤساء الأحياء، يفضي إلى أزمات سياسية واجتماعية يصعب السيطرة عليها لكون المحليات أكثر الجهات احتكاكا بالمواطن العادي.

كما أن توسيع صلاحيات المجالس المحلية بشكل غير منضبط دون حساب طبيعية اختلاف العادات والتقاليد والأعراف في البيئة المصرية يقود إلى مزايدات سياسية، وربما تصعيد متعمد ضد صانع القرار مثل المحافظ، إذا اتخذ قرارا يتناقض مع طبيعة المجتمع، وهنا تتحول الصلاحيات الممنوحة للمجالس المحلية إلى نوع من الثأر والانتقام من القائد التنفيذي.

جود سلطات رقابية في المحليات لا غنى عنه لمنع التلاعب، ويبرز دور اللامركزية ولا تستطيع أي حكومة أن تراقب أداء كل الوزراء والمحافظين، وكل الأحياء في توقيت واحد، وترسم لكل منها الخطط والسياسات، والمفترض أن يكون كل محافظ هو رئيس جمهورية الإقليم، ويتطلب ذلك موارد مالية مستقلة ومحاسبة صارمة لكل من تثبت مخالفاته ليكون عبرة لغيره.

الحكومة تتلكأ في عقد انتخابات المحليات كي لا تتحول المجالس المحلية إلى برلمانات صغيرة معارضة في كل إقليم وحي وقرية، بالتالي فهي تتخوف من تسلل المعارضين والمنتمين إلى تيارات الإسلام السياسي المناوئة للسلطة إلى هذه المجالس، فتفقد السيطرة الكلية عليها وتواجه منغصات عديدة تؤجج غضب الشارع ضدها.

إذا جرت الانتخابات المحلية في القريب بعد تمرير قانون اللامركزية وفق ما ينص عليه الدستور، فقد تواجه الحكومة أزمة أخرى لا ترتبط بتسلل المعارضين إلى المجالس المحلية، بل في إمكانية وصول عناصر غير مدربة سياسيا وتفتقد إلى الحد الأدنى من الحنكة في الرقابة واتخاذ القرارات ما يعيد إنتاج تجارب ماضية فاشلة لتدفع الحكومة وحدها فاتورة هذا الإخفاق، مع أن الأزمة مرتبطة بالمجالس المحلية التي لديها السلطة المطلقة في اتخاذ القرارات المرتبطة بمختلف شرائح الجمهور.

قانون اللامركزية المحلية أم لا، فالحكومة المصرية أصبحت في أزمة حقيقية مرتبطة بأنها احتكرت العمل السياسي على الأحزاب المتحالفة معها، وهيمنت على المجال العام بشكل لم يفرز وجوها جديدة تحقق التنوع والتوازن المطلوب في المجالس المحلية، فهي تختلف عن مجلس النواب المتناغم مع السلطة، والناس لن يقبلوا بإعادة إنتاج محليات تتحدى رغبات الشارع وتفرض عليه قرارات وسياسات بالأمر الواقع.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق