الفن بشكل عام بما يتضمنه من أفلام، ومسلسلات، ومسرحيات، وموسيقى، وغناء، ونحت، ورسم، وتصوير، وأدب.. أو أي عمل إبداعي أيا كان شكله وطبيعته يعكس واقع وثقافة الأمم وهويتها، فالفن جامع وشامل لكافة طبقات المجتمع ويحوي إبداعاتها، فهو لغتها النابضة الحية، وهو الوعاء الثقافي لهذا المجتمع أو ذاك الشعب.
كتاب الباحث الأكاديمي المصري كمال محمود الإخناوي “الثقافة المصرية في الأفلام السينمائية”
فالأفلام جامعة وحاوية لمعظم أو كل الفنون، فالأديب الكاتب كتب القصة أو الرواية، وتناولها مبدع آخر في كتابة الحوار والسيناريو، وتناقلتها أيدي مبدعين آخرين ابتداء من فريق التصوير والإنتاج، ومرورا بفريق الديكور والإضاءة، والموسيقى التصويرية وغيرهم وانتهاء بالمخرج ومساعديه.
إدراك كيف تظهر لنا الأفلام معبرة عن ثقافة ووجدان المجتمع. فوظيفة المرآة الأساسية هي عكس الصورة التي أمامها، وليس كما يجب أن تكون الصورة، فالمرآة تعكس صورة الشخص سواء كان وسيما أو قبيحا، كما أنها تعكس صورة الحديقة بصرف النظر عن تنسيقها وجمالها، أي أن المرآة لا تحوّل صورة الشخص الرثّ القبيح إلى شخص مهندم وسيم، لأنه يجب أن يكون وجيها أو وسيما”.
"قنديل أم هاشم" قدم صورة المواطن المصري البسيط المعتقد في الأولياء
الطب المصري
لم تظهر لنا الأفلام القديمة أن شخصا يلبس حزاما ناسفا ليفجّر ويقتل آخرين يختلفون معه في الرأي أو العقيدة، وإنما ظهر ذلك حديثا في فيلم ‘كباريه’ وفيلم ‘السفارة في العمارة’ وفيلم ‘الإرهابي’، فذلك يدل على توافر كل الشروط لإتيان مثل هذا الفعل، وعرضت السينما الصورة كما أفرزتها الظاهرة الاجتماعية”.
ويضيف “على الجانب الآخر يمكن ملاحظة تمسك الناس ببركة الأولياء قديما وحتى الآن في فيلم ‘قنديل أم هاشم’ (1968) وفي فيلم ‘الليلة الكبيرة’ (2014). ونظريا يمكن القول إن أي ظاهرة تظهر في المجتمع يجب أن نجدها في الأفلام
هل تقوم الدنيا ولا تقعد حتى يتمّ حل المشكلة كما يحدث في بعض بلدان العالم المتقدّم؟ هل نكتفي بدور المتفرّج الذي يشاهد الظاهرة السلبية ويكتفي بعلامات تعجب، أم يكون لنا دور في إحداث تغيير إيجابي؟ كم عاما مضى على مشاكل الطلاق، وكم سيدة عانت الأمرين قبل وبعد فيلم ‘أريد حلا’ (1975) حتى ظهر قانون الخلع؟ ومع الأخذ في الاعتبار أن هذا الفيلم كانت له أيدي بيضاء في إلغاء قانون حكم الطاعة بالبوليس، هل السينما أو المرآة عكست كل ظواهر ثقافتنا؟”.
في بعض الأوقات كانت الرقابة تتلقّى أوامرها من ولاّة الأمور كما قال حسن قدري (صلاح نظمي) ممثل ولاّة الأمور في فترة نكسة 1967 وما بعدها في فيلم “القطط السمان” (1978). وطبعا فيلم “القطط السمان” بيّن هذه الظاهرة بعد أن انتهى النظام الحاكم لتلك الظاهرة بعدة سنوات، لكن هناك أفلاما كثيرة كانت تشير بالرمز إلى النظام السياسي كما نجد في فيلم “البداية” على شاكلة المعنى في بطن الشاعر.
أوضحت المعاناة التي يتكبدها الآخر لكي يندمج وينخرط في المجتمع، والصدمات الثقافية التي يصطدم بها بشتى أنواعها في إطار كوميدي في بعض الأحيان ودرامي في أحيان أخرى، مثل فيلم “النمر الأسود” (1984)، و“بناتنا في الخارج” (1984)، و“أميركا شيكا بيكا” (1993)، و”صعيدي في الجامعة الأميركية” (1998)، و“همام في أمستردام” (1999)، و“هالو أميركا” (2000)، و“فول الصين العظيم” (2004)، و“عسل أسود” (2010)…إلخ
أيضا تناول الإخناوي في كتابه ظاهرة الطلاق سواء لدى المسلمين أو المسيحيين من خلال أفلام “الشيخ حسن”، “ثورة البنات”، و“الأحضان الدافئة”، و“زوج تحت الطلب”، و“أريد حلا”، و“امرأة مطلقة”، و”مولانا”، و“واحد صفر”، و”محامي خلع” و“أريد خلعا” و“الزوجة السابعة” و”الزوجة رقم 13” و“أسوار القمر” و“هيباتا”.
ورصد الباحث المصري أيضا الأفلام التي تنبأت برؤية المستقبل في بعض الأشياء، كما حدث في فيلم “لا تطفئ الشمس”، و“طيور الظلام”، و“الخلية”، و“مولانا”.
*Jun 3, 2020
قنديل ام هاشم . يحي حقي
فالطبيب إسماعيل الذي ذهب إلى الغرب “يريد أن يرى كل شيء، ويفهم كل شيء” عاد مُشبَّعًا بالفكر العلمي الصارم، الذي دفعه إلى أن يثور ويحطّم الضريح والقنديل عندما وجد أمه تُعالِج فاطمة النبوية بزيت القنديل وهو الطبيب القدير بأمراض العيون وقد “درس في بلاد بره” كما كان يقولها أبوه. وفي لحظة فارقة وقف عاجزًا أمام العلاقة الخفيّة بين الشخصية المصرية وهذا المقدّس الدينيّ، فاستجاب، لا لعجز العلم الذي درسه عن التداوي، أو حتى حسب صيحته “وفهمتُ الآن ما كان خافيًا عليّ، لا علم بلا إيمان” وإنما لأن ثمَّة يقينًا داخليًا مؤمنًا تسرّب إليه بهذا المقدّس، وإدراكه أنّه لن يستطيع استبداله بمفاهيم علمية أو زحزحته، فيستسلم في النهاية وينادي فاطمة “تعالي يا فاطمة، لا تيأسي من الشفاء. لقد جئْتُكِ ببركة أم هاشم، ستُجْلِي عنكِ الداءَ، وتزيح الأذى وتردّ إليكِ بصركِ فإذا هو حديد”، وهذا الاستسلام ليس لتعارُض العلم أو حتى فشله. ولكن لأنه فهم ببساطة الروح المصرية وإيمانها العميق بالوجدان الذي رفض العلم الذي هو نتاج العقل فقط. لكن الرسالة المهمّة التي تركها باستسلامه مفادها أن إسماعيل الذي آمن بالعقل وسافر إلى أوروبا ورأى منجزات العلم الحديث، لم يتعالَ وإنْ بدا في بداية الرواية رافضًا لتراثه الشعبي وموروثه الديني. المهمّ أنّه انصاع وأقرًّ بما رفضه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق