Mar 22, 2019
ميادين
لماذا اختار القصة القصيرة بالقول: "إخترتها لأني أستطيع بالقصة القصيرة أن أصغّر بحرا ًفي قطرة، وأن أمرر جملا ًمن ثقب إبرة، أستطيع عمل معجزات بالقصة القصيرة، إنني كالحاوي الذي يملك حبلا ًطوله نصف متر، ولكنه يستطيع أن يحيط به الكون الذي يريد. القصة القصيرة طريقتي في التفكير ووسيلتي لفهم نفسي، والإطار الذي أرى العالم من خلاله، إنه الإطار الذي وجدني ولم أجده".
يقول أيضا ً"إن القصة القصيرة هي أصعب شكل أدبي وأسهل شكل أدبي في وقت واحد، إنه شكل سهل لا بد أن يمارسه كل شخص ولو في جانبه الشفوي ولكنه فن صعب، يحتاج إلى قدرة للأخذ بتلابيب لحظة نفسية خاطفة، والتعبير عنها في كلمات. لقد اخترع بيكاسو ذات مرة طريقة لرسم لوحة فوسفورية تختفي بعد دقيقة. هذه الدقيقة هي القصة القصيرة هي اقتناصي لحظة كشف خارقة".
ثمة من يعتبر أن جميع مشاكل وسقطات يوسف إدريس ترجع إلى كونه ولد كأديب في أغسطس آب سنة 1954 حيث أحدث إصدار مجموعته القصصية الأولى "أرخص الليالي" دويًا كبيرًا في الوسط الأدبي، مما دعا عميد الأدب العربي طه حسين للقول: "أجد فيه من المتعة والقوة ودقة الحس ورقة الذوق وصدق الملاحظة وبراعة الأداء مثل ما وجدت في كتابه الأول "أرخص ليالي" على تعمق للحياة وفقه لدقائقها وتسجيل صارم لما يحدث فيها وجعلته يشعر بأنه ولد نجما منذ اللحظة الأولى".
كان يوسف ادريس يعشق هواية تدمير التابوهات، وزلزلة المألوف، ويعتبر نفسه فوق أي سلطات سواء سياسية أو علمية تكون معلّبة القوالب الأيديولوجية الجاهزة، فتمرد على قواعد صنعته الفنية نفسها، وعلى قواعد ونحو وصرف اللغة العربية فقد خاصم سيبويه ولم يعقد صلحا ًمعه حتى يوم وفاته، ودخل كلية الآداب ولم يطق دروسها سوى ثلاثة أيام. وإنتقده في هذه النقطة نقاد كثيرون وعلى رأسهم طه حسين، وحصل سجال ثري بينه وبين الناقد عبد القادر القط، أعلن فيه نظريته في اللغة الأدبية وبالأخص لغة القصة، فكتب في جريدة الجمهورية بتاريخ 13 أيار مايو 1960: "اللغة أي لغة لا تهبط على أبنائها من عالم الغيب ولا تتفجر لهم من باطن الأرض، ولكنهم هم الذين يخلقونها ويطوّرونها ويبدّلون فيها ويغيّرون، والقواميس والمعاجم التي وضعت للغتنا أثبتت ألفاظها لا على أساس أصلها وفصلها، ولكن على أساس أن العرب استعملوها لأداء هذا المعنى أو ذاك، أي أن اللغة العربية هي فقط اللغة التي يستعملها الشعب العربي بصرف النظر عن منشأ مفرداتها وعن التطور الذي يصيبها. ولو كانت اللغة العربية هي فقط اللغة التي وردت على ألسنة أجدادنا الأقدمين، لكان معنى هذا أننا نتكلم اليوم لغة أخرى".
إن المخرجين والمنتجين ربما أحجموا عن التوغل في عالم يوسف إدريس القصصي لوحشية هذا العالم وتعريته الصريحة للمجتمع المصري، فاكتفت الشاشة الفضية بأفلام "الحرام" لهنري بركات، و"لا وقت للحب" لصلاح أبو سيف، و"العيب " لجلال الشرقاوي، و"قاع المدينة" لحسام الدين مصطفى و"حادثة شرف" لشفيق شامية، و"النداهة"، و"على ورق سلوفان" لحسين كمال، ثم "حدوتة مصرية"، و"عنبر الموت".
*
وأصدر "تشيخوف العرب" أكثر من 20 مجموعة قصصية، من أشهرها "حادثة شرف" و "النداهة" و"اقتلها، كما قد للمسرح كل من "المخططين" والفرافير" و"البهلوان"، وأصدر العديد من الكتب التي تضم المقالات الأدبية والسياسية والفكرية، منها كتاب "فقر الفكر وفكر الفقر"، و "أهمية أن نتثقف يا ناس" و "انطباعات مستفزة"، وفي كتابه "جبرتي الستينات"، وثق ما مر عليه من تحولات سياسية وفكرية خلال فترة الستينات، وقد ذاعت إبداعات أدريس و قدم للسينما أفلام "الحرام" و "لا وقت للحب"، و"العيب"، و "قاع المدينة".
تضم الطبعات الجديدة كتاب الأعمال الروائية الكاملة الذي يحتوي على رواياته البديعة: قصة حب - الحرام - العسكري الأسود - العيب - رجال وثيران- البيضاء- فيينا 60- نيويورك 80. كما قامت دار "نهضة مصر" بإصدار طبعة خاصة لأعماله القصصية الكاملة على جزءين يحتويان على 13 مجموعة قصصية، تضم مئات القصص القصيرة الشهيرة التي كتبها منذ منتصف الخمسينيات وحتى أواخر الثمانينيات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق