Jun 3, 2020
ما هي الملكية الخاصة؟ سؤال طرحه الفيلسوف الفرنسي، جوزيف برودون، قبل قرنين من الزمن، ليجيب قائلاً: "إنّها السرقة"
نسبة الفقر في المجتمع المصري، التي وصلت إلى 32.5 %، بزيادة 5% عن عام 2015، وبحسب الباحث الاقتصادي والكاتب الصحفي، وائل جمال؛ فإنّ هذه النسبة لم تصل إليها مصر من قبل
برنامج التثبيت والتكيف الهيكلي، الذي فرضه صندوق النقد الدولي على مصر أثناء حكم مبارك، ومع اشتداد حرارة الصيف في القاهرة، يهرع الأثرياء إلى فيلاتهم في الساحل الشمالي
ل طبيعة علاقة الدولة بالفقراء، وهل هناك اضطهاد حقيقي يقع على كواهل هؤلاء، حتى في حقهم في زجاجة مياه مثلجة تروي ظمأهم؟ ربما نجد ضالتنا في الفلسفة؛ ففي كتابه "تأسيس المجتمع تخيلياً"، يعزو الفيلسوف اليوناني، كورنيليوس كاستورياديس، مشاكل المجتمعات الرأسمالية، التي تغلّبت فيها الملكية الخاصة، إلى أنّها توقفت عن مساءلة نفسها، فالمجتمع الرأسمالي، كما يشرح، لم يعد يرى أيّ بديل عن نفسه، ومن ثمّ تنصّل من الواجب الذي يحتم عليه فحص صحة افتراضاته حول العلاقات القائمة، ربما يتماسّ هذا الكلام مع واقع المجتمع المصري؛ ففي كلتا الحادثتين، لم نسمع تحليلاً لأسباب وصول المجتمع لتلك الدرجة من انعدام المسؤولية الاجتماعية والأخلاقية، لقتل رجلٍ يروي ظمأه، أو ضرب أب يلبّي رغبة طفلته، ولا يملك قليلاً من المال، ويتماس أيضاً واقعنا المعاش مع ما كتبه جورج أورويل، عام 1984، وتأثير الحداثة بلغتها التي لا تفهم سوى المال، على الطبيعة الإنسانية المحبة في أحيان كثيرة للإيثار.
هل الملكية الخاصة ضدّ طبيعتنا؟
في كتابه "العقل البيولوجي: مدخل فلسفي"، يوضح الفيلسوف الأمريكي، جاستن جارسون؛ أنّ "الإيثار صفة أصيلة في النفس البشرية"، وتعززت هذه الفرضية منذ تتبعها عالم النفس التطوري الأمريكي، مايكل توماسيللو، في تجربته على الأطفال، عام 2009،
الإنسان يميل لمساعدة الآخر، ما دام قادراً على ذلك؛ لأنّه يرى في ذلك سعادة شخصية، وتكمن في مساعدة الآخر، فالأنانية عند جارسون هي صفة مكتسبة وليست أصيلة، يغرسها المجتمع في نفوس أبنائه، وتلعب العوامل النفسية والاقتصادية دوراً مهمّاً في درجة أنانية الفرد، وبعكس الإيثار تخلق المجتمعات الرأسمالية داخل نفوس أفرادها سمة أخرى تناولها سيغموند فرويد وأطلق عليها "التفريد"، باعتباره؛ إعادة ميلاد جديد للإنسان الذي يرى أنّ حضارته المعاصرة هي حدث جديد في حدّ ذاته، نتج عنه إنسان متفرد، ينغمس في ذاتية أشدّ انغماساً، مبتعداً عن المجتمع الذي ينتمي إليه.
وعلى عكس فرويد؛ تناول عالم الاجتماع الألماني، أولريش بيك، مصطلح التفريد، باتجاه آخر، في دراسته المعنونة "ما وراء الطبقة والمكانة"، والتي أرّخت للفردانية باعتبارها تاريخاً متواصلاً غير مكتمل وله مراحله المميزة، ويرى بيك أنّ التفريد ميلاد جديد للفرد، باعتباره سمة دائمة لسيرورة التحديث الوسواسي القهري المتواصل على الدوام، ونجد في تشريح بيك، نقداً لما يُعرف بمدرسة "الفردانية المنهجية"، والتي نبتت في فرنسا، مع اتساع رقعة عملية التحول الاقتصادي التي تنتصر للفرد على حساب الجماعة، وتقدم له الفردانية باعتبارها سلعة، يتكبّد من أجل الحفاظ عليها كلّ ثمن يُطلب منه، حتى لو كان هذا الثمن، هو التخلي عن إنسانيته في جوهرها، يقدّم بيك مجتمع ما بعد الحداثة التي نبتت في الغرب، خلال القرن التاسع عشر، وتمركزت فيه بنزعتها الرأسمالية الذكورية، تحاول أن تسيطر من خلاله على الأطراف، وفي الوقت ذاته تعزّز في الأفراد أنانيتهم، وتعيد تشكيل طبيعتهم، التي في النهاية تحقق الطابع التميزي الذي يتفاخر به الغرب ضدّ العالم نفسه.
جحيم الملكية الخاصة
مثل تلك الممارسات التي تحرم الفرد من أبسط حقوقه، تمارس بدافع حماية الملكية الخاصة، والتي تعرضت لها جميع مدارس الاقتصاد بوجهات نظر متباينة، فالنيوليبرالية، باعتبارها المعزز الأكبر لمفهوم الملكية الخاصة، تطرحها كمسألة حياة أو موت، لا تعبأ بالجماعة،
سلسلة أفلام التطهير أو (The Purge)،
التي قدّمها في أربعة أفلام، بداية من عام 2013، ويمكن أن نطلق عليها "فانتازيا المجتمع المعاصر"؛ حيث خصّصت الحكومة الأمريكية يوماً من كلّ عام، يُسمح فيه للجميع أن يقتلوا دون أن يخضعوا للقانون، وعليه يخرج الأغنياء أصحاب المال والنفوذ بعد حماية منازلهم بحراسات مشددة، وبوابات إلكترونية، شديدة الأمان، حاملين بنادقهم وأسلحتهم لاصطياد الفقراء والسود، وبالطبع هؤلاء غير قادرين على امتلاك الأسلحة، بعد أن حظرت الدولة بيع الأسلحة لهم، ما يمنح الأثرياء فرصة ذهبية لتخليص المجتمع من الفقراء والضعفاء غير المرغوب فيهم، باعتبارهم عبئاً على اقتصاد الدولة، وعقبة في طريق الأغنياء لتحقيق مزيداً من الرفاهية، أمّا في الواقع، ربما لم يصل الأمر حدّ المواجهة الصريحة بين الأغنياء والفقراء بعد، ولكن الحداثة بمفهومها الصلب، الخالي من الإنسانية، أعادت تشكيل الطبقات الاجتماعية بشكل منفصل، ربما أشد وطأة من الفصل العنصري، محاولة أن تُخضع الفقراء لتأثير الدين والرضا بما يملكونه، لأنّ الله من أرادهم فقراء، وليس لأنّ الموارد توزَّع بشكل غير عادل".
ربما كان هذا هو سبب كراهية كلٍّ من التيار الإسلامي والنيوليبرالي لأفكار الفيلسوف الألماني، كارل ماركس، بشأن الملكية الخاصة، فالإسلام كما قدّمه الإخوان المسلمون، الذين يعدّون تياراً سياسياً إسلامياً بالمقام الأول، يعزّز الملكية الخاصة، ولا يضع شروطاً تحدّ من الفقر، غير آليات التكافل الاجتماعي، والصدقات والزكاة، وهي بدورها إعادة إنتاج للفقر نفسه؛ ففي المجتمع الإسلامي يجب أن يكون هناك أثرياء وفقراء، الأثرياء ينفقون من أموالهم فضلاً، فيأخذوا مباهج الدنيا بأموالهم، والآخرة بصدقاتهم، والفقراء يأخذون ليحصل الأغنياء على الثواب الأخروي، الذي ينتظره الفقراء على مضض؛ ففي أحد أشهر أدبيات الإسلام، التي يتغني بها هذا التيار، مفهوم اليد العليا، والتي هي خير من اليد السفلى، يصبح الفقراء أنفسهم وسيلة عبور الأثرياء إلى جنّة الآخرة، لذلك إلغاء الملكية الخاصة هو أكثر ما يقضّ مضاجع الأثرياء، ويدفعهم لأن ينفقوا مزيداً من الأموال، كي يستمرّ الوضع على ما هو عليه.
وفي كتابه "نقد فلسفة الحقّ عند هيجل، تحدّث عن إلغاء الملكية الخاصة، باعتبارها سبب جحيم العمال الذين عاصروه في مطلع الثورة الصناعية الثانية"، قائلاً: "عندما تعلن البروليتاريا عن انحلال النظام السالف؛ فهي تفصح عن سرّ وجودها ذاته، لأنّ هذا السرّ يمثل الانحلال الفعلي لهذا النظام، عندما تطالب البروليتاريا بإلغاء الملكية الخاصة، فإنّها لا تفعل سوى أنّها تنادي بأساس للمجتمع، ما جعله المجتمع أساساً لها، وهو ما تمثله البروليتاريا، دون إرادة منها؛ حيث إنّها الحصيلة السلبية للمجتمع، عندئذ يجد البروليتاري نفسه، بالنسبة إلى العالم المقبل، متمتعاً بالحقّ نفسه الذي يتمتع به الملك الألماني بالنسبة إلى العالم القائم، وذلك عندما يقول عن الشعب إنّه شعبه، كما يقول عن الحصان إنّه حصانه، فالملك، بإعلانه أّنّ
الشعب ملكية خاصة له، لا يعني سوى أنّ صاحب الملكية الخاصة ملك".
لماذا يكرهون ماركس؟
يناقش كارل ماركس مسألة الملكية الخاصة في معظم كتاباته، بدءاً من المسألة اليهودية، وانتهاءً برأس المال، على قمة باكورة أعماله الفلسفية؛ ففي المسألة اليهودية، قدّم ماركس نقداً للمادة 16 من دستور 1793، والتي نصّت على أنّ "حقّ الملكية هو حقّ يجب أن يتمتّع به كلّ مواطن، كما يريد، بممتلكاته ومدخولاته وثمار عمله واجتهاده، ويتصرف به"، ليردّ ماركس بقوله: "إذاً؛ فحقّ الإنسان في الملكية الخاصة هو حقّه في أن يستمتع ويتصرف بثروته كما يريد، دون مراعاة الناس الآخرين، وبصورة مستقلة عن المجتمع، حقّ المنفعة الذاتية، إنّ تلك الحرية الفردية واستخدامها المطلق، يشكلان أساس المجتمع البرجوازي".
*
مصر الأخرى في الساحل الشمالي تحرج الحكومة أمام البسطاء
أعمال شغب وقنابل مسيلة للدموع في حفل عمرو دياب على الساحل الشمالي تثير ردود فعل متباينة على مواقع التواصل الاجتماعي.
يزدهر خلال شهري يوليو وأغسطس، لأن العديد من أعضاء الطبقة المخملية يقيمون في قرى سياحية ممتدة من الإسكندرية شرقا إلى مدينة السلوم غربا بالقرب من الحدود مع ليبيا.
انشغل مصريون بمتابعة أخبار حفل المطرب الشعبي حمو بيكا في قرية مارينا بالساحل الشمالي الذي قرر إقامته للسيدات فقط، واختلطت الحقيقة بالخيال حيث تصور البعض أنه ممنوع حضور الرجال، وفقا للإعلان التشويقي، إلى حين تبين أن الحفل سيقام على شاطئ خاص بالسيدات من الطبيعي أن يكون ممنوعا على الرجال، لكنه فتح على مصراعيه إشكالية البكيني والبوركيني في الساحل الشمالي.
تضاعفت السخونة مع قرار نقابة الموسيقيين إلغاء الحفل لوقف الجدل وساقت مبررا بأن مطرب المهرجانات الشهير حمو بيكا لم يحصل على التصاريح اللازمة لمزاولة المهنة، بالتالي لا يحق له إقامة الحفل.
بدا نشاط الساحل الشمالي في مصر محصورا في الحفلات الغنائية والموسيقية، فقد أثارت حفلة أقامتها الفنانة روبي ردود فعل متباينة لأن مواقع التواصل الاجتماعي رددت أنها رفضت دخول المحجبات الحفل.
وأطلقت الشرطة المصرية غازا مسيلا للدموع لتفريق جمهور المطرب الشهير عمرو دياب ممن لم يتمكنوا من دخول حفله في مدينة العلمين الجديدة، على الرغم من حصولهم على تذاكر ودفعوا ثمنها الباهظ، ما جعل الحفل أشبه بمظاهرة شعبية.
زاد الإقبال على الساحل الشمالي هذا العام مع تشييد الحكومة المصرية مجموعة كبيرة من الطرق والجسور التي تربط القاهرة بمدينة العلمين الجديدة التي سوف تصبح مقرا للحكم خلال فترة الصيف وجرى توفير كافة الإمكانيات اللوجستية لها.
سعيد صادق: استئثار شريحة بالرفاهية يقود إلى الاستقطاب المجتمعي
وأوحت القصص والحكايات التي راجت حول ما يقوم به سكان الساحل الذين ينقلون سكنهم خلال فصل الصيف للإقامة في قراه الراقية بأن هناك مصرين، مصر التي تكافح الحكومة لتخليصها من الفقر والعشوائيات عبر برامج اجتماعية متعددة، وتلك التي تستمتع بحفلات السهر الصاخبة في حضرة كبار المطربين.
وتبدو الحكومة في نظر مصر الأولى، أي الفقيرة التي تكافح للخروج من زحمة العشوائيات، متهمة بالعمل كثيرا لخدمة مصالح أهالي مصر الثانية التي تعيش حياة رغدة وكأن الرقابة الرسمية غائبة عنها.
خلق الشعور بالازدواجية حالة احتقان جراء الشعور بأن ثمة تفرقة في تطبيق المعايير، ففي الوقت الذي تعاني منه الأولى من أزمات بسبب تراكم ارتفاع الحصيلة الضريبية المفروضة عليها، لا يطبق ذلك بصورة تصاعدية مع الثانية.
وتبرر الكثير من الأصوات الممتعضة مما يحدث في الساحل الشمالي موقفها بأن الطريقة التي تخطط بها الحكومة للتنمية وإقامة المشروعات السكنية هناك تستهدف فقط شريحة الأغنياء بشكل يكرس التمييز الطبقي في المجتمع، لأن البسطاء وأفراد الطبقة المتوسطة لا يمكنهم الوصول إلى هذه الأماكن أو الاقتراب من أسوارها.
ما يلفت الانتباه أن هناك دوائر قريبة من الحكومة على دراية كاملة بما يجري من تمييز ضد الشريحة السكانية التي يلتزم أفرادها بالتقاليد، لأن جمهور الساحل لديه طقوس وأعراف خاصة ولا يسمح غالبيته لفئات أخرى الاحتكاك به.
ووجه حسام صالح الناطق الرسمي باسم الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية (التي تستحوذ على أغلب المؤسسات الإعلامية في مصر) نقدا حادا على حسابه الرسمي بموقع فيسبوك، قبل أيام، لإحدى قرى الساحل الشمالي الشهيرة، بعدما تم منعه من شراء مبنى سكني هناك (شاليه) لأنه غير مخصص للمحجبات، ما أثار غضبه لأن زوجته وابنته محجبتان.
وقال صالح “أسوأ سؤال سمعته من ممثلة مبيعات إحدى قرى الساحل الشمالي المعروفة جدا، زوجة حضرتك أو بنتك محجبة؟ لأنه ممنوع الشراء من منتجاتهم إذا زوجتي أو بنتي محجبة”. وأردف “فعلا أصابني غثيان أن بلدنا أصبح فيها سؤال مهين مثل هذا”.
وأوضح سعيد صادق أستاذ الاجتماع السياسي بالجامعة الأميركية أن زيادة الشعور بأن هناك شريحة معينة هي من تستأثر بالرفاهية والسعادة والمال والشواطئ الرائقة وترفض الاحتكاك بباقي الفئات يقود إلى الاستقطاب المجتمعي.
تطبيق العدالة الاجتماعية المدخل الأهم للسعادة ودونها يتحول المجتمع إلى جزر منعزلة عن بعضها في الطموح والأحلام والنظرة للآخر، ما يؤثر سلبا على التماسك الوطني ويوسع الفجوة بين البسطاء والأغنياء والحكومة.
من حق الأثرياء أن يعيشوا سعداء وعدم النظر إليهم بشكل يثير الحقد والضغينة، شريطة تطبيق مفهوم السعادة العادلة وعدم غلق الشواطئ وأماكن الترفيه على فئات بعينها لمجرد أنها مقتدرة ماديا وتحريمها على باقي الفئات، لأن من ضمن حقوق الإنسان الحق في التملك المشترك للموارد العامة.
تملك مصر شواطئ ممتدة على البحر الأحمر تخلو من الظاهرة التي تطفو على السطح خلال فصل الصيف بالنسبة للساحل الشمالي المطل على البحر المتوسط، لأن شواطئ الأول تعج بالقرى السياحية العامة وتضم مصريين من مختلف الطبقات دون تفرقة أو تمييز مجتمعي، بينما أدت الملكية الخاصة في الثاني إلى هذه المشكلة التي هي في حاجة إلى معالجة حكيمة قبل تفاقمها وتتحمل نتائجها الحكومة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق