May 30, 2021
استطاع “الحشد” إيجاد وضع قانوني لنفسه وتحويل نفسه إلى مؤسسة رسميّة عراقيّة. معنى ذلك خلق وضع غير طبيعي في العراق وتكريس للسيطرة الإيرانية عليه وذلك في ضوء الحرب الأميركية – الإيرانية التي أسفرت في العام 2003 عن سقوط النظام الذي كان على رأسه صدّام حسين. كان سقوط نظام صدّام طبيعيا. كان مفترضا به أن يسقط وإنّما في ظروف مختلفة تأخذ في الاعتبار الحاجة إلى البحث عن بديل معقول له من جهة والطموحات والأطماع الإيرانية في العراق من جهة أخرى.
ما حدث قد حدث في العام 2003 وفي السنوات التي تلته. في ربيع 2003 عادت الميليشيات العراقية الموالية لإيران، ومنها من شارك إلى جانب “الجمهوريّة الإسلاميّة” في حرب السنوات الثماني، على دبابة أميركية إلى بغداد. ما يحصل اليوم نتيجة طبيعية لإصرار تلك الميليشيات على لعب دور “الحرس الثوري” في إيران، أي تحوّلها إلى السلطة الحقيقية.
تلك هي المدرسة الإيرانية في التعاطي مع دول المنطقة. تقوم هذه المدرسة على إنشاء ميليشيات تابعة لها في هذه الدولة العربيّة أو تلك على أن تصبح السلطة الحقيقية في يد هذه الميليشيات لا أكثر ولا أقلّ. يظل لبنان، حيث مؤسسات الدولة في حال احتضار، أفضل مثل على مدى النجاح الإيراني في إدارة بلدان أخرى عن طريق ميليشيا مذهبيّة.
تبدو المعركة الدائرة في العراق في غاية الوضوح، خصوصا بعد اعتقال السلطات الرسميّة لقاسم مصلح قائد عمليات “الحشد الشعبي” في الأنبار. انقسم البلد بين داعم للحكومة برئاسة مصطفى الكاظمي من جهة وداعم لـ”الحشد” من جهة أخرى.
*
لا سيادة ولا كهرباء ولا خدمات وانتشار للبطالة والفقر والسلاح المنفلت ويقولون إن المقاومة نجحت في إفشال المؤامرة الكونية على العراق! كيف لو نجحت المؤامرة لا سمح الله.
*
Jun 29, 2021
فرض الحضن العربي على العراق فرضا ولانتزاعه من الهيمنة الإيرانية بقوة النفط والغاز والكهرباء والفواكه والخضار، أم هي موافقة ضمنية أردنية مصرية بتبعية العراق لإيران.
فالرئيس المصري عبدالفتاح السيسي يملك وحده الكلمة العليا في الدولة المصرية، ويَقدر، وحده، أن يناقش أي أمور سيادية عليا وكبرى مع نظرائه في الدول الأخرى، وأن يتخذ فيها القرار النهائي نيابة عن مئة مليون مصري، دون أن ينتظر موافقة دولة أخرى داخل الدولة المصرية أو خارجها. فليس في مصر حشد شعبي، ولا لمصر جارة كإيران.
والملك عبدالله بن الحسين، ملك الأردن، هو الآخر، صاحب قرار ومن صلاحياته أن ينوب عن الحكومة الأردنية، وعن البرلمان، والجيش، والشعب، وأن يتخذ القرار الذي يرى فيه مصلحة المواطن الأردني في حاضره وفي غده القريب أو البعيد.
*
من جمهورية الخوف إلى جمهورية الفوضى
2021/4
كتاب (جمهورية الخوف) للأستاذ كنعان مكّية وكيفية عمله على توثيق نمطية إدارة الدولة الدكتاتورية لمنظومة العنف والإرهاب، إذ كان شاهداً على حقبة ملأى بالألم والمآسي من تاريخ العراق المعاصر. يقول مكيّة في مقدمة كتابه: "إنَّ الخوف، لم يكن أمراً ثانوياً أو عَرَضياً، مثلما في أغلب الدول "العادية"، بل أصبح الخوف جزءاً تكوينياً من مكونات الأمّة العراقية". وبسبب ممارسات العنف من القتل والتهجير "كان يغرس في كلّ من الضحية والجلّاد القيم ذاتها التي يعيش ويحكم من خلالها. فعلى مدار ربع قرن من الزمان، جرت عمليات إرساء الحكم على مبادئ من عدم الثقة، والشك، والتآمرية، والخيانة التي لم تترك بدورها أحداً إلا وأصابته بعدواها."
يبدو أن تبادل الأدوار بين الضحيّة والجلّاد جعلتنا ندور في حلقات الفوضى، إذ بدلاً من أن يكون لدينا نظام حكم ديمقراطي، ركزت الطبقية السياسية على ترسيخ حكم الأوليغارشيات التي تستمدّ رمزية زعامتها من الانتماءات ما قبل الدولة: الدين، الطائفة، القوميّة، القبيلة. وبالنتيجة ثمانية عشر عاماً تراكمت فيها السياسات الفوضوية والتي أصبحت هي المنظومة التي تحكم العمل السياسي، أي أن محاولة الخروج من دوائرها باتت بمثابة التمرّد على النظام السياسي!
نجد الكثير من زعماء الطبقة السياسية يجاهرون بالاعتراف بفشل النظام السياسي وعجزه عن القيام بالوظائف التي يرجوها المواطن. ولكن عندما تخرج حركات احتجاج شبابية تطالب بتحقيق الإصلاح، تواجَه بالبطشِ والقوّة، وتتعرَّض لحملة اعتقالات، وتصفية جسدية. ومن دلالات جمهورية الفوضى أن تتبادل الأدوار بين القوات الأمنيّة الرسمية وبين جماعات قوى اللادولة في مواجهة التظاهرات!
مرَّ العراق بكل الأعراض المرضية التي تكون ناتجة عن تغير الأنظمة الشمولية، من حرب أهلية، ومواجهة جماعات متمرّدة ورافضة التغيّر السياسي، وبروز زعماء وأمراء الحروب، وظهور المافيات. لكنْ أن تؤسس الفوضى لأعراف وممارسات سياسية فهذه هي الكارثة الحقيقة التي حلَّت بالبلادِ والعباد! إذ رغم إجراء انتخابات كلّ أربع سنوات، إلا أن هذه الانتخابات لا يمكنها أن تتنج حكومة إلا بعد توافق أمراء الطوائف السياسية، ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل لن تتم الموافقة على الحكومة إلا بحضورٍ وتدخلٍ خارجي!
في جمهورية الفوضى، لا تكون الحكومة وكيلةً عن الدولة، وإنما هي وكيلة الأوليغارشيات السياسية التي تبتلع الدولةَ ومؤسساتها، ولذلك تكون مهمة الحكومة الرئيسة إدارة الريع الاقتصادي لِلدولة لِصالح الأحزاب والطبقة السياسية. وما يتبقّى من هذا الريع يتمّ توزيعه رواتبَ لموظفي القطّاع الحكومي، وحتّى هذه الرواتب بات توفيرها من قبل الحكومة يعتبر منجزاً يستوجب الثَّناء والامتنان من قبل المواطنين.
يمكن تشخيص مستوى الخراب في جمهورية الفوضى، إذ في العراق فقط تتحدث الحكومات عن (موظفين فضائيين)! وهذه التسمية لم تكن سخرية إعلامية، بل هي تشخيص لمشكلة في حسابات أعداد الموظفين في القطّاع الحكومي أعلن عنها رئيس الوزراء الأسبق الدكتور حيدر العبادي. وإذا كان حديث السيّد العبادي عن منتسبي القوات المسلّحة، فإنَّ وزيرَي التخطيط والمالية في حكومة الكاظمي يؤكّدان عدم وجود إحصائية دقيقة لدى الحكومة بأعداد الموظفين!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق