الأربعاء، 18 أغسطس 2021

مناوشة كلامية بين شيخ الأزهر ورئيس جامعة القاهرة تثير الجدل في مصر . المعركة مع شيخ الازهر

Jan 29, 2020

رد شيخ الأزهر أحمد الطيب بمنطق علمي رئيس جامعة القاهرة محمد الخشت في حديث بشأن "التجديد والحداثة في الدين" خلال مؤتمر ينظمه الأزهر الشريف بالقاهرة

وقال الشيخ الطيب خلال جلسة "دور المؤسسات الدولية والدينية والأكاديمية في تجديد الفكر الإسلامي"، بمؤتمر الأزهر العالمي للتجديد في الفكر الإسلامي: "إن الحرب على التراث بذريعة الحداثة هو شيء مصنوع تماما من خارجنا لتفويت الفرص علينا، وكنت أود أن تكون كلمة تلقى في مؤتمر عالمي دولي وفي موضوع دقيق وهو التجديد، أن تكون معدة سابقًا ومدروسة، وليست نتيجة تداعي الأفكار والخواطر".

وأوضح أن "رئيس الجامعة نادى بترك مذهب الأشاعرة وتحدث عن أحاديث الآحاد، وقال له إن الأشاعرة لا يقيمون فقههم على أحاديث الآحاد، وإنني درست ذلك في المرحلة الثانوية في الستينيات، وهم لا يقيمون مسألة واحدة في أصول العقائد إلا على حديث متواتر".

وأشار إلى أن هذا التراث الذي يتم التهوين من شأنه اليوم خلق أمة كاملة وتعايش مع التاريخ، لكن تصوير التراث على أنه يورث الضعف والتراجع فإن ذلك يعد مزايدة عليه، وأضاف نحن نحفظ عن الإمام أحمد بن حنبل ما يؤكد أن التجديد مقولة تراثية وليست حداثية، وأن الحداثيين حين يصدعوننا بهذا الكلام يزايدون على التراث وعلى قضية الأمة المعاصرة الآن، والتراث ليس فيه تقديس، وهذا تعلمناه من التراث نفسه وليس من الحداثة".

وفيما يتعلق بأن القرآن قطعي الدلالة وتشكيك البعض فيما يعرف بالحقيقة المطلقة، رفع شيخ الأزهر نسخة من كتاب للدكتور الخشت، وسأله: هل تعتقد أن كتابك هذا مطلق ولا تشك فيه؟! وهنا ضجت القاعة بالتصفيق لشيخ الأزهر، وقال الدكتور الخشت إنه يمكن أن يرد وسوف يرد عندما يرغب فضيلة شيخ الأزهر، لكن الدكتور الطيب استمر في مداخلته.

 إذا كنت تتوقع ان هذا الكلام في هذا الكتاب مطلق فقد سقط مذهبك، وإذا كنت تعتقد ان هذا الكلام مشكوك فيه، فأرجو حين تتأكد مما ورد فيه أن تهدي الي الكتاب".
وبدا أن رئيس جامعة القاهرة الدكتور محمد الخشت كان قد أهدى نسخة من كتاب له بعنوان "نحو تأسيس عصر ديني جديد" لفضيلة شيخ الأزهر قبل بدء جلسة المؤتمر.

وتابع الطيب "أما قصة أن القرآن قطعي الدلالة وظني الدلالة ليست مقولتي ولا مقولتك، تلك مقولة التراثيين، وتعلمناها من التراث"، موضحًا: "درست العلوم الحديثة في المرحلة الثانوية، ودرسنا في أصول الدين البحث العلمي وعلم الاجتماع، أما تصويرنا أننا ليس معنا سوى المصحف والتفسير، فإن هذا الأمر يحتاج إلى مراجعة".

واستطرد "الفتنة الكبرى من عهد عثمان، هي فتنة سياسية وليست تراثية، وأنت كرئيس للجامعة يقتدي بك ويستمع لك طلابك، والسياسة تختطف الدين اختطافًا في الشرق والغرب، حين يريدون تحقيق غرضً لا يرضاه الدين".

وكان رئيس جامعة القاهرة الدكتور محمد الخشت، قد دعا إلى ضرورة تجديد علم أصول الدين، بالعودة إلى المنابع الصافية وهي القرآن الكريم وما صح من السنة النبوية المطهرة.

وأضاف "إن التجديد يقتضي تغيير طرق التفكير وتغيير رؤية العالم، ويقوم على رؤية جديدة عصرية للقرآن الكريم بوصفه كتابًا إلهيَا مقدسًا يصلح لكل العصور وكل الأزمان".

وذكر شيخ الأزهر أنه كان في منتهى الخزي حينما شاهد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب يخطط للأمة مع رئيس وزراء الإسرائيلي نتنياهو.
وقال إن الأمة ابتلعت الطعم في تكرار نفي تهمة الإرهاب عن الإسلام وانشغالنا بها، وأننا فشلنا في صناعة "كاوتش سيارة" ونشتري السلاح لنقتل بعضنا بعضا ونقتل أنفسنا.
ولاقت كلمة شيخ الأزهر ترحيبا واسعا من قبل المصريين على مواقع التواصل الاجتماعي، ووصفوها بأنها ردت الإساءة عن التراث الديني من الإهانة.
وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي أجزاء من الكلمة في إشارة وتأكيد لما جاء فيها.
ورد الخشت على مداخلة الدكتور الطيب وقال إن شيخ الأزهر فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب فرق بين الأحكام الثابتة والمتغيرة، وأقول إن هناك فرقا بين المتشابهات والمحكمات ، مشيرًا إلى أن "هناك تعددية الصواب، فالقرآن به ما هو قطعي الدلالة وما هو ظني الدلالة، وظني الدلالة أكثر حتى تتعدد المعاني، لذا فالصواب ليس واحدًا، وهو ما أكده الرسول صلى الله عليه وسلم في قضية صلاة العصر في بني قريظة".
ودعا الخشت إلى تطوير العلوم الدينية وليس إحياءها، وقال "لو عاد الإمام الشافعي لعصرنا الحالي لأتى بفقه جديد".
وحيا الخشت، شيخ الأزهر على فتح اجتهادات مختلفة وجديدة خارج مؤسسة الأزهر، مؤكدًا: "تربيت على الأزهر، واعتبر نفسي تلميذًا بين يدي الإمام شلتوت".

*

«من الضرورى تجديد علم أصول الدين بالعودة إلى المنابع الصافية من القرآن وما صح من السنة النبوية، والواقع الحالى للعلوم الدينية ثابت مُقام على النقل والاستنساخ (مفيش تحليل نقدى أو علمى)، ويجب تطوير علوم الدين وليس إحياء علوم الدين، لو عاد الشافعى لجاء بفقه جديد، وكذلك ابن حنبل لو عاد لجاء بفقه جديد، وهناك اتهام بالتشدد لابن حنبل، وأنا هنا بتكلم قدام المشايخ، سنجد أن لابن حنبل ٣ آراء فى المسألة الواحدة».

وأضاف: «مازلنا أسرى أفكار الأشاعرة والمعتزلة، والعقيدة الأشعرية تقوم فى جزء كبير منها على أحاديث الآحاد، ولا نزال نعيش فترة فتنة سيدنا عثمان حتى الآن، والخطاب الدينى أُنشئ لعصر غير عصرنا وتحديات مختلفة».

من جانبه رد «الطيب»: «رئيس الجامعة نادى بترك مذهب الأشاعرة، وتحدث عن أحاديث الآحاد، وأقول: الأشاعرة لا يقيمون عقيدتهم على أحاديث الآحاد، وإنما الحديث المتواتر».
وقال: «التراث الذى نهوّن من شأنه اليوم ونهوّل فى تهوينه خلق أمة كاملة وتعايش مع التاريخ، قل لى حضرتك: كيف كان يسير العالم الإسلامى قبل الحملة الفرنسية؟ كان يسير على قوانين التراث، ونحن نحفظ من الإمام أحمد بن حنبل ما يؤكد أن التجديد مقولة تراثية وليست مقولة حداثية، والفتنة الكبرى من عهد عثمان هى فتنة سياسية وليست تراثية».
وأضاف «الطيب»: «درست العلوم الحديثة فى المرحلة الثانوية، ودرسنا فى أصول الدين البحث العلمى وعلم الاجتماع، أما تصويرنا على أننا ليس معنا سوى المصحف والتفسير فهذا الأمر يحتاج إلى مراجعة».
من جانبه، عقّب «الخشت» على رد «الطيب»، مؤكدًا أنه ليس من دعاة هدم التراث أو حذفه، ولكن مَن يعتقد بعصمة التراث فعليه أن يراجع نفسه جيدًا، وأضاف: «أنا مسلم، ولست أشعريًا أو أتبع أى تيار آخر، وأحترم الأزهر بشدة، وأتفق معه فى بعض الأمور وأختلف فى أخرى».

*

حرب التجديد والثوابت.. كيف نفهم المواجهة بين شيخ الأزهر والسلطة المصرية؟

فالشيخ أحمد الطيب أصبحت مواجهاته الصريحة ضد مشروع التجديد الديني الذي يرعاه السيسي ظاهرة للعيان وملفتة للنظر، حتى أصبح الكثيرون في حيرة من أمرهم بين مواقف الطيب المتصلبة في حفاظها على الثوابت الدينية ضد مشروع السلطة، ومواقفه السياسية العامة التي تأتي في سياق شرعنة الواقع السياسي الحالي في مصر، يشرح هذا التقرير كيف يمكن فهم سلوك شيخ الأزهر في الحالتين.

 "أنا بقول لفضيلة الإمام كل ما أشوفه أنت بتعذبني، فيقولي أنت بتحبني ولا لأ.. ولا حكايتك إيه؟
أنا بحبك وبحترمك وبقدرك وإياكم تكونوا فاكرين غير كده تبقى مصيبة"
(عبد الفتاح السيسي)
 وقبل أن ينطلق السيسي ليتحدث كعادته في المناسبات الدينية عن "التجديد الديني"، وقف أحمد الطيب، شيخ الأزهر، في مناورة جديدة من مناوراته الإعلامية التي باتت تتكرر بينه وبين السيسي في كل مَحفل رسمي. حذّر الطيب حينها من دعاوى التجديد التي تُنكر السُنة، مضيفا أن القرآن لا يمكن الاستغناء به عن السنة، وواصفا هؤلاء المنكرين بأن الشك والريبة تجمعهم، ليقاطع المستمعون كلامه بتصفيق حار ثناء على كلامه.
هذا الحديث قد أثار حفيظة السيسي، وهو ما جعله يشتبك مباشرة مع ما قاله الطيب بقوله: "أرجو ألا يفهم أحد كلامي على أنه إساءة لأحد"، وليؤكد أن "الإشكالية في عالمنا الإسلامي حاليا ليست في اتباع السنة النبوية من عدمها، فهذه أقوال بعض الناس، لكن المشكلة هي القراءة الخاطئة لأصول ديننا، وهذه المرة الرابعة أو الخامسة التي أتحدث فيها معكم، كإنسان مسلم وليس كحاكم". ويتساءل السيسي: "من أساء إلى الإسلام أكثر: الدعوة إلى ترك السنة النبوية والاكتفاء بالقرآن فقط، أم الفهم الخاطئ والتطرف الشديد؟".
 والطيب الذي يُخاطب السيسي واصفا إياه "بفخامة رئيس الجمهورية"، هو من يُعاتبه السيسي على الملأ قائلا: "تعبتني يا فضيلة الإمام"، والطيب الذي يتلقى دعما سخيا ومستمرا من الإمارات، هو الصوفي الزاهد في الدنيا ومتاعها! فكيف يفكر شيخ الأزهر؟ وأين يقف في كل موقف يستجد؟! وهل يقف مع السيسي في كل كبيرة وصغيرة أم أنه يتبع ما يُمليه عليه ضميره وحسب؟! أم أن هناك أبعادا متشابكة كوّنت مواقف الطيب ورؤيته؟
المواجهات بين الطيب والسيسي بداية من طلب السيسي من شيخ الأزهر القيام "بثورة دينية" موجها الحديث له على الهواء مباشرة: "أنتم المسؤولون أمام الله عن ذلك، والله لأُحَاجيكم يوم القيامة".واتخذ أسامة الأزهريفالطيب، ذو التعليم الأزهري القديم، كتب عددا من أبحاثه حول التراث وأهمية المحافظة عليه من العبث، ومنها بحثه "التراث والتجديد: مناقشات وردود". السيسي بقوله: "تعبتني يا فضيلة الإمام" مطالبا إياه بإصدار فتوى تُبطل وقوع الطلاق الشفوي. وفي الأسبوع نفسه كان رد هيئة كبار العلماء، والتي يرأسها الطيب، بالرفض لهذا الاقتراح العلنيّ، وهو ما اعتبره البعض محاولة لإيقاف العبث الذي يتم باسم التجديد، لا سيما مع ضم الهيئة لعلماء كبار أظهروا معارضتهم لانقلاب السيسي مثل الشيخ حسن الشافعي ومحمد محمد أبو موسى والمفكر المصري محمد عمارة [أ]. وذيّلت هيئة كبار العلماء بيانها بإشارة ضمنية للحكومة ناصحة "بأن يَصرِفوا جُهودَهم إلى ما ينفعُ الناس ويُسهم في حل مشكلاتهم على أرض الواقع، فليس الناس الآن في حاجةٍ إلى تغيير أحكام الطلاق، بقدر ما هم في حاجةٍ إلى البحث عن وسائل تُيسِّرُ سُبُلَ العيش الكريم"[3].الطيب والطريق إلى السياسةفأحمد الطيب، ابن الصعيد، شخصية هادئة لكنها عنيدة فيما تعتقده ولا يقبل التنازل بسهولة، وهو ما يجعل نَفَسه طويلا في المعارك التي يخوضها حتى تكون له الغلبة. وعلى الرغم من الغارات التي يشنّها الطيب في مخالفة ما تتبناه الدولة من مفهوم "تجديد الدين"، فإن حرصه على استمرار الدولة ومؤسساتها وعدم المساس بها هو ما يُحركه، والذي يعتبر الأزهر جزءا منها.أدّت نشأة الطيب في الصوفية الطُرقية إلى القبول بموقف الدولة من الإسلام السياسي، وزاد من ذلك  عدم انتماء الطيب إلى مفاهيم الحركة الإسلامية في تطوراتها المتواليه، وهو ما يعكس حدّة في تصريحاته من التيارات الإسلامية الخارجة عن النطاق المعتاد للدولة، لا سيما الإخوان المسلمين، على العكس من تصريحات شيوخ آخرين في هيئة كبار العلماء مثل حسن الشافعي ومحمد عمارة، نظرا لجمعهم بين الأزهر والحركة في فترات من حياتهم.وتكمن منازعات الطيب والسيسي فيما يتصل بملف "تجديد الخطاب الديني"، إذ يريد السيسي عمل قطيعة مع التدين الأزهري العام وتعاطيه مع التراث وعلوم الدين، للخروج بأقوال أكثر عصرية تُساعد في حرب التيارات الدينية صاحبة الفهم المغلوط للدين -على حد تعبيره-.
أما الطيب فيرى أن مجابهة التيارات المتشددة لا يأتي بالقطيعة مع التراث أو تغيير مناهج الإسلام، وإنما بالحجة ونشر صحيح الإسلام. ويعتبر الطيب، ومن خلفه لجنة كبار العلماء، أن المساس بهذه القضايا إنما هو مساس بهُوية الأزهر الدينية وثوابت الأمة الإسلامية، وهو ما يُفسر اهتمام الأزهر الواسع بالإعلام المصري والردود التي يطلقها على أفكار التنوير المصري التي تُبث فيه وعقد المناظرات مع أربابها أو إصدار بيانات في حق أصحابها، وبيان ثبوت القرآن وحجية السنة والدفاع عن كتبها كالبخاري ومسلم وكتب السُنن، وكذا الدفاع عن التاريخ الإسلامي.
 رفع مكتب شيخ الأزهر بلاغا للنائب العام يطلب فيه وقف برنامج إسلام البحيري الذي يبثه من إحدى الفضائيات المصرية، وجاء في نص البيان أن طلب إيقافه إنما هو "اعتراض على ما يبثه من أفكار شاذة، تمس ثوابت الدين، وتنال من تراث الأئمة المجتهدين المُتفق عليهم، وتسيء لعلماء الإسلام، وتعكر السلم الوطني، وتثير الفتن"[15]. كل ذلك لما تُمثّله هذه المعارك من هوية أزهرية يرى شيخ الأزهر أن مهمته في الحفاظ عليها لا تقل عن الوقوف مع الدولة.
*
إذ يرى الدكتور الخشت، الذي كان أستاذ فلسفة في جامعة القاهرة قبيل ترؤسها، ضرورة تجديد التراث الديني بما يتناسب مع مقتضيات العصر الحديث، وهذا لا يتضمن "ترميم بناء قديم" بل "تأسيس بناء جديد بمفاهيم حديثة" لتحقيق "عصر ديني جديد".ورداً على ذلك، أكد شيخ الأزهر على أهمية التراث الذي "خلق أمّة كاملة" وسمح للمسلمين "بالوصول إلى الأندلس والصين"، مضيفاً بأن "الفتنة الحالية سياسية وليست تراثية".فقد أشاد فريق من المغردين بخطاب شيخ الأزهر، معتبرين أن تمسكه بالتراث "لا يتعارض مع التجديد".+كلمة محترمة جدا وصادقة وغير متعارضة مع التجديد ابدا هو لا يريد التخلى عن التراث أى ترجمة وتزييف لكلامه ماهى الا محاولة لإلصاق تهم ومتاجرة رخيصة الرجل متمسك بالتراث مع التجديد وهذا الأمر ليس عليه خلاف كما أنه تحدث كرجل عربي ومسلم شريف .، اعتبر عصام الهجوم على شيخ الأزهر "تصعيدا جديدا للحرب على العلم بكل أشكاله
د. محمد الصغير برد الشيخ أحمد الطيب على الخشت وانتقد "فكر الحداثة الذي يقوم على هدم الثوابت والثورة على التراث".

*

أزمة الطيب والخشت ليست الأولى.. شيخ الأزهر تحت ضغط إعلام السيسي مجددا

خمس سنوات هي عمر السجال بين شيخ الأزهر أحمد الطيب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، على خلفية قضية "تجديد الخطاب الديني"،

وبين الحين والآخر، يكرر السيسي نقده لما يعتبره تقاعسا من المؤسسات الدينية عن القيام بدور تجاه مسألة تجديد الخطاب الديني، فيما تسارع وسائل الإعلام -سواء التابعة للسلطة أو الموالية لها- إلى الهجوم على الأزهر شيخا ومشيخة.

وسط توقعات بالضغط على شيخ الأزهر إعلاميا لتقديم استقالته

"ليس من المستغرب هذا الهجوم الممنهج الذي يتبناه إعلام العسكر، بعد منحهم الضوء الأخضر للتطاول على الأزهر وعلى تاريخه ورموزه وتراثه".
وأشار عبد القوي -في حديثه للجزيرة نت- إلى وجود تربص خلال السنوات الماضية بالأزهر وشيخه، مضيفا "وأتصور أنه لن يصمد كثيرا أمام الهجمات المتتالية والمتتابعة والممنهجة، وسيكون الكيل قد فاض، وسيخرج عن هدوئه المعتاد لدفعه للاستقالة والإطاحة به".

الأزهر أفلت من السيسي

وتعد السلطة الوحيدة التي لا يملكها الرئيس السيسي أو يسيطر عليها بشكل تام هي سلطة تعيين شيخ الأزهر أو عزله، بفضل تحصين المنصب بعد جهود حثيثة قادها الطيب لإقرار تعديلات بعض أحكام القانون رقم 103 لسنة 1961، المتعلقة بإعادة تنظيم الأزهر والهيئات التي يشملها عام 
2012.

ولا يترك السيسي مناسبة إلا يدعو فيها إلى ضرورة "تجديد الخطاب الديني"، محملا مشيخة الأزهر مسؤولية الاستجابة لدعوته التي صرّح بها في الأول من يناير/كانون الثاني 2015، خلال احتفال الدولة بالمولد النبوي الشريف، مطالبا بما وصفها بثورة دينية لتغيير المفاهيم الخاطئة.
في يونيو/حزيران 2016، أطلق الطيب "إستراتيجية الأزهر" في الإصلاحِ والتَجديد، والتي تتضمن 15 محورا، وتعتمد على وسائل التواصل الحديثة سواء من خلال  شبكات التواصل الاجتماعي أو المحطات الفضائية والصحف وغيرها.
لكنه لطالما اشتكى من إغلاق القنوات التلفزيونية والصحف أبوابها أمام الأزهر ومشايخه، مشيرا إلى أنه "كانت هناك حملة على الأزهر الشريف"، وأنها تصب في مصلحة "داعش" (تنظيم الدولة الإسلامية).
*

الشعبوية البائسة.. تجديد ديني على نهج مؤتمرات الشباب

لم يأبه الذين وضعوا قدما في الأندلس وأخرى في الصين لأحاديث الآحاد، ولم يدرسوا المذهب الأشعري. بلغوا تلك الأقاصي قبل وجود ما سمّي لاحقا بالتراث وكان بعضهم يصنع هذا التراث.

أسوأ بداية لعام 2020 ألاّ ينجح «مؤتمر الأزهر العالمي للتجديد في الفكر الإسلامي» إلاّ في الإلهاء العمومي بامتياز، ويصرف أنظار المصريين عن أخطر تحوّل في مسار ومصير القضية الفلسطينية، منذ وعد بلفور عام 1917 وهزيمة يونيو 1967 وزيارة أنور السادات للقدس عام 1977. فبعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في مؤتمر صحافي بالبيت الأبيض وإلى جواره رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تعهّد بلاده بأن تظل القدس عاصمة «غير مقسمة» لإسرائيل، شهدت القاهرة مباراة شعبوية نقلها التلفزيون مباشرة، حول قضية علمية يفترض أن تكون ذات طابع بحثي يتسم بحد أدنى من الرصانة، بعيدا عن حشود التصفيق والهتاف. ولكن شيخ الأزهر حسم الأمر بالدعوة إلى عدم المساس بالتراث.

عنوان المؤتمر محدد بتجديد الفكر، والفكر بالضرورة بشري خلافي وتفاعلي وتراكمي ونسبي، ويرتبط بسياقه التاريخي وحظوظ أصحابه من الوعي. ولا علاقة لهذا المؤتمر بالعقيدة وثوابت الدين وأركانه وشعائره.

لكن الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر فجّر ببساطة فكرة المؤتمر قائلا “ابحثوا عن مشكلة غير التراث.. حرب التراث وحرب الحداثة شيء مصنوع صنعا… الحرب الحقيقية أن جامعاتنا في أكثر من قرن من الزمان.. ومراكز البحث العلمي حتى الآن مش قادرين نصنع كاوتش سيارة”.

ولعله يتحمل جانبا من المسؤولية؛ بحكم رئاسته لجامعة الأزهر لسبع سنوات، فما ثمرة الإنفاق على طلاب كليتيْ الهندسة والعلوم بالأزهر؟ وفي استدعاء البكاء على «الكاوتش» صرْف دراميّ ذكيّ للأنظار عن طبيعة المؤتمر، باستخدام مفردات تهيّج مشاعر الجماهير من مشاهدي التلفزيون، ومعهم حضور أغلبه من الأزهريين يريح ضمائرهم قول شيخ الأزهر “الحداثيون حين يصدّعوننا بهذا الكلام مزايدون على التراث، ومزايدون على قضية الأمة المعاصرة”. ولا أتصور أن ترد كلمة منبرية مثل “يصدّعون” في بحث أو مؤتمر علمي.

 شكوكا في جدوى شعار أطلق بأمر رئاسي في بداية عام 2015؛ لأن الذين وجهّت إليهم الدعوة إلى التجديد هم الأكثر حرصا على التقليد وحماية التراث.

ولا يمكن الرهان على آمال في تجديد الفكر الديني في ظلال خطاب سياسي أحادي سلفي. وسبق أن قلت في مقال “معضلة الخمر في دولة شبه دينية شبه مدنية” إن من يتأمل الخطاب الرئاسي يظن صاحبه “واليا على إمارة إسلامية”، “فبدلا من الاحتكام إلى دستور ينص على محاسبة رئيس الدولة، يحيل عبدالفتاح السيسي تقييم أدائه إلى العدالة في الآخرة، وأن الله وحده من يحاسبه”. ويتأكد هذا الخطاب السياسي في مؤتمرات يحشد لها الآلاف من المدعوين من شباب العالم، لكي نفسّر لهم الماء بعد الجهد بالماء، ونقول لهم إن الإرهاب أسود.

يختلف المؤتمر العلمي عن خطاب شعبوي يؤكد عجز اللغة العربية عن احتمال النقاش. ولن يبقى من هذا “المؤتمر” إلا سجال بين رئيس جامعة القاهرة محمد عثمان الخشت وشيخ الأزهر أحمد الطيب. كلاهما مرتبط بالسلطة. وليس الأول رمزا للتجديد. والثاني لا يلخّص الإسلام وليس حارسا على التراث، وقال في برنامج تلفزيوني إن الحزب الوطني (حزب حسني مبارك) والأزهر كالليل والنهار، كالشمس والقمر لا يمكن الاستغناء عن أيّ منهما. ولم يفكر في الاستقالة من الحزب الوطني حفاظا على هيبة مقام شيخ الأزهر.

ورئيس جامعة القاهرة فيسهل الاستدلال على التباس الفكر والسياسة في أدائه، ففي كتابه “أقنعة ديكارت العقلانية تتساقط” يحاول إثبات لاهوتية فلسفة ديكارت، وأنه “كان يؤكد دوما بإصرار أنه ما من حقيقة فلسفية في مذهبه يمكن أن تكون متنافية مع حقيقة العقائد المسيحية المنزلة”.

ولكن كلام رئيس جامعة القاهرة، في “مؤتمر الأزهر العالمي للتجديد في الفكر الإسلامي”، أكثر عقلانية من انفعال شيخ الأزهر الذي أكد كثيرا أن مقولة التجديد “موجودة في قلب التراث. هذا التراث الذي نهوّن من شأنه اليوم، نهوّن ونهوّل في تهوينه، حمل مجموعة من القبائل العربية التي كانت متناحرة ولا تعرف يمينا من شمال، في ظرف ثمانين عاما، إلى أن يضعوا قدمهم في الأندلس وقدمهم الأخرى في الصين، لأنهم وضعوا أيديهم على مواطن القوة في هذا التراث”. وأضاف أن “مقولة التجديد مقولة تراثية، وليست مقولة حداثية”، وهنا تعالى التصفيق مع هتاف “الله”، فرحا بالانتصار على أعداء التراث.

وتخللت كلمة شيخ الأزهر مقاطعات بالتصفيق بين جملة وأخرى، وضحكات وتعليقات استهجان للرأي الآخر، حتى اقتضى بعضها من شيخ الأزهر أن يشير إلى صاحب التعليق بالصمت، ويأمره “اجلس”، على طريقة زعماء الأحزاب في المؤتمرات الانتخابية.

لو كان هذا المؤتمر علميا بالفعل لبحث تاريخية وضع قدم في الأندلس وقدم في الصين، وقارنها بما يمكن أن يفخر به بريطانيون من ماض لم تكن الشمس تغرب فيه الإمبراطورية، وكذلك الفرنسيون في أعماق أفريقيا، والهولنديون في سومطرة. وربما جرؤ أحدهم على مقارنة القادة والساسة المنتصرين منذ الإسكندر مرورا بعمرو بن العاص وطارق بن زياد ونابليون وصولا إلى جورج بوش. وقد استندوا جميعا إلى حقائق القوة، تحت غطاء أخلاقي.

لم يأبه الذين وضعوا قدما في الأندلس وأخرى في الصين لأحاديث الآحاد، ولم يدرسوا المذهب الأشعري. بلغوا تلك الأقاصي قبل وجود ما سمّي لاحقا بالتراث، وكان البعض منهم يصنع هذا التراث، محكوما بظرف تاريخي لا يستنكر الإغارة وتخيير مواطنين مسالمين بين اعتناق الدين ودفع الجزية. وبعد ارتقاء الضمير الإنساني جرّم قتل الأسرى والاسترقاق وتوزيع السبايا. فكيف يستدعي مثل هذا التراث في مؤتمر للتجديد؟

ابتذال المعنى في قضية تجديد الخطاب الديني

ابتذل مصطلح “الثورة الدينية” في مصر، منذ إطلاقه بأمر رئاسي أول أيام عام 2015. طرف وحيد لم يبتذل مصطلح “الثورة الدينية”، بل سعى إلى ترويضها واحتوائها،
 فقه ديني كان اجتهادا بشريا ينتظر اجتهادا عصريا. في هذا السياق ليس أسهل من الاتهام بهدم تراث الأمة، بل ذهب الشيخ علي جمعة، مفتي مصر السابق الذي لا يريد أن يتقاعد، إلى أبعد منذ ذلك، قائلا في ندوة بمقر المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة، يوم 17 يناير 2015 إن من ينتقدون كتب التراث “تافهون… هدم كتاب التراث هدم للأمة”.

الاحترام خاص بتقدير الضعف البشري في الدفاع عن “أكل العيشْ”؛ فليس من المنطق أن يثور رجل الدين عما وهب عمره للدفاع عنه، ولم يسجل التاريخ أن رجال الدين، أي دين، ثاروا على فكر ديني، فضلا عن الثورة على الحاكم المستبد، اللهم إلا كاستثناءات تؤكد القاعدة. هناك صمود نبيل للإماميْن مالك وأحمد بن حنبل، ولكن أيا من رجال الدين الرسميين لم ينصر شهداء الكلمة أمثال الحلاج والسهروردي إلا بالنية ومحلها القلب.

وقد تعبنا، في مصر، طوال أربعين عاما من ابتذال مصطلحات وشعارات يتم إطلاقها للإلهاء. في السبعينات اخترع شعار “العلم والإيمان”، ولم تثمر المرحلة البائسة إلا برنامجا تلفزيونيا لمصطفى محمود يحاول إثبات أن للحقائق العلمية، التي ينسخ بعضها بعضا، أصلا في القرآن، وخرجنا من عصر أنور السادات أدنى أخلاقا، بل إن الرجل نفسه قتل، وتبعه 118 جنديا من المساكين في أسيوط بفتوى لعمر عبدالرحمن.

وبعد يومين من نسف شرعية مبارك في “جمعة الغضب”، اخترعوا له يوم الأحد 30 يناير 2011 شعار “خطاب التكليف”. صدعت ماكينة الإعلام رؤوسنا بكلام عن تسليم مبارك رئيس وزرائه الجديد الفريق أحمد شفيق خطاب التكليف للحكومة الجديدة، ووصفت نشرات الأخبار خطاب التكليف بأنه “أقوى خطاب تكليف في تاريخ الوزارات المصرية”، إذ احتشد بكلام إنشائي عن التصدي للفساد، والإصلاحات الدستورية والتشريعية، وضبط معدل التضخم وحركة الأسواق.

في مساء ذلك اليوم، 30 يناير، نزل مثقفون إلى ملعب غادره السياسيون. سمعت في التلفزيون مدحت الجيار متصلا أو متصلا به، للكلام عن فضائل “خطاب التكليف” ومزاياه. كلام رتيب، أقل رصانة من تصريح جابر عصفور إلى قناة “أون تي في”. المذيع الذي لا يعرف صفة ضيفه كرر اللقب “الأستاذ جابر” بضع مرات، ولم يبال الدكتور بنزع اللقب، منشغلا بما هو أكثر أهمية، بالدفاع عن “السيد الرئيس”، وكرر “السيد الرئيس” بضع مرات. تخلى الدكتور عن منهج طه حسين، واتهم من يعادون “السيد الرئيس” بالغباء، ولم يدرك أنهم لا يعادون شخص مبارك. ذكر “الأستاذ جابر” كلمتيْ “العصابات المسلحة” مرتين وقال “المشهد كارثي إلى أبعد حد، وأنا لم أر في حياتي مصر في هذه الفوضى والانفلات الأمني.. الشباب المصري هذا ليس هو ذلك الذي يتركز في ميدان التحرير، لأن الذين في ميدان التحرير هم جزء من كل… الدور الآن في تقديري على السيد الرئيس، بعد إعلان التشكيل الوزاري، أتمنى أن يقوم السيد الرئيس بإصدار بيان يعد فيه بتعديل المواد سيئة السمعة من الدستور… نحن لسنا ضد الرئيس مبارك”.

بالطبع لم يكن الدكتور يتحدث باسمنا حين قال ذلك، ثم امتلك من اليقين ما دفعه إلى التشديد على أنه “لا يوجد مصري عاقل ضد الرئيس مبارك شخصيا… أما هؤلاء الذين يتصرفون كما لو كان هناك عداء غبي بينهم وبين شخص الرئيس فهؤلاء للأسف أغبياء”. وسوف يتناسى “الأستاذ جابر” ذلك كله، ويقول بعد خلع مبارك “مبارك لن يبقى منه شيء”.

تبتذل الشعارات فتصير دخانا لا يترك أثرا. وسيبقى رجال الدين ملوك العصر، لأنهم فطنوا إلى أن تجديد الخطاب الديني قضية أكبر من الأمر الرئاسي، إنجاز لو تحقق فسينهي دورهم.

وفي هذه العتمة خاض علمانيون مراهقون، ومن تعلْمَنُوا لغرض في نفس يعقوب، وملأوا الفضاء هواء فاسدا، بحسن نية أو بسوء؛ فهذا الأمر الخطير يقتضي كثيرا من الإخلاص العلمي والعكوف البحثي، لتكون النتيجة ثمرة اجتهادات تتفاعل بعيدا عن الاستعراض الإعلامي، ومناظرات الديكة التي ترضي بعض المغفلين وتستهدف معلني البضائع.
إذا استعرت مصطلح “الأستاذ جابر” عن “الأغبياء” فربما هم الذين لم يعرف عنهم اشتغال بالشأن العام ولا الكتابة، بل انشغال عن ذلك، ثم صاروا مناضلين يطالبون بتجديد الخطاب الديني. تدهشني امرأة جميلة، كانت جميلة حين كانت سكرتيرة بمؤسسة حكومية، وحكمت مؤسسة حكومية من الباطن، دون منصب رسمي، وما أدراك ماذا يكون استبداد ملك اليمين؟ ولا يقل عنها بؤسا مراهق اختصر تجديد الفقه في “مليونية خلع الحجاب”، جاهلا بسياق نزع هدى شعراوي لليشمك التركي، وظهر وجهها فقط “سافرا لأول مرة بين الجموع فلم نجد له تأثيرا أبدا”.
لا ينقذنا من هذا الابتذال إلا قول المهدي المنجرة “الهروب إلى الكلمات دليل على غياب المعنى”، والله أعلم.
*

الإمام الطيب والسيسي.. خلاف ديني أم سياسي؟


"أنت تعلم أن السياسة تختطف الدين اختطافا ً أنا لا أريد أن أحور ولكن أرجوكم ابحثوا عن مشكلة غير التراث"

بين التراث والحداثة
  بقلم   د. حسام بدراوى    ٥/ ٢/ ٢٠٢٠

إن تفنيد الأحاديث النبوية والفقه الإسلامى الآن بصحيحه وبغير صحيحه لا فائدة منه، لأننا «كده كده ما بنرجعلوش».. أما الضرر فهو أنه عندما يتشكك الناس فى أحاديث نبوية أو فقه دينى بغض النظر عن صحيحه وخطئه، فقد يؤثر ذلك على عقيدتهم، وقد ينتقل الأمر للقرآن ذاته لاحقًا.. ما الفائدة أنى أعرف الآن أن البخارى كان صحيحًا أم مخطئا؟، كلام رئيس الجامعة يجعلنا نبدو وكأننا كلنا «عايشين نايمين صاحيين، واكلين شاربين على التراث والفقه الإسلامى.. أين ذلك؟؟؟ طيب يا ليتنا نعمل بالتراث فعلا!!!!!».

إذًا القضية ليست فى التراث، ولكن فى المستقبل المبنى على العقل والفكر ومواءمته للحداثة.

وحين يصبح للدين مؤسسات، غالبا ما يفقد المؤمن القدرة على التفكير المستقل وما يحكم تفكيره هي تلك المؤسسات. وتصبح هي المسيطرة علي المعني الديني،

*

التجديد الديني في عصر السيسي


يعكس هذا السجالُ الصراعَ الذي يدور بين المؤسسة الدينية والمؤسسة السياسية، وتصور السلطة للشأن الديني.
الخشت تعرضت لمسائل جزئية عدة كخبر الآحاد، والظني والقطعي، والعقيدة الأشعرية، وتعددية المعنى...؛ فإن هذه جزئيات لعنوان عريض أسماه "عصرًا دينيًّا جديدًا" يقوم -في تصوره- على "تجاوز التراث" والخروج من "إحياء علوم الدين" إلى "تطوير علوم الدين".
فعصره الديني المنشود يهدف إلى "صنع تراث جديد"؛ لأن القديم غير مقدس ويتلون "بآراء سياسية" و"أغراض مصلحية منحازة"، ولأن الإصلاحيين المعاصرين يعتمدون على "المنظومة التفسيرية التي أنتجتها ظروف سياسية واجتماعية واقتصادية لعصور غير عصورنا"، كما أنهم اعتبروا أن "كل الكتب القديمة هي كتب مقدسة" تمثل "المرجعية النهائية في فهم الدين".
وهذا العصر الديني الجديد "لا يمكن أن يأتي من المؤسسات الدينية الكلاسيكية" إلا إذا غادرت تخصصها إلى ميادين معرفية أخرى. أضف إلى ذلك أن من يكتبون الخطاب الديني "لديهم عقول مغلقة تقوم على منهجية نقلية"، وهذا الخطاب التقليدي هو "نتاج لنمط الاقتصاد الرعوي". مفردات هذا العصر الديني الجديد -بحسب الخشت- يجب أن تقوم على "تعددية المعنى وتعددية الصواب"، والتمييز بين "قطعي الدلالة وظني الدلالة"؛ لأن "علم التفسير القديم يقوم على الصواب الواحد"، و"القدماء" يقولون: "إن هناك معنى واحدًا وصحيحًا".
 غموض مفاهيم التجديد والعقل الديني لدى الخشت، أم لجهة دقة معلوماته وفهمه للمسائل العلمية التي يتحدث فيها، كتأسيس الأشاعرة لعقيدتهم على الظن وخبر الآحاد مثلاً لا حصرًا.
هذا السجال إنما هو سجال يدور في عصر السيسي ولا صلة له بالأشعري والأشاعرة، كما توهم بعض الكتاب ممن أرادوا أن يضفوا طابعًا علميًّا على خطاب سياسي، فارتكبوا مغالطات علمية وتاريخية. فالسجال ينتمي إلى سياق سياسي محدد هو الذي فرض عقد المؤتمر أصلاً، وبرعاية السيسي نفسه.
السيسي -ومن قبله حسني مبارك- يرون أن المؤسسة الدينية أداة من أدوات شَرْعنة خياراتهم السياسية المتقلبة. ولكن شيخ الأزهر أحمد الطيب له تصورٌ آخر للدين ودور الأزهر.
لا يقدم الخشت نفسه على أنه القادر على تنفيذ رؤية السيسي الدينية فقط، بل يريد القول: إن المؤسسة الدينية التقليدية ليست غير قادرة على فعل ذلك فقط، بل يجب أن يأتي التغيير من خارج معارفها أيضًا، بأن نقوم بالقطع مع تراثها كله وتجاوزه.
تحلى الخشت بالجرأة الكافية لطرح هذه الأفكار والانتقادات في قلب الأزهر، ويشفع لها أنها تأتي في تناغم مع توجه السيسي نفسه،
 الخشت أراد إثبات قِدَم توجهه التجديدي بالإحالة إلى مؤلفات كتبها في الثمانينيات والتسعينيات
تسلم الخشت رئاسة جامعة القاهرة في 2017، ونشر كتابه "نحو تأسيس عصر ديني جديد" في السنة نفسها، ولا ندري أيهما جاء مكافأة للآخر: المنصب أم الكتاب، خصوصًا أن العلاقة بين جامعة القاهرة (الجامعة المصرية قديمًا) وجامعة الأزهر علاقة تحفّ بها تطورات ورمزيات وخلافات تاريخية في التاريخ الفكري المصري
والأهم هنا أن المثال الوحيد الذي ضربه الخشت في كلمته المُجدِّدة هو مثال الطلاق الذي دارت حوله معركة كبرى بين السيسي وشيخ الأزهر، حتى قال السيسي للطيب مرة: "تَعَبتني يا فضيلة الإمام". فالخشت يعتبر هذا المثال -الذي يبدو كما لو أنه جاء عفو الخاطر في كلمته- مثالاً على التجديد المطلوب في العصر الديني الجديد، ويخترع له نظرية قانونية اسمها (الأشكال القانونية المتوازية)، أي: كما أن التوثيق مطلوب في الزواج فيجب أن يكون كذلك في الطلاق.
ولكن حين طولب الخشت بتقديم حجة عقلية (وليست نقلية) توضح لنا لماذا يجب علينا أن نتبع هذه النظرية القانونية دون غيرها في معالجة موضوع الطلاق؛ عجز عن ذلك واكتفى بقوله: إن هذا رأي من بين الآراء!
الطريف أن أحد أوجه مشروعية تجاوز التراث عند الخشت هو أنه نتاج تحيزات ومصالح سياسية، في حين أنه في سبيل مغازلة السلطة يرتكب أخطاءً علمية عديدة، بجانب مبنى كلمته المهلهل الذي دفع شيخ الأزهر إلى أن يذكّره بأنه كان عليه أن يُعِدّ كلمته جيدًا قبل أن يتحدث في موضوع كهذا، بدل أن يتكلم بخواطر مرتجلة. كذلك عاب الخشت على الخطاب الديني التقليدي أنه نقلي، ولكنه أثبت في كلمته أنه لا يحسن النقل بدقة، ليس عن التراث فقط بل وحتى عن الإصلاحيين!
فبخصوص التراث هناك نقاش طويلٌ ومبكر حول الطرق التي يَحصل بها العلم، وما تَثبت به العقائد، بل إن الخلاف الرئيس بين الأشاعرة وأهل الحديث (والسلفيين فيما بعد) هو اشتراط الأشاعرة إثبات العقائد بالقطع واليقين، لا بخبر الآحاد الذي يُفيد الظن، فاليقين عندهم شرط للاعتقاد والظن شرط للعمل.
وهذا بالفعل يدرسه عامة الطلاب في المعاهد والكليات، خصوصًا أن الأشاعرة يميزون بين (أصول) العقائد و(فروع) العقائد. فلا يَثبت أصلٌ من الأصول إلا باليقين، ولكن طرق حصول اليقين متعددة، أحدها التواتر اللفظي. فهناك التواتر المعنوي، والنص القرآني الذي لا يحتمل إلا معنى واحدا لا غير.
كل دارسي التراث يعرفون أنه ليس ثمة كتب مقدسة في التراث، بل إن "القداسة" مصطلح مسيحي؛ فلم ينقطع تاريخيًّا الحِجَاج والردود والجدالات بين مختلف المذاهب الفقهية والكلامية، والتي انعكست في العديد من كتب العلوم المختلفة، ومنها الفقه والأصول والتفسير والكلام، وهي كتب مليئة بالحجج والحجج المضادة.
ومن المثير للاستغراب أن أحد معالم العصر الديني الجديد -الذي يريد رئيس جامعة القاهرة التأسيس له- هو التمييز بين القطعي والظني (وهي فكرة تراثية على أي حال)، ومع ذلك يزعم أن المنظومة التفسيرية تقوم على الرأي الواحد الصحيح! فهل هذا الرأي الواحد في القطعي أم في الظني عنده؟ إن قال: في القطعي لم يَعُد للقطعي معنى، وإن قال: في الظني، فإنه لم يأتِ بجديد على ما في التراث!
يعلم كل من راجع كتب التفسير حجم تعددية المعنى فيها، وهي الظاهرة التي درسها توماس باور في كتاب "ثقافة الالتباس"، وجوزيف فان أس في "علم الكلام والمجتمع الإسلامي"؛ بل إن التراث نفسه هو الذي توصل إلى شرعنةٍ لتعددية المعنى حين قال: إن الصواب يتعدد في المسائل العملية (الفقهية) بخلاف المسائل النظرية (العقائد.

ومن هنا ناقشوا -منذ القرن الثاني الهجري- مقولة: "كل مجتهد مصيب" التي أفردتها سابقا بدراسة مطولة منشورة. فمثلا؛ حكى فخر الدين الرازي في تفسير "الكوثر" أكثر من عشرة أقوال ولم يرجح بينها! فأين الرأي الواحد الصحيح؟! ثم أليس هناك مذاهب كلامية وفقهية متعددة ولا تزال متبعة في دول مختلفة؟! والإمام القرافي (ت 684هـ) المفترض أنه تراثي هو الذي يقول: إن "الجمود على المنقولات أبداً ضلال في الدين، وجهلٌ بمقاصد علماء المسلمين والسلف الماضين".
أما بخصوص نقل الخشت المغلوط عن الإصلاحيين؛ فإن فكرة الإصلاحيين (وبالمناسبة السلفيون كذلك) قامت على فكرة العودة إلى المنابع الصافية، والقرآن أساسها؛ أي على خلاف ما زعم رئيس جامعة القاهرة! ومن قرأ تراث محمد عبده ورشيد رضا والسلفية الإصلاحية (بل والوهابية أيضًا!)؛ عَلِم جيدًا اعتمادهم على نصوص الوحي مباشرة ومرجعية النص والدليل، وموقفهم النقدي من كتب التراث والمنظومة التفسيرية خاصة!
إن تتبع أخطاء الخشت يطول، سواءٌ في الفهم أم في النقل، وليس غرضُ هذا المقال استقصاءها، بل بيان وجه الخفة في طرحه من جهة، والغرض السياسي من هذا الطرح من جهة أخرى.
الطريف أن مسألة الإشهاد على الطلاق -وهي عندهم مثال على التجديد الديني المطلوب- يتم فيها الخلط بين مسألتين: ما يسمى "الحكم التكليفي" و"الحكم الوضعي". فـ"الحكم التكليفي" هو الأحكام الشرعية الخمسة (الواجب والمحرم والمكروه والمستحب والمباح)، أي الذي كلف الله به عباده. و"الحكم الوضعي" يتصل بسياق تطبيق الحكم سواءٌ على المستوى الفردي أم على مستوى الدولة.
والإشكال هنا أن الرؤية الدينية للسيسي وعصره الديني الجديد تريد أن تحول الأحكام التكليفية (الديانية) إلى إلزامات قانونية بسلطة قهرية، أي أن النظام السياسي يريد التدخل حتى في الشأن الديني وقرارات الأفراد الشخصية، كما يريد أن يتحكم في الشأن الديني ويستتبع مؤسسة الأزهر لمراداته!

يريد الخشت أن يتجاوز تراث الأمة وينشئ تراثًا جديدًا بحسب قوله، وقد كتب بالفعل -في العقود الماضية- العديد من الكتب التي شكلت تراثًا شخصيًّا له وحده، دون أن تحظى بأن تكون مرجعًا للمختصين في الميادين التي كتب فيها، وهذا رزق الله يؤتيه من يشاء؛ فضلاً عن أنه يدافع عن تعددية الصواب في الدين فقط، دون أن يحدثنا عن غياب التعددية في السياسة، ويحدثنا عن أن الخطاب الديني التقليدي هو نتاج الاقتصاد الرعوي، ولا يحدثنا عن أن العصر الديني الجديد أنتجه اقتصاد "الشحاتة" و"تبرع بجنيه"!



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق