العالم العربي بعد عشر سنوات من "ثورات الربيع"
حسن نافعة استاذ العلوم السياسية
ديسمبر 17 من عام 2010
البوعزيزي، على إضرام النار في جسده، احتجاجاً على سوء معاملة السلطات التونسية له
الحدّة التي اتسم بها رد فعل البوعزيزي على ما لحق به من إهانة شكلت، في حدّ ذاتها، دليلاً على أن الإحساس بالقهر عند عموم التونسيين وصل إلى درجةٍ لا تُحتمل، وهو ما يفسّر ضخامة المظاهرات الشعبية التي اندلعت إثر هذا الحادث النادر، والمؤلم في الوقت نفسه، والتي راح نطاقها يتسع، إلى أن شملت معظم المدن التونسية، وانتهت بفرار بن علي إلى السعودية في 14 يناير/ كانون الثاني 2011.
ظاهرة إقليمية أوسع، تخص العالم العربي دون سواه من دول جواره. وما هي إلا أيام قليلة، حتى كانت الشرارة التي أشعلها البوعزيزي في تونس قد انتقلت إلى مصر، ومنها إلى ليبيا واليمن والبحرين وسورية،
وما إن حل شهر مارس/ آذار من عام 2011، حتى بدا العالم العربي كأنه بركان يغلي، إذ راحت حممه المتفجرة تتطاير في كل الاتجاهات. ولأن مارس هو شهر الربيع، لم يكن مستغرباً أن تطلق وسائل الإعلام الغربية على ما يجري اسم ثورات أو انتفاضات "الربيع العربي"، فقد كانت حناجر الجماهير العربية المحتشدة في معظم الميادين العربية تصرخ مطالبةً بالخبز والحرية والكرامة الإنسانية،
بدأت رؤوس أنظمة الاستبداد والفساد في هذه المنطقة المهمة من العالم تتساقط، الواحد تلو الآخر. تصور كثيرون أن فجراً جديداً قد بدأ يبزغ، حاملاُ معه أملاُ في غدٍ أفضل تسوده الديمقراطية والعدالة الاجتماعية. ولكن سرعان ما تبدّد هذا الأمل وبدا كأنه مجرّد سراب.
وبعد مرور عشر سنوات على "ثورة الياسمين" التونسية، وما أعقبها من ثورات "ربيع" لم يكتمل، يبدو مشهد العالم العربي أكثر بؤساً مما كان عليه في ديسمبر من عام 2010، في مختلف المجالات وعلى المستويات كافة:
السياسي والأمني: تمكّنت قوى الثورة المضادة في الداخل، بمساعدة قوى خارجية عربية وأجنبية، من الإمساك بزمام الأمور، محاولة إعادة عقارب الساعة إلى الوراء. وتمكّنت من تحقيق نتائج ونجاحاتٍ تباينت من حالةٍ إلى أخرى، ففي حالاتٍ قليلةٍ نجحت هذه الثورات المضادّة في التمكين لنظم حكم بديلة، بدت، في البداية، متماسكةً وأكثر قابليةً لتحقيق الاستقرار. ولكن سرعان ما تبيّن أنها بطش واستبداد وربما أكثر فساداً مما كانت عليه النظم القديمة، لكنها، في حالاتٍ أخرى كثيرة، لم تنجح إلا في بثّ تفجير النعرات القبلية والطائفية والمذهبية والعرقية، وفي إشعال الحروب الأهلية التي سرعان ما تحوّلت إلى حروبٍ بالوكالة لحساب قوى خارجية، بل وفتحت الباب أحياناً أمام تدخلاتٍ عسكريةٍ خارجيةٍ نجحت إما في تثبيت نظم الحكم التي ثارت عليها شعوبها، أو في بثّ مزيد من الفوضى وعوامل التفكّك والتفتيت والانهيار.
تحوّل العالم العربي، خلال السنوات العشر السابقة، إلى ساحة مستباحة للتدخلات الخارجية
على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي: شهد العالم العربي، طوال السنوات العشر الماضية، موجاتٍ تلو أخرى من القتل والتدمير والنزوح والهجرات والتشرّد والبؤس. أما الدول النفطية الغنية التي نجت من ثورات الربيع العربي، فقد تم استنزاف ثرواتها ومواردها، إما في صفقات سلاح ضخمة، أو في دفع الإتاوات في مقابل تقديم الحماية لعروشها المهدّدة، أو في تمويل الثورات المضادة نفسها. ثم جاءت جائحة كورونا وما تبعها من انخفاض أسعار النفط لتزيد الطين بلة. وقد انعكس ذلك كله على المواطن العربي في كل مكان، في صورة ارتفاع نسب البطالة وتدهور مستويات المعيشة وازدياد معدلات الجريمة المنظمة، بل وفي سقوط طبقات اجتماعية بأسرها تحت خط الفقر.
على الصعيد الثقافي والفكري: انغمست النخب الفكرية والسياسية التي كانت قد نجحت في تفجير ثورات "الربيع" في حملاتٍ لتبادل الاتهامات، حيث راح كل طرفٍ يلقي بمسؤولية الفشل على الطرف الآخر، المتهم بالعمالة أو بالكفر والإلحاد أو بخيانة العروبة والإسلام. لذا ظلّت هذه النخب، في معظمها، متقوقعة داخل خنادق فكرية، وعازفة عن إجراء مراجعاتٍ حقيقيةٍ لمواقفها السياسية والفكرية السابقة، تساعدها على استخلاص الدروس المستفادة من الأخطاء المرتكبة
الصعيد الاستراتيجي: تحوّل العالم العربي، خلال السنوات العشر السابقة، إلى ساحة مستباحة للتدخلات الخارجية، فالقواعد العسكرية الأميركية ما تزال تنتشر في كل مكان في العالم العربي، على الرغم من كل ما يقال عن انسحاب القوات الأميركية وتراجع اهتمام الولايات المتحدة بمنطقة الشرق الأوسط. وتمكّنت روسيا من بناء قواعد عسكرية في سورية ومن زيادة نفوذها في ليبيا. بل تحول العالم العربي كله إلى منطقة نفوذٍ تتنافس عليها دول الإقليم غير العربية، إذ أصبح لإيران وجود عسكري ونفوذ سياسي في كل من سورية ولبنان والعراق واليمن، وأصبح لتركيا وجود عسكري ونفوذ سياسي في سورية وليبيا والعراق. أما إسرائيل فلم تكتف بالإبقاء على معظم الضفة الغربية محتلة، وعلى قطاع غزة محاصراً، أو بضم الجولان السوري، وإنما راحت تمد نفوذها السياسي إلى الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، بالإضافة إلى نفوذها القديم في مصر والأردن، وتسعى إلى قيادة أكبر عدد من الدول العربية لمواجهة إيران ومحور المقاومة.
وضع العالم العربي أصبح أسوأ بكثير مما كان عليه عشية انطلاق ثورات "الربيع". ولذا من الطبيعي أن تثور تساؤلات عديدة، ليس فقط بشأن الأسباب التي أوصلت العالم العربي إلى هذه الحالة البائسة، وما إذا كانت "ثورات الربيع العربي" هي التي تسببت فيها، وإنما أيضاً حول المستقبل وما إذا كانت طموحات هذا العالم وأحلامه في الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية قد انتهت وطويت صفحتها إلى الأبد. ويستدعي هذا الحال مجموعة ملاحظات وخواطر يمكن تلخيصها
الملاحظة الأولى: تتعلق بطبيعة المجتمعات العربية، فالاستبداد الذي يعاني منه العالم العربي ليس من النوع الطارئ أو الظرفي، وإنما هو متجذّر في بنية المجتمعات العربية نفسها، ومتغلغل في أنسجة مؤسساتها ونظمها السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فيستحيل القضاء عليه والانتقال إلى الحالة الديمقراطية بضربة واحدة قاصمة. ولأنني لست ممن يعتقدون أن العالم العربي حالة مستعصية، أو عصية على التحول الديمقراطي، أظن أن عملية الانتقال إلى الحالة الديمقراطية قادمة حتماً، لكن إنجازها سيستغرق وقتاً طويلاً وجهداً. وأن الثورات التي انطلقت في نهاية 2010 بداية. وأن انتكاسة الموجة الأولى منها لا يعني موتها أو نهايتها، بدليل اندلاع موجة ثورية ثانية، شملت السودان والجزائر، ثم ثالثة، شملت لبنان والعراق. ومن ثم يتوقع أن تتلاحق هذه الموجات إلى أن تنضج بنية المجتمعات العربية، وتصبح قابلة للتحول الديمقراطي، وهو ما لن يتحقق إلا بعد أن تطاول إحدى هذه الموجات منطقة الخليج العربي، وخصوصاً الدول النفطية الغنية.
الملاحظة الثانية: تتعلق بأسباب انتكاسة الموجة الأولى من ثورات "الربيع العربي"، فهناك من لا يزال يتبنّى نظرية المؤامرة، ويروّج لأن هذه الموجة الثورية كانت نتاج مؤامرة صهيو-أميركية استهدفت تفتيت العالم العربي، وتحويله إلى كياناتٍ طائفية أو عرقية متصارعة تقودها إسرائيل. ويصرّ آخرون على إلقاء اللوم على قوى الإسلام السياسي، وتحميله وحده مسؤولية الفشل. وفي تقديري أن جميع ثورات الربيع العربي كانت تلقائية ووطنية خالصة، غير أن قوى الثورة المضادّة في الداخل والخارج تمكّنت من استغلال الأخطاء التي ارتكبتها جميع القوى الثورية، وأدّت إلى الفشل في الاتفاق على صيغة لإدارة المراحل الانتقالية التي كان يتعيّن أن تجرى خلالها عملية استئصال جذور النظم القديمة، قبل الشروع في إجراء الانتخابات، أو البحث عن آلية لتقاسم السلطة
انغمست النخب الفكرية والسياسية التي كانت قد نجحت في تفجير ثورات "الربيع" في حملاتٍ لتبادل الاتهامات
الملاحظة الثالثة: تتعلق بتشخيص الحالة الراهنة، سواء ما يتعلق منها بحاضر النخب الحاكمة، خصوصاً التي ركبت موجة الثورات المضادّة، ووصلت حالياً إلى مقاعد السلطة، أو بحاضر القوى صاحبة المصلحة في تغيير الوضع القائم وفي التحول الديمقراطي، فمعظم النخب الحاكمة في المرحلة الراهنة لا تستمدّ سلطتها من إرادةٍ شعبيةٍ تعكسها صناديق الاقتراع، وتعتمد في بقائها على قوى أجنبية، وتمارس سياساتٍ لن تمكّنها من العثور على حلول حقيقية للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية، ومن ثم ليس لديها سوى مزيد من القمع والاستبداد، للرد على مطالب شعوبها التي تزداد إلحاحاً يوماً بعد يوم، الأمر الذي سيدخلها، عاجلاً أو آجلاً، في مأزقٍ لا فكاك منه، ما لم تتمكّن من تغيير سياساتها وتوجهاتها، وتنفتح أكثر على شرائح أخرى من النخب السياسية والفكرية. أما النخب التي لديها مصلحة في تغيير الوضع الراهن فسوف تضطر إلى الانعتاق من حالة الخوف التي تعتريها، أو من حالة التمزّق والتشتت التي تمر بها، ومن ثم سوف تجد نفسها، آجلاً أو عاجلاً، مضطرّة لمراجعة أخطائها والاقتراب من بعضها أكثر فأكثر، كي تصبح في وضعٍ يسمح لها بطرح رؤية مشتركة للتغيير تكون أكثر نضجاً، وأكثر قابليةً للتجاوب مع طموحات شعوبها
الملاحظة الرابعة: تتعلق بالمسؤولية التاريخية الملقاة على عاتق الشعب الفلسطيني وفصائله المختلفة في المرحلة الراهنة. ولأنه يواجه فيها تحدّياً وجودياً، بسبب إصرار الولايات المتحدة وإسرائيل على تصفية قضيته وحرمانه نهائياً من حقه في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة، ويشعر بأنه بات وحيداً بعد أن تخلّت الأنظمة العربية عنه، لم يعد أمامه سوى الاعتماد على قواه الذاتية، والتحرّك للقيام بدور طليعي لإنقاذ مستقبل الأمة كلها. صحيحٌ أن معظم المحللين يعتقدون أن الشعب الفلسطيني يمرّ حالياً بأسوأ مراحله التاريخية، وربما يشكل نقطة الضعف الرئيسية في الوضع العربي العام، خصوصاً في ظل الحصار المفروض عليه، إسرائيلياً وأميركياً وعربياً، غير أنني أعتقد أن الرصيد النضالي لدى هذا الشعب يسمح له بأن يلعب دور محرّك القاطرة التي تستطيع سحب العالم العربي من الهوّة السحيقة التي وقع فيها، إن تمكّن من إعادة توحيد صفوفه، وطرح رؤية جديدة واستراتيجية مختلفة للنضال الفلسطيني، تتلاءم مع عظم التحدّيات التي يواجهها حالياً. لذا أعتقد جازماً بأن خروج العالم العربي من مأزقه الحالي بات مرهوناً بقدرة الشعب الفلسطيني على إعادة تنظيم صفوفه ومتطلبات نضاله، وهو ما لا أستبعده في المستقبل المنظور.
****
أدبيات الربيع العربي
محمد ابو رمان
الدراسات المهمة جداً التي اعتبرت الربيع العربي نقطة تحوّل في مسار الحركات الاجتماعية التي تغير مسار التاريخ، كتاب "شبكات الغضب والأمل.. الحركات الاجتماعية في عصر الإنترنت"، لعالم الاجتماع مانويل كاستلر (ترجمة هايدي عبد اللطيف، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2017)، وكتاب "الموجة الديمقراطية الرابعة: الإعلام الرقمي والربيع العربي" لفيلب هوارد ومزاميل حسين، وكتاب "شرح أسباب الانتفاضات العربية: منحى خلافي سياسي جديد في الشرق الأوسط" لباحثين وخبراء غربيين (تحرير مارك لينش، شركة المطبوعات والنشر، بيروت، 2016)، ودراسة "سياسات الشباب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" (ضمن أعمال مشروع الشرق الأوسط التابع لمعهد دراسات الشرق الأوسط في جامعة جورج واشنطن، ويشرف عليه مارك لينش).
مؤلفات عزمي بشارة ودراساته والكتب التي صدرت لباحثين شاركوا في مؤتمرات وندوات عقدها المركز، تتناول الثورات بصورة مفصلة. وهنالك أدبيات وكتب على درجة من الأهمية، تناولت أسباب ثورات الربيع العربي وديناميكياتها، منها كتاب جوهر الجموسي "الافتراضي والثورة .. مكانة الإنترنت في مجتمع مدني عربي" (المركز العربي للأبحاث والدراسات، 2016). ومن هذه الكتب "الشباب والانتقال الديمقراطي في البلدان العربية" (تحرير عبد الفتاح ماضي وعبده موسى، المركز العربي ..، 2019)، وهو أبحاث ودراسات لمؤتمر عقده المركز. ويمكن الإشارة هنا إلى أنّه تميز في تغطية جيدة وعميقة للمدخل الجيلي، المرتبط بالشباب، في دراسة ثورات الربيع العربي، خصوصا دراسة أحمد تهامي عبد الحيّ، وهو متخصص في مجال الدراسات الشبابية،
أكثر من مدخل ضروري برز في هذه الأدبيات في فهم الربيع العربي، منها ما يرتبط بالدور المهم والرئيس الذي قامت بها وسائل التواصل الاجتماعي، ليس فقط في مساعدة الشباب على نقل أحداث الثورات العربية، بل أيضا على إعادة تشكيل المجال العام وتعريفه وتطويره في العالم العربي بصورة جذرية، وكسر احتكار السلطات والقوى التقليدية له. ومن المداخل ما يرتبط بموضوع الشباب، الذي شهد قفزةً نوعيةً مع أحداث الربيع العربي على صعيد الحركات الشبابية الجديدة، التي أعادت صياغة شكل الحركات الاجتماعية نفسها، ومنها ما يتعلق بسياسات النظم العربية تجاه الشباب العربي. وفي هذا المجال، من المهم الالتفات إلى تقرير التنمية الإنسانية العربي في 2016، والذي تم تخصيصه لموضوع الشباب، وتناول بصورة تحليلية ومفصلة أوضاع الشباب العربي على المستويات، السياسية والاقتصادية والمجتمعية والديمغرافية وغيرها. قد ينظر بعضهم إلى أنّ الربيع العربي كان مرحلة مؤقتة، وأنّ ما حدث بعد ذلك أنهى لحظته. ولكن تحليلا أكبر للعوامل والشروط والديناميكيات التي أدّت إليه وأنتجته (كما تظهر في الدراسات السابقة) توضح أنّه كان مرحلة انتقالية، وأن البنى الرئيسية التي صنعته أقوى بكثير من السياسات التي تسعى إلى ردمه والتخلص منه.
مصر بعدئذ على نظام متوارث عسكرياً منذ عام 1952
اليمن في 11 فبراير/ شباط لتتبعها ليبيا في 17 الشهر نفسه، ثم لتشتعل سورية في 15 مارس/ آذار، وكأنَّ الجميع على موعد واحد. ولمَ لا؟ أليس طعم الظلم واحداً،
أقل قليلاً في البحرين والأردن وعُمان والمغرب وجيبوتي والسودان 2011 أولاً، ثم عادت في الجزائر والعراق ولبنان في 2018، بغضّ النظر عن الابتزاز الأميركي/ الصهيوني الذي قد يخلق فرزاً جديداً.
الثورات ليست مؤامرات خارجية، ولا هي نتيجة خيانات داخلية تأتي من نكرات، أو جراثيم (ليبيا وسورية)، فالمؤامرة، أية مؤامرة، لا يمكنها أن تنجح، وتدخل بلداً ما، إن لم يكن لها أرجل، ولقد صنعها لها الحكام، بابتعادهم عن شعوبهم وتصغيرهم إياها بسجنها، وبما ارتكبوه من جرائم بحقها وحق أوطانهم وما نهبوه من أموال، وبما عاشوه من بذخ وتبذير ما لا يملكونه، ولم يجلبوا لشعوبهم، في النهاية، إلا التخلف، وذلَّ الهزائم، وبعض هؤلاء تراهم اليوم، يحتمون بعدو بلادهم التاريخي، فيفتحون أبواب بلدانهم وثروات شعوبهم دونما خجل أو وازع من ضمير.
***
تركيز على التداعيات السلبية لما بعد ثورات الربيع العربي
مثل "تدفق اللاجئين إلى أوروبا، وصعود الإسلاميين الراديكاليين، واستمرار الحروب في ليبيا وسورية واليمن، وتنامي دور القوى الخارجية في المنطقة"
إسرائيل وإيران اللتان تصفيان حساباتهما في سورية واليمن، مقاتلتين من أجل مصالحهما على أراضي الغير. ولكن أكبرهم (الرئيس التركي رجب طيب) أردوغان الذي تسلل إلى كل مكان للإعلان عن أطماعه الإمبريالية، بعد أن كان يسلك سلوكا مختلفا تماما قبل هذا الربيع"
فشل الربيع العربي فازدادت الهجرة إلى أوروبا وتغطرست الشعبوية
خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كان جزئيا ردّ فعل على أزمة اللاجئين، التي أثارتها الانتفاضة السورية، والحرب الأهلية اللاحقة، كما أن الأحزاب السياسية الشعبوية في جميع أنحاء أوروبا استفادت من المخاوف المتزايدة من “الإسلام والتطرف”. وبسبب أزمة اللجوء، وتهديدات الجماعات المتطرفة للأمن القومي، طرأت تغييرات كبيرة في الخارطة السياسية الأوروبية على مدار السنوات التي تلت قيام الثورات العربية.
الاحتجاجات التي اندلعت في 2011 من تونس قبل أن تمتدّ إلى مصر وليبيا وسوريا واليمن وغيرها من الدول، يواجه الاتحاد الأوروبي تحديّا لافتا يتمثل في الحفاظ على وحدته، ولاسيما بعد مغادرة بريطانيا للتكتل نهائيا.
2015، وجدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أنه من المشين حرمان السوريين الذين دُمّرت منازلهم ومدنهم بأكملها في موجة قصف جنونية من قبل نظام الرئيس بشار الأسد وحليفته روسيا.
فتحت ميركل أبواب ألمانيا أمام اللاجئين، ودخلها ما يقرب من مليون شخص. وأشاد الكثيرون، خاصة الحقوقيين، بهذا القرار باعتباره الشيء الصحيح الذي ينبغي القيام به. لكن تداعياته كانت بعيدة المدى.
إيما سكاي، الزميلة في معهد جاكسون بجامعة ييل، إن “الحد من الهجرة كان الدافع الرئيسي للقرار البريطاني بمغادرة الاتحاد الأوروبي”، مشيرة إلى “استغلال الشعبويين ملف الهجرة في تحقيق مكاسب سياسية”.
سكاي “نايجل فاراج، زعيم حزب الاستقلال اليميني المتطرف مثلا تم تصويره وهو يقف أمام ملصق ضخم للاجئين السوريين على الحدود بين سلوفينيا وكرواتيا. كانت الرسالة واضحة: ما لم تغادر بريطانيا الاتحاد الأوروبي واستعادت السيطرة على حدودها، سيتدفق اللاجئون إلى بريطانيا”. فيلم الاستبدال الكبير
ظهور تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في العراق وسوريا، وسلسلة الهجمات الإرهابية التي نفذها أعضاء الجماعة أو مؤيدوها في أوروبا، ساعدت الشعبويين أكثر. وأدت الهجرة إلى تفاقم المخاوف من هجمات المتطرفين وغيرت وجه السياسة الأوروبية، ربما إلى الأبد”.
يشعر العديد من الشباب العرب الذين يتطلعون إلى أوروبا بخيبة أمل، ويرون أن الحكومات الأوروبية تخدم مصالحها الذاتية قبل كل شيء.
أصبحت أوروبا تميل أكثر نحو تغليب مصالحها خلال أي تحرك من خلال دعم الاستقرار في بعض الدول كمصر وغيرها دون التطرق إلى مسألة الديمقراطية وسجّل حقوق الإنسان المثير للجدل.
عكست زيارة الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، إلى فرنسا مؤخرا وما تمخض عنها، رهان باريس على الحفاظ على مصالحها بالرغم من الضغوط التي تكرسها جماعات حقوقية ووسائل إعلام من أجل إثارة واقع حقوق الإنسان في مصر خلال لقاء ماكرون والسيسي.
وبدا ماكرون واضحا عندما قال إنه لن يضحي بالمصالح الفرنسية لأجل “خلافات في الرأي”، أي لأجل تقييم واقع حقوق الإنسان في مصر.
كما حتّم دخول تركيا على خط التوترات في بعض الدول العربية على أوروبا دعم قادة آخرين لا يتبنون الديمقراطية، فالمهم بالنسبة إلى هؤلاء الحفاظ على الاستقرار لتطويق ظاهرة الهجرة غير النظامية وكذلك خطر الجماعات الجهادية.
وفي ليبيا، أطاحت فرنسا مع تدخل حلف شمال الأطلسي (الناتو) بقيادة بريطانيا، بالعقيد الراحل معمر القذافي. ولكن، نظرا إلى أن فراغ السلطة أدى إلى نشوب نزاع بين الفرقاء الليبيين في شرق وغرب البلاد، فقد انزلقت ليبيا في حالة من الفوضى.
يعتقد يوست هيلترمان، وهو مدير برنامج مجموعة الأزمات الدولية للشرق الأوسط، إن “أوروبا أساءت فهم طبيعة الربيع العربي منذ البداية كحركة تتجه نحو الديمقراطية”.
الاحتجاجات العربية
السودان ولبنان والجزائر والعراق
***
الانتفاضات العربية
تونس أولاً، امتدادا إلى مصر، وصولا إلى البحرين، مرورا بالأردن ولبنان وسورية، ما تزال نظرية أنها مؤامرة وليست انتفاضات عضوية تسيطر على أذهان مثقفين وسياسيين ومواطنين عرب كثيرين، فجعوا من تداعيات تدخّل خارجي، ومن حروب دامية وانقسامات طائفية.
اختطاف الثورات ومصادرة طموحات الجماهير المنتفضة، وفي ثورات مضادة جاءت عبر عدة جبهات من "الدولة العميقة"، وقوى التدخل الخارجي، ومجموعات رفعت شعار الإسلام غطاءً لتطرّفها وإجرامها، فما دخول تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وتنظيمات مماثلة على خط الانتفاضة السورية إلا مصادرة لمطالب جماهيرية محقّة، وما دخول واشنطن على موجة الانتفاضات إلا لتطويعها واستغلالها، للسيطرة على مستقبل المنطقة، حتى لا تخرج الأنظمة، قديمة وجديدة، عن طوعها.
غياب وعي القيادات الشابة، أو ضعفه، وعدم قدرتها على ربط الحريات المدنية والعدالة الاجتماعية بمفهوم التحرّر والاستقلال، أوقعها تحت تأثير قوى داخلية وخارجية متعدّدة الأجندات، لكن ذلك لا يلغي المظلومية الحقيقية التي دفعت محمد البوعزيزي في تونس إلى حرق نفسه،
رصاص الأنظمة القمعية، ولا يلغي مشروعية الاحتجاجات ضد عقودٍ من الكبت والاستبداد، فضعف الأحزاب العربية التقدّمية، من يسارية وغيرها، نتيجة سنواتٍ من المنع والبطش الرسمي، أو التهميش والتجريم، إضافة إلى ضعف تركيبتها التي فشلت في التجديد واستقطاب الجماهير التي ترتعب من تهمة "العمل الحزبي"، أو التي أصابتها خيبة أمل في أداء الأحزاب، كان عاملا مهما في افتقاد قيادةٍ موحدةٍ، ورؤية واضحة للقيادة الشبابية في الميدان.
انت جماعة الإخوان المسلمين أكثر تنظيما والمهيأة لاستلام دفّة القيادة، لكن الصبغة الدينية لرؤيتها جعلها عاجزة عن فهم طبيعة الصراع الطبقي ومركزية الحريات والحقوق الاجتماعية التي ترى في بعضها تهديداً لتعاليم الدين كما تفهمها، إضافة إلى قصورها في فهم أسس العدالة الاجتماعية، فلا يوجد في أدبياتها عن دور الدولة في الرعاية الاجتماعية، أو فهم لعمل المؤسسات العالمية، مثل صندوق النقد الدولي، سوى من منظور الحلال والحرام، وفقاً لبراغماتية قصيرة النظر، فالدستور الذي تقدم به الرئيس المنتخب محمد مرسي في مصر كان أوضح دليل على قصور الرؤية، فجرى التركيز على تحدّي الحريات الاجتماعية في تنازل مهم للحركة السلفية، واحتوى على لغةٍ قد تؤسّس لدولة دينية، وفشل الدستور في إرساء أسس قانونية للعدالة الاجتماعية، أدى إلى توسيع الاحتجاجات الشعبية ضد الرئيس مرسي، وخروج الناس مجدّداً إلى ميدان التحرير. ولكن لا يمكن هنا الفصل بين "أخطاء الإخوان"، بسبب طبيعة الجماعة غير الثورية، وحملات التحريض المنظم من الإعلام المصري، ودول خليجية في مقدمتها الإمارات. وهذا لا يبرر الخلل الفكري والسياسي عند الإخوان المسلمين، فوصولهم إلى الحكم في مصر أخاف قطاعا واسعا من الشعوب العربية لأسباب موضوعية، وأخرى غير موضوعية، أي أنها استجابت للتحشيد الذي شنته الدولة العميقة في مصر ودول أخرى ضد الرئيس مرسي
شتان بين مفهوم الدولة المدنية التي تؤسس للمواطنة والعدالة الاجتماعية وانقلاب عسكري أدخل مصر في حقبة قتل وتعذيب
مصر وسورية من تجليات للثورة المضادّة
**
بلدان" الربيع العربي"
"لاداعي للإحتفال بالربيع العربي في ذكراه العاشرة" و" "الربيع العربي في ذكراه العاشرة "غضب متفجر وأحلام محطمة"، عنوانان أولهما لمجلة "الإيكونومست" البريطانية الرصينة، وثانيهما لصحيفة " الجارديان" البريطانية أيضا، وكلاهما يسعى لرصد الحالة في البلدان العربية، التي شهدت ماعرف بـ"ثورات الربيع العربي"
تقول الإيكونومست أن "الانتفاضات الشعبية أدت إلى الإطاحة بأربعة حكام عرب، في تونس ومصر وليبيا واليمن، وبدا لوهلة أن الديمقراطية وصلت أخيرا إلى العالم العربي.. لكن وبعد مرور عقد من الزمن فإن أحدا لا يحتفل بها".
تضيف المجلة"لم تثمر إلا تجربة واحدة عن نتائج مستمرة، في بلد محمد بوعزيزي، تونس، بينما فشلت بشكل بائس في مصر، وانتهت بانقلاب عسكري، أما في اليمن وليبيا والأسوأ في سوريا فقد انزلقت نحو حروب أهلية لا نهاية لها وتدخلات أجنبية".
الإيكونومست "باتت المنطقة أقل حرية مما كانت عليه قبل عام 2010، وربما أصبحت أكثر غضبا، وهزتها الحروب واللاجئون وكورونا". لكنها ورغم ذلك تمضي قائلة" يقول الناشطون العرب إن شعلة الربيع العربي لم تنطفئ بالكامل، وهم واثقون بقدرتهم على إحداث التغيير"
الجاردين
في سوريا لا يزال الأسد في السلطة، واتخذت كل من روسيا وإيران وتركيا حصصًا بارزة في الصراع الذي دمر منذ ذلك الحين جزءًا كبيرًا من سوريا.
أما مصر وكما تقول الصحيفة فقد عانت من اضطرابات شهدت نهاية حكم مبارك ، الذي استبدل بحكم قصير وكارثي للرئيس الإسلامي محمد مرسي، تلاه "انقلاب عسكري" للإطاحة بمرسي بقيادة عبد الفتاح السيسي، الذي أعاد فرض سلطة الهياكل الأمنية المصرية التي تخنق الكثير من الحياة المدنية.
حتمية للاستبداد، وسعيا وراء التغيير والعدالة
"العيش" و "العدالة الاجتماعية"، من أبرز الشعارات
فحققت الأقلية الغنية مصالحها، عبر المال والسلطة، مما زاد من الفجوة بين الإغنياء والفقراء في الوطن الواحد،
*
يبدو العالم العربي اليوم أكثر تعبا وتفكّكا وانهيارا مما كان عليه قبل عشر سنوات، عندما انطلقت موجات التغيير، إلا أن العالم بأجمعه اليوم تعب، وزادت جائحة كورونا من غوغائية السياسات الشعبوية، من الولايات المتحدة إلى البرازيل، في ظل نزعة متصاعدة من الثيوقراطية يغذّيها التضليل الإعلامي في وسائط التواصل الاجتماعي، كما في الإعلام التقليدي. باختصار، بات بالإمكان القول إن العالم لم يعد مختلفا كثيرا عن مشكلات المنطقة، وإن رقعة التباعد بين العالمين انكمشت، ليس بنشوء أنظمة ديموقراطية جديدة في عالمنا، بل بتراجع الديمقراطية في الغرب، والتشكيك بجدواها. ليس من المبالغة أيضا القول إن حراك الشارع العربي ألهم حركاتٍ مماثلة حديثا، من الحركة المؤيدة للديمقراطية في هونغ كونغ إلى الحراك المناهض للعنصرية ضد السود في الولايات المتحدة وتظاهرات الفيليبين ضد قانون مكافحة الإرهاب الجديد، وتقييده حرية التعبير. تنافست حركات الاحتجاج في العالم العربي في أشكال الابتكار ضد القمع، للسخرية منه، أو محاولة اختراق حواجزه في فضاء الإنترنت وخارجه، في تظاهرات متنوّعة يصعب إحصاؤها على كثرتها وفرادتها. تخطر في بالي أولا مبادرة مجموعة من نساء دمشق لاستخدام أكياس النفايات في رسم شعارات ضد الأسد في أولى أشهر ثورة سلمية نجح الأسد في تحويلها إلى حرب أهلية.
لم تسقط الأنظمة لكن جدار الخوف سقط، والأهم منه سقوط الهيبة التي استخدمها الطغاة لكسب مشروعية ما لحماية آلية القمع من أي محاولة مساءلة أو تهديد
ليس مفاجئا أن تكون كنية "بلحة" لا تزال تؤرّق عبد الفتاح السيسي في مصر، على الرغم من السجون الواسعة التي حشر فيها معارضيه. توفي الشاب شادي حبش، مخرج أغنية "بلحة"، في سجن طرة،
السخرية من السيسي ونظامه لا يزال متواصلا في أغنياتٍ يتداولها الناشطون
تواجه الناشطات النسويات السعوديات، منهن لجين الهذلول، عقوبات السجن بتهمة الإرهاب، لمطالبتهن بحقوق أساسية للنساء في المملكة. شهد العام الماضي تصاعدا كبيرا في حجم تقييد التعبير وأشكاله، إلا أنه جاء مصحوبا بقدرة متزايدة على الصمود للأصوات المعارضة التي يبدو أنها لن تصمت. لم تسقط الأنظمة،
مواطنة جديدة بين الفرد والنظام. مواطنة أكثر إيجابية وتشاركية لا تكتفي بالإنصات والخنوع. لم يسجل تغيير كبير في بنى السياسة التقليدية، إلا أن الربيع فتح الباب أمام نزعة تحرّرية تجاوزت السياسة التقليدية إلى تحدّي أكثر التابوهات حدّة. النساء تقدّمن حراك الشارع في معظم الدول التي شهدت تظاهرات احتجاج. الحركات النسوية استغلت الحراك، ليصبح مناسبة للمطالبة بحقوق أساسية، من الحق في منح الجنسية إلى الحق بالحياة في وجه عنفٍ غير مسبوق باسم "الشرف". أفراد تجرأوا على الحديث علنا عن تجاربهم، كمثليي الجنس، بعدما كان الأمر يمثل عارا اجتماعيا. تجاوز الأفراد، بتجاربهم الخاصة، ذواتهم.
الموجات المتجدّدة للربيع في الجزائر والسودان والعراق ولبنان
الانتقال من تعبير غاضب وخلاق إلى عمل منسق استراتيجي
***
الربيع الامريكي
"نحن شعب المملكة العربية السعودية، نطالب حكومة الولايات المتحدة الأمريكية السماح بحرية التعبير لشعبهم وضبط النفس مع المتظاهرين".
لى الجامعة العربية أن تطالب السلطات الأمريكية بضبط النفس وعدم استعمال القوة واحترام مطالب المحتجين المشروعة".
سبب الاختلاف بين تعامل قوات الأمن الأمريكية مع المتظاهرين "البيض" وتعاملهم مع مظاهرات "حياة السود مهمة".
ساخرا: "كيف نتأكد إنه 2021 أغرب من 2020؟ العرب تصالحوا والأمريكان دقوا ببعض".
الاحتجاجات اسم "أحداث السادس من يناير" ووصف الديمقراطية الأمريكية بعد ما حدث بأنها "من ورق".
*
نهاية اللعبة.. الجيش المصري و 2011
حكام المستبدين
انتفاضات شعبية ضخمة
الاستبداد كما في الحالة المصرية، أو الحرب الأهلية كما في اليمن وسوريا وليبيا، أو مسار ديمقراطي صعب كما في تونس.
المجلس العسكري ظل قوة مناهضة للثورة ملتزمة بالحفاظ على الوضع الراهن حتى الأيام الأخيرة من عهد مبارك". ويضيف "تشير مراجعة الأحداث.. إلى أن المجلس العسكري لم يكن محايدا في عام 2011، ناهيك عن تأييده للانتفاضة". باختصار، يجب أن نتذكر أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة كان بمثابة عصبة عسكرية مناهضة للثورة بشكل جوهري في عام 2011 وما بعده.
كما كان المجلس العسكري بشكل عام متورطا بالفساد في عهد مبارك لدرجة أنه لم يكن متحمسا لسقوطه؛ لكن عندما انهار حكم مبارك، ضحى به كبار الضباط لحماية النظام الذي ازدهروا فيه.
لماذا تخلى المجلس عن مبارك، وبدا كأنه اصطف مع الثورة في خندق واحد؟ هنا تساق 3 حجج رفض التوريث، وتدخلات الولايات المتحدة، بالإضافة إلى المخاوف من تماسك القوات المسلحة، فلأي هذه الحجج كانت الغلبة؟
جوهر مشروع التوريث هو الحفاظ على الوضع الراهن، الذي هو من مصلحة المجلس أيضا. ولا ينبغي لنا أن ننسى أن الجنرالات كانوا يكرهون الإخوان المسلمين، وكذلك الناشطين الليبراليين واليساريين أكثر بكثير مما كرهوا مبارك الأصغر. إن جمال أو أي شخصية مدنية موالية أخرى يمكن قبولها رئيسا، بشرط التمسك بالوضع الراهن.
المجلس العسكري هو موضع الفساد في القوات المسلحة، وهذا هو السبب في أن النخبة العسكرية تفضل أن يكون أحدهم رئيسا؛ لأن كبار الضباط يعرفون كيف يعمل نظام الامتيازات والمكافآت المالية. ومن الصعب تخيل جمال يتصرف باسم أي نوع من المصلحة الوطنية العليا لمنع الجنرالات من سرقة الدولة. ثانيا؛ كان جمال أحد المطلعين على النظام، بل يمكن القول إنه المطلع النهائي في عهد والده، وبالتالي كان على دراية تامة بأعماله الداخلية. وإن أهمية إبقاء الجنرالات هادئين لا يمكن أن تفلت منه، كما أن الزعم بأن المجلس الأعلى للقوات المسلحة كان أحد أعمدة الحماية، التي ابتعدت عنها الليبرالية الجديدة الجامحة لجمال مبارك، هي أسطورة لا تتوافق مع التحليل الدقيق للحقائق. وإن الحقيقة المؤكدة هي أن جمال والنخبة العسكرية كانا بعيدين كل البعد عن كونهما العدو الأيديولوجي لبعضهما البعض.
أراد كبار الضباط المصريين الحفاظ على السلام مع إسرائيل، إضافة إلى ذلك، لطالما اعتبر الجنرالات إيران وامتداداتها في لبنان (أي حزب الله) وغزة (أي حماس) عدوهم الرئيس، وكان جمال يمثل استمرارا لسياسة والده في هذا الصدد.
لا شيء يضمن أن رئاسة الإخوان أو غيرهم من قوى التغيير لن تفتح ملف فساد المجلس العسكري في عهد حسني مبارك، بينما كان من المؤكد أن جمال لن يفعل ذلك لأسباب واضحة.
تمتعت جماعة الإخوان المسلمين بدعم شعبي قوي، واستفادت من آلة حزبية شديدة الانضباط وذات دوافع أيديولوجية، وعلى هذا النحو؛ فإنها ستحتاج إلى الجنرالات أقل بكثير لدعم حكمها من مبارك الأصغر؛ لأنها تعتمد على قاعدتها الانتخابية، وربما تميل جماعة الإخوان -أو أي سياسي آخر منتخب ديمقراطيا في هذا الشأن- إلى تلبية التوقعات الشعبية للعدالة الاجتماعية من خلال إعادة التفكير في السياسات النيوليبرالية، التي خدمت مصالح كبار الضباط. في المقابل، فإن إعادة تشكيل الحكم الاستبدادي تحت حكم جمال ستكون أقل حساسية للضغط المجتمعي.
باختصار، أراد كبار الضباط مواصلة الازدهار وتجنب المغامرات الإقليمية، ولم يشعر المجلس العسكري بالحاجة -وقتها- إلى أن يكون في دائرة الضوء السياسي أو تأسيس حكم عسكري مباشر؛ خاصة أن التنافس على خلافة مبارك سيضع الطامحين للرئاسة، بمن فيهم الجنرالات، في مواجهة بعضهم البعض، بينما كانت رئاسة جمال ستحافظ على تماسك كبار الضباط.
أهمية المساعدة العسكرية الأميركية لمصر، فبينما ما تزال القوات المسلحة تتلقى 1.3 مليار دولار سنويا من الولايات المتحدة
موقف الولايات المتحدة
وأهمية أميركا لا تجعلها مطلقة القدرة في كل مكان وطوال الوقت، فهناك حدود لنفوذ حتى القوى العظمى،
"لدى واشنطن قدرة أقل بكثير على تشكيل الأحداث في مصر مما يعتقد عموما". ويسلط باحث آخر الضوء على حدود القوة الأميركية في الشرق الأوسط، ويكتب أن تأثير الولايات المتحدة على الأحداث خلال الانتفاضات العربية على وجه الخصوص كان "أقل بكثير مما يعتقده معظم الأميركيين أو العرب".
صحيح أن تأثير أميركا في القاهرة حقيقي؛ إلا أنه لا ينبغي المبالغة فيه، كما لا ينبغي المبالغة في أهمية المساعدة العسكرية الأميركية لمصر، فبينما ما تزال القوات المسلحة تتلقى 1.3 مليار دولار سنويا من الولايات المتحدة؛ إلا أن هذا المبلغ قد انخفض بالقيمة الحقيقية بنسبة 50%.
المساعدات الأميركية بلغت أكثر من 70% من ميزانية الجيش، ونحو 9% من ميزانية الدولة. وتبلغ الموازنة العسكرية في عهد عبد الفتاح السيسي اليوم نحو 4 مليارات دولار، بموازنة إجمالية للدولة بنحو 95 مليار دولار. وهذا يعني أن المساعدات العسكرية الأميركية قد انخفضت إلى حوالي 30% من الميزانية العسكرية الرسمية، و1.3% فقط من ميزانية الدولة. والأهم من ذلك، أن الجيش المصري يكسب سنويا مئات الملايين من الدولارات من إيرادات خارج الميزانية من إمبراطوريته التجارية الواسعة في القطاع المدني.
تماسك المؤسسة وطبيعة الاحتجاج
أطاح الضباط الكبار بمبارك من منصبه بعد أن توضح أمران: أولا، إن طرد المتظاهرين من ميدان التحرير يتطلب حمام دم، وثانيا، إن أمر القوات بإطلاق النار من شأنه أن يؤدي إلى تمرد في الرتب الدنيا، وبالتالي يعرض بقاء الجنرالات للخطر.
إن حماية تماسك القوات المسلحة كانت "في صميم" قرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإخراج مبارك من السلطة، بعد إعطائه "كل فرصة" لإنقاذ نظامه قبل سقوطه في نهاية المطاف، ففيلق الضباط سينقسم على طول خطوط الأجيال. يؤكد بو نصيف في كتابه أن امتناع "طنطاوي عن إطلاق النار على المتظاهرين ليس حماية للثورة؛ بل حفاظا على وحدة القوات المسلحة"، فلم تؤد سياسات مبارك مع الجيش إلا إلى ولاء الطبقة العليا من الضباط فقط، وقد طور الرئيس والجنرالات روابط قوية من المصالح المشتركة؛ لكن لم تكن هناك روابط كهذه بين مبارك والضباط الأصغر سنا.
منعت الطبيعة المتجانسة للمجتمع المصري مبارك من تصوير المتظاهرين على أسس طائفية "الآخر"، كما فعل بشار الأسد في سوريا، ولا يمكن لنظام مبارك أن يجادل بمصداقية بأن جماهير المصريين الذين خرجوا إلى الشوارع كانوا من أنصار الإخوان المسلمين أو المتعصبين الدينيين، حيث طالب عشرات الآلاف الذين نزلوا إلى الشوارع بلا عنف بتغيير النظام، وتم حشد فقراء المدن والنخبة المغتربة والإسلاميين والنشطاء النقابيين والليبراليين واليساريين على أسس عابرة للطبقات وعبر المناطق وغير حزبية. كانت القواسم المشتركة هي الدوافع، والتظلمات، وحجم الاحتجاج، كما أن الطبيعة السلمية للتعبئة الشعبية لا لبس فيها، ومن هنا جاء مأزق كبار القادة العسكريين.
الانتفاضات الشعبية بهذه السمات تبرز تناقضات المؤسسة -خاصة من جهة الانقسام الجيلي- وتحيد سياسات النظام لمنع الانقلابات، وعليه، لم يعد من المستغرب أن أولئك الذين ليس لديهم مصلحة خاصة في الوضع الراهن -اقتصاديا أو فكريا- لم يكونوا مستعدين لقتل أبناء وطنهم، خاصة أن مبارك لم يطور أي صلة تربط الجيش ككل بحكمه من خلال الالتزامات الأيديولوجية المشتركة، واعتمد أساسا على تعزيز مصالح النخبة العسكرية، وتحقيق التوازن مع الجيش بزيادة دور وزارة الداخلية.
*
ثورة الياسمين
19 سبتمبر/ أيلول 2019
توفي
كان بن علي قد لجأ إلى السعودية في 14 يناير/ كانون الثاني 2011 إثر ثورة استمرت شهراً، وأدت محاولات قمعها إلى مقتل 300 شخص.
وكانت محكمة تونسية قد أصدرت بحقه في 20 يونيو /حزيران 2011 حكما بالسجن ضده مدة 35 عاما بعد إدانته بتهم تتعلق بفساد مالي.
كما أصدرت المحكمة حكما مماثلا بحق زوجته ليلى الطرابلسي وغرمتهما معا نحو 65.6 مليون دولار أمريكي.
منذ ذلك الحين التزم بن علي الصمت ربما بسبب القيود التي فرضتها السلطات السعودية التي قالت عند استقباله إنه لن يسمح له بممارسة أي نشاط سياسي.
الثورة التونسية
تمكنت من الصمود، في وجه ماعرف بالثورات المضادة، التي تمكنت من إجهاض ثورات في عدة دول عربية مجاورة.
بجانب هذا الانجاز في مجال الحريات، فإن الوضع على الجانب الإقتصادي يبدو على العكس تماما، وكما يرى مراقبون، فإن السنوات العشر التي تلت الثورة التونسية، أنجزت الكثير في مجال الحريات والديمقراطية، لكنها حقفت فشلا ذريعا في المجال التنموي والاقتصادي.
تلبية طموحات الشعب التونسي، في جني ثمار الثورة اقتصاديا وتنمويا، عبر تخفيض مستويات البطالة والفقر.
تضحيات المتظاهرين
نزل الملايين من هؤلاء الشباب إلى شوارع المدن العربية للمطالبة بحقوقهم. قدموا الكثير من التضحيات، سواء خلال الموجة الأولى من الربيع العربي في دول مثل مصر وسوريا، أو في موجته الثانية في السنتين الأخيرتين في العراق والسودان والجزائر ولبنان. كانوا يعلمون أن الإنتفاضات والثورات لها ثمنها الذي يجب أن يدفعه كثيرون ممن يشاركون فيها. هناك من خسر أهله، أو خسر اصدقاءه، أو أصيب بإصابات جسدية لا يزال ألمها يذكره بيوم الإصابة، بعد أن مر عليه عقد من الزمان، وكأنه البارحة.
مصر- أحمد الشيخ
أحمد فقد عينه اثناء مشاركته في "جمعة الغضب" في يوم 28 يناير 2011
الانتهاكات التي كنا نراها على التلفزيون، والتي يتعرض لها المتظاهرون كانت نوعا من التحفيز لنا.
يوم 28 يناير 2011 هو تاريخ مهم جدًا لأحمد، فقد كان ذلك اليوم هو "جمعة الغضب" الذي تعرض فيه الكثير من المتظاهرين لعمليات عنف من قبل الشرطة، وتم قطع الإنترنت عن مصر. وهو أيضا اليوم الذي قدم أحمد فيه أكبر تضحياته، خسارة عينه.
يتذكر أحمد ما حدث ويقول: "كانت هذه أول مرة في حياتي أنزل في مظاهرة، وكنت أشعر أن كل الناس تنظر لي." عند محاولة توثيق ما يحدث مثل باقي المتظاهرين، إنعكست أشعة الشمس على شاشة موبايل أحمد وهو مختبئ وراء كشك هاتف عمومي. وعند تحريك رأسه، أطلق أحد رجال الشرطة الرصاص الحي نحو الكشك، ومن ثم تطايرت قطع صغيرة من الحديد وضربت زجاج نظارته التي كان يلبسها وانكسر الزجاج مصيبا عينه اليسرى. مكث أحمد في المستشفى قرابة الشهر. "شعرت بالألم عندما أستيقضت من التخدير وأنا أضع يدي على عيني وفجأة أنتبهت أنني لا أرى شيئا لأنهم كانوا مغمضين كلتا عيناي، وبعدها عرفت ما حدث".
خسارة أحمد لم تكن جسدية وحسب، فاتصال عادي للإطمئنان على صديقه الذي تعرض للضرب وأخذ كاميراته في بداية المظاهرات في مصر، انتهى بأن تفاجأ أحمد بخبر وفاته. "كان هذا احساس مختلف جدا وكسرني بشكل كبير وتولد لدي شعور أن أنزل حالا وأكون مع الناس".
"عيش، حرية، عدالة اجتماعية". ولا يندم أحمد على تضحيته رغم عدم تحقق مطالب الثورة الرئيسية وتراجع الحريات في مصر. ولكن أحد الأفكار التي تدور في باله هي الهجرة. "آن الأوان لكي أفعل شيئا لنفسي لأن بلدنا هذه لا تعطي أي شيء."
سوريا - أحمد سرحيل
إصابته في رجله وبترها. بدأت الثورة في سوريا بعد تخرجه من كلية الشريعة بثلاثة أشهر. "مع بداية الثورة في مصر وفي ليبيا كنا نغلي". كانت مطالب المتظاهرين السوريين تتعلق بالحريات والتعليم والخدمات. يروي أحمد القيود التي كانت تفرض على السوريين وعدم وجود أحزاب معارضة في سوريا ويقول "طموحي أني أقول الكلمة ولا أخاف منها". كان الخروج للشارع والتظاهر بطريقة سلمية هو أمل أحمد في التغيير. كان المتظاهرون مدركين حجم المعاناة التي سيعانونها، ولكن لم يتوقعوا أن يصل الأمر لاستخدام الرصاص الحي.
*
لابد ان تصل الثروات الي الشباب العربي بفرص متكافئة مساواة الي اللامساواة العالدلة
والتغير يبدأ بالجمهموريات الملكية في الخليج // لانها الداعمة لثورات المضادة
الاحتفاء بصفوت الشريف وعائلته: فرصة لمحاولة طمس ثورة يناير
تعليمات من المخابرات العامة - وهي الجهة التي كان الشريف ينتمي لها لفترة طويلة من حياته- لوسائل الإعلام المحلية المختلفة بالاحتفاء بالشريف وأسرته، وعدم إبراز ماضيه المليء بوقائع الفساد السياسي والمالي المثبتة بأحكام قضائية. كما تم تشييع جثمانه من مستشفى وادي النيل
على رأسها الشركة المتحدة للإنتاج الإعلامي، التي تعتبر الذراع الإعلامية والدعائية الرئيسية للنظام حالياً. كما تضمنت التعليمات التركيز على إنجازات الشريف في مجال الإعلام، ومنها إنشاء مدينة الإنتاج الإعلامي، وعدم نشر أي تفاصيل عن القضايا التي حوكم وسجن بسببها على مدار العقد الماضي.
الثورة المضادة والانقلاب على المكتسبات الديمقراطية التي تحققت بين عامي 2011 و2013، خاصة صحيفتي "اليوم السابع" و"الدستور" وبعض القنوات الفضائية، حيث كانا يُمثلان دائماً في معادلة ملكية تلك الوسائل من خلال شخصيات إعلامية معروفة بقربها منهما
*
كيف يمكن ان نقول لا طبقا للقانون والدستور وكل الابواب مغلقة امامه لا اعلام يعبر عنه ولا برلمان يوصل صوته
ولا قضاء يدعم ظهره
كيف يكون مواطن
*
ديمقراطية هشة في تونس
يتمتع التونسيون اليوم بالحرية الكافية لاختيار قادتهم وقد نظموا استحقاقات انتخابية متعددة ويستطيعون انتقاد حكومتهم علناً، لكن لم تتحقق بعد أحلام الانتفاضة رغم مرور عقد من الزمن ولا تزال مظاهر اللامساواة والبطالة وسوء الخدمات مستمرة.
يشكك الكثيرون بقدرة الحكومة على تأمين الخدمات للناس، فرغم وضع خطة لا مركزية طموحة لتحسين طريقة تأمين الخدمات وتقوية الحُكم المحلي، لم يتحقق الكثير على المدى القصير في هذا الملف، فزادت صعوبة إحراز تقدّم ملموس على مستوى تفويض السلطة أو توزيع الموارد بطريقة منصفة أو اتخاذ القرارات محلياً. تشكّل هذه النقاط محور الانقسامات في تونس ويشعر الناس بالاستياء من هذا الوضع.
يلوم الناس الأحزاب لأنها فشلت في معالجة مظاهر التهميش الاجتماعي والاقتصادي العميق، واللامساواة بين المناطق، وارتفاع نسبة البطالة، والفساد، وتصاعد الديون غداة تفشي فيروس "كوفيد19"، ومن المتوقع أن تصل نسبة البطالة إلى 20%، ولا يزال الاقتصاد على رأس أولويات الشعب التونسي الذي يعجز بشكلٍ متزايد عن إعالة نفسه. سجّلت تونس في 2020 أعلى عجز في ميزانيتها منذ 40 سنة بسبب زيادة نفقاتها بمعدل 4 مليارات دولار للتعامل مع الأزمة الصحية التي أنتجها فيروس كورونا، وكان متوقعاً أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي في تونس بنسبة 8% في 2020 بسبب الفيروس أيضاً. على صعيد آخر، لا تزال الأوساط السياسية منقسمة في عهد الرئيس قيس سعيد الذي يأتي من خارج المعترك السياسي ولا يرتبط بأي حزب أو أغلبية برلمانية لكن يضعف أداؤه بسبب التقاتل السياسي والانقسامات المستمرة، بما في ذلك احتدام خصومته مع راشد الغنوشي، زعيم "حركة النهضة".
تصاعد التوتر العام غداة انتشار ادعاءات حول الفساد وتسمية رئيس الوزراء هشام المشيشي وطريقة تشكيل الحكومة الجديدة، بالإضافة إلى الشرخ المتوسّع بين البرلمان والرئيس، وتشير زيادة شعبية شخصيات معادية للثورة، مثل رئيسة "الحزب الدستوري الحر" عبير موسى التي تدافع عن عودة حُكم الزعيم القوي، إلى نشوء شرخ وجودي كبير، مما ينذر بتغيير محتمل في أساليب التعاطي السياسي في تونس. أدت الانقسامات الحزبية وتوسّع الحملات الدعائية التي تروّج لشخصيات بطولية وهمية إلى كبح سياسة الصفقات التي سمحت للديمقراطية الناشئة في تونس بمتابعة مسارها. لا تزال الديمقراطية هشة في تونس وتلوح تحديات كثيرة في الأفق، ويجب أن يُخمِد رئيس الوزراء هشام المشيشي التوتر القائم بين الرئاسة والبرلمان، فقد بدأت الفوضى البرلمانية تتوسع تزامناً مع زيادة استياء المواطنين من الحكومة، واليوم، يظن 41% من التونسيين فقط أن الديمقراطية هي أفضل شكل محتمل من الحُكم في تونس. في المقابل، يظن 50% منهم أن أشكالاً أخرى من الحُكم قد تكون أفضل من الديمقراطية، لذا يواجه النموذج الجماعي المعارِض الذي تتبناه التشكيلات العلمانية والجماعات السياسية المبنية على القيم الإسلامية والقادرة على إنشاء مساحة مشتركة مشاكل جدّية، فمن دون معالجة هذا الشرخ، تجازف تونس بالسير نحو طريق اللاعودة للمرة الأولى منذ نشوء نظامها الديمقراطي قبل عشر سنوات.
*
لم يكن لما حدث علاقة بالحركات الاحتجاجية التي يكفل الحق في تنظيمها القانون والدستور. الاحتجاجات تُنظم في وضح النهار دون تورط في وقائع جنائية".
القبض على أكثر من 600 شخص بعد أربع ليال من الاحتجاجات العنيفة.
عاودت حشود، أغلبها من الشباب، التجمع في وسط العاصمة تونس الاثنين، وراحوا يرشقون قوات الشرطة بالحجارة والقنابل الحارقة.
ردت قوات الأمن باستخدام قنابل الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه.
تواجه تونس أزمة اقتصادية طاحنة، مع ارتفاع معدل البطالة بين الشباب إلى الثلث.
المزيد من الوظائف والفرص.
حثت منظمة العفو الدولية السلطات التونسية على التعامل مع المتظاهرين بأقصى درجات ضبط النفس، والحفاظ على حقوق المعتقلين.
بعد عشر سنوات من الثورة التونسية، التي أسقطت الرئيس زين العابدين بن علي، مازال الغضب يسيطر على كثير من التونسيين بسبب الارتفاع المستمر في معدل البطالة وتردي مستوى الخدمات العامة.
كما تعرض الاقتصاد التونسي لانكماش بواقع 9 في المئة في 2020 مع ارتفاع حاد في معدل التضخم.
وتلقت السياحة في تونس، وهو القطاع الذي يتمتع بأهمية كبيرة في اقتصاد البلاد، ضربة قاصمة في الفترة الأخيرة بسبب انتشار الوباء.
Jan 19, 2021*
اكتوبر/تشرين الأول 2014: حزب نداء تونس بقيادة الباجي القايد السبسي (توفي في يوليو/تموز 2019) يفوز في الانتخابات البرلمانية متقدما على حزب النهضة كما فاز السبسي في الانتخابات الرئاسية ضد منافسه منصف المرزوقي. ونداء تونس والنهضة يشكلان إئتلافا حكوميا بموجب ما يعرف وثيقة قرطاج.مارس/ آذار 2015: مسلحون متطرفون يقتحمون متحف باردو في العاصمة ويقتلون 21 شخصا أغلبهم من السياح الأجانب.
وفي يونيو/حزيران من نفس العام مسلح يهبط بمظلة على شاطىء سوسة ويقتل 38 شخصا كلهم تقريبا من السياح الأجانب.
أكتوبر/ تشرين الأول 2015: الرباعية التونسية تفوز بجائزة نوبل لدورها في انتقال البلاد من الحكم الشمولي إلى مرحلة الديمقراطية.
مايو/ أيار 2017: اندلاع مظاهرات ضد قانون المصالحة الاقتصادية الذي يمنح العفو لرموز حكم بن علي المتهمين بالفساد.
سبتمبر/ أيلول 2017 : الرئيس التونسي يلغي النصوص القانونية التي تمنع زواج التونسيات من الأجانب.
يناير/كانون الثاني 2018: اندلاع مظاهرات احتجاج ضد الأوضاع الاقتصادية والاجراءات التقشفية الحكومية.
مايو/أيار 2018: المرشحون المستقلون يفوزون بأغلب المقاعد في أول انتخابات بلدية تشهدها البلاد منذ عام 2011. ورئيس الوزراء يوسف الشاهد يتهم حافظ قايد السبسي، نجل الرئيس، بتدمير حزب نداء تونس.
17 يوليو/ تموز 2018: الخلافات تعصف بحزب نداء تونس والسبسي يطالب باستقالة رئيس الحكومة الذي ينتمي لنفس الحزب وحزب النهضة يتمسك بالشاهد.
نوفمبر/ تشرين الثاني 2018: الحكومة تقر قانون المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث.
وشهدت البلاد الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في اكتوبر 2019 وفاز فيها الأستاذ الجامعي قيس سعيد على رجل الأعمال نبيل القروي. كما جرت انتخابات برلمانية لم يحقق فيها أي حزب الأغلبية البرلمانية بينما حل حزب النهضة في المقدمة بحصوله على 54 مقعداً من أصل 217.
**
Jul 8, 2021
يجب على الأنظمة الحاكمة أن تعلم أن القمع لا يمكن أن يحل محل إدارة لا تستجيب لمطالب الجماهير، ويجب أن يستجيب الزعماء لاهتمامات ومخاوف الشعوب المشروعة ويقدموا لهم أملاً حقيقياً في التغيير، والمحتجون، وخاصة في لبنان والعراق، يتعين أن يشكلوا قيادة منسقة وبرنامجاً متماسكاً من المطالب وخطة للتطبيق.
يجب على الولايات المتحدة أن تركز على تقديم مساعدة في المستقبل لهذه الحكومات لتوفير فرص عمل وتطوير القطاع الخاص وتحسين التعليم والرعاية الصحية وتوصيل الخدمات الاجتماعية.
*
معظم الأنظمة العربية السلطوية والاستبدادية التي انفجرت الثورات للتخلّص منها، مرتبطة بالدول الاستعمارية السابقة (المتروبول) بحبل سرّي، إذ ما زالت تخضع لهيمنة ضمنية، وتبعية مضمرة أساسها تفاهمٌ يقايض الحفاظ على المصالح الاستعمارية بغطاء سياسي، يوفر لهذه الأنظمة شرعية دولية وضمانة بعدم كشف فشلها وفسادها وعدم العمل ضدها. ولأن الثورات على وشك إطاحة معادلات جيوسياسية أسّستها ورعتها الدول الاستعمارية،
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق