السبت، 12 يونيو 2021

اقتصاد الرغبة ********

May 22, 2019
May 22, 2021

المستهلك المضلل بأيديولوجيات مخادعة
الإسراف ُ في الأكل! الإسراف ّ في التبضـع! الإسراف ّ في تقـصي ُ الأخبـار! الإسراف ّ في الاتصـال بالإنترنـت!
أصبحنـا نـسرف في الاسـتهلاك إلى درجـة اسـتنفاد أنفسـنا في العـالم
منــذ آلاف الســنين عاشــت البشــرية تحــت
ُ وطـأة الندرة تخشـى الجوع والبـرد، وتعاني
ُ مـن الجهـل والحرمـان مـن كل نـوع. والآن،
ّ نحـن نعيـش فـي عصـر الوفـرة. كل ٍ شـيء
ُ متــاح وفــي المتنــاول.
لــم نعــد نخشــى
الحاجـة أكثـر مـن إغراقنـا بالمنتوجـات
 

هـذا هـو تحـدي القرن الحـادي والعشـرين
إنـه الجشـع والإفـراط ومجـاوزة الحد
ّ التــي تــؤدي بنــا إلــى الخســران الفــردي
ّ والجماعـي. لنتعلم كيف نقول لا للإغراءات
وللترغيــب الــذي يعــرض علينــا.
 وهـل مـن الممكـن أن
ّ نقـاوم؟ لكـي نعـرف الجـواب لا بـد مـن فهم

الكيفيـة التـي وصلنـا مـن خالهـا إلـى هـذا
ّ الوضـع، ولا بـد مـن تحليـل الجهـاز وآليـات
ّ الاسـتعباد. وهـذا، شـرط لازم لكـي يتحـرر
الذيـن مـا يزالـون راغبيـن فـي ذلـك.
مــن الاســتهلا ك المفــرط إلــى الاتصــال
ُ المفــرط.

ّ يمثـل القــرن العشــرون، بحــق، تاريــخ
الدخـول فـي مجتمـع الاسـتهلك المقتـرن
بالســيارة، والمذيــاع، والتلفــاز، والألبســة
الجاهـزة، والإشـهار، وقـروض الاسـتهاك.
ٍ وقـد تعاظمـت، منذئـذ، ظاهرة الاسـتهاك.
ّ أمــا القــرن الحــادي والعشــرون فقــد تميــز
بالاسـتهلك المفـرط، ومـا كان حكـرا علـى

الطبقــات الميســورة، أصبــح معممــا علــى
ّ الطبقـات المتوسـطة 
مع التسـوق الإلكتروني
دخلنــا مرحلــة جديــدة عنوانها: أمــازون -
Amazonولوبــن كــوان

بعــد مجتمــع الاســتهاك جاء «مجتمــع

ّ الاتصـال:» وهـو مـا يجسـده، فـي سـنوات
التســعينيات، الانتشــار الكاســح للمذيــاع،
ّ والمحطــات التليفزيونيــة، والفيديــو. وفــي
َأقـل ّ مـن جيـل انتقلنـا إلـى عصـر الاتصـال
ُ المفـرط. لـم يـدر بخلـد أي مـن البشـر هـذا
ّ الانتشـار المذهـل للنـت والهواتـف الذكيـة،
وشـبكات التواصـل الاجتماعـي (فيسـبوك،
وتويتــر، وانســتغرام،) والحجــم الهائــل
لجوجــل، وأمــازون، وفيســبوك، وآبــل
( )GAFAونظيراتهـا الصينيـة: بايـدو، وعلـي
بابـا، وتنسـانت، وكسـياومي ( .) ّ BATXفكل
هـذا انتشـر بسـرعة وبـاء كارثـي عـام

 
المســتخد م، الذيــن تحركهــم حاجياتهــم
ً ورغباتهـم ويخضعـون خضوعـا أعمى لمبدأ
ّ اللـذ ة العاجلـة. إنه منطق العرض والطلب،
ومنطــق المفتــرس والفريســة
 


لقــد ســعت نظريــات «الاقتصــاد الرغبــة،»

التــي ظهــرت إلــى الوجــود خــال ســنوات
الســتينيات، إلــى إدمــاج هــذا المنطــق
المـزدوج. وهـي تـروم تفسـير الرأسـمالية،
ِ ليـس مـن زاوية اسـتعباد العامل فحسـب،
ً ولكن، أيضا، من زاوية كونها غواية بالنسـبة
ُ للمستهلك، الذي لا يمكن للنظام الرأسمالي
أن يشــتغل مــن دونــه. توجــد اتجاهــات
ّ عديــدة ضمــن هــذه المقاربــة: الاتجــاه
الفرويــدي الماركســي (هيربيــرت ماركيــز
الاتجـاه الماركسـي السـبينوزي (فريديريـك
لـوردون)( ، ّ )2الاتجـاه الماركسـي الوينكوتـي
(بيرنارســتيغلر)( . ً )3وهــي جميعــا تتقاســم
ُ فكــرة المســتهلك المضلــل بأيديولوجيــات
مخادعة تسـعى إلى الاسـتحواذ على رغباته
ً خدمـة لمصلحتهـا ودون وعـي منـه

. ولكـن

ُ هــل يعتبــر المســتهلك، حقـا ً ، مخدوعــا
وعلـى غيـر وعي باسـتابه بالمقتنيات؟ هاته
ّ قضيــة تســتحق النقــاش 

مفهــوم الرأســمالية
الاســتعبادية  

.إن ّ المراهــق يبــدأ أول الأمــر فــي
ّ تحـدي الضوابـط الاجتماعية فيشـعل أول
ّ ســيجارة، فمــا يلبــث أن تعــاوده الرغبــة
فـي تكـرار التجربـة مـن جديـد، ومـا هـو إلا
ٍ وقـت وجيـز حتـى يقـع فـي الإدمـان. ومـع
ّ مـرور الوقـت تحـل ّ الحاجـة محـل ّ الرغبـة
ّ فيتحـو ل المخـدر عائقـا ُ يحتـاج المسـتهلك
ّ إلـى التخلـص منـه. ولكنـه سـيكون حينئـذ
ً واقعـا ّ فـي فـخ ّ الرغبـة.
 
 وهــذا مــا يحــدث، أيضــا، مــع الســكر،
ّ والدهون، والتسوق، والنقود، والتليفزيون،

ّ والهواتــف الذكيــة، إلــخ


نظريـة الاسـتلاب التـي تفتـرض أن

َ يكــون ُ المــرء ً ضحيــة ٍ لوهــم أيديولوجــي،

مسلســل الإدمــان


يقـوم علـى رغبـات وعـادات يوميـة عمليـة
يكــون فيهــا الوعــي بالأشــياء المقصــودة
بالاســتهلاك وعيــا تامـا (المكافــأة، الربــح،
ُ النجـاح، إلـخ،) ولكنهـا تصبـح غيـر متحكـم
ّ فيهـا بمجـرد ما تتجـذر في ماكينـة الرغبة،
ّ فأمــام رفــوف المحــلات التجاريــة، وأمــام
الشاشـات، والألعـاب الإلكترونية والهواتف
المحمولـة يكـون الفـرد علـى وعـي بإدمانـه
ّ عليهـا، ولكـن لا يسـتطيع التخلـص مـن كل
ّ ذلـك. «ولكي يتحر ر المسـتهلك من الإدمان
ً لا يكفـي، إذن، أن يكـون واعيـا، بـل ينبغـي،
ً كذلــك، أن يكــون قــادرا علــى تغييــر نظــام
ّ الرغبــات، وتغييــر إطــار حياتــه. «ونتيجــة
ّ لذلـك يحـس المسـتهل ً كأنـه أصبح سـجينا
للنظــام. ولــن تثمــر جهــوده إذا حــاول أن
يــدرك أنــه حبيــس دورة جحيميــة: شــغل،
اسـتهلك، تسـلية وضمنها لا يضبـط مطلقا
ً مسـاراتها، ويجـد صعوبـة فـي العثـور علـى
الوسـائل لانفـات مـن ربقتهـا

هل يمكن التحرّر من السيطرة؟

ّ كيـف نتحـرر مـن السـيطرة؟ هـذا الهاجـس
ّ الـذي يـؤر ق المدمنيـن أصبح يمثل انشـغالا
عامـا ّ 
إنــه مــن المســتبعد أن نتخلــص مــن قيــود
الرأســمالية الاســتعبادية اللهــم إ ّلا إذا
ً اخترنـا نظـام حيـاة بديـل كمـا هـو الحـال
َ بالنســبة لأنصــار الحـد الأدنــى للعيــش
minimalisme الذيـن أداروا ظهورهـم
للمجتمــع وقنعــوا بالكفــاف، وكمــا هــو
ً الحــال، أيضــا، لبعــض الزهــاد المنعزليــن
الذيـن يعيشـون بـا شاشـة. ولكـن مـا قيمة
هـذا التنظيـف من السـموم الرقميـة
الـذي لا يـدوم إلا بعـض حيـن
مـن الزمـن
ّ وفــي غيــاب القــدرة علــى «التحــرر» مــن
ّ السـيطرة، يبـدو أنـه مـن الممكـن التخفـف
مــن الوثــاق المحكــم لربــح هوامــش مــن
ّ الحر ّيــة. يمكــن إنجــاز ذلــك علــى ثاثــة
مســتويات: مســتوى الفــرد، ومســتوى
ّ الجماعــات المحليــة، والمســتوى العــام
الـذي يشـمل المجتمعـات. علـى المسـتوى
ّ الفـردي تعتبر الرغبة في مقاومة الإغراءات
مسـألة قديمـة طرحهـا الفلسـفة القدامـى
الرواقيــة والأبيقوريــةوطرحهــا بابــوات
ّ الكنيسـة، وأنصـار «إدارة الذات» التي جعل
منها «ميشـيل فوكـو »Michel Foucault
ً موضوعــا للدراســة
إن الإرادة وحدهــا لا تكفــي. هــي أمــر
ّ ضـروري، ولكنهـا غيـر كافيـة أمـام الضغـط
ّ الاجتماعــي، ومتطلبــات الجســد، وثقــل
ُ العادات المتأصلة. يمكن أن تمثل التقنيات
ّ الســيكولوجية للتحكــم فــي النفــس 
ّ وللتحكـم فـي عمليـات الشـراء الغرائـزي،
ُ يـدرك المسـتهلك ً كون أن الأداء نقـدا (عـوض
ُ البطاقــة الزرقــاء) يمكن مــن التحكــم فــي
المصاريــف، مثلمــا هــو الشــأن بالنســبة
ّ للتســوق فــي المحــات التجاريــة عــوض
ّ التســوق عبــر الإنترنــت
ّ وبالنظـر إلـى طبيعـة النفس البشـرية، فإنه
يمكــن اســتبدال هوايــة بأخــرى: ممارســة
الرياضــة بــدل التدخيــن، والقــراءة بــدل
التلفـزة، والعـزف علـى القيثارة بـدل ألعاب
الفيديـو، إلـخ
دور الجماعات المحلّيّة
ُ لنمــر إلــى المســتوى الأعلــى المتعلــق
بالجماعــات الضيقــة: (العائلــة، العمــل،
الصداقــة،) التــي ينتمــي إليهــا الفــرد. هــو
مجــال ثــان للعمــل والتأثيــر الــذي تلعــب
فيــه أســاليب الحيــاة، وأنمــاط العيــش
ً دورا ً كبيــرا. فــي وقــت ليــس بالبعيــد، كان
ُ الواحـد ِمنـا يخـرج سـيجارته، فـي حضـور
ّ النــاس، دون أي إحســاس بالحــرج، أمــا
اليـوم، وبسـبب الضغط الاجتماعي


دور المجتمع

لا يغيـب عـن علـم أحد أن جهـود الأفراد في
مجـال مقاومـة الاسـتهاك تبقـى محـدودة
ُ الأثـر أمـام القـوة المؤثـرة للتاريـخ المتمثلة
ّ فــي التطلعــات الجماعيــة، والأنظمــة
ّ الثقافيــة، والمنطــق الاقتصــادي، والفعــل
َ السياسـي علـى أعلـى مسـتوى



. مــن ذا

الـذي سـيعقلن اسـتعمال الشاشـات وقـد
ً أصبحـت جـزءا ّ لا يتجـزأ مـن نظـام حياتنـا
اليوميـة، وأسـلوبنا فـي التواصـل الاعتيـادي
ّ لــدى جيــل الرقميــات Digital native
ّ فالمتوســط الزمنــي الــذي نخصصــه لهــا
ُ لا ينــي يتضاعــف، وهــو مــا يخــدم مصالــح
ّ الشـركات الكبـرى التـي تسـخر، باسـتمرار،
ّ وســائل جبــارة لهــذا القصــد. فهــل يمكــن
وقــف مثــل هــذه الحركــة العميقــة؟
ّ إن التاريــخ الحديــث يشــهد، فــي مجــال
الاسـتهاك، أن التيـارات العميقـة يمكـن أن
ً تنقلـب رأسـا على عقب. ولعـل الإدمان على
ّ التدخيـن يمثـل خيـر شـاهد علـى الكيفيـة
التــي يمكــن مــن خالهــا الانفــات مــن
ٍ ربقـة السـيطرة. ففـي زمـن ليـس بالبعيـد،
ّ كان يبــدو أنــه مــن الصعــب التحكــم فــي
اسـتهاك السـيجارة، أمـام جبـروت القـوى
التــي تشــتغل لصالحــه: صناعــة التبــغ،
ّ ومصالــح الــدول (الضرائــب توفــر عائــدات
هائلــة مــن الأمــوال،) ورغبــة المســتهلكين
ُ المدمنين، وظهور مسـتهلكين جد ّ د، خاصة

فــي أوســاط النســاء وفــي الــدول الناميــة.
ّ وقـد توقفـت هـذه الحركـة، وشـهدت انقابا
ٍ منـذ وقـت قصير، 
يوجــد، اليــوم، غضــب عــارم تجــاه إدمــان
المجتمــع، وهــذا مــا تترجمــه الحــركات
ّ الثقافيــة المضــادة (حركــة ،Slowوحركــة
ّ التغذية الطبيعية ، َ Bio وحركة الحد الأدنى
ُ للعيــش، وحركــة التنميــة المســتدامة،
وحركــة بســاطة العيــش... إلــخ،)
وهــي لا
ُ تتخـذ فـي أوسـاط النـاس بعـدا ً أصوليـا، أو
ً أيديولوجيــا ّ ، وإن ُ مــا تمثـل، بــكل بســاطة،
ّ تطلاعـا ً إلـى صيغـة من العيـش أكثـر توازنا،
َ وأقـل ً ترفـا.
ّ إن ّ أي ّ جهــد للتخلــص النهائــي مــن نيــر
َ الاســتعباد والإدمــان ســيكون، بــا شـك،
ً معركــة عديمــة النتائــج. ولكــن مقاومــة
ٍ الاجتيـاح هـي في متناول أيدينـا. وهذا كاف
 


*

هوس "التسوق القهري".. عندما يصبح الشراء نوعا من الإدمان

التسوق بالنسبة لمعظم الناس، عبارة عن جولة متوازنة بين الإغواء والضرورة
جوني ديب أشهر مدمني التسوق
وفي سياق هوس التسوق، قدمت الصحيفة جوني ديب (وهو ممثل ومنتج سينمائي أميركي، يعرف بحبه لتأدية الأدوار الغريبة) مثالا لأشهر المدمنين على التسوق، حيث أنفق هذا الممثل -وفقا لمجلة "شالانج" الاقتصادية الفرنسية- مبلغ 480 مليون دولار خلال عشرين عاما.
اشترى جوني ديب -ولقبه جوني "ديبت" في إشارة لتراكم الديون عليه- مزرعة في كنتاكي، وخمس فلل في بيفرلي هيلز، وجزيرة مرجانية في جزر البهاما، و45 سيارة فاخرة، وسبعين قيثارة فاخرة، ومئتي لوحة فنية لفنانين معروفين، فضلا عن يخت ثمنه 18 مليون دولار، وتكلف صيانته ثلاثين ألف دولار شهريا، يضاف لها ثلاثمئة ألف دولار رواتب لثمانين موظفا يعملون على متن اليخت.
وهذا الإنفاق الذي قد يصيب القارئ بالدوار، وكان أكثر إزعاجا للفنان الذي أثقلته الديون وأصبح غير قادر على تحمل نفقاته ويعيش مطاردا بالدائنين، بحسب الصحيفة.
فإن مدمن التسوق لا يهتم إلا بالشراء بحد ذاته، وبلحظة الإثارة التي تسبق امتلاك الشيء، والراحة التي تلي ذلك.
وأوضح خزعل أن مناطق الدماغ المرتبطة بالعاطفة والمكافأة هي التي يتم تنشيطها وقت الأزمة، في حين تحاول القشرة المخية الأمامية ممارسة قدرتها على التحكم.
 "النساء يملن لشراء الملابس والأحذية والمكياج والمجوهرات والأدوات المنزلية. في حين يشتري الرجال الأقراص المدمجة والكتب والأدوات والمعدات الحاسوبية والكاميرات"، بحسب خزعل الذي يرى أن المشكلة تتجلى من خلال "عمليات شراء صغيرة، وليست باهظة الثمن، ولكنها متكررة بشكل دائم".
*

الدفع نقدا يسبب الندم أكثر من استخدام بطاقات الائتمان

النساء “يجمعن” خلال عملية التسوق بينما الرجال “يصطادون”.

30 في المئة من قرارات الشراء تأتي بناء على تفكير متأنٍ، في حين 70 في المئة من قرارات الشراء تأتي في المقابل بشكل تلقائي.

مركز الألم في الرأس البشري يكون أقوى تأثيرا عند الدفع النقدي مقابل الدفع عبر بطاقة ائتمانية”.

*

من الشراء المذعور إلى إدمان التسوق.. كيف غيّر الوباء أنماطنا الشرائية؟


هوية المستهلك المعاصر تتلخص في الصيغة الآتية: أنا موجود بقدر ما أملك وما أستهلك".

(إريك فروم، عالم نفس ألماني)


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق